Skip to main content

Full text of "pdf سلسلة كتب عالم المعرفة"

See other formats








الشعر 8١‏ فر يضيى 


© تراثا إنسانيا وعالميا 


تأليف 
د. أحمد عتمان 


سلسلة كتب ثقافية شهرية يسدرها المبلس الوطن؟ للثقافة والفنون والآداب الكوين 


عومد 


سلسلة كتب ثقافية شهرية يسدرها المبلس الوطفيٍ للثقافة والفنون والآداب الكوية 


صدرت السلسلة فى يناير 1978 بإشراف أحمد مشارى العدوانى 1923 1990 


77 
الشعر ام غريضي 


تراثا إنسائيا وعاميا 
تألشف 


د. أحمد عتمان 





] © 


َ 


ع 








صصبمسج 1 
المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


المنوع 


المقدمة 
اللتصال |التاوزل: 
هوميروس المبدع الأول 


القرالاة: 


الفصل الثالث: 
الشعر الغنائي 


الفصل الرابع: 
الشعر الاليجي والتعبير 


قصال اللقاامس.: 
الشعر الايامبي 


لقصل السادس: 
الاغاني الفردية 


الفصل السابع: 
الاغاني الجماعية 


التقصال اللناامن: 
الولادة الطبيعية للدراما 


الفصل التاسع: 
التراجيديا 


الا 


الكوميديا بين الميلاد السياسي 


77 


95؟ 


]03 


9 


| 7 


043 


|043 


30١ 





المقدمه 


إن أي أدب يمتلك شاعرا مثل هوميروس وحده 
أو سوفوكليس أو أريستوفانيس أو حتى كاتبا ناشرا 
مثل أفلاطون أو أرسطو أو قل خطيبا مثل 
ديموسثنيس أو مؤرخا مثل هيرودوتوس أو 
ثوكيديسء أي أدب يمتلك واحدا فقط مثل هؤلاء 
المؤلفين قمين بأن يصبح أدبا عالميا وإنسانيا خالدا . 
فما بالنا بالأدب الأغريقي الذي يضم بين مؤلفيه 
جميع هؤلاء الأدباء5 بل ماذا كان سيصبح الحال لو 
أن كل نتاج الأدب الأغريقي قد وصل إلينا كاملا 
فمما يبعث على الأسف حقا أن الغالبية العظمى 
من كتابات الأغريق الأدبية قد فقدتء؛ وما تبقى لنا 
منها لا يعدو أن يشكل نسبة ضئيلة للغاية. نضرب 
على ذلك مثلا بشعراء الثالوث التراجيدي الخالد 
أيسخولوس وسوفوكليس ويوريبيديس. فلقد عزى 
إليهم مجتمعين ما لا يقل عن ثلاثمائة مسرحية- 
وهذا ما سيتحقق منه القارئ نفسه في الباب الثاني- 
ولم يصل إلينا كاملا من هؤلاء الشعراء الثلاث 
سوى ما يزيد قليالا على الثلاثين مسرحية . وبعبارة 
أخرى فإن نسبة ما وصلنا إلى مجمل نتاج هؤلاء 
الشعراء الثلاث ليست سوى العشر تقريبا!. وإذا 
أضفنا إلى ذلك الأعداد الهائلة لأسماء شعراء 
تراجيديين آخرين سمعنا بهم ولم تصلنا منهم سوى 
شذرات متفرقة ولم يصلنا منهم شيء البتة لأمكننا 
القول بأن ما وصلنا من نتاج المسرح الإغريقي 
التراجيدي ككل لا يعدو الفتات المتبقي من مائدة 


الشعر الاغريقى 


كانت ضخمة وحافلة. 

وبغض النظر عن قيمة الأعمال الأدبية الإغريقية المفقودة-والتي قد 
تكون أفضل أو أسوأ مما وصلنا-فإننا أردنا التنويه إلى كثرتها مستهدفين 
بذلك تبيان حقيقة مهمة. ذلك أن تقييمنا للأدب الإغريقي ليس-ولا يمكن 
أن يكون-مكتملا لأنه يقوم على أساس ما نستطيع أن نفهمه من المؤلفات 
التي وصلت إلينا. 

وبعبارة أخرى نقول إن صورة الأدب الأغريقي بالنسبة لنا لا زالت 
غامضة في بعض النواحي ومجهولة في نواح أخرى. ونحن في كثير من 
الحالات مضطرون إلى اللجوٌ للتخمين بصدد هذه المسالة أو تلك. وضي 
أحيان كثيرة نعتمد في حديثنا عن هذا الأديب أو تلك الحقبة على معلومات 
غير مباشرة أي على ما قاله مؤلفون ونحاة لاحقون كانوا يمتلكون بعض 
المؤلفات التي فقدت بعد ذلك. 

نقطة أخرى نود أن يحيط القارئ بها علما قبل أن يشرع في تقليب 
صفحات هذا الكتاب وهي أن الأدب الأغريقي في مجمله أدب شفاهي 
مسموع لا أدب مكتوب مقرأ . وظل الحال هكذا حتى أواخر العصر الإغريقي 
عندما شرع الفقهاء والنحاة في تحقيقه وتدوينه. وهذه السمة السماعية 
أي الصوتية المميزة للأدب الأغريقي تمثل عقبة كثودا في سبيل استيعابنا 
الكامل لروائعه. ذلك أننا بالغدرى :ف عصرا الريك ار ا الأدب الإغريقي 
بدلا من أن نسمعه يلقى علينا أو ينشد أو يغنى بمصاحبة الموسيقى (في 
حالة الشعر). وهب أننا سنستمع لهذا الأدب ولن نقرأه فكيف سيتم ذلك؟ 
لا يستطيع المحدثون مهما أتقنوا اللغة الإغريقية أن يتفهموها فهما كاملا 
يصل بهم إلى حد تذوق الجانب الصوتي في الأدب الإغريقي. والأدهى من 
ذلك أن معظمنا يقرأ الأدب الإغريقي مترجما ومن المعروف أن الرجمة في 
غالب الأحيان تفسد النصوص_لا سيما إذا كانت شعرا-ومن المؤكد أنها لن 
تنقل إلينا الجانب الصوتي في اللغة الأدبية الإغريقية نثرا كانت أم شعرا. 

ولقد اقتطف العلامة الآشهر كيتو(11.2.1:1610) مقولة لمؤرخ الفلسفة 
الإغريقية جثري (©::17/.16.0.0) فحواها «أن الإغريق ما زالوا بالنسبة لنا 
في كثير من النواحي شعبا أجنبيا لا نعرف عنه الكثير»7". وكتب السيرس. 


(*) 110-111.ط2 ,كتوعلمم ,مك1 





المقدمه 


م باورا (0.81.80:8)-وهو أحد مشاهير علماء الكلاسيكيات في إنجلترا- 
كتابا عن الأدب الإغريقي نشر عام 1966 وجاء في مقدمته «يحتاج كتاب عن 
الآدب الإغريقي وتاريخه بالمعنى السليم | للكلمة إلى فريق عمل كبير من 
العلماء وينبغي أن يتكون مثل هذا الكتاب من عدة مجلدات» ثم يضيف قوله 
«ومثل هذا الكتاب لا وجود له في اللغة الإنجليزية»!". 

ولست أدرى ماذا يمكن أن نقول نحن العرب بالنسبة لما تمتلكه مكتبتنا 
عن الأدب الإغريقي؟ فإذا كان الأوروبيون بعد عدة قرون من حركة إحياء 
التراث الكلاسيكي إبان عصر النهضة وحتى القرن العشرين يقولون إنه 
ليس لديهم بعد الكتاب الوافي الذي يغطي الأدب الإغريقي تغطية شاملة 
فإننا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن كل ما لدينا بالمكتبة العربية عن الأدب 
الإغريقي لا يعدو أن يكون مجرد قشور طفيفة. وكل الجهود المبذولة من 
أيام طه حسين وحتى الآن تعد بمثابة جولات استطلاعية عامة وغير منظمة. 
أنها جهود تعريفية تهدف إلى استكشاف المجهول. وبكل صراحة يمكن 
القول إننا لم نصل بعد إلى مرحلة الغوص في باطن الأدب الإغريقي 
واستخراج جواهره ولآلثه. 

ولا يزعم الكتاب الذي نقدم له أنه قادر على رحلة الغوص هذه. إذ لا بد 
قبل ذلك من أن تتوفر للقارئ العربي خريطة عامة-ومفصلة بعض الشيء- 
لمراحل تطور الأدب الإغريقي وأهم فنونه واتجاهاته. فالقارئ الذي ليست 
لديه مثل هذه الخريطة غير قادر على التصور الشمولي أو الرؤية العامة 
وذلك أمر ضروري ومبدئي لمن يريد أن يذهب إلى ما وراء مجرد الإلمام 
العام والمسطح. الرؤية الشمولية العامة-بعبارة أخرى-هي الني تمهد الطريق 
للدراسات التخصصية الدقيقة في هذه الجزئية أو تلك. ويأخذ الكتاب 
الذي بين أيدينا هذه المهمة التمهيدية على عاتقه. فهو إلى حد كبير يتبع 
المنهج التاريخي للدراسة الأدبية وان كانت تنقصه بعض التفاصيل المتعلقة 
بالتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي عبر عصور الحضارة الإغريقية, 
والتي تمثل الخلفية العامة لتطور الأدب الإغريقي نفسه. وفي الواقع اقتصد 
الكتاب في تناول هذه الخلفية إلى أقصى حد بسبب ضيق المجال وليس 
لأي سبب آخر. بل إننا نؤّمن بأهمية المنهج التاريخي لفهم الأدب. فلا يمكن 


ا 





الشعر الاغريقى 


على سبيل المثال أن نفهم المسرح الإغريقي دون أن نبدأ بالخلفية الطبيعية 
والجغرافية أو دون أن نلقى نظرة فاحصة على أصول هذا الفن الدينية 
والاجتماعية والاقتصادية وكذا الظروف السياسية. لا بد من دراسة أنماط 
العلاقات الاجتماعية بين الأقارب داخل الأسرة الواحدة وخارجها؛ ولا مفر 
من دراسة وضع المرأة في البيت وفي المجتمع ككلء. ومن الضروري أن 
نتعرف على مفاهيم الصداقة والحب وكذا طبيعة العلاقة بين الناس والآلهة 
في ضو الشعائر والطقوس الدينية والمعتقدات الفكرية. هذه كلها أمور لا 
غنى عنها لمن يشرع في دراسة المسرح الإغريقي على سبيل المثال فبدونها 
لا يمكن تفهم القضايا الإنسانية المطروحة في هذا المسرح. 

ومع ذلك فقد فضلنا ألا نستغرق في تفاصيل الخلفية التاريخية للأدب 
الأغريقي ورأينا ضرورة تسليط الضوء على الجوانب الفنية في مؤلفات 
هذا الأدب محاولين أن نتعرف على طبيعة ووظيفة كل فن من فنونه. 
وساعدنا في تحقيق ذلك عاملان رئيسيان أولهما أن الأدب الإغريقي قد 
تطور فنيا من مرحلة إلى أخرى على نحو طبيعي للفاية. حتى أن بعض 
النقاد شبهوه بالإنسان الذي تقابل طفولته الشعر الملحمي حيث لا يتحدث 
الأطفال في العادة إلا عن أمجاد الأباء والأجداد. أما الشعر التعليمي 
فيمثل مرحلة الصبا أي مرحلة تلقى العلوم والدروس. ويأتي الشعر الغنائي 
تعبيرا عن مرحلة الشباب بكل ما فيها من اهتمام بالذات وتأجج في العواطف 
والأهواء. وبعد ذلك تصل الدراما فقتقطف ثمار هذه المراحل الثلاث جميعا 
وتعبر بالآدب الإغريقي إلى مرحلة الرجولة الناضجة. وفي غضون ذلك 
ينمو النثر الأدبي رمز الحكمة والتعقل أي سن الكهولة. ثم تبدأ أعراض 
الشيخوخة في الزحف على آداب العصر الهيللينستي وتتوطن أمراضها في 
الأمتعتدرزة. رش سبع الشيكيعة فطيمك ملكة الابد! #وياوات الكاس ذكريات 
الماضي. وسواء قبلنا تشبيه الأدب الإغريقي وتطوره بمراحل حياة الإنسان 
أو رفضناه فإنه من الواضح أن هذا الأدب قد اتخذ مسارا تطوريا طبيعيا 
دون أن يقفز فجأة من عصر إلى آخر ودون أن تحدث به فجوات غير 
مفهومة أو طفرات غير مبررة. أما العامل؛ الثاني الذي ساعدنا على دراسة 
الجانب الفني للأدب الإغريقي في ثنايا تناولنا التاريخي له فيتمثل في أن 
هذا الأدب يتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع مشاكل الإنسان في كل 


المقدمه 


زمان ومكان أي المشكل الجوهرية المتعلقة بالوجود الإنساني نفسه ومن ثم 
فإن تذوقه أمر ميسور أما التجاوب معه فنتيجة مضمونة. يعالج الآدب 
الإغريقي موقع الإنسان في هذا الكون وعلاقته بالأشياء والأحياء من حوله 
وموقفه من الآلهة. وتحلل مؤلفات الأدب الإغريقي أقوال وأفعال الإنسان 
وتعلل نجاحه أو فشله في هذه أو تلك. وهكذا أعطى الإغريق لأدبهم. 
أهمية خاصة وجدية ذات مستوى رفيع ونادر فكسبوا له الخلود والعالمية. 
فالأدب عندهم وسيلة لفهم الحياة الإنسانية دون أن يكون مجرد نقد لهذه 
الحياة. ذلك أن النقد غالبا ما يقف عند مجرد إصدار حكم. حيادي يصل 
المرء إليه كنتيجة للمراقبة عن بعد أو لاتخاذ قرار فوقي. وبخلاف ذلك 
ينزل الآذب الإشريقى إلى أضماق الحياة الإتسائية ذاتها طيغوص في تحقائقها 
ويهدف بذلك إلى تسليط الضوء على ماهية وقيمة الإنسان: لماذا يتصرف 
على هذا النحو أو ذاك5. ولهذا السبب نلاحظ أن معظم الأدب الإغريقي 
لا يركز على الآلهة كآلهة ولا على البشر وحدهم بل يمزج ما بين هذين 
العالمين لأنه يعتبرهماء طرفين شريكين وعلى قدم المساواة في صنع عالم 
واحد ووجود واحد فريد من نوعه لم تعرف الآداب القديمة له مثيلا من 
قبل. فالكاتب الإغريقي يقف بقدميه مزروعتين في تربة الآرض محملقا 
فى السماء لآن هذه التربة هى ملتقى البشر والآلهة على حد سواء. وعندما 
باق حكياله رت أحواء القعبام جابهاشى حال النفاقيريها والأياطير 
معايشا للأفلاك والآلهة تظل قدماه مغروستين في التربة لسبب بسيط 
جدا وهو عدم وجود حاجز فولاذي يعوق اتحاد الأرض بالسماء في العقلية 
الإغريقية. وهذا ما نلمسه في الأدب الإغريقي منذ بدايته أي في حال 
هوميروس وحتى آخر مراحله مع تفاوت في الدرجات. 

وقبل أن ننتهي من سطور هذه المقدمة الموجزة نود الإشارة على عجل 
إلى أن الأسطورة تمثل أب. موضوعات الإبداع الأدبي-شعرا ونثرا-عند 
الإغريق. ومن ثم كان الإلمام بالأساطير أمرا ضروريا وحيويا بالنسبة لأي 
مؤلف مهما كان النوع الأدبي الذي يمارس الكتابة فيه ملحمة أو قصيدة 
تعليمية؛ أغنية أو مسرحية. خطبة أو مقالا فلسفيا. وبالنسبة لنا فإن ذلك 
يعني أمرا مهما للغاية أي أنه لما كانت الأسطورة ذات أصول شعبية قديمة 
بحيث لا تعرف أحيانا بدايتها-وهذا ما تتفق فيه جميع الشعوب-فإن تعامل 


الشعر الاغريقى 


الشعراء الإغريق مع مثل هذه الأسطورة يعد مثلا ميكرا ودرسا مفيدا في 
كيفية التعامل مع التراث وإعادة صياغته للتعبير عن الحاضر. ويصدق 
هذا على هوميروس نفسه الذي يمثل الصفحة الأولى في كتاب الآأدب 
الإغريقي لأنه دون شك قد ورث الأساطير التي يتعامل معها عن أجيال 
سايقة من الشعراء المتجولين الذين ريما كانوا قد أخذوها عن الشرق 
من فنون الأدب الإغريقي نحاول دائما أن نمسك بالخيط من أوله ثم نتابعه 
إلى الثيانة الفرى اذا بطر بعليعسين حول وقد لجدوب لاس لقي الضيوه فلي 
علاقة الجديد المستحدث بأصوله القديمة الموروثة لكي يتسنى لنا تفهم 
ديناميكية التطور الأدبي في بلاد الإغريق. 

ويعد فلعل هذا الكتاب-حصيلة جهدنا المتواضع-قد وضع لنفسه آمالا 
وأحلاما تفوق قدراته. فقد يكون من العسير تحقيق الكثير مما يتطلع إليه. 
وعلى أية حال يكفيه طموحا أنه يرصد مثل هذه الأهداف ويرسخ الطريق 
إلرها ميترك حيية تسقيقيا على لسن متعامل لأخيال الخرى قادمقباذن 
الله-من الكتب والدارسين الأكثر عمقا وتخصصا والأوفر تفصيلا وتدقيقا. 
كل ما نرجوه من كتابنا هذا أن يكون قادرا على تمهيد الأرض لزرع:؛ المستقبل 
الواعد فى دنيا الثقافة الكلاسيكية بالعالم العربى. 

والله ولي التوفيق... 

أحمد عتمان 


١1/7 


الباب الول 
طببعة ووظيذة الشير 
الاغريقي الملحمي والتعليمي 


«دعنا نيداً في أغنية ربات 
الفنون ساكنات الهيليكون 
اللائي يملكن جبل الهيليكون 
العظيم والمقدس» ويرقصن 
بأقدامهن الناعمة حول 
النبج القرمزي وحول مذبح 
زيوس القدير. فبعد أن 
اغتسلن في مياه بيرميسوس 
أو نبع هيبوس.ء أو أوليمبوس 
المقدس قمن برقصات 
ساحرة ورشيقة فوق قمة 
الهيليكون. ثم انسابت 
خطاهن وعلى الأقدام 
انتقلن من ذلك المكان ليلا 
يلفهن هواء كثير وسرن 
الواحدة تلو الأخرى وهن 
يغنين بصوتهن الرخيم 
ويبتهلن إلى زيوس لابس 
الدرع أيجيس وهيرا مليكة 
السماء والأرض». 
هيسيودوس 


هو ميروس: المسدع ثم الول 


١-المصادر‏ الشرقية والمشكلة الهو مر يسة: 

لا تشغل الدراسات الهومرية المهتمين بالشعر 
الملحمي فحسب بل تهم أيضا كل من له علاقة 
بدراسة الآداب قديمها وحديثها. فهوميروس هو 
ينبوع الأدب الإغريقي الذي انبثق جارفا من قمة 
شاهقة فسالت منه الأنهار هنا وهناك ونهل منه 
كل من جاء بعده في الأدب الإغريقي والروماني ثم 
الأوربي والعالمي. صارت أشعار هوميررس بمثابة 
كتابات مقدسة توجز جوهر المعرفة الإنسانية 
وتجسد التفوق البشري. يقول أفلاطون إن من 
تتسنى له فرصة فهم هوميروس يهيمن على أساليب 
الفنون جميعا هيمنة تامة!"". ويعتبر هيراكليتوس 
أشعاره منبعا لا ينضب معينه من الورع الديني 
والحكمة الفلسفية. ولم يقتصر تأثير هوميروس 
على الشعر بل امتد إلى قنون النثر لأن الناشرين 
تعلموا منه كيف يسردون قصة طويلة في أسلوب 
أدبي شيقء؛ حتى أنه يمكن اعتبار تاريخ هيرودوتوس 
وكانه ملحمة نثرية. وهكذا صار هوميروس بمرور 
الزمن في نظر معجبيه من الإغريق والرومان 
الشاعر الذي لا يخطن إذ لا بد دائما من البحث 
عن المعنى الخفي الذي لا نعلمه أو نستوعبه ولا 


الشعر الاغريقى 


مناص في النهاية من أن يكون هو الصائب ونحن المخطئون. وفي العصور 
الوسطى أصبح هوميروس (وفرجيليوس) منبعا لكل فتوى ومصدرا لكل 
حكمة ودرسا في كل فن فلا مفر من إيجاد سند قوي من أشجاره إذا أراد 
أي إنسان أن يثبت حجته أو يدس رأيه في أية مسألة مطروحة علمية كانت 
أم فلسفية دنيوية امام لاهوتيه. 1 
وعز على جميع الأدباء والشعراء أن يرقوا إلى مستواه فقدسوه وتعذر 
على النقاد والباحثين أن يؤمنوا بوجوده فأنكروه وقالوا إنه أسطورة من 
الأساطير. وهكذا نشأت أعوص مشكل التاريخ الأدبي أي المشكلة الهومرية. 
لقد أثار ظهور هوميروس_ أ عظم الشعراء طرأ-في بداية تاريخ الأدب 
الإغريقي هذه المشكلة. فأصر بعض العلماء والفقهاء على أن هذا الشاعر 
لم يوجد على ظهر الأرض قط وأن اسمه هوميروس 06805آ1-ويعني إما 
«الرهينة» أو «الأعمى» أو حرفيا «الذي لا يبصر» (0:00ط عم 0)-منحوت 
أبدعه الخيال الأسطوري. وذهب البعض إلى القول بأنه كان هناك عدة 
شعراء-لا شاعر واحد-بهذا الاسم. ثم خفف هؤلاء من غلوائهم وقالوا إنه 
كان هناك على الأقل شاعران بهذا الاسم أحدهما نظم «الإلياذة» والآخر 
هو مؤلف «الأوديسيا». وجدير بالذكر أن جذور المشكلة الهومرية تبدأ من 
العصر السكندري عندما بذرت بذور الشك في نسبة الملحمتين إلى 
هوميروس حيث رفضت جماعة «الفاصلين» (غ امعان أن يكونا لشاعر 
واحد . وقال بعضهم إن «الإلياذة» من نظم هوميروس الشاب المتحمس أما 
«الأوديسيا» فهي من نتاج سنوات عمره الأخيرة أي فترة النضج والتعقل. 
يقول أحد النقاد الإغريق القدامى «ومن ثم» فيمكن للمرء أن يشبه هوميروس 
فى الأوديسيا بالشمس ساعة الغروب»90. 
وقبل أن خرك إشارها هذه السريفة إن الشغلة البومرية الايقوها 
التنويه إلى أن أول من أعطاها الطابع الآكاديمي المثمر هو العلامة الألماني 
الأشهر ف.أ. فولف يكتابه «مدخل إلى هوميروس» (20 08عصرمععاممط 
تسنعمه1]) المنشور عام 1795 م. وبلغ من قوة تأثير أبحاث فولف أن كل من 
أتى بعده من العلماء الرافضين لوجود هوميروس اعتبر فولفيا أي من أتباع 
نظريه فولف. وتتلخص هذه النظرية في القول بأن ملاحم هوميروس لم 
تدون في عصر نشأتها الذي لم يعرف فن تدوين الآدب. كما أنها لا يمكن 


106 


هوميروس: المبدع الأول 


أن تحفظ عن ظهر قلب ويتناقلها الناس شفاهة عبر الأجيال المتتالية لآنها 
تبلغ من الطول ما يعجز أي عقل بشري عن حفظه. وعلى أية حال فلقد 
لعب فرسان المشكلة الهومرية دورا مهما في تطوير الدراسات الكلاسيكية. 
لقد حققوا نتائج هائلة لأن أبحاثهم كانت مخلصة وجادة وهي التي اجتذبت 
الكثير من الأقلام للكتابة عن هوميروس وهي التي لفتت الأنظار إلى كثير 
من الجوانب والتفاصيل التي كانت مهملة من قبل ونعني بعض النواحي 
الآدبية والنحوية والعروضية وكذا الجانب التاريخي وعلاقة هوميروس 
بالآثاروما إلى ذلك. فأقطاب المشكلة الهومرية هم الذين وضعوا الدراسات 
الهومرية بخاصة والدراسات الكلاسيكية بعامة على الطريق السليمة. منهم 
فهمنا كيف كان الشعر الملحمي يؤلف وينشد أي ينشر على الناس. فليس 
الأمر متعلقا بشاعر أعمى ملهم أوحى إليه منذ الصبا أن يتغنى بالأشعار 
البطولية ولكنه على الأرجح رجل مثقف يعمل في مثابرة وعناية ملموستين؛ 
يدرس ويهضم ويتمثل ما سبقه من تراث شفوي متناقل ثم يعيد افرزه في 
شكل جديد مبتكر. وأصيل. وإلى مفجري المشكلة الهومرية ندين بمعرفة 
حقيقة أن نصوص هوميروس ل | تكن نهائية قط بل أدخلت عليها التعديلات 
وأقحمء عليها الكثير من الأبيات من حين إلى حين بل وربما تبدلت لغتها 
ذاتها كلما تقادمت وبدت عتيقة مغلقة لا تفهم أو مبتذلة لا تمتع. ومن ث أ 
فإن هوميروس هو ما نملك من أشعار بصفة عامة أما إذا دققنا في التفاصيل 
والجزئيات فلربما نخرج بشيء آخر. 

وجدير بالذكر في هذا المقام أن رائد الرومانسية المثالية في ألمانيا أي 
الشاعر شيللر كان معارضا قويا للنظرية الفولفية بيد أنه لم يكن يتقن اللغة 
الإغريقية إتقانا يتيح له قراءة نصوص هوميروس. أما جوته فيلسوف 
ألمانيا الأشهر فقد كان فولفيا متحمسا أثناء تأليفه «هيرمان ودوروثيا» بل 
ذهب إلى ما وراء الفولفية ذاتها في بعض الأحيان. فإذا كان قولف يعتقد 
بوجود هوميروس ويؤرخ له بالقرن العاشر” ويسد إليه بعض الأشعار 
الرئيسية في صلب «الإلياذة» و«الآوديسيا». فإن جوته آمن بأن عددا من 
أتباع أو «أبناء هوييروس» (101هد:10]) هم الذين قاموا بتأليف الملحمتين 
(*) تعود كل التواريخ المذكورة في هذا الكتاب إلى ما قبل الميلاد وفي المرات القليلة التي سنشير 
فيها إلى السنوات الميلادية سنتبعها بالحرف م. 





الشعر الاغريقى 


تأليفا جماعيا. بيد أن جوته عاد ليعدل في آرائه فيما بعد وأثناء تأليف 
«قصة أخيلليوس» وأصبح أكثر ميلا للاعتقاد بوجود وحدة تأليفية في 
الملاحم الهومرية. أما الناقد الألماني الكبير شليجل فقد شايع فولف بلا 
أدنى تحفظ. ولا يتسع المجال لتتبع سائر مواقف الأدباء والمفكرين الألمان 
والأوروبيين من المشكلة الهومرية. ومن حسن الحظ أن الدارسين المتخصصين 
والباحثين الجادين يميلون الآن إلى أن ينكبوا على نصوص هوميروس نفسها 
فحصا ودرساء تمحيصا وتدقيقا في هذه الزاوية أو تلك النقطة دون أن 
يهدروا مزيدا من الوقت حول التساؤل ما إذا كان هوميروس حقيقة وافعة 
أم محض خيال. ونحن إذ نحبذ هذا الاتجاه وندعو إلى عدم نشر الرماد 
مرة أخرى فى هذه المشكلة الشائكة نشيد بالثمار النافعة التى جنتها 
الدراسات الأدية من أبحاث أقطابها. 1 

ونحن نرى أن الدراسات الهومرية قد أغفلت جانيا مهما ريما يلعب 
دورا جوهريا في حل المشكلة الهومرية أو حتى فك بعض طلاسمها . ونعني 
المصادر الشرقية لملاحم هوميروس. وبالطبع فإن مثل هذا الموضوع يحتاج 
إلى مجلدات ضخمة ولا يتسع كتابنا هذا للخوض في غمار تفاصيله 
وسنكتفي هنا بلمس أهم الجوانب. وبادئّ ذي بدء نرى لزاما علينا توضيح 
أن فن الأدب من اختراع الإغريق كما يظن الكثيرون. فقبل أن يظهر الإغريق 
(أي الهيللينيون) في شمال البحر الإيجي كان هذا الفن قد قطع أشواطا 
من التطور والنضج في بلاد سومر وآكاد ومصر. وفي منتصف الألف 
الثانية عندما استقر الإغريق حول البحر الإيجي وبدءوا يظهرون قدراتهم 
أم الحضارية واتصلوا بالحضارة المينوية في كريت كانت حضارات آسيا 
الصغرى-مثل الحضارة الحيثية بالآناضول والحضارة السامية في أوجاريت 
أي رأس شاعرا في شمال سوريا-قد عرفت الفن الآدبي ومارسته بدرجة 
عالية من الوعي والوضوح وبلغت به مستوى رفيعا من الإتقان والنضج. 
ومن هذه الحضارات جميعا تعلم الإغريق بطريق مباشر أو غير مباشر 
بعض الدروس الآولية في مضمار المدنية والتحضر. أخذوا عنهم بعض 
الحكايات الشعبية عن الآلهة أو الأبطال ونقلوا عنهم بعض الأفكار عن 
النظام الكوني واللاهوتي وكذا بعض التراتيل والأناشيد التي تمجد الآلهة 
أو أشباه الآلهة من البشر الأحياء والموتى. يقول بعض علماء الأساطير أنه 


هوميروس: المبدع الأول 


قد أصبح من المسلم به أن الإغريق قد أخذوا عن الشرق فكرة تتابع حكام 
السماء أي التسلسل في أنساب الآلهة وهي الفكرة التي نجدها في أشعار 
هوميروس وإن لم تتبلور إلا في قصيدة «أنساب الآلهة» لهيسيودوس كما 
سنرى في الفصل التالي من كتابنا هذا. إلى الشرق أيضا تعود تسمية 
هوميروس للمحيط (ووصةء01) أنه أصل كل الأشياء وهي التي أصبحت 
فيما بعد أساسا للفكرة الفلسفية التي صاغها ثاليس (طاليس) في نظريته 
القائلة بأن الماء هو الأصل الثابت والأزلي في هذا الكون/ ولريما تعلم 
الإغريق من أهل الشرق كذلك أن هناك ما نسميه فن الكتابة الأدبية أي فن 
التأليف الذي يختلف بالطبع عن حديث الحياة اليومية من ناحية والكتابة 
التخصصية الدقيقة من ناحية أخرى. 

ولكن الإغريق تميزوا بالقدرة الفائقة على أن يصنعوا مما يأخذون عن 
الغير شيئًا جديدا يتفق مع طبائعهم وميولهم. ورأيتهم للحياة وأسلوب 
معيشتهم: حتى أنه صار من المتعذر أن نحدد بدقة مقدار ما يدينون به 
لحضارات الشرق القديم. واتجه الدارسون إلى القول بأن ما أخذوه عن 
الآخرين يقل بكثير عما أضافوه من عندياتهم وطبق هذا الحس أول ما 
طبق على هوميروس. 

وملاحم هوميروس هي أقدم ما وصلنا من الآدب الإغريقيء بيد أنه من 
المرجح أن تكون بذور الشعر الملحمي الأصلية قد جاءت من الأناشيد والتراتيل 
الدينية التي تتغنى بأمجاد الآلهة والتي كانت تلقى أو تنشد في الأعياد 
والمهرجانات العامة. ولقد نظم: هذه الأشعار شعراء مجهولون أو بالأحرى 
أسطوريون إذ لا نعرف عنهم سوى أسمائهم إلا ومنهم أورنيوس وموسايوس 
وايومولبوس. وجدير بالذكر أن أول المسابقات الشعرية التي كانت تقام في 
بلاد الإغريق كانت تقوم على الأشعار الدينية وتركزت في دلفي مركز 
العبادة القديم9©". ومن ثم كان الشعر الملحمي في بداية عهده من عمل 
وإلقاء مغنى المعبد أو منشده الذي كان يعزف أثناء الإنشاد على القيثارة. 
ويبدو أن هذا الفن الشعري الديني قد جاء بلاد الإغريق من مراكز 
الحطار انه الشرقية الشديية عبر بسنا الصغرى. المهم أنه كانت هناك 
أشعار تنشد حتى قبل الحروب الطروادية وهي أشعار تركت بصماتها- 
بألبعت على الملاحم: التي نظمت لروي أحداث هذه الحروب. 


الشعر الاغريقى 


ويبدأ الآدب الإغريقي بالنسبة لنا-ولإغريق الفترة الكلاسيكية-عند 
منتصف القرن الثامن. فلدينا من نتاج ذلك الزمان بضع وثائق أدبية عبارة 
عن شذرات متفرقة مرسومة على الأواني أو منحوتة على الحجر وعثر 
عليها في أماكن متباعدة مثل أثينا وايثاكي وبيراخورا (على الخليج الكورنثي) 
وايسخيا (على خليج نابلي في جنوب غرب إيطاليا) وغيرها. وبعض هذه 
الشذرات متصل بموضوع الاحتفالات الدينية وبعضها يتحدث عن الخمر 
والحب والرقص والصداقة وما إلى ذلك. وبعضها يهدف إلى تخليد ذكرى 
هدية ما قدمت لهذا الإله أو تلك الإلهة تقربا وتكريما. وكلها منظومة في 
الوزن السداسي ولمء ينظمها شعراء محترفون. والسبب في أننا لا نملك 
شيئًا من النتاج الأدبي الإغريقي قبل منتصف القرن الثامن بسيط وهو أن 
الإغريق لم يعرفوا الأبجدية قبل ذلك التاريخ فلما عرفوها استطاعوا في 
خلال أربعة أو خمسة قرون أن يكتبوا بها أدبا من أرقى الآداب العالمية. ولما 
كانت ملاحم هوميروس تمثل قمة ما وصل إليه أدب هذه الفترة فإنها 
تحمل بعض سمات التشابه مع الشذرات التي وصلت إلينا منه كما أن هذه 
الملاحم لا بد أن تكون قد وقعت تحت تأثير الحضارات الشرقية. 

خلف الأشعار الهومرية إذن يقع ماض طويل وتراث عريق من أعمال 
أدبية لم تصل إلينا لأنها في غياب فن تدوين الأدب لم تكتب ولكنها ألقيت 
شهامة وتناقاتها الأحيال قرنا بعد شرن من خلال الرواية |السمرهة * 
الصحف المقروءة. ومن ثم لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن هذا التراث الشعري 
الشفوي-المفقود الآن-وما فيه من تأثيرات شرقية واضحة يعد الفصل الأول 
الذي بدونه لا يفهم كتاب الأدب الإغريقي. 

وبشيء من اليقين يمكن العودة بهذا الأدب المفقود إلى حوالي عام 
1200-0 أي إلى عصر الحضارة التي سماها القدامى بالحضارة الآخية 
وتحمل الآن اسم الحضارة الموكينية. يطلق هوميروس على أهل ذلك العصر 
اسم «الآخيون» أو «الأرجيون» أو «الدانائيون» على أن الاسم الأول هو 
الأكثر شيوعا وشمولا . وكان الآخيون يتكلمون لهجة قديمة من اللغة الإغريقية 
(أي الهيللينية) وصلتنا بعض الأمثلة منها على ألواح من الفخار اكتشفت 
في كنوسوس بكريت وفي موكيناي نفسها وكذا في بيلوس بإقليم ميسينيا. 
وفك طلاسم هذه اللغة الفقيه النابغة مايكل فينتريس عام 953ام ققدم 


هوميروس: المبدع الأول 


للحضارة الآخية بذلك خدمة تعادل إنجاز شامبليون الفرنسي بالنسبة 
للحضارة الفرعونية عندما حل رموز الهيروغليفية المنقوشة على حجر 
رشيد مستعينا بالنصر الإغريقي والديموطيقي على الحجر نفسه. 

ذلك أنه في أواخر القرن الماضي تمكن هينريش شيلمان من العثور على 
موقع طروادة وانتقل بعد ذلك إلى شبه جزيرة البلوبونيسوس واكتشف 
أكروبوليس مدينة أرجوس وموكيناي (عام 1876 م) وتيرنر (عام 1884 م). 
وتوالت بعد ذلك عدة اكتشافات أثرية أخرى في مواقع متصلة بالحرب 
الطروادية وملاحم هوميروس. ولوحظ أن مسكن زعماء تلك الفترة كانت 
بمثابة حصون حربية حقيقية. فأحيطت قلعة تيرنر على سبيل المثال بسور 
خارجي مبني من صخور ضخمة للغاية مما جعل إغريقي العصر الكلاسيكي 
يعتقدون أن الكيكلوبيس-وهم من سلالة العمالقة جيجانتيس الأسطورية- 
هم الذين أقاموه. وفي موكيناي كان المدخل الرئيسي للقصر يقع بين حائطين 
أقيما بطريقة. تجعل المهاجمين يتعرضون لهجوم دفاعي مضاد من ثلاث 
جهات في وفت واحد. أما البوابة فتحمل في مقدمتها العلوية نقشا بارزا 
ثلاثي الشكل نحت عليه أسدان يقفان وجها لوجه على جانبي عمود ويسند 
كل منهما قدمه الأمامية على قاعدته. وكانت رأساهما في الأصل تواجهان 
المهاجمين المعتدين بهدف إرهابهم أو ردعهم . وعثر شليمان في مقابر الملوك 
والأمراء بموكيناي على أسلحتهم ومجوهراتهم: وأقنعتهم الجنائزية المصنوعة 
من الذهب. وهكذا ثبت أن هوميروس صادق في وصفه لمدينة موكيناي 
على أنها «غنية بالذهب» ومن الجلي أن مثل هذه الكنوز الضخمة ما كان 
للآخين أن يحصلوا عليها إلا بعد أن خاضوا غمار حروب طويلة وحققوا 
فتودات كبرة في بلدان يويدةمن الأرج أنها بآسيا الصغرى موطن الممالك 
القديمة والغنية. ولقد اعتقد شيان أنه قد عثر على مقابر وأقنعة الدفن 
وبقايا أجساد أجاممنون وكليتمنسترا وغيرهما من أبطال الحرب الطروادية. 
بيد أنه ثبت فيما بعد أن هذه الأشياء تنتمي إلى عصر ما قبل هذه الحرب 
أي إلى القرن السادس عشر.على ايقسنال فلقد اكتشف فيما بعد «كنز 
أتريوس» وهو قبر والد أجاممنون الذي ينتمي إلى القرن الرابع عشر. ثم 
عثر على قصر أجاممنون نفسه. المهم أ أن هذه المقابر الموكينية-وهي على 
شكل خلية النحل-تنهض دليلا قويا على قوة وثراء ملوك موكيناي وبراعة 


الشعر الاغريقى 


والفضية والأحجار الكريمة وكذلك الأوانى الفخارية التى تحمل رسوما 
وسيوف وخناجر مرصعة بالذهب والفضة. 

وواضح أن الحضارة الموكينية بصفة عامة عسكرية الطابع بيد أن الفنون 
قد تطورت في ظلها تطورا ملحوظا. فاحتل الشهر على ما يبدو مكانة 
ملموسة وان اقتصر دوره فى الغالب على مدح الأمراء الأحياء والثناء على 
خو ماك متهي ورفظر القريكر لكر الكالدتيكة إلى يناة الحضنازة الركيتية 
على أنهم أبطال ويعتبرون أن عصرهم هو عصر البطولة بل ويعتقدون أن 
دماء إلهية تجرى فى عروقهم, إذ حققوا من الإنجازات الحضارية ما لم 
يسقطع أ جيل من الأجيال القالية ان يصل إلى مستواهاواعضد إفريقو 
الفترة الكلاسيكية كذلك أنهم ورثوا عن أولئتك الأجداد الأمجاد قفصصا 
خالدة تعالج موضوعات نبيلة ومحيية إلى النفس وقصصا أخرى مخيفة 
تعالج موضوعات مفزعة غير محبية وقالوا إن هذه القصص وتلك تقوم 
على أساس من الواقع أي لها بذور تاريخية وقعت بالفعل في الزمن السحيق. 

كان للعصر الموكيني نظامه الإداري والبيروقراطي وكذا نظامه في الكتابة 
أو الممظعات والعمليات السكرية ونا إلى ذلك .وتظام الكعابة المركينية 
علامة دالة على الحروف المتحركة والساكنة التى تتلوها حروف متحركة. 
إنه أشبه ما يكون بنظام الاختزال في عصرنا الحديث. ومن ثم فهو بطبعه 
لا يصلح لأغراض جماهيرية بل اقتصر استخدامه على الأغراض الرسمية 
المحدودة. وهذا بالقطع يعني أنه لم يستخدم في تدوين الأدب. وعندما 
اختفت الكتابة الموكينية بعد الغزو الدوري الكاسح حوالي عام 0 كان 
الشعر لا يزال ينشد ويتناقله الناس شفاهة لا كتابه. وتراكم هذا الموروث 
الشعري من جيل إلى جيل في جميع أنحاء بلاد الإغريق ومستوطناتهم ا 
على ساحل آسيا الصغرى التى وصلها الإغريق منذ حوالى عام 0ام. 
بفن الكتابة أو على الأقل فن تدوين الأدب. فالعلامات المميتة (مرع:(آ 2)0مرءد 


هوميروس: المبدع الأول 


) المشار إليها في «الإلياذة» (الكتاب السادس بيت 168) في ثنايا أسطورة 
بيليروفون يفترض أنها تشير إلى نظام الكتابة الموكينية الذي أشرنا اليه. 
ولربما انتشرت الكتابة الموكينية هذه بتوسع الإمبراطورية الموكينية نفسها 
فى نهاية القرن الثانى عشر. ولكننا لا نملك الدليل على ذلك. ولقد قامت 
الحظنارة اللوكينية على خاؤثة عتاصس ركيسية العتسي الأول هو التمتل :في 
حضارة الآخيين الوافدين من الشمال والعنصر الثاني هو التراث افملي 
للبلاسجيين أقدم سلالة سمعنا عنها في بلاد الإغريق. أما العنصر الثالث 
فهو تأثير الحضارة الكريتية المينوية. ومما لا شك فيه أن المهاجرين من 
الشمال قد جاءوا عبر آسيا الصغرى وجلبوا معهم بعض التأثيرات من 
حضارات الشرق. أما الأثر الشرقي-ولا سيما الفرعوني والفينيقي-على 
حضارة كريت المينوية فلا يحتاج إلى تأكيد . وكان الحيثيون في آسيا الصغرى 
قد نقلوا عن البابليين نظاما للكتابة أما كريت فقد عرفت الكتابة منذ 
الألف الثانية على أقل تقدير واستعملت لغة لم تفك طلاسمها حتى الآن 
بصفة تامة وتشبه اللغة الصينية. وإذا كان الآخيون في الأصل شعبا من 
الأميين فإذا عندما قدموا من الشمال في اتجاه الجنوب وصلوا إلى مناطق 
تعرف الكتابة وتمارسها من زمن بعيد. وتبنوا هذا الفن ولكن من الملاحظ 
أن النظام الكريتي للكتابة لم يكن شائعا في بلاد الإغريق الرئيسية إبان 
العصر الآخي أي الموكيني. وحدثت طفرة ملموسة عندما تبنى الإغريق 
الأسدية السامة الكمالية والتي أسموها «الحروف الفينيقية»!” (ملقسهمه 
وهي حروف تشبه إلى حد ما الحروف العبرانية وتتكون من 
مجموعات من العلامات كل منها يمثل سكنا. ولقد طور الإغريق في هذه 
الأخدية حتن وصلوا بها إلى نا ضركه الخ جاسم اللقة الاظريقية وال له 
تزال حية إلى يومنا هذا بالصورة المتطورة التي يتحدث بها اليونانيون 
المحدثون. وهذه ميزة الإغريق وعلى حد قول أحد الفيهم؛ «يستعيرون من 
الأجانب (82:55:01) ولكنهم يضيفون الكثير من التحسينات ضي النهاية)!2. 
وبالنسبة للأبجدية الفينيقية التي استعاروها فقد استخدموا في البداية 
يحض العالذماك للدلالة على هرو قن الحركة ثم اسكبدلوا بلك الغلافات 
أشكالا مبتكرة تماما أي حروف جديدة لم تكن موجودة في اللغات السامية, 
وربما أخذوها عن مصادر أخرى. المهم إذا في النهاية توصلوا إلى الأبجدية 


الشعر الاغريقى 


الإغريقية التي هي أصل الأبجدية اللاتينية وبالتالي فهي جدة بعض 
الأبجديات الأوروبية الحديثة أيضا . المهم أن الإغريق لم يعرفوا هذه الأبجدية 
قبل منتصف القرن الثامن على أقل تقدير.. 

ويقدم الباحث بيدج أدلة واضحة من أسلوب ولغة ملحمتي هوميروس 
على أنهما تتبعان بالفعل من عدة مصادر مختلفة0, أي أنهما تقعان عند 
مصب تراث شعري عريق له عدة روافد. ومما لا شك قيه أن التقدم في 
فنون الكتابة والنسخ والتوسع في تدوين الأدب يأتي على حساب عمل 
المنشد الملحمي (01005خ) الراوي الأحداث البطولية. أي أن التدوين أمر لا 
يتفق مع طبيعة الشعر الملحمي الأصلية وهذا ما سيتضح لنا من دراسة 
التقنية الملحمية الهومرية ومتابعة ما طرأ عليها عبر العصور حتى تلاشت 
وحلت محلها ملاحم مكتوبة أي مصطنعة . وكان من الممكن أن تتحور وتتجدد 
ملاحم هوميروس مع مرور الزمن وكان من المحتمل أن تتبدد أيضا لو لم 
يأت الطاغية الآثيني بيسيستراتوس ويؤسس نظاما جديدا للانشاد الملحمي 
يسمى النظام الرابسودي حيث اختفت فيثارة الراوي القديم وتزود الراوي 
المستحدث بدلا منها بعصا (835005) وكان عليه أن يغني في كل مرة 
قصيدة مكتملة أي أنشودة رابسودية ( 5506م852) تبدأ من حيث انتهت 
السابقة (5مءدمعاوملاط «ه) . النظام الإنشادي الذي أسسه بيسيستراتوس 
إذن يقوم على الإلقاء من الذاكرة اعتمادا على نص مكتوب وموثق يمكن 
الرجوع إليه في أي وقت وهو النص الذي صار يعرف باسم تحقيق أو تنقيح 
بيسيسراتوس . وإذا كان هذا التنقيح المدروس قد حفظ أشعار هوميروس 
من الضياع فإنه فد قضى على كل فرصة للتجديد في تقنية الشعر الملحمي 
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لفن كان قد بلغ قمة النضج أصلا. ولقد كتب 
شيشرون الخطيب الروماني المفوه عام 55 تقريبا-أي بعد أن كانت الدراسات 
الفقهية والتحقيقات العلمية في الإسكندرية قد انتهت وأصبحت معروفة 
للجميع بنتاتجها-وقال إن بيسيسرواتوس طاغية أثينا هو الذي إبان القرن 
السادس «قد رتب كتب هوميروس التي لم تكن من قبل على هذا الرتيب 
الذي نعرفه»؟" وإذا كان هذا صحيحا فان الأشعار الهومرية-و بصورة 
قريبة للغاية من النصوص التي وصلتنا-كانت تنشد في أعياد الباناثينايا 
الأثينية فيما قبل عام 527. 1 1 


24 


هوميروس: المبدع الأول 


لكن ما زال هناك سؤال بلا جواب؛ ففي مثل هذا المسار المطرد للأشعار 
الهومرية أين يمكن أن نجد هوميروس نفسه5 من المؤكد أن الذي حول 
الأغانى الملحمية الصغيرة والمناسبة لحفلات الإنشاد والسمر إلى قصيدة 
كبر هو افيس ماكر ولاندق الادرة القى ظايرك قرا هلد الاضانى ابتدات 
وبعبارة أخرى فإن هوميروس يأتي في نهاية المطاف بالنسبة لتطور الشعر 
الملحمي لا في بدايته. وعليه فإن التفكير المنطقي يرجح أن هوميروس لا 
يمكن أن يكون قد عاشر قبل القرن الثامن. ولكن علينا أن نضع في الاعتبار 
أن هذا التفكير المنطقي-وهو كل ما نملك-يمكن أن يكون مخطئًا . وعلينا أن 
نتذكر أن الإغريق على وجه العموم وإن قبلوا بوجود هوميروس و بنسبة 
الملحمتين «الإلياذة والأوديسا» إليه لم يتفقوا على تحديد العصر الذي 
عاش فيه. فمنهم من جعله يعاصر الحرب الطروادية التي يصف أحداثها 
ومنهم من جعله يعيش بعدها بعدة قرون. أما بالنسبة للدلائل الداخلية 
المستمدة من نص الملحمتين فهي أيضا متضاربة وغير مؤكدة فمثلا يقال إن 
الإشارة الواردة في «الإلياذة» (الكتاب السادس بيت 302- 303) والتي تتحدث 
عن تمثال في وضع الجلوس تشي بأن التاريخ المشار إليه لا يمكن أن يكون 
قبل القرن الثامن حيث بدأ في النحت الإغريقي يتطور إلى مرحلة جديدة 
متحررا من تأثير النحت المصري. بل إن وصف درع أجاممنون في نفس 
الملحمة (الكتاب الحادي عشر بيت ١9‏ وما يليه) يمكن أن يعود إلى ما بعد 
ذلك التاريخ وكذا الإشارة إلى استخدام الفيلق ههلة20 في الحرب (الكتاب 
الثالث عشر بيت !3/ وما يليه). ومع ذلك فإن كل هذه الإشارات وغيرها 
الكثير يمكن أن تكون مدسوسة على هوميروس. وعلى أية حال فهناك حد 
زمني لا يمكن أن يكون هوميروس قد عاش بعده بإجماع آراء العلماء ألا 
وهو عام 700. هذا ويمكن أن نحدد فترة تقريبية تقع فيها حياة هوميروس 
وهي ما بين 850 و750. ومما لا شك فيه أن موقع طروادة الجغرافي يمكنها 
من السيطرة على الممر الإستراتيجي أي مضايق الدردنيل والبسفور البحرية 
التي تصل البحر الإيجي بسواحل البحر الأسود الخصبة. طروادة إذن 
مديتة ذات أهمية تجارية واقتصادية وعسكرية أغرت الآخيين بمحاولة 
السيطرة عليها. أما السبب الذي يقدمه هوميروس لقيام حرب طروادة-أي 
خطف هيليني زوجة ملك إسبرطة مينيلاوس على يد الأمير الطروادي 


الشعر الاغريقى 


باريس-فهي الذريعة الواهية أو السبب الدبلوماسي المباشر والمعلن لتبرير 
حرب لها أهداف أخرى أعمق وأهم من ذلك بكثيرء هذا إذا ما قبلنا وجود 
هيليني أصلا . وبعبارة أخرى فإن رواية هوميروس لأسباب الحرب الطروادية 
هي رواية أسطورية أي الرؤية الشاعرية والملحمية لحرب حقيقية وقعت 
بالفعل في تاريخ يقع ما بين ١280‏ و183١‏ برأي معظم المؤرخين. المهم أن 
هوميروس يصف أحداثا تاريخية قديمة جدا بالنسبة له إذ تسبقه بحوالي 
ثلاثة قرون. وهو يستمد روايته من الموروث الشعري المألوف وتتداول شفاهة. 

وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار «الإلياذة» و «الأوديسيا» من خلق عدة 
أجيال متتالية من الشعراء المتجولين. ولكن إغريقي العصر الكلاسيكي 
اعتبروهما من تأليف شاعر واحد هوميروس. وعلينا أن نحترم رأيهم أ 
حتى لو أنهم أ نسبوا إليه أشعارا أخرى لا يمكن لأية حال أن يكون هو فعلا- 
إن وجد-مؤلفهاء وبفض النظر عن الفوارق بين الملحمتين إلا أن روحهما 
العامة واحدة. يقول باورا إنه ليس من الخطأ أن نتحدث عن هوميروس- 
سواء أكنا نعني به شاعرا واحد أم عدة شعراء-كمؤلف لهاتين الملحمتين!"). 

وبما أن هوميروس لا يتحدث عن نفسه في ملحمتيه «الإلياذة» (حوالي 
خمسة عشر ألف بيت) و«الأوديسيا» (حوالي اثنا عشر ألف بيت) فلقد 
استدل البعض من ذلك على أن مكانته الاجتماعية كانت أقل من مكانة 
أبطاله وهم من الملوك والأمراء بل ومن مكانة جمهوره أيضا لأنه كان ينشد 
أشعاره في بلاط أحفاد هؤلاء الأبطال. بيد أن تشبيهاته الشعرية-وهذا ما 
سنعود إليه-مستمدة من بيئته المعاصرة وما فيها مما يظهر ميله إلى تصوير 
حياة بسطاء الناس بحرفهم اليدوية وأعمالهم الزراعية والرعوية بما فيها 
من أدوات بسيطة وطيور وحيوانات وما إلى ذلك. ومن ثم قيل إن هوميروس 
كان شاعرا فقيرا وأعمى أو على الآقل فقد البصر فى أواخر أيامه. ولعل 
هذه الرواية قد حايت مخ الامتهاد لضام تدى سفظف الضعوب بان التشدين 
الملحميين كانوا في العادة من مكفوفي البصر. يضاف إلى ذلك أن النشيد 
الهومري «إلى أبوللو» (بيت 172) يتحدث عن شاعر أعمى من جزيرة خيوس . 
ويعتقد أغلب العلماء المحدثين أن هذا البيت يتحدث عن هوميروس نفسه. 
بل يرون أنه أيوني لأن اللهجة الأيونية تغلب على أشعاره كما أنه يعرف ما 
هو أيوني أكثر مما يعرف عما هو دوري أو أيولي. وينازع خيوس في الادعاء 


20 


هوميروس: المبدع الأول 


بنسبة هوميروس إليها الكثير من المدن والجزر وفي مقدمتها مدينة سميرني 
(- أزميربتركيا) بيد أن كفة خيوس هي الراجحة. وبها يعقد كل عام مهرجان 
«الهومريات» الذي به يحاول اليونانيون المحدثون إحياء ذكرى شاعرهم 
القديم والمبدع الأول هوميروس. 
2- التقنينة الملحمية 

كيف نفهم أشعار هوميروس؟ هذا سؤال من الطبيعي أن تتعذر الإجابات 
عليه بتعدد الزوايا التي نقترب منها نحو هذا الشاعر الفذ. فمن الممكن- 
على حد قول كيتو-أن نعتبر هذه الأشعار وثائق تاريخية ضخمة ومن الممكن 
أن نعتبرها مجرد قصائد للإنشاد. وإذا كان من الممكن أن نفحص بعض 
الجوانب الأثرية والأدبية والتاريخية دون الاهتمام بالسمات الشعرية لهذه 
القصائد فإن الأفضل برأي كيتو أن نفعل عكس ذلك أي أن نهتم؛ بالصفات 
الشعرية في ضوء الجوانب الأخرى2). 

وفي الصفحات التالية سنعرض لبعض الجوانب الفنية في ملحمتي 
هوميروس«الإلياذة» و «الأوديسيا» محاولين استتباط طبيعة ووظيفة الشعر 
الملحمي وتسليط الضوء على الأسس الفنية والتقنيات الهومرية ولا سيما 
تقنية الإنشاد الشفوي والوزن السداسي اللذين مارسا تأثيرا ضخما على 
الأدب الإغريقي برمته. على أن معالجتنا للشكل الفني الهومري لن تنسينا 
المضمون ومن ثم سنتناول بعض القضايا الإنسانية التي تثيرها ملاحم 
هوميروس ولا سيما ما يتصل بعلاقة الإنسان بالآلهة والكون وأيضا مشكلة 
الفن والإبداع وما إلى ذلك. 

أ-وحدة الموضوع: 

لا تعالج «الإلياذة»!') سوى حادثة واحدة من السنة العاشرة في الحرب 
الطروادية؛ إذ أخطأ أجاممنون في حق خريسيس الكاهن فلجاً الآخير 
يجار بالشكوى للاله الذي يخدم في معبده أي ابوللون الذي كان على أية 
حال يؤيد الطرواديين. فأرسل وباء على جيش الإغريق وعرف أجاممنون 
أن لا نهاية لهذا الوباء إن لم يرجع محظيته خريسئيس (ويعني اسمها بنت 
خريسيس من خريسي وهي المدينة التي أقيم بها معبد أبوللو) إلى ذويها. 
وعلى مضض واقق أجاممنون أن يعيدها شريطة أن تسلم إليه محظية 


27 


الشعر الاغريقى 


أخيلليوس بطل الأبطال الإغريق واسمها بريسئيس (أي بنت بريسيوس من 
بريسي مدينة أخرى مجاورة). فرفض أخيلليوس شروط أجاممنون ثم امثل 
الأفر يمف الك قاضيا وامكم كن خييت نييصا هن اعرد روباك يشكواة 
لآمه الربة ثيتيس التي بدورها توسلت إلى زيوس أن ينتقم لابنها. ووافق 
فبوية وبالتمل أربدل على الور جلما مطيللا اأجامتوف هحواة انه واد 
الجيش ضد الطروادين سيأسر المدينة والتحم الجيشان بعد محاولة فاشلة 
لإبرام السلام وانتهت موقعتهما بخسائر ضخمة في الجانبين. بيد أن 
بويا حرمي كان مستطي أن منوطن كسا قر سبو لسع الشاشق الجاررة 
لطروادة والتي تمثل العمق الاستراتيجي له ومن ثم كان موقفه أفضل من 
أجاممنون الذي كان عليه في حالة الحاجة.إلى إمدادات أن يلجأ إلى بلاد 
الإغريق التي تفصله عنها مسافة بحرية طويلة. ولذلك انسحب أجاممنون 
بجيشه وحاول تقوية خطوط دفاع معسكره وأرسل وفدا للتفاوض مع 
أخيلليوس يعرض عليه أن يعيد له بريسئيس مع تعويص مناسب. ورفض 
اخلبوى انصاك وفكر اجاممتون فى التحلى فووراصلة الحملة ويعارطية 
بشدة القائد الشاب ديوميديس وفي جنح الظلام يهاجم ديوميديس 
وأوديسيوس على غرة جزءا من الجيش الطراقي الذي جاء يمد العون 
لبرياموس. ويحققان بذلك انتصارا سريعا ويقتلان القائد الطراقي نفسه 
لمدويى راكذا غريته الحريي تيليا كقارية ميع ارايت ذلك حاطو 
على استئناف الحرب في الصباح التالي حيث جرح واضطر كثير من القواد 
الإغريق إفى الاتسعاب وانتهت الوكفة بتدوعر الجيكن الألخن إلى اللفسكر 
ثانية با إن الفظرو اميه قيادة مركتو اللكوا رمدنوا يشتون سجمافيم التضانة 
على المعسكر الإغريقي نفسه وبنجاح برغم أن هيرامليكة السماء وزوجة 
زيوس كانت تقف بجوار الإغريق. حيث خادعت زوجها وسحبته من المعركة 
إلن هراشا بحي الا يحي الظرو ادبي والخترقسيكدور يطل ابطال اطروادة 
الميفوق الأمامية الآندية وشارف على الوصول الى سقنيم الراسية غلن 
الشاطئْ وشرع يحرق أحدها. وعندئذ سمح أخيلليوس لأتباعه أي 
الترهيدوثبين وتصديعه الفزيز باكر وكلرين بالاشتواك دفي الخر يل انه 
سمح للأخير بان يتسلح بأسلحته لكي يخدع الطرواديين ويظنون أن 
أخيلليوس نفسه قد عاد للحرب. وصد باتروكلوس الطرواديين وقتل أحد 


هوميروس: المبدع الأول 


أبطالهم أي ساربيدون قائد القوة الليكية وطارد فلودا حتى أسوار طروادة 
نفسها التي حاول أن يقتحمها وصده عنها الطرواديون باستماتة ووقف 
أبوللون نفسه دون دخوله المدينة وجرح باتروكلوس على يد بوفوريوس وقضي 
عليه هيكتور للأبد حيث استولى على أسلحة أخيلليوس وصار يحارب بها . 

ويعد موت ياتروكلوس ذروة الحدث الملحمى فى «الإلياذة» ونقطة التحول 
لأن أخيلليوس ما أن علم به حتى وقع فريسة الحزن كما أنه لم يستطع 
الخروج للحرب مباشرة إذ كان قد أعطى أسلحته لباتروكلوس وجدير بالذكر 
أن الأسطورة التي تجعل من جسد أخيلليوس شيئًا غير قابل للخدش أو 
الجرح أسطورة متأخرة ظهرت فيما بعد هوميروس بفترة طويلة لآن الشاعر 
يجعل محاريا طرواديا مغمورا ينال منه. على أية حال فقد حثت الرية أثينة 
أخيلليوس على اللحاق بالجيش الإغريقي في حربه الشرسة. وما أن وصل 
إلى المعسكر الإغريقي وزأر بصيحة الحرب حتى ذعر الطرواديون المتتمرون. 
ونجحت ثيتيس في إقناع رب الصناعة والحدادة هيفايستوس أن يصنع 
لابنها أخيلليوس عدة حرب جديدة. ويصف لنا هوميروس هذه الأسلحة 
بالتفصيل ويتألق بصفة خاصة فى وصفه للدرع. وهذا ما سنعود إليه فى 

ويكتسح أخيلليوس الصفوف الطروادية وهزمهم شر هزيمة ويقتل 
هذا القائد الطروادي. إذ كانت النبوءات قد تحدثت بذلك. وتؤخذ معاملة 
أخيلليوس الوحشية لجثة هيكتور-حيث ربطها في عجلته ولف بها حول 
أسوار طروادة-على أنها تعكس حقيقة مولده خارج منطقة آخيا أي نشأته 
في فثيا بثساليا وهي منطقة أكثر بدائية من بقيه العالم الموكيني. 

وتقام مراسم ا دفن باتروكلوس الفخمة حيث تعقد المسابقات الرياضية 
في الجري والمصارعة وغيرهما وبعد مرور اثني عشر يوما على موت 
هيكتور يعود أخيلليوس إلى قدر نسبي من الهدوء والسكينة. وبناء على 
نصيحة من ثيتيس يسلم جثة هيكتور إلى أبيه برياموس في مقابل فدية 
يدفعها هذا الملك المسن الذي جاء ليلا وفق مشورة الآلهة وتأييدهم ليزور 
البطل المنتصر ويتوسل إليه وتسلم: بالفعل جثة هيكتور التي حفظتها الآلهة 
من العفن وتدفن على النحو اللائق وبالبكاء على هيكتور الذي مات دفاعا 


20 


الشعر الاغريقى 


عن الوطن تنتهي الإلياذة. 

وتدور «الأوديسيا» 2 حول موضوع شائع في كافة الآداب القديمة أي 
غياب الزوج لمدة طويلة بحيث يظن الجميع أنه قد مات بيد أنه يعود في 
الوقت المناسب أي في آخر لحظة وعلى غير توقع ليحول بين زوجته والزواج 
من رجل آخر. وتبدأ «الأوديسيا» بانعقاد مجلس الآلهة في غياب بوسيدون 
إله البحر وعدو أوديسيوس اللدود . وتسأل الرية أثينة المجتمعين لماذا يحتجز 
أوديسيوس في جزيرة منعزلة؟ ولماذا لا تقدم له المساعدة لكي يعود إلى 
وطنه؟ ويتفق زيوس معها في الرأي بأن شيئًا ما لا مفر من عمله على الفور 
وبرغم عداوة بوسيدون لهذا الإنسان. ويرسل زيوس بالفعل رسوله هرميس 
إلى كاليبسو عروس الجزيرة حيث يحتجز أوديسيوس فيأمرها بإطلاق 
سراحه. وفي تلك الأثناء تقوم الربة أثينة بزيارة خاطفة لتيليماخوس بن 
أوديسيوس في جزيرة ايتاكي موطن البطل. وهناك ترى زوجة أوديسيوس 
المخلصة بنيلوبي وقد حاصرتها شرذمة من الآمراء الذين يريد كل واحد 
منهم؛ أن يفوز بها زوجة له على أساس أن أوديسيوس قد مات. ولكن 
بينيلوبي تقضي معظم وقتها في عقر دارها بينما يعربد الخطاب ويسرفون 
في الإنفاق على ولائمهم وملذاتهم»؛ من ممتلكات آلقصر. وتنصح أثينة 
تيليماخوس بأن يعقد اجتماعا عاما للشعب يطلب فيه ضرورة العمل على 
أن يغادر الخطاب القصر. ولكنهم يسخرون من تيلمياخوس الذي بمساعدة 
أثينة-متخفية في هيئة مينتور الصديق القديم لأوديسيوس-يستعير سفينة 
ويجمع البحارة من شباب الجزيرة الذين تطوعوا للإبحار معه في طريقه 
إلى شبه جزيرة البلوبونئيسوس للسؤال عن أبيه. ويصل أول ما يصل إلى 
عيتاه بيلوس (شازيتو الحديكة) ثم يروو إسبرطة ويعلم مح ملف اانديقة 
الآوثى أى تيستون وفن ملك الكانية أى مييلدوس أن أبام حي يرزق واه قن 
قضى هدة ستوات شوق جؤيرة كالبيسو الحي تحاول إقزاية بالبقام مها 
والزواج منها على أن تمنحه الخلود . 

وينقلنا هوميروس بعد ذلك إلى جزيرة كاليبسو حيث وصل هرميس 
ونقل إليها رسالة زيوس سالفة الذكر. وتقرر كاليبسو على مضض أن تخلي 
سبيل أوديسيوس لأنها لا تستطيع عصيان أوامر رب الأرباب بل وتمد 
أوديسيوس بما يلزمه من معدات لصنع سفينة جديدة. ويقلع أوديسيوس 


هوميروس: المبدع الأول 


فعلا بيد أن إله البحر بوسيدون يرسل عاصفة هوجاء تحطم سفينته وتلقى 
وهاريا شرق شواطك القاباكيس (او القانكييو) والتن قفيه ارطنهم بلاة 
اللكايات الشعبية وحريت يملك آهاها سْقنا كرجه سنازها توجيها ذاكيا 
وتسبح على سطح الماء في سرعة تضارع سرعة الطيور في أجواء الفضاء. 
وهناك التقى أوديسيوس بناوسيكا بنت الكينووس ملك الفاياكين فاعتنت 
به وقدمته لوالدها حيث اكرم وفادته وأغدق عليه وعلى رفاقه الهدايا 
وأعطى لحكاياته ومغامراته أذنا صاغية. فوصف له أوديسيوس كيف هبط 
ببلاد آكلي اللوتس الذين أعطوا بعض رفاقه ثمارا مما يأكلون فنسوا الوطن 
والأهل ونم بشكروا كل عبر النقاببارض كل الأرقى هكمنيد أذ بفيسيزيين 
ايغدهم على الصنعود إلى المتتيتة كرها وابحر يفم إلى بلاد الكيكلوين 
المخلوقات الوحشية التي تتوسط وجه كل واحد منهم عين واحدة مستديرة. 
كان أحدهم أي بوليفيموس ابنا لبرسيدون فأسرهم وكان يتغذى على اثنين 
منهم ١‏ في كل وجبة. وفي النهاية تمكن أوديسيوس وبعض رفاقه الناجين 
من أن يفقئُوا عين بوليفيموس الوحيدة عندما كان يغط في سبات عميق 
فهربوا من كهفه وفي الصباح التالي تخفوا وسط أغنامه وعند مغادرة 
المكان سخر أوديسيوس من بوليفيموس الذي سأله عن اسمه فقال له «لا 
(9". وعندئذ تضرع بوليفيموس إلى أبيه بوسيدون ألا يعيد أوديسيوس 
قط إلى وطنه إلا بعد أن يفقد جميع رجاله وعلى ظهر سفينة من أملاك 
غيره. 

وبعد ذلك وصل أوديسيوس إلى جزيرة أيولوس وهو عند هوميروس 
ليس إلها بل رجلا يتحكم في الرياح. لقد استقبل أوديسيوس ورفاقه أحسن 
استقبال وعند الرحيل أهداه جوالا معبً بكل الرياح فيما عدا الريح التي 
ستهب لتقود سفينته في اتجاه موطنه بجزيرة ايتاكي. وبالفعل اقترب 
أوديسيوس ورفاقه من ايتاكي ولكن لما كان النوم قد غلبه فإن رفاقه فتحوا 
الجوال ظنا منهم أنه يحوى كنزا وعلى الفور انفلتت الرياح وأحدثت عواصف 
هوجاء وقذفت بهم | إلى أرض الإيستريجونيين وهم عمالقة يتغذون على 
لحوم اليقتن: كاغركرا جميء النشن فيعا هنا سفينة واحرة هي سفينة 


أحد» 


)١*(‏ الكلمة الإغريقية التي تعني «لا أحد» هي «ؤاع0100» وتتشابه صوتيا مع اسم أوديسيوس- 
(كتاعدةو00) . 





الشعر الاغريقى 


أوديسيوس والتهموا كل أطقم السفن الغارقة أي أتباع أوديسويس. 

ووصل أوديسيوس بعد ذلك إلى أرض آياي (عنهنه) حيث تعيش الربة 
كيركى بنت الشمس وصاحية القدرة العجيبة فى فن السحر. لقد حولت 
نصف رجال أوديسيوس إلى خنازير بيد أن اوديسيوس الذي قابله هرميس 
استطاع بهذا النبات السحري أن يهيمن على كيركي فصارت رفيقته وعشيقته 
وجعلها تستعيد رجاله إلى حالتهم الأولى. وبعد مضي عام طلب منها أن 
تأذن له بالرحيل فأمرته أن يعبر مجرى الأوكيانوس أولا (وهو ليسر بحرا 
بل نهرا يحوط الآرض التي تشبه القرص لا الكرة) ليصل إلى أرض الموتى 
وهناك يستشير شبح العراف الأعمى تيريسياس الطيبي. ونفذ أوديسيوس 
أوامرها وأخبره تيريسياس بما جرى في ايتاكي وتنباً له بمستقبل أيامه 
ومصيره. وتفرج أوديسيوس على بعض مشاهد من العالم الآخر وما فيه 
من أعاجيب وأهوال وعاد إلى أرض كيركي التي زودته بالنصائح اللازمة 
قبل أن يرحل إلى وطنه. 

ولدى اقترابه بسفينه من السيرينات ضلل صوتهن الساحر بعض رفافقه 
فشدهم إليهن شدا قلما اقربوا منهن تماما تحطمت سفنهم وغرقوا . وعندئد 
تذكر أوديسيوس نصيحة كيركي فوضع قطعا من الشمع في أذن بقية 
رفاقه حتى يعطل حاسة السمع عندهم مؤقتا وربط نفسه بحبال قوية إلى 
صاري المركب واستطاع هكذا أن يجتاز هذا المأزق الخطير. وبعد ذلك 
وصل إلى المضايق الواقعة بين العملاق البحري سكيللا والدوامة القاتلة 
خاريبديس. فاقترب من سكيللا وهي أقل خطرا ولكنه فقد ستة من رجاله 
ونجا منهم الباقين. ووصل إلى جزيرة ثرينكي (2116ه1:1) حيث مراعي 
قطعان إله الشمس نفسه هيليوس وهي قطعان مقدسة ولذا نهى أوديسيرس 
رفاقه عن الاقتراب منها. ولكنهم وقد حاصرتهم الرياح واضطروا لليقاء 
ونفذت الموؤن خالفوا الحظر الذي فرضصه عليهم أوديسيوس. وعندئنذ طلب 
هيليوس من زيوس أن ينزل بهم العقاب. وبعد أن كان زيوس قد أرسل رياحا 
مواتية عاد فحطم سفنهم بعاصفة قوية وقذفهم بالصاعقة ونجا أوديسيوس 
وحده وبعد مخاطر عدة وصل إلى جزيرة كاليبس حيث مكث سبع سنوات 
كاملة. 


هوميروس: المبدع الأول 


تلك كانت الحكايات التي قصها أوديسيرس عل الملك الكينووس ملك 
الفايكمن الذين وصل أرضهم قادما من جزيرة كاليبسو. ولقد أرسل الملك 
أوديسيوس إلى موطنه ايثكي على سفينة من سفنه الملكية الخاصة وفي 
الصباح التالي قابلته الريةاتعلا على سابعل الل يعكرة فى فيكة شاب 
صغير وزودته بالمعلومات اللازمة عما يجري في قصره ومملكته. وأخبرته 
أن عليه آن وو الخطاب بالسيلة ويحولفه إلى شخاة وهي الضصورة التي 
دخل يها مترل يومايوس راصي افازيرة اللبنق الناى لأ يزال عن إخلاضبه 
لسيده حتى الآن. ولقد استقبل يومايوس الرجل الغريب وأكرم وفادته 
واستضافه طوال الليل في داره. وفي نفس الوقت أخبرت الربة أثينة 
#اماخوس بان يعر غيرا إلى أرطن الوطن وعدرتة بشان الكيين الى 
أعده له الخطاب ونصحته بتغيير مسار العودة. وبعد أن استأذن تيليماخوس 
دق ميتيالارس وشيايتي عاد إلى انلقن وكشره يهل والددهندها اتعادقه الرية 
أكينة إلى بخالته الطبيعية يعضى الوشع. ووظعا هما بقطلة تدمير اليشظات 
والقضاء على شرهم. 

ووالتول دفي اود وتهرون كشيطاة إلى لسرم | زنك يفلبول قدى النقطات 
الذين سخروا منه مر السخرية. ولكنه اكتسب بعض الاحترام والود عدما 
هزم شحاذا آخر يدعى ايروس (1:05) في مباراة بينهما في الملاكمة. وفي 
المساء كان له لقاء طويل مع بينيلوبي التي قصت عليه متاعبها وكيف أنها 
خدصتيم غددها ظليت هنهم مولة تنتوى :نيوا من قزل قرب فده ليدقن كيه 
لا إرتيس والد أوديسيوس الطاعن في السن وكانت في كل ليلة تنقض ما 
غزلت بالنهار. فلما افتضح أمرها أجبرت على الانتهاء من هذا العمل 
مكريع ف خيلة اخرى ]د عالت ليم إذمن يمسطيع يشد قوسن ارسيوس 
الكبير ويطلق منه سهما يمر من خلال ما يشبه القناة المكونة من فتحات 
في أسنة اثنتي عشرة بلطة مصفوفة سيكون زوجها. وجاء كل الخطاب 
وجربوا حظهم وقواهم وفشلوا وتقدم أوديسيوس الذي لا يزال متنكرا 
كشحاذ وطلب أن يجرب قوته وحظه واعترض الخطاب هازئين به ولكنه 
تسلج القوس بناء على رغبة بينيلوبي التي قالت إنها ستمنحه بعض الملابس 
الجدينة (ذا تجو جلها تباباتخوسى للسيسي فين قاعلة البرعاق وااطلق 
أوديسيوس السهم بنجاح باهر ومن أول محاولة وهو جالس دون أن يقوم 


الشعر الاغريقى 


على قدميه. ثم قال إنه سيجرب مرة أخرى ولكنه أطلق السهم ليصيب عنق 
انتينوس زعيم الخطاب. ثم كشف النقاب عن نفسه ورفض التفاوض وظل 
يصرعهم واحدا بعد الآخر. وهم عزل من السلاح فيما عدا السيوف التي 
يحملها أبطال هوميروس جميعا بصفة مستمرة. ذلك أن تيلياخوس 
وأوديسيوس كانا قد أبعدا كل الأسلحة التى كانت فى العادة تعلق فى مكان 
ها من العا هاه و الحتتعل تعمل ياريمة غدى مله للسالاج ليها وللخافسين 
الخلصبين: ولكن اجى انقفوو الدق كان يشساظتمو الخطات يوقي 
ميلانثيوس استطاع أن يستولي على أسلحة عديدة وزود بها الخطاب فألقى 
القبض عليه وقتله كل من يومايوس وفيلويتيوس الخادمين المخلصين وهكذا 
أصبحت المعركة متكافتة. غير أن أوديسيوس وابنه والخادمين انتصروا في 
النهاية. وقتلوا الجميع فيما عدا المنشد الملحمي والرسول اللذين كانا يخدمان 
الخطاب على كره منهما .وتم شنق الخادمات اللاثي كن يضاجعن الخطاب 
ومزقت جثة الخادم الخائن ميلانثيوس. وطهرت القاعة بحرق البخور. أما 
يوريكليا مربية أوديسيوس الشمطاء التي كانت قد تعرفت عليه منذ الليلة 
الماضية من ندبة في رجله عندما كانت تغسل قدمه فصرخت من الفرح 
وكادت تكشف أمره لولا أن طلب منها أوديسيوس الكتمان. ها هي الآن 
ذاهبة لتخبر بينيلوبي بما قد حدث. فقالت الأخيرة إنه قد يكون إلها 
متنكرا جاء ليخلصها من شرور الخطاب. ولكن آوديسيوس باح بسر لا 
يعرفه سوى هو وزوجته بينيلوبي وإحدى الوصيفات وعندثذد افتنعت بينيلو 
د باثههو كلذ زوجيها إلى العاكى يعن مشرين هاما كذميا مما إلن شرهة 
ايا 

وفي الصباح خرج أوديسيولس إلى الحقل حيت يعيش لا إرتيس وكشف 
عن نفسه له وتفاهما معا في كيفية علاج الموقف المتأزم بعد أن ذاع في 
الجزيرة أمر مقتل الخطاب حيث طالب ذووهم بالانتقام وتزعمهم والد 
أنتينووس. وذهب لارتيسر بعد أن عادت له قوة الشباب وقاد المعركة ضد 
المطالبين بالانتقام وانتصر عليهم وقتل والد انتينووس وأنهى زيوس المعركة 
بصاعقته. وظهرت الربة أثينة متخفية في هيئة مينتور وبرمت اتفاق صلح 
وسلام بين أهل الجزيرة. وبذلك تنتهي «الأوديسيا». 

ومع أن «الإلياذة» تدور حول الحرب الطروادية التي استمرت أحداثها 


5“ 


هوميروس: المبدع الأول 


عشر سنوات إلا أن هناك عنصرا قويا يوحد بين أجزائها ونعني أن الشاعر 
يركز على حادثة واحدة جعلها هدقه الرئيسي وهي «غضية أخيلليوس» 
التي بها يبدأ الشاعر وينهي ملحمته لأن الكتاب الأخير يدور حول نتائج 
هذه الغضبة المدمرة. وبالمثل نجد «الأوديسيا» التى تتغنى بعودة البطل 
أوديسيوس من طروادة وتحفل بشتى المتاهات والمغامرات البحرية التي 
خاضها البطل إلا أنها ككل تقدم لنا صورة لجزيرة إيثاكي موطن أوديسيوس 
قبل ويعد عودة هذا البطل. وتتجسد الفروق بين الملحمتين في أن «الإلياذة» 
قصة حرب بينما «الاوديسيا» تدور حول السلم. ويترتب على ذلك أن البنيان 
الاجتماعي في كل منهما يختلف عن الآخر وكذا الجو العام ف «الإلياذة» 
التي تقوم على وصف المعارك لا تتمتع بتنوع الألوان المميز «للأوديسيا» 
والأخيرة تحكى قصة مترابطة متسلسلة:؛ وتتميز بأنها تحوى عنصر الحكايات 
الشعبية الذي لا نصادفه كثيرا في «الإلياذة». وجلى لا يحتاج إلى بيان أن 
مفهوم البطولة فى «الإلياذة» يقوم غلى القوة الجسدية والقدرة العسكرية 
بينما البطولة فى «الأوديسيا» تستند فى الأغلب إلى المقدرة الذهنية وحسن 
التصرف. ولا تجرى الأحداث فى «الأوديسيا»-لا سيما نصفها الأخير- 
بنفس السرعة التى تجرى بها فى «الإلياذة». ويللاحظ الياحث المدقق بعض 
الفروق في طبيعة وخصائص الآلهة بين الملحمتين. فالعلاقة الوثيقة بين 
أوديسيوس والربة أثينة فى «الأوديسيا» لا مثيل لها فى «الإلياذة», ويضاف 
إلى ذلك بعض الفروق اللغوية بين الملحمتين. 

غير أن الاختلاف بين ملحمة هوميروس لا يعني أنهما بالضرورة من 
يراع مؤلفين مختلفين؛ فمثل هذا التباين في الأسلوب والسمات العامة 
بين «عطيل» و«دشمة الشتاء» لشكسبير رغم أن الغيرة تلعب دورا كبيرا في 
كليهما. وهناك فرق بين «اتالي» و«فيدر» مسرحيتي راسين, والفرق واضح 
لا يحتاج إلى تبيان فيما بين «المستجيرات» وبقية مسرحيات ايسخولوس 
ولا سيما ثلاثية «الأوريستيا» و «بروميثيوس مقيدا!». بل إننا نعتبر الاختالاف 
بين «الإلياذة» و«الأوديسيا 3 فى الجو العام دليلا على تمتع كل منهما يما 
نسميه وحدة الموضوع وتميزه عن أي موضوع آخر. 


الشعر الاغريقى 


كيف يعالجون موضوعاتهم. في البيت الأول من «الإلياذة» بقول هوميروس 
«غن أيتها الربة غضبة أخيلليوس بن بيليوس المدمرة». فعلاوة على أن 
الشاعر هنا يرى أن الشعر إلهام من لدن الآلهة فانه-وهذا ما يهمنا الآن- 
يوضح لنا منن البداية بيت القصيد في ملحمته. لقد استمرت حرب طروادة 
سنوات وسنوات؛ ووقعت فيها أحداث وأحداث؛ وتكررت المنازلات الجماعية 
والفردية؛ وتوالت عمليات الكره والفرومات الكثير من الأبطال هنا وهناك, 
ودارت دورات الهزيمة والانتصار بين الطرواديين المدافعين عن وطنهم وقوات 
الغزو الإغريقية ولكن كل تلك الأمور لا تدخل في صميم الهدف الذي 
وضعه هوميروس نصب عينيه. فهو ليس مؤرخا يسجل وقائع هذه الحرب 
بدقة. إنه شاعر فنانء: مؤلف مبدع. له أن يختار من هذه الحوادث ما يهمه 
أي ما يخدم تحقيق هدفه. وهدف هوميروس ليس هو تأريخ وقائع حرب 
طروادة وإنما التغني بحادثة واحدة فقط شغلته أكثر من غيرها وكانت وراء 
نظمه للملحمة كلها ألا وهي «غضبة أخيلليوس المدمرة». ولريما وجد في 
هذه الحادثة التعبير الملحمى المتكامل عن الحرب كلها . كان أخيلليوس بطل 
الأبطال الإغريق قد اجر عت ملك الملوك وقائد الحملة الإغريقية 
أجاممنون الذي اغتصب منه إحدى محظياته فترك الحرب واعتكف في 
خيمته وما كان للاغريق أن ينتصروا بدون أسلحة بطل أبطالهم. فأرسلوا 
له الوفود تلو الوفود بالهدايا والوعود محاولين أن يثنوه عن اعتزال الحرب 
وما أفلحوا. لكن ما أن علم أخيلليوس بمقتل صديقه باتروكلوس على يد 
هيكتور البطل الطروادي حتى استشاط غضبا فعاد للحرب على الفور 
وقتل هيكتور ومثل بجثته إذ جرها بعربته حول مقبرة صديقه وحول أسوار 
طروادة. وهكذا يضع لنا هوميروس المثل الذي يحتذى في فن الكتابة الأدبية 
والتأليف الإبداعي بصفة عامة وهو الانطلاق نحو الهدف الذي يحدده 
المؤلف لنفسه مباشرة ومنذ الخطوة الأولى. وهو ما يسميه النقاد يمبداً 
«إلى قلب الأشياء» (65 5دذلهم: هذ) والذي لا يزال ساريا إلى يومنا هذا. 
ومما يؤيد كلامنا استهلال هوميروس لملحمته الثانية «الأوديسيا» إذ 
يقول «غن يا ربة الشعر عن الرجل الرحالة الذي هام يجوب الأفاق بعد أن 
دمر مدينة طروادة المقدسة». خفى هذين البيتين كما فى استهلال «الإلياذة» 
قاس الظاس سعد وارية الشعر تكن ظاويه الأغنية | الحكية الت وريه 


536 


هوميروس: المبدع الأول 


إنشادها. وهو هنا كذلك كما فعل في استهلال «الإلياذة» يحدد موضوع 
ملحمته الذي لا يحيد عنه ولا يلف حوله في غير طائل؛ إنه تشرد أوديسيوس 
في الآفاق أثناء عودته من حرب طروادة التي انتهت بتدميرها وحرقها. 
فرحلات أوديسيوس الملاح التائه إذن-كفضبة أخيلليوس في «الإلياذة»-هي 
بيت القصيد وهي فلب الملحمة ولبها الذي يتجه إليه الشاعر مباشرة مند 
اللحظة الأولى وبكل إمكاناته. 

و رغم تواجد الآلهة النشط في أحداث «الإلياذة» و «الأوديسيا»-وهو ما 
ستعوذ إليه-إلا أنهما ليستا ملحمتين دينيتين. فعظمة هوميروس تكمن في 
أن شعره هو ترجمة لتجربة إنسانية لا إلهية. ذلك أن هدف هوميروس 
الرئيسي هو التغني بأمجاد الرجال (دمعلصة 162؟1) هذا مع أنه دأب على 
القول بأنه ما كان ينبغي له أن يتغنى بهذه الأمجاد نفسها لو لم توحي إليه 
ربات الفن بذلك. وتتجلى عظمة هوميروس في أن وصفه للعالم الذي 
تجري فيه أحداث ملحمتيه يلصق بالآذهان وكأنه ذكرى عنيدة لمكان حقيقي 
عشنا فيه ردحا من الزمان. مكان لا تفارقنا ذكراه وتنطبع في حواسنا 
رائحته وأصواته و ألوانه المميزة. ولكل مكان عند هوميروس نكهته الخاصة 
التي لا يمكن أن نخطتها قط فهي مميزة عن غيرها . هذا هو عالم هوميروس 
الخالد سواء أكان ما يصف هو مشهد قتال عنيف أو موت مفاجيّ أو حتى 
مناظر طبيعية خلابة في جزيرة أوديسيوس الصغيرة إيثكي أو في أرض 
الكيكلوبيس. وافي بحثت في كل صفحات الأدب الأوروبي قديمه وحديثه 
فقط لا تجد مقطوعة أكثر إثارة من الأبيات 15١-١16‏ في الكتاب التاسع من 
«الأوديسيا» حيث يخاطب أوديسيوس الكينووس ويقول «عندئن وصلنا جزيرة 
صغيرة تمتد في مواجهة الميناء فهي ليست بالملتصقة بساحل أرض 
الكيكلوبيس ولا هي بالبعيدة عنه. جزيرة كثيفة الخضرة؛ تعيش فوقها 
قطعان لا حصر لها من المعيز المتوحش. لأن قدم الإنسان لم تطأ بعد هذه 
الأرض فتطرد هذه القطعان. وما اعتاد الصيادون على زيارتها... وهي 
جزيرة ليست بالفقيرة فأرضها تنتج كل الثمار ولكن في مواقيتها المحددة... 
وبها تقع المستنقعات بجوار شاطئ البحر الرمادي.. وهناك تتوفر الأعناب 
على مدار السنة.. وعند رأس الميناء ينبثق من أحد الكهوف نبع فيفيض 
بالمياه الصافية وحوله أشجار الغار الباسقة. إلى هناك أبحرنا وقادنا اله 


37 


الشعر الاغريقى 


قات الخ». 

فهنا يصف أوديسيوس جزيرة صغيرة رست عندها سفنه مؤخرا حيث 
تعد ينيوها ضناضا من امياد العاية ضصيظة اشجار لسري زهذا عله يم 
بالقرب من المرسى الذي حط به أوديسيوس. فهو مشهد مكثف يجمع بين 
عناء السفر وعناء الطريق من جهة وقرب النزول بالشاطئ من جهة أخرى. 
وعلى الشاطئ يختلط الضباب بالظلام ونسمع-ولا نرى-أصوات الآمواج 
وهي تتكسر فوق الصخور جنبا إلى جنب مع صوت خرير المياه العذبة وهي 
تنساب من الينبوع صافية. إنه وصف هو مري خلاب؛ أصيل وجذاب. 

وهناك عنصران آخران مميزان لهوميروس. أحدهما هو تقنية القوائم. 
وأهم هذه القوائم الهومرية وأفضلها هى تلك التى ترد في «الإثياذة» (الكتاب 
الثاني بيت :484 وما يلية) بحيث يورد الشاغر سجلاً بالجيوش الآخية, وفنا 
لاا شك فيه أن مثل هذه القواكم ١‏ ترهق القارئ الحديث ولكنها وقد وردت 
في ملاحم أخرى شفاهية من العالم القديم السابق على هوميروس ضأنها 
كانم ووثارةالسول تاريكي يقي أن تخيو إلى أن مكل هده القواكم لم شل 
مني احاديث الريبل في التراجيديا الأقريقية كما سترى فى الباب الغاتى 
من هذا الكتاب. 

أما العنصر الثاني فهو التشبيهات. والتشبيهات الهومرية إما قصيرة 
جدا وعابرة وإما مطولة وراسخة ومثال على النوع الأول نراه عندما يبكي 
باتروكلوس فيقول صديقه أخيلليوس عنه إنه يبكي كبنت بلهاء («الإلياذة» 
الكتاب السادس عشر بيت 7- 8). ومثال على النوع الثاني يرد في الكتاب 
الثاني حيث يستمر التشبيه من بيت ١4|‏ ص 47 . ويستخدم هوميروس كلا 
من النوعين بصفة مستمرة. وهو أحيانا يستطرد في التشبيهات المطولة 
اك بهد انها عدو ستفرطة زو نتف الارمال سيق انها إذا ذقعفا الفطنن 
يمكن أن نعتبر هذا التطويل أو التمديد شيئًا مناسبا للسياق الذي ورد فيه. 
والانطباع العام الذي يخرج به السامع أو القارئ لملاحم هوميروس هو 
نفس الانطباع الذي يحس به المرء عندما يشاهد بعض لوحات الرسم التي 
يحرص أصحابها عل أن يضيفوا-إلى جوار الموضوع الرئيسي الذي تسلط 
عليه الآضواء-ما يسمح لنا بإلقاء نظرة من نافذة جانبية صغيرة عل مشهد 
طبيعي ساحر ومرسوم بعناية فائقة. وهو منظر يعكس الحياة الرعوية 


هوميروس: المبدع الأول 


الوديعة. وبعض المشاهد الهومرية موروث وقديم يمكن أن نعود به إلى 
العصر الموكيني نفسه. وبعضها أصيل مبتدع أو بالأحرى مستمد من الحياة 
اليومية لعصر هوميوس نفسه. وكان هوميروس الذي أدرك فظائع الحرب 
التي يصف أحداثها وقدم تفاصيلها يعوض سامعه بهذه المناظر الجانبية 
الوديعة. فهو مثلا يصف رجلا يقع من فوق عربته الحربية عل رأسه وتظل 
هذه الرأس مغروزة في الرمال! وفي مكان آخر يصيب حجر مقذوف عين 
أحد الرجال فيخلعها وتسقط العين على التراب تحت قدميه!!. وفي مقابل 
ذلك يقدم هوميروس صورة رومانسية لناوسيكا وهي تغسل الملابس مع 
وصيفاتها على ضفاف النهر! ويصف لارتيس العجوز وهو يضع في يديه 
قفازة ليدفع عنهما الأشواك أثناء العمل في الحقل. وهذه الأمور الصغيرة 
الجانبية هي التي ترسم الخلفية الرقيقة للأحداث الملحمية الضخمة. 
وبالطبع فقد استخدم هوميروس نغمة تناسب كل لون من هدين اللونين في 
ملحمته-والحياة بصفة عامةسواء هذا اللون الوديع أو ذلك الفظيع في 
قامته أو عنفه. 

وفي العادة يأخذ هوميروس مادة تشبيهاته من حياة البسطاء وهو بذلك 
يخفف من حدة العنف الذي يسود أحداث ملحمتيه. حقا إن بعض تشبيهاته 
مستمدة من الموروث الملحمي القديم إلا أن الأغلبية-لا سيما التشبيهات 
الطويلة والمعتنى بها من ابتداعه هو وجاءت لترسم ما يراه حوله وفيها نجد 
امرأة تطرد الذباب عن طفلها وأخرى تصبغ قطعة من العاج لتصنع سرجا 
للحصان:؛ وفيها نجد الرجال يحصدون الشعرء والصبية يضربون حمارا 
قد انفلت يجري أمامهم على غير هدى في حقول الغلال. وفيها أيضا نلمح 
طفلا يبني قلاعا في الرمال؛ ورجالا يسقطون شجرة من عليائها ليصنعوا 
من أخشابها ألواحا للسفن. وها هي امرأة تغزل الصوف وتبيع من غزلها 
ما تعول به أولادها وتصد عنهم مغبة الفاقة وينطلق بنا التشبيه الهومري 
أحيانا إلى البراري مع الرعاة الذين هبوا يصطادون أسدا بليل وعلى ضؤ 
المشاعل وأحيانا أخرى نشعر بالراحة والبهجة مع الأطفال الذين شفى 
أبوهم من مرض عضال. ونتابع رجلا يقلب الشواء عل النار حتى ينضج. 
ونردد مع مسافر يتوقف هنيهة ليتدبر أمره ويفكر في اختيار الطريق الذي 
سيسلكه بعد هذه الراحة القصيرة. ونشاهد صانع الفخار يصنع إناء 


3536© 


الشعر الاغريقى 


سمكديرا مستعدها السجلة ون يصييها ليلع الرجل ضوع أقف الفرع ويقفق 
إلى الخلف يمن شدة انبرل امام بان يكلوى وك نيعي سو وات يقي 
بالدموع أمام محرقة ابنه الصغير الذي دفنه توا . هذه أمثلة قليلة من 
تشبيهات هومرية لا حصر لها وهي متعددة الألوان؛ وتعكس في مجموعها 
حياة البسطاء. ويستطرد هوميروس أحيانا في تفاصيل أحد التشبيهات 
نما اكد لا ساب اللوقت حمسن اد يدك انلها فق يكنا كن معد نكن ذا 
الاسسطراد تيه يق عمق اسداس وطولمحايضة القاهونا بصنت 
وهكذا تكمل التشبيهات الهومرية الحدث الملحمي لأنها توحي بأن العالم 
البظولي لبس كل شيع صمن هوميووين: لآن معتى هذا العالم انهم ل 
يمك استعابه إلا إذا قارتاء كالم الخر سيط ومقواض الناية, طالتقبييات 
الهوسرية إذن وسيلة عن وسائل الشاعر لعقد.مشارئة بين العاليق وبعدها 
يرق العالم البظوتي اللحمى أبقى تأثيرا وآنقى تصويرا من ذي قبل: 

وير خوميروس يتكرار العبارات »ا للسمية اللالوظة واكورو كذ الخيجميع 
كلاتفاق انظياعا بالأصياثة واتواكفية, فعها أن تكرار هذه العبارات 
والحوادث هو نتاج طبيعي لتراكم الرواية الشفوية فإنه عند هوميروس 
بصفة عامة يعمل على طبع هذه الحوادث والعبارات في ذهن الراوي والسامع 
معا. كما يتسم الأسلوب الملحمي النمطي عند هوميروس بالحيادية أي أنه 
يترك الجمهور يحس بنفسه ولنفسه وهذا أسلوب يدفع هذا الجمهور إلى 
تركيز الانتباه في كل صغيرة وكبيرة مما يروي عليه. 

ومع أن شخصيات هوميروس بطولية وخيالية إلا أنها بأفعالها وحياتها 
التومية قابلة ااتسديق جد متنية ذلك أنها تتمهم بالكراكر الأساسية 
والأحاسيس الإنسانية ومثال ذلك الفقرة التي ترد في «الإلياذة» (الكتاب 
|الساسى فيك 396 وها بلية) والقى تصق اوداع هبكقور يظل اليطال 
ظروادة تزوجته اندروماخي: فهذه الفشرة تضم أفكارا وتصف مشاعرا 
يمكن أن تنشأ بين أية زوجة وزوج في مثل هذا الظرف أي عندما يخرج 
الركل للفشركة ولقظر لياه قيادية خطيرت يرتم الؤرحة هن خرف وفاج 
على مصيره ومصيرها والمستقبل الذي ينتظر أسرتهما. فتودعه بالدموع 
والوقار مها 

ومع أن هوميروس يتغنى قبل كل شيء بالآمراء والنبلاء إلا أنه لم يهمل 


420 


هوميروس: المبدع الأول 


تماما عامة الناس. ومثال ذلك ثيرسيتيس الذي رغم أنه يقدمه لنا في 
صورة كاريكاتيرية إلا أنه يقول لأجاممنون بعض الحقائق المرة التي تصيب 
هدفها وتحقق غرضها.”" بل لا ينسى هوميروس متاعب الخدم ولا حتى 
الحيوانات. فحصان أخيلليوس بطل الأبطال الإغريق يحمل اسما كسائر 
الناس وهو كساثوس (0005ة26) وينطق بصوت وحس انسانيين لدرجة أنه 
ينب سيده مقدما بموته المرتقب «الإلياذة» الكتاب التاسع عشر). وكلب 
أوديسيوس العجوز يحظى من هوميروس باهتمام بالغ: «هناك يرقد كلب... 
اسمه أرجوس... امتلكه أوديسيوس نفسه ودربه قبل أن يبحر إلى طروادة 
المقدسة... ولكنه الآن في غياب سيده يرقد مهجورا فوق أكوام الروث في 
حظائر البغال وقطعان الماشية» نهبا للحشرات. غير أنه ما أن أدرك وجود 
أوديسيوس حتى هز ذيله فرحا وأرخى أذنيه اطمئّنانا بيد أنه عجز عن 
الاقتراب من سيدهء لأنه ما أن وقعت عيناه على أوديسيوس بعد التسعة 
عشر عاما من الغياب حتى تلقفته الأيدي السوداء للموت» «الاوديسيا» 
الكتاب السابع عشر بيت 291 وما يليه). هنا يصف هوميروس كلب أوديسيوس 
وكأنه إنسان له مشاعره الخاصة ولكنه مع ذلك يظل أنموذجا فريدا وخالدا 
للكلب المخلص. 

لقد عرفت الحضارة الموكينية قصصا قديمة عن الآلهة وأضافت إليها 
قصصا أخرى بطولية أي عن بعض البشر. وهذه القصص وتلك كانت 
الموضوع الذي تغنى به الشعراء المتجولون فيما قبل هوميروس وكانت قصص 
الآلهة خفيفة وجذابة وسارة أما قصص البشر فكانت قاتمة مليئة بالرعب 
وأعمال العنف مثل الزنا وأكل لحوم البشرء وقتل الأباء والأمهات وذوي 
القربى: وتقديم البشر كقرابين والأخذن بالثأر. وكل تلك الموضوعات شائعة 
بالفعل في القصص البطولية الإغريقية وهي موروثة عن العصر الموكيني 
القائم على التوسع والحروب والذي انتهى بكارثة عامة. وإذا كان أهل 
العصر الموكيني قد سروا وتمتعوا بسماع هذه القصص فإن شعراء الفترة 
الكلاسيكية قد اتخذوا منها وسيلة ومنطلقا للتفكير في حالة الإنسان 
وللتعبير عن طموحاته ولتصوير مصيره بصفة عامة. هذا ما حدث على 
الأقل بالنسبة لشعراء المسرح الإغريقي التراجيدي. لقد وجد الشعراء 
الإغريق تحت أيديهم مخزونا هائلا لا ينضب معينه من القصص المتنوعة 


ك١‎ 


الشعر الاغريقى 


والتي تجمع بين الحدة الدرامية والخيال الراقي؛ والعواطف الجامحة, 
والحكمة الإنسانية: والمعاناة القاسية؛ والسحر الأخاذ. هذه كلها تجارب 
عميقة تقبع في ضمير الشعراء الإغريق لأنها جزء لا يتجزأ من تراثهم 
الأدبي. وأصبح هذا التراث البطولي مرتبطا بالفترة كلها التي سميت بالعصر 
البطولي أو عصر الأبطال. قهي لا ترتبط بفرد دون غيره بل تتصل بالأجداد 
ككل مما أعطى لهذه القصص أفقا أعرض ومغزى أعمق وأهمية أشمل. 
وأصبحت معرفة هذه القصص القديمة أمرا مفروغا منه حتى أن شعراء 
الملاحم والمسرح يفرضون أن جمهورهم يعرف الخطوط العريضة لما سوف 
يسمعونه أو يشاهدونه ومن ثم فعليهم المحافظة على هذه الخطوط العريضة 
دون أن يمسوها بالتغيير ولهم مطلق الحرية فيما عدا ذلك أي في التفاصيل. 

وعندما جعل الإغريق منيموسيني (- «الذاكرة»») أم ربات الفنون «الموساي» 
فانهم ١‏ كانوا بذلك يعنون أن شعرهم القديم شفوي يعتمد أساسا على 
الذاكرة في بقائه عبر العصور. ولقد ظل هذا المعنى موجودا حتى بعد أن 
عرف فن تدوين الأدب. وبعبارة أخرى نريد القول بأن الفنان الإغريقي لا 
بد أن يعي دروس الماضي فعلى الشاعر مثلا قبل أن يهيمن على أدواته 
التعبيرية أن يلم بالتراث القديم من القصص الأسطوري. 

لقد فقد التراث الشعري الشفوي الذي كان موجودا فيما بين العصر 
الموكيني المزدهر وفترة ظهور هوميروس والعصر الكلاسيكي الذي في بدايته 
عرف الإغريق الأبجدية وفن الكتابة. ولكن هذا التراث المفقود قد ترك 
بصماته لا على هوميروس فحسب بل على الأدب الإغريقي بعامة. فهو 
مثلا صاحب الفضل في الجمع بين القديم المألوف والجديد الأصيل أي أن 
يبقى الأدب أمينا على التراث القديم ومع ذلك يضيف إليه معطيات العصر 
الجديد . هذا ملمح واضح في ملحتي هوميروس إذ تتبنيان تقنيات ملحمية 
ومادة خام شعرية تنتمي إلى العصر السحيق ومع ذلك تقدمان لنا صورة 
للحياة المعاصرة لهوميروس نفسه. بل إن هذا الملمح ذاته هو أكثر ملامح 
المسرح الإغريقي التراجيدي والكوميدي بروزا بمعنى أنه مسرح يقوم 
بالأساس على مألوف موروث وقديم غاية في القدم ومع ذلك يتحدث عن 
مجتمع أثينا في القرن الخامس. ويمكن تتبع نفس الظاهرة في تاريخ 
هيرودوتوس ومحاورات أفلاطون ورعويات ثيوكريتوس. وهذا الإحرام أو 


412 


هوميروس: المبدع الأول 


التبجيل للماضي قد حفظ الإغريق من تضييع جهودهم في الجري وراء كل 
جديد مستحدث مهما كان. لقد بحثوا حقا عن الجديد ولكن في إطار 
تقليدي ودون أن يأتي هذا الجديد على حساب ماضيه العريق. ولا يعني 
هذا بآية صورة أنهم يقدسون القديم ويقيمون له المعابد ولا يطمحون إلى 
تجديده أو أنهم كانوا يتبعونه في شيء من العبودية. ولكنهم | كانوا دائما 
يرون ضرورة إضافة شيء ما إلى الموروث القديم. قد تكون الإضافة مجرد 
تعديل أو تبديل في الاتجاه ولكنها على أية حال إضافة إذ لم يكن مبعث 
سرون أوتشخن بالنسية لهم آخ يقفوا عنه مسجرد فسخ أعمال القدماء. 

وهذا الجمع العظيم بين المحافظة على القديم والسعي وراء التجريب 
والتعزيد موقل بخافية القطرة الجماقية الأقريقية لالأقياء رتفي احدرام 
الإغريق للشكل. فهم يحبون أن تكون الكلمات الشعرية ذات نسق منتظم! 
وجميل كما هو الحال في تماثيلهم الحجرية والبرنزية وعندما يحققون 
هذا النسق الجميل ييذلون أقصى ما يستطيعون للحفاظ عليه. وبذا كان 
للشعر الإغريقي الجمال الشكلي الموقر دون أن يمثل ذلك عائقا أمام الشعراء 
في سبيلهم | للتعبير عن أدق المشاعر والمتغيرات. بل على العكس من ذلك 
ساعدهم على انتقاء الكلمات المناسبة والهيمنة على أدواتهم ا التعبيرية 
بصفة عامة. 

يعامل هوميروس أحداثه وشخصياته الملحمية معاملة تفوق في وعيها 
تسكن تصوره فى | للثية بطوائية مخليدية فيو مسن يكل ها يقول | حببانها 
دقع اح آنه يعدل وييدل:فى اتخداث:القدرة التخليدية من جل مععيق 
المشاعر. فمن المقطوع به أن الموروث الملحمي قبل هوميروس قام على 
أساس أن اخيلليوس قتل هيكتور ومثل بجثته انتقاما لمقتل باتروكلوس. هذا 
ما يناسب العقلية الموكينية وفكرة ذلك العصر عن الكبرياء والانتقام. ولكن 
الوميروسى لف ايقدح كنا هنزم الصو بيت ذاقيرها مع أنه ساطظ عاى خطوظها 
العريضة. فطوال الملحمة يدفعنا هوميروس دقفعا إلى توقع ألا يمثل أخيلليوس 
بجثة هيكتور وأن يقطع رأسه فحسب بل وأن يلقي بجسده إلى جوارح 
الطير أو الوحوش المفترسة وفي اللحظة الأخيرة يحجم هوميروس عن أن 
يجعل بطله يقدم عل مثل هذا الفعل البربري. حقا إن أخيلليوس يحتفظ 
مهو كتور ب خرينه تضوف يها كيف يق دين الأنقياء من سواليية 


4253 


الشعر الاغريقى 


دفن باتروكلوس. فتحفظ الآلهة هذه الجثة من العفن وحتى يذهب والد 
مرعكون أن بررافرس لسن ويتزساك إلى لابلا يوي ان يكاج ففة ابقة 
ويستجيب البطل الإغريقي بالفعل. وتتم عملية دفن هيكتور بين آله وصحبه 
وانسبه على التتحو اللاكق, وكنتين اللحمة الهوموية لقم موشورة السظامن 
الكروالقيل البطوليية. نفس الصعداء جميغا: وكما فيد اللحمة يتاجيج 
عاطفة الغضب بقلب أخيلليوس تنتهي بعلاج هذه الغضبة وتهدكة خاطر 
ضائحيها الأن مرافكة اخباليوس هل سدليم'الحلة لرريادووى لعي أنه قل 
شفي من عاطفة الغضب العنيف الذي جعله في البداية يهجر المعركة 
القومية ويخذل الأصدقاء والرفاق ويعتزل الفعل البطولي ثم يعود للقتال 
ببأس أشد وعنف أمضى ينتهي أو قل يشفى بقتل هيكتور والتمثيل به. 
وهكذا يكسب أخيلليوس عطفنا وإعجابنا في بداية الملحمة كما يزداد هذا 
العطف والإعجاب في نهايتها ويثبت هوميروس أنه ليس فقط شاعرا ملحميا 
بل فنانا يفكر يصورة درامية وهو يرسم أحداث وشخصيات محلمتيه ولذا 
صار بمثابة القدرة التي حذا حذوها شعراء المسرح الإغريقي. 
وعوبيروس هو اوناكف العالة يصون الحياة الاقبانية كيس 
متكاملة يكل جوانيها المختافة. قد يقاول بعض هذه الجوائب بشيء من 
الاختصار أو العجلة ولكن يكفي أنه يسجله ويسعى به. كما أنه قد جمع بين 
التراث الأسطوري القديم والحياة المعاصرة ولم يكن احترامه للتراث أو 
تبجيله للقديم عائقا منيعا أمام التجديد .هذا التراث هو الذي جعله يتحدث 
مخ كتخضديات يطرلية [رشع مسترى من شخصيات السياة البرمية ..ولكنه 
أي هذا التراث هو الذي-في نفس الوقت-منحه ميزة رؤية الأمور من مسافة 
جمال#متطلبها الأعمال الشعرية الشاكجة على الكيال+ لم وسككرق بوميروسن 
في الغموض أو التضخيم المباح فيه ونجده حتى.ضي المسائكل الصغيرة مثل 
الأساعة واثلايين والخيول والعريات يحمعنيخ القديم والعاحسر: آم بالسية 
لوضنق الأماكن واللشاسن الطيعية وعلاقة الاتسان يالآلية وفصنويز الحواطلق 
والمشاعر فنجده يخلط بين الماضي والحاضر في صورة متكاملة لا يمكن 
العمل برى اجراكهاء ]ته به إكى اعساق الرجال والتسام ويقد مهم لتادون 
تليق زو نكم من خاليكم واذا واد ان وقول لنا شيك عقوم يجعايم بد نور 
ويقولونه أو حتى يفعلونه. فهو مثل شكسبير في مسرحياته لا يتعاطف مع 


441 


هوميروس: المبدع الأول 


كل شخصياته التي ليست على أية حال دمى يحركها هو ليقدم لنا دروسا 
لخلاقية وموافظ ونعنها منادع إقنائية معقارة بحتاية ومرمدوبة يدق 
فيها القوة والضعفء العظمة والخسة. 

و يعطي لنا هوميروس مثلا رائعا في درامية الكتابة الشعرية الملحمية 
فهو مثلا يجعل الربة أثينة تتنكر في صورة مينوتيس وتدخل قصر أوديسيوس 
في لكي وقلق سوبها في المكان اللخميض لتعليق السسهام ونعد ذلك يول 
لنا هوميروس إنها طارت كطائر وقد يعني هذا أنها تركت سهمها في 
مكانه. لم يذكر هوميروس شيئًا من هذا ولا يهمه أن يذكر فهو يريدنا أن 
تركز الاقياء عل الأمور الرئيسية امؤفرة ونكرك التفناصيل العبانبية حكئ لا 
ينقطع حبل الرواية أو يتشتت الاهتمام. وهو يطلب منا أيضا-بغير صريح 
العبارة-أن ننسى بعض الأشياء الصغيرة التي قيلت في بداية الملحمة لأننا 
الكل بصور اسه رة م ضاق رسيا قب كيال يقنم انا ديوميدين: الالياة 
يهاب الآلهة بعنف. وبعد ذلك يقدمه لنا بصورة أخرى أي كإنسان لا يمكن 
أن يفكر في مثل ذلك. فديوميديس في المرة الثانية يتحدث في سياق جديد 
وفي ظل ظروف محتلفة وعلينا أن ننسى أو نتناسى ما قيل عنه أو ما بدر 
منه من قبل وفي ظروف أخرى. وبالمثل لقد مسخت الربة أثينة أوديسيوس 
مرتين في هيئة شحاذ «بالأوديسيا» لكي لا يكتشف أمره مبكرا وفي نهاية 
المرة الأولى قيل لنا أنه قد أعيد إلى حالته الطبيعية. أما في المرة الثانية 
فلم يذكر شىء من هذا القبيل وغلينا فحن أن نعرض ما إذا كان هد اعيد 
إلى الحالة الطبيعية أم لا من تصرفات الرجل نفسه ومجريات الأمور. وفي 
«الإلياذة» يقدم لنا هيكتور وهو يودع زوجته أندرماخي ولا نراهما بعد ذلك 
معا قط وللأبد ولقد تركنا هوميروس لنقرأ ما بين السطور فمن الأرجح 
آنهما قضيا ليلة الوذاع معا في منرل الزورجية أو في أي مكان اغوي نفس 
هذه الليلة انسحب الطرواديون إلى داخل المدينة. وفي «الأوديسيا» يودع 
أوديسيوس كاليبسو الوداع الأخير ولا نراهما معا بعد ذلك وينشغفل 
أوديسيوس ببناء السفن التي ستعود به إلى وطنه . وهذا ما يقوله هوميروس. 
أما ما بين السطور فيقولشيئًا آخر وهو أن اوديسيوس مكث مع كاليبسو 
أربعة أيام كاملة بلياليها قبل أن يرحل عن أراضيها. 

تعتبر «الإلياذة» و «الأوديسيا»-إذا قورنتا بالملاحم الأوروبية الحديثة 


45 


الشعر الاغريقى 


مثل «الفردوس المفقود» لميلتون-ملحمتين ملهمتين بمعنى أنهما من الشعر 
الملحمي النابع مباشرة من أفعال بطولية بصورة تلقائية. ومثل هذا الشعر 
الملحمي كان موجودا حتى قبل هوميروس كما سبق أن المحنا وكما يرد في 
«الإلياذة» (الكتاب التاسع بيت 186 وما يليه) حيث يذهب وقد آخي إلى 
أخيلليوس المعتكف في محاولة لاسترضاته فيجدونه يعزف على قيثارته 
متغنيا بأمجاد الرجال أي منشدا شعرا ملحميا. وهدف مثل هذا الغناء 
المللحمي عملي ونفعي لأنه يعطي تسجيلا شعريا وحيا للبطولات كما يمتع 
كلا من المشتركين في الغناء والمستمعين إليه. وهو شعر يصف عالما حقيقيا 
الابخياليا مدرها ولو أن غلالة من الساحرية قد تلف عملية الغناء الملحمي 
برمتها. ولكن هذا ما نلاحظه حتى في ملحمة أوروبية حديثة مثل «أغنية 
رولان» (لصهاهخ] عل دمكهه0) التي تتغنى بأعمال بطولية خارقة ومع ذلك 
يشعر المرء بأن هذه القصيدة تقوم على أساس وصف حادث فعلي. 

هناك نوع آخر من الملاحم يختلف عن ملحمتي هوميروسء ملاحم 
تعالج أحداثا أسطورية تتفاعل في ذهن الشاعر ومع خياله. وهذا ما حدث 
بالنسبة لأبوللونيوس الرودسي وهو ينظم ملحمة «الأرجونوتيكا» (أي «رحلة 
السفينة مأرجو» إنه يتبع الخطوط العريضة للأسطورة كما وردت عند 
شعراء التراجيديا الإغريقية ولكنه يخترع شخوصا وأحداثا جديدة يرويها 
بالطريقة التي تروق له. فشخصية ميديا مثلا في الكتاب الثالث يرسمها 
أبوللونيوس بوعي سيكولوجي عميق كما أن لحظة الشك التي تنتابها (بيت 
5 وما يليه) مقنعة لأقصى حد وتشبه لحظات التردد التي مرت بها ماري 
هاردي في نهاية الرواية المنشورة عام ١936‏ م بعنوان «سباركن بروك» 
(عكاه:طمعانةهم5) لتشارليس مورجان (1894- 1958م) بيد أننا نلاحظ أن 
مغامرات بحارة السفينة أرجو عند أبو للونيوس الرودسي في نهر الدانوب 
والبو والرون من اختراع الشاعر نفسه وتعكس سعة اطلاعه واهتماماته 
الجغرافية وهي سمة مميزة لعصره أي العصر الهللينستي. 

ما يهمنا الآن هو أن ملحمة أبوللونيوس الرودسي قد نظمت في سعة 
من الوقت وروجعت وصححت كثر من مرة وهي تخاطب جمهورا قارثا 
بصمت أو بصوت مسموع-بعكس ملاحم هوميروس الإنشادية أي التي تلقى 
على جمهور منصت. ومن ثم يمكن القول عن ملحمة أبو للونيوس أنها 


410 


هوميروس: المبدع الأول 


ملحمة اغلبها من صنع الخيال أو على الأقل غير واقعي وتخاطب الذهن 
اكذر هقاطب لدعو انج وها مو خنطية على ماسينة وال 11 
لفرجيليوس و «الفردوس المفقود» لميلتون. فعالمهما من صنع الشاعر وهو 
شيء ينبغي-ألا نتوقعه من هوميروس الشاعر الملحمي. تدور ملاحم 
أبوللونيوس وفرجيليوس وميلتون في الأغلب حول موضوعات تجريدية ورب 
قائل يقول إن (غضبة اخيلليوس) التي تقوم عليها «الإلياذة»-مثلا-فكرة 
تجرودية أيشاء وقد ركون هذا سنعيحا نيد اتناافي اللتسية تفنيها الأدون 
هذه الغضبة إلا في إطار وصف أحداث ووقائع محسوسة وتشكل أساسا 
فنيا وواقعيا للإنشاد الملحمي. أما في «الإنيادة» لفرجيليوس فالموضوع 
الرئيسي هو عظمة روما وكذا في «الفردوس المفقود» لميلتون فالهدف هو 
وصف سقوط الإنسان؛ بيد أن الملحمتين تضمان الكثير من الحوادث 
والتفاصيل الإضافية التي قصد بها على وجه العموم تأكيد الموضوع الرئيسي 
ولكنها في مجملها لا ترتبط عضويا بالحبكة الفنية للملحمة. مثال ذلك 
الاستعراض التنبئي لتاريخ روما الذي يقدمه لنا أنخيسيس في العالم السفلي 
بالكتاب السادس من «الإينيادة». لقد وضع فرجيليوس من البداية هدفا 
واضحا نصب عينيه وسعى إليه بكل الطرق وبكل الوعي مما أفقد ملحمته 
كنم العقوية وطلاوة التاضاكية المترفقة وأصبح يطل أبتياين وهام تمكلفا 
من الفضائل الرومانية وبذلك أخرجه من نطاق البشرية وشتان بين هذا 
البطل وأخيلليوس أو أوديسيوس الهومريين!. 

ضفوة القول ان موميروين ذل الشمر اللحضي الأسبول والغاتم هل 
تقنية الشعر الشفوي لا الآأدب المكتوب. وهي تقنية تتجلى في عدة جوانب 
أهمها جميعا الحبكة القائمة على وحدة الموضوع والجو النفسي العام مهما 
وقع من تكرار أو استطراد . ونتيجة أخرى يمكن أن نستنبطها من دراستنا 
للتقنية الملحمية الهومرية وهى أن التفكير الدرامى صفة مميزة للحقبة 
الأخريكية نقذ البداية وسساكد هذه الضجة كلما محيينا قدما في صفحات 
هذا الكتاب الذي بين أيدينا. ونقطة أخيرة نود التنويه إليها قبل أن نترك 
الحديث عن وحدة الموضوع الملحمي عند هوميروس ونعني أن هذا الشاعر 
هو أول من فجر قضية جوهرية لا تزال تشغل كل المهتمين بالآدب والفنون 
إلى يومنا هذا أي قضية التعامل مع التراث. فموضوع هويروس ليس الماضي 


47 


الشعر الاغريقى 


فقط بل الحاضر أيضا فهو يتعامل مع أساطير الأبطال القدامى ولكنه 
يصور حياة معاصريه وبذلك ضرب المثل الذي حذا حذوه كل الأدباء والشعراء 
الإغريق من بعده. بل لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن الآداب الحديثة 
كلها لا زالت تتبع هذا الأنموذج الهومري وهي تتعامل مع التراث الموروث 
عن الماضي البعيد . إذ ما هي الفائدة المرجوة من إحياء التراث-أي تراث-إن 
لم ا يكن يهدف إلى خدمة الحاضر وتصوير أحواله وتسليط الضوء على 
آماله وآلامه؟ 

برسم الشخصيات: 

في الملاحم الهومرية نجد الشاعر لا يتغنى فقط بأمجاد الرجال بل 
بأففال الآلهة أيضا فهذان عنصران متلازسان: تسبل كل من نشقة الآنية 
والزجا بالتناون مع الأخك ديل همل الواجدة متها عل كشت النقات عن 
الخساكسس الجوهرية [لأخرى وينق زوايا سخطنة ومقغاددة يجيه تتشم لنا 
صووناهنا مها تلن نعو متكاماء في النهاية. هنذا حااشد قود إليه رينت 
الآن أن تفوس إلى أن الظتروف الاجتماهية والسياسية الخاصبرة لووميروس 
وكذا مبدأ الالتزام بالتراث أقتضيا منه ومن أي منشد ملحمي أن يوجه جل 
اهتماماته للأمراء والملوك قبل غيرهم . ويطلق هوميروس عليهم صفة «شبيهو 
الآلهة» أو «أنصاف الآلهة» أو «أقران الآلهة» وهو بهذا يكرم جيل الأبطال 
القذامى ويبرهتن لجمهوره المعاضر كيف أنه قن أجاد :اخثيان فاكمة 
شخصياته. وليس بين هذه الشخصيات سوى عدد قليل من ذوي الأصل 
المتواضع. فحتى راعي خنازير أوديسيوس يومايوس الذي كان الفينيقيون 
قد اختطفوه منذ طفولته وبيع كعبد ثبت أنه نبيل بالمولد في النهاية. كما أن 
قوق الآضبل الوضيع يعدهون بصبورة فيها الكثيرمن السشرية وامتال الشهوو 
على ذلك هوثيرسيتيس-وسبق أن ألمحنا إليه-الذي حاول أن يسخر من 
نلوك وامراء الأحيين قي التحلين فظلين كلفا وقبيها بعييت إن انصن ليم 
أوديسيوس حين ضربه بعصاه التي تركت علامات واضحة على ظهره فنال 
بذلك ما استحقه من عقاب على وقاحته. وراعي المعيز في بيت أوديسيوس 
موالانقوس يعمل فى «الأرديسيا القع الخطاب ويظهو وحشيته واتهازيته 
الرخيصة عندما يعامل أوديسيوس-العائد متنكرا في هيئة شحاذ-بغفلظة 
وكبرياء بل وازدراء أيضا. أما الخادمات في نفس القصر فكن يضاجعن 


48 


هوميروس: المبدع الأول 


الخطاب ومن ثم فقد قتلهن أوديسيوس بشنقهن وتعليقهن في الحبال وكأنهن 
طيور الدج (السمنة) المذبوحة. للخدم إذن مكان في العام الهومري ولكنه 
محدد بمقدار ولائهم لسيدهم. فبخلاف النوع النذل سالف الذكر وضع 
هوميروس صورة مشرفة للخدم متمثلة في يومايوس الذي أخلص لابين 
أوديسيوس أثناء غياب الأخير. فلما عاد سيده أظهر مزيدا من الولاء. 
وهناك الوصيفة العجوز الشمطاء يوريكليا التي وقففت بجوار بينيولوبي في 
أحلك الظروف. وهي التي تعرفت على أوديسيرس فور وصوله وكتمت 
السر حتى لا يكشف أمره وأخذه على غرة. 

عالم هوميروس إذن ملكي أكثر منه أرستقراطيا وهذا ما تطلبه التراث 
الملحمي وتمشى مع القيم الموروثة من ناحية والظروف المعاصرة للشاعر 
نفسه من ناحية أخرى أي الاهتمام بالملوك والأمراء بالدرجة الأولى. 

ولا يفوتنا التنويه إلى أن هذا التقليد الهومري هو الذي اتبعته التراجيديا 
الإغريقية وجاء أرسطوء وقننه» وصارت قاعدة ملزمة للمؤلفين الدراميين 
أي أن تكون البطولة المأساوية للملوك والأمراء دون غيرهم وظل الأمر على 
ذلك حتى عصر النهضة. 

و يعلو أبطال هوميروس مرتبة على الأجيال التالية لهم. أما الاختبار 
الرئيسي لرجولتهم والابتلاء الحقيقي لبطولتهم فيقع في ميدان الحرب 
والضرب إذ فيه تظهر قدرات الرجال المادية والمعنوية بل والذهنية كذلك. 
ومن المرجح أن وصف هوميروس للمبارزات الفردية بين الأبطال المشهورين 
في الأساطير كان موضع استحسان وإعجاب من قبل المستمعين أي الملوك 
والأمراء الخبيرين بفنون الطعان والنزال. فالشخصيات البارزة في «الإلياذة» 
مثل أخيلليوس وهكتور وأياس و باتر وكلوس تمارس أقصى طاقاتها في 
الحرب, وتتصف بالقوة والمهارة في استعمال السلاح: وتتسم بالسرعة الفائقة 
في الجري وفي اتخاذ القرارات الحاسمة؛ وتتميز بالحنكة في رسم 
استراتيجية المعارك. كما أن هذه الشخصيات تتمتع بقدرة هائلة على تحمل 
الأهوال والمصاعب وعندما يقررون الهجوم فقرارتهم لا تقبل النقض 
وإقدامهم لا يقاوم. ومع أن «الأوديسيا» ليست ملحمة حربية كالإلياذة غير 
أن قتل أوديسيوس للخطاب في بلاطه يجمع بين المغامرة والجرأة من جهة 
والدهاء وبعد النظر من جهة أخرى. 


49 


الشعر الاغريقى 


بيد أن البطل الهومري إلى جانب القدرة الحربية؛ يتمتع بصفات أخرى 
مثل الكرم؛ وحسن المعاشرة: والإخلاص. أما شهيته للتمتع بالحياة وملذتها 
من طعام وشراب ونساء فهي توازي وتساوي حبه للحرب والنزال. النموذج 
الهومري إذن للبطولة يسلط الآضواء عل القوة الجسدية دون أن يقلل من 
القيمة العقلية, والقوة الروحية فهما اللتان تضفان عل الجسد شيئًا من 
النبل والجاذبية» وقدرا من قوة النفاذ والقدرة عل الإنجاز بل وبث الهيبة 
في النفوس وإتاحة الفرصة لممارسة النفوذ والسلطان. 

ولقد أحاط هوميروس أبطاله بعالم جدير بهم: فكل أدواتهم من ذهب 
يلمع ببريق الملك, وحولهم خدم من الجنسين يرعون الخنازير وقطعان 
الماشية ويقيمون الولائم الفخمة. ومع أن بعض أسلحتهم من البرنز إلا أنها 
مرصعة بالذهب أو الفضة وفي الاجتماعات لا يظهر أبطال هوميروس 
الحكمة فقط بل الفصاحة أيضا وفيما بينهم ينطق حديثهم بالوقار والرزانة. 
يظهرون كرما بالغا للغرياء ولا يتركونهم يرحلون وأيديهم فارغة بل مملوءة 
بالهدايا. قرابينهم للآلهة فخمة للفاية؛ إذ ينحرون العديد من الثيران 
والخنازير. ومما لا شك فيه أن الصورة الهومرية للحياة البطولية كما 
أسلفنا ليست مستوحاة من الفترة المعاصرة للشاعر بقدر ما هي مستقاة 
من المألوف الملحمي الموروث الذي كان عليه أن يراعيه وهو يرسم صورة 
لحالة البشر المعاصرين له. ومن الملاحظ أن هوميروس مع حرصه على 
مراعاة المألوف الملحمي نجح في أن يطلعنا على أبطاله كأشخاص أحياء 
يعملون لا كنماذج من الماضي. وبعبارة أخرى فان هوميروس الذي حافظ 
على التراث لم يحبس أبطاله في إطار هذا التراث ولم يجمدهم ويقتضي 

في «الإلياذة» نجد هوميروس يضع في مواجهة أخيلليوس بطل الأبطال 
الإغريقي بطلا آخر هو هيكتور الطروادي الذي لا يجسد فقط مجرد روح 
طروادة المدينة المحاصرة بل يمثل أيضا وجودها ذاته. وخلع عليه هوميروس 
بعض الصفات والمميزات الإنسانية المؤثرة ولا شك عندما يحاول تهدثئة 
زوجته أو يداعب ابنه الصغير أو يعتني بأمه العجوز أو يعامل هيليني-سبب 
البلاء كله-بلين ولطف. هو الذي يحث الطرواديين على المقاومة الشرسة 
ويقود هجومهم المضاد على السفن الآخية ويؤنب باريس أخاه في الوقت 


هوميروس: المبدع الأول 


المناسب. يعلم هيكتور أنه لا بد ملاق يوما أخيلليوس الذي سيقتله بالطبع 
فيستجمع قواه لهذا المصير ويصرعه أخيلليوس بالفعل ومعه تسقط طروادة. 
وإذا كان أخيلليوس يجسد أنموذجا للبطولة الفردية فإن هيكتور يمثل تعديلا 
في هذه الصورة لأنه كثر ارتباطا بالآأسرة والمجتمع والوطن. وهذا التعديل 
يمثل مرحلة الانتقال من العصر الموكيني إلى العصر الإغريقي الكلاسيكي 
وهي المرحلة التي عاشها هوميروس نفسه وعاصر تحولاتها أو عل الأقل 
بوادرها . ففي العصر الموكيني كانت كل مدينة عبارة عن قلعة حربية لأن كل 
منزل وقصر احتوى عل حصونه الخاصة أما في القرن الثامن فأصبحت 
دولة المديقة زالوو نيس 880155 اكز دروا من الكرافة الشخصية والساامنة 
الفردية وصارت هذه الدولة المدينة الأولى بالرعاية والعناية والدفاع 
والحماية. وعن طريق التناقض ال موجود بين أخيلليوس وهكتور قدم لنا 
هوميروس-دون قصد بل عل نحو تلقائي-صورتين إحداهما تمثل النمو في 
الموكيني التقليدي الموروث في الشعر الملحمي المألوف (أي أخيلليوس) 
والأخرى تمثل الصورة الجديدة أو عل الأقل ما بيشر بها (أي هيكتور). 
وبالثل فحن سبليعي :(فى «الالياة68) و بيسيلوبى لاقي الأرد تسيلا 
شخصيتين نسائيتين مأخوذتين من الموروث الملحمي الأولى امرأة ذات جمال 
موق الحيال تسبي فى قيام الحرب الطروادية الك قصت عل العرث 
والنسل وعلى صاحبة الجمال نفسها. أما الثانية فهي امرأة عانت طويلا 
بسبب غياب زوجها حيث يحاول الخطاب الطامعون ابتلاع ممتلكات زوجها 
ومملكته بل وابتلاعها هي نفسها. وقد كان من السهل على هوميروس 
بالنسبة لهيليني أن يفعل ما فعله شعراء التراجيديا فيما بعد أي أن يصورها 
مصدرا لكل شرور الحرب الطروادية أو بالأحرى أن يجعلها صورة مجسدة 
لفكرة الشر ذاتها . ولكن هوميروس يذهب إلى أقصى الطرف الأخر فيوحي 
إلبنا يانه كان هن لجال اللاتقوم الحرب سيب أمراة مثل هيليتي في ذات 
فتنة مبهرة وتشبه إلى حد مذهل الإلهات الخالدات9" عندما ننظر إليها 
(«الإلياذة» الكتاب الثالث بيت 158) بل يبلغ هوميروس من المهارة والإيداع 
إلن سن أثه يجدانا تعس بكداطاف شديد مده ولا عونا عتدما ترهكن التو 
مع باريس مختطفها ومغتصبها فترغمها أفروديت ربة الجمال والحب 
والتناسل على ذلك وعندما يموت هيكتور تبكيه هيليني كما بكته أمه وزوجته 


الشعر الاغريقى 


وأولاده. وتتذكر كيف كان كريما معها وبعد عشر سنوات وعندما تعود 
هيليتن فرويهها الآوان سيتاؤورى تمد ها لاه (رالأر تسيا )) وش أنقابها إنحساس 
عميق بأنها تسببت في الكثير من الأذى والأضرار ومع ذلك فهي تهتم 
بشئون غيرها أكثر من اهتمامها بنفسها . وهكذا فإن شخصيات هوميروس 
ممثلة في هيليني يعكسون موقفهم وظروف معيشتها ويقتربون منا 
بمشاعرهم الإنسانية وهم بذلك يبدون أكثر جاذبية وسحرا مما كانوا عليه 
في المألوف الملحمي الذي ورثه هوميروس. ومع أن هذا الشاعر قد أنزلهم 
من عليائهم إلى الأرض إلا أنه لم يفقدهم امتيازهم الخاص وعظمتهم 
الملموسة فهم ليسوا أشرارا ولا ضعفاء ولا تافهين. وكان بوسع هوميروس 
أيضا أن يكتفي بتصوير بينيلوبي في «الأوديسيا» ضحية وفائها وإخلاصها 
فهي بذلك كفيلة بأن تكسب عطفنا بسبب معاناتها ولكنه أعطاها سمات 
اأخرى جيم رش يحقيقة آنا كانك ياد تفن شل الشرت الذي روعت 
بعد الانتهاء منه أن تعطي إجابة للخطاب وتختار منهم زوجا. في إذن امرأة 
تتمتع بقدر من الدهاء والحذر. وهذا ما يتضح حتى من ترددها في فبول 
الدلدكل التى وقدمها لما (نحها العاكم ف جيل اث تتعرت هليه ورهى أغيراة 
شجاعة أيضا فرغم أنها تخشى قسوة الخطاب وسلوكهم البشع فإنها تثق 
تلكدها بلووريعة ممطتورها الرهية لدوم ب إنها إلى لسع جرد كبهرة 
أو فريسة ظروف معينة كما هو الحال في الموروث الملحمي. حقا إنها تبكي 
ككيرا لسو الخال :ون ذلف طليسن تنا أن ختضيع أو تحرسع انها شعيقة 
مستسلمة. 

أنظر إلى أوديسيوس «بالأوديسيا» يزحف من بطن البحر عاريا مسحوقا 
ومنهوكا وينزل على شاطنّ فايكيا فترعاه وتساعده بنت الملك الأميرة 
لاوسيكاء سدووالتايع اسورة لغايدقة لوول سند يشان الحظية سقينقة 
وتستقبله بالأحضان أميرة صغيرة. ولكن هوميروس يعطي طابعه الخاص 
لهذه الصورة التقليدية فناوسيكا عنده بنت في ميعة الصبا وعل وشك أن 
تدخل سن النضج الأنثوي وعندما يواجهها شبح رجل عار يخرج من بين 
الآحراش ويبدو كالأسد المتهالك فإنها تتماسك في رزانة ووقار بنت الملوك 
وتعمل على أن تغسل له جراحه وتغطي جسده بالملابس وتصف له كيف 
نيدل قصر انرما خلسيقء إنيا فسيرف تسبرقا وكا فيه الككير من الشونة 


هوميروس: المبدع الأول 


والتلقائية وكذا السلاسة والكياسة وهو سلوك يعكس حسن الربية ونبالة 
الأصل الملكي. إنها أميرة نادرة وجديرة بأن تنقذ مثل هذا البطل النادر. 
ولكل الشخصيات الهومرية مثل هذه الجاذبية القائمة على الانغفماس في 
موقف درامي هو جزء من درامية المصير الإنساني ككل. فمثل هذه المواقف 
يمكن أن نجدها في مواجهة شخصيات مثل أندروماخي وهيكابي وغيرهما 
من نساء هوميروس. 

هذا الموقف الدرامي نجده في «الأوديسيا» فمما لا شك فيه أننا جميعا 
نكره الخطاب؛ إنهم خائنون: متقاعسون في الحربء أوغاد طامعون في 
الملك أثناء غياب الملك في مهمة قومية مجيدة ويخوض غمار حرب ضروس 
في طروادة. انهم إذن ليسوا من عالم الأبطال الهومري ولكنهم كالنباتات 
الطفيلية المرذولة والهشة. حقا إنهم يتظاهرون باحترام بينيلوبي ويتوددون 
إليها ولكنها مشاعر أنانية لآن كلا منهم يرغب في الزواج منها وفي يدها 
هي القرار الحاسم. فيا عدا ذلك يسلكون سلوكا إجراميا فيبددون ثروات 
أوديسيوس ويهينون ابنه ويستهينون بخدمه المخلصين ويضاجعون خادماته. 
وبهذا كله يمهد هوميروس دراميا لمقتلهم جميعا على يد أوديسيوس . ويزيد 
الشاعر على ذلك التمهيد فيجعلهم يتآمرون على فتل تيليماخوس غيلة 
أثناء عودته من رحلة البحث عن أبيه؛ ولم ينج من غدرهم إلا بتغيير طريق 
العودة وهكذا هيآنا هوميروس للتمتع بمشهد قتل الخطاب عندما يصرعهم 
أوديسيوس واحدا بعد الآخر وهم منزوعو السلاح. وتعينه في هذه المعركة 
السهلة الربة أثينة وتحوطه مشاعرنا بالتأييد والمؤازرة لآن في انتصاره 
انتصارا لقيم الشرف والرجولة والبطولة وتطهيرا للفساد الذي استشرى 
أثناء غياب البطل. وهذه نهاية درامية سعى إليها المؤلف الملحمي ومهد لها 
تمهيدا كافيا وواعيا. ْ 

وحتى في علاجه للمخلوقات الخرافية المتوحشة يضفي عليها هوميروس 
لمسة إنسانية ساحرة. ومثال ذلك بوليفيموس الكيكلوبس فهو وحش ضخم»؛ 
عندما يرقد يبدو كصخرة هائلة وسط الجبالء ويستقبل الغرباء على نحو 
غريب وغير إغريقي فهو يعتدى عليهم إذ يمسك بهم في قبضته الصخرية 
ويهشم رؤوسهم فكأنهم دمى صغيرة ثم يأكلهم لحما وعظما. وبعد ذلك 
يستغرق في نوم أشبه بحالة السكر وبين الحين والحين يتقيأً شذرات من 


الشعر الاغريقى 


اللحم أو نقاطا من الدم. وتلك هي الصورة التقليدية المألوفة والموروثة من 
العصور السحيقة. أما اللمسة الهومرية فتتمثل في أنه بعد أن فقأ أوديسيوس 
عينه الوحيدة وصار بوليفيموس أعمى شرع يتحدث إلى خروفه ويحكى له 
كيف أنه قد خدع على يد «لا أحد» (دوع نك سه )20 ويعنى أوديسيوس الذي 
سلبه نور البصر بل واستطاع أن يتخلص منه ويهرب بالحيلة. 

و يتبع هوميروس نفس الأسلوب في معالجته لشخصيتي الساحرتين 
كيركي وكاليبسو فالأولى واسمها يعنى «الصقر» أو «الباز» تحول الآدميين 
إلى حيوانات أما الأخرى كاليبسو واسمها يعنى «التي تخفي» فهي تخفي 
بالفعل ضحاياها في أحد الكهوف. ويحتفظ هوميروس بالصورة التقليدية 
الموروثة لكيركي إذ حولت رفاق أوديسيوس إلى حيوانات بلا اكتراث. ولكن 
ما أن بسط أوديسيوس هيمنته عليها حتى أصبحت صديقته ومعينته 
المخلصة ولقد أعطيت كاليبسو دورا غير متوقع. إنها إلهة تعيش بمفردها 
فوق جزيرة جميلة وفي نهاية العالم وهناك تنقذ أوديسيوس عندما تتحطم! 
سفنه ويغرق رفاقه. وهي تقع في حبه وتعتني به عناية مفرطة وفي رقة 
بالغة عل أمل أن يمكث معها إلى الأبد وتحاول أن تمنحه الخلود وعندما 
أتتها أوامر الآلهة بان تتركه يرحل تذعن للأمر في وقار وهدوء وتبذل 
أقسى ما في وسعها لكي تساعده. وهي تفعل كل ذلك مع أن أوديسيوس 
يخبرها بأنه يفضل زوجته بينيلوبي عليها”"! 

هكذا استطاع هوميروس أن يحول هاتين الساحرتين إلى مخلوقين 
آدميين مع أنهما في الأساطير الأقدم كانت وحشيتين عنيفتين وهكذا يجعل 
هوميروس ملحمتيه تركزان أكثر فأكثر حول الإنسان. 

إنه يحاول التقليل من الخوف والرعب اللذين كانا يكتنفان هذه المخلوقات 
الخرافية إبان العصر الموكيني بل وحتى القرن السابع كما يتضح من بعض 
الأواني الأثرية. وفي هذا الصدد نشير إلى أن الحصان الذي يكلم صاحبه 
موضوع مألوف في الأساطير القديمة لدي كافة الشعوب بصفة عامة. 
وهذا ما فعله حصان أخيلليوس-كما سبق أن ألمحنا-الذي تنباً لصاحيه 
بنهايته بيد أن اللمسة الهومرية هي أنه جعل الربة هيراهي التي تتدخل 
وتوحى للحصان بأن يفعل ذلك وهذا نوع من التبرير أو التقريب لهذا 


(*2) قارن أعلاه. 


5/1 





هوميروس: المبدع الأول 


الحيوان الخرافي. الذي يتصرف كأنه واحد من البشر. 

و مع أن هوميروس بسبب الموروث الملحمي المألوف يركز موضوعه في 
حياة الملوك والأمراء كما أسلفنا إلا أنه ينتهز كل فرصة لتقديم لوحات من 
حياة البسطاء. فعندما يصف درع أخيلليوس الذي صنعه له إله النار 
والصناعة والحدادة هيفايستوس يقدم لنا الرسوم المنقوشة عليه فنجدها 
مشاهد من الحياة المعاصرة لهوميروس. ويقوم التصميم العام على مقارنة 
بين مدينة في حالة حرب وأخرى في حالة سلم. في المدينة الأولى نرى 
كيف أن موجة من العنف قد طفغت عليها بعد أن كانت مسالمة. كان الرعاة 
يسوقون قطعانهم دون علم منهم أو توقع بأن الأعداء يكمنون لهم في وادي 
النهر لكي يسرقوا قطعانهم. ويهجم الأعداء ويقتلون الرعاة ويأخذون 
الأسلاب ثم تندلع المعركة الرئيسية حين يتصدى جيش المدينة المعتدي 
عليها للمهاجمين. وقد يكون هذا المشهد من الأشياء إلى تكررت في حياة 
هوميروس على ساحل أيونيا. ومع أن آريس وأثينة يقودان المهاجمين إلا أن 
الذين يعانون من الحرب هم البسطاء من الناس أي الرعاع الذين يقع 
عليهم القبض بينما كانوا يعزفون على الناي ويتغنون بأغنياتهم الرعوية 
الساحرة في وداعتها. أما داخل المدينة المتمتعة بالسلام فنجد مشهدا 
آخر: موكب زفاف مرح صاخب, ترتفع في أنحائه أصداء أغاني الزواج 
وصيحات المهرجين. تقف النساء على آبواب منازلهن يشاهدن الموكب, 
ويتشاجر رجلان في السوق حول الدية المطلوبة لرجل مات. وهناك يقف 
الرجال المسنون في انتظار أن يتم التحكيم فيما بين المتشاجرين. وهناك 
مشاهد أخرى عن حرث الأرض وبذر البذورء والحصاد وقطف الأعناب؛ 
وكذا الثيران وهي تشرب من النهرء والأسود التي تهاب هذه الثيران؛ وقطعان 
الأغنام التي ترعى في واد أخضرء وشاب يراقص فتاة على أرضية تذكرنا 
ببللاط قصر كنوسوس الذي نجاه دايدالوس في كريت لأريادني. وهكذا 
بينما يصف هوميروس مشاهد الحرب والعنف أو بالأحرى بينما يصف 
إحدى أدوات هذا العنف العسكري أي درع إخيلليوس الموكيني يضع قوقها 
مشاهد مستمدة من الحياة اليومية المعاصرة له هو نفسه أي هوميروس 
وهي مشاهد تصور حياة السلام والأمن والاستقرار. 

و هكذا يعظم هوميروس الحياة البشرية كحياة أي لذاتها حتى أن 


الشعر الاغريقى 


أخياليوس بطل الأبطال الإغريق بعد موته يلتقي بأوديسيوس في رحلته إلى 
العالم السفلي «بالاوديسيا» فيصرخ قائلا إني لأوثر أن أكون على ظهر 
الأرض عاملا أجيرا في خدمة أحد من البشر الأحياء وأن أكون بلا ملكية, 
إنسانا معدما عل أن أكون ملكا لأرواح الرجال الفانين هنا» («الأوديسيا»». 
الكتاب الحادي عشر أبيات 491-489). وقد يعنى هذا أن البطولة عند 
هوميروس هي المكافأة في ذاتها للانسان وينبغي السعي إليها كهدف وغاية. 
والثمن المدفوع لتحقيق البطولة باهظ للغاية. فزوجة هيكتور وأسرته لم 
يجنوا ثمار البطولة والأمجاد التي تنتظره؛ انهم يعتمدون عليه كلية في 
بقائهم ونجاتهم. تعرف أندروماخي زوجته أنه سيقتل لا محالة كما يعرف 
هو ذلك وكلاهما على يقين بأن هذا يعني الشقاء لابنهما الصغير ومع أن 
هوميروس قد أنهى «الإلياذة» قبل أسر وتدمير طروادة إلا أن هذا المصير 
ماثل أمام أعيننا منن البداية. وليت الأمر اقتصر على مدينة طروادة وأهلها 
في دفع ثمن البطولة الباهظ. فمدينة طيبة مسقط رأس أندروماخي قد 
دمرها أخيلليوس من قبل حيث قتل أباها وسبعة من إخوتها . وهكذا فإن 
أقصى غايات المجد الحربي في الوصول إليها عل حساب سعادة الإنسان. 
يقول أخيلليوس نفسه لبرياموس إنه يوجد على أعتاب الأوليمبوس إبريقان 
أحدهما مملوء بالمصائر السيئة والأخر بالمصائر الخيرة وكلاهما من عطايا 
زيوس. وهذا يعنى أن حياة الإنسان مرت من هذين الصنفين فالحرب التي 
تجلب المجد تجر معها أيضا الموت والخراب للأطراف المتناحرة. ضفي النهاية 
سيموت أخيلليوس قاتل هيكتور. هكذا كانت مشيئة الآلهة ولا يوجه 
هوميروس اللوم أو التثريب لهؤلاء الآلهة الذين هيؤًا للانسان فرصة تحقيق 
أسمى مراتب المجد والبطولة وما عليه إلا أن يسدد ثمن ذلك كاملا غير 
منقوص. وقد يكون الثمن هو الحياة نفسها وإنه لثمن باهظ حقا . والجدير 
بالذكر أن هذه الرؤية المأساوية للبطولة هى إحدى الأفكار الرئيسية التى 
تقوم عليها القراحيديا الإشريعية كبا سترى فى الباب الثاني من هذا الكتاب, 

أما عن مشاعر الصداقة والحب في قلوب أبطال هوميروس فيمكن أن 
نأخذ عنها فكرة بالنظر إلى علاقة أخيلليوس بباتر وكلوس فحب الأول 
لصديقه هذا يقوم على أساس اندماج كامل في الطموحات والأهداف. كل 
منهما يفهم الآخر ويحس بالراحة التامة في حضوره. ومثل هذه الصداقة 


56 


هوميروس: المبدع الأول 


نطاب القضتسية ويه نس باقروكلونس ينف الإتقاة شرق | خياليوين 
وكرامته التي تلطخت بسبب رفض أخيلليوس مواصلة الحرب. شعر 
باتروكلوس بآن لابد من ملء الفراغ الناجم عن اتسحاب اخيلايوس وقيايه 
عن معركة الشرف والمجد. ونجد مقابلا لهذه الصداقة في الطرف الآخر 
أي داخل مدينة طروادة المحاصرة نفسها بين جلاوكوس وساربيدون وعندما 
جرح الآخر جرحا مميتا دعا صديقه جلاوكوس أن يلم شمل قواته المبعثرة 
رصحي يها وفال لد انه إن الم رفول ذلك سيحيق يه النما. الصند ااه إزان ليا 
واتباتها ولا حبكي التعسير في اذاكهان بل إن االضديق البح يتوم بيه 
الواجبات عن طيب خاطر وبمسرور وإلا لما استحق أن يكون رجلا أو بطلا. 

و إذا كان حب الصداقة ضروريا لتدعيم فكرة البطولة فإن الحب العاطفي 
مدمر بالنسبة لها. ومع أن هوميروس لا يلوم هيليني علانية إلا أنه جعلها 
تندب حظها لأنها سبب كل تلك المصائب ولا نحس بأية بادرة للتعاطف من 
جانب هوميروس إزاء باريس الذي يوبخه هيكتور لتقاعسه فهو لا يلعب 
دورا مشرفا في الحرب التي قامت بسبب تصرفه الأخرق. أما حب 
كليتمنسترا الآثم لابن عم زوجها أيجيستوس أثناء غياب زوجها أجاممنون 
ذلك الحب الجامح الذي دفعها في النهاية لقتل الأخير بعد عودته من 
طروادة منتصراء فلا يلقى من هوميروس سوى الإدانة السافرة والمباشرة. 
يدين هوميروس الزلى وهو بالحي الحاكلى إلى انيسن ذزيحاف التحيد 
فهيكتور و أندروماخي زوجان يهيم كل منهما بحب الأخر حتى أنها تقول له 
«أنت يا هيكتور بالنسبة لي أبي وأمي الجميلة؛ أنت أيضا أخي وزوجي 
القوىئ» «الألياذي: الكتاب السادين ابيات 1430439 شير غليها ميككور 
بأنه لا طروادة-التي يضحي بحياته من أجلها-ولا أبوه وأمه يرتفعون إلى 
مستوى الأهمية التي تمثلها هي بالنسبة له. وحب بينيلوبي لأوديسيوس 
الى اتتطرةة عشرين ضانا لا يحقاع إلى تليق سير وتكفني بالإشارة 
قط إلى إن ادسيونن كمه كلها علي الالية #اليسيوق التي غرطت 
عليه البقاء إلى الأبد معها على أن تمنحه الخلود. وعندما التأم الشمل 
وعاد أوديسيوس إلى زوجه عاد النظام والآمان إلى جزيرة ايثكي كلها. 
وعندما نزل أوديسيوس إلى العالم السفلي ولاقي أمه هناك سألها كيف 
ماتت فقالت إنه لم تهاجمها إلهة السماء حادة البصر بسهامها ولا الحمى 


57 


الشعر الاغريقى 


أضابتها لتيتسن للدي دمن حب اكه تمل باقر الثافن ولكنيا والليقة 
عليك والحنين إليك يا أوديسيوس النبيل» وطيبة قلبك هي التي سرقت 
الحياة من بعد أن اتشدكها حلاوة الظعم (#الأرئيسياة الكشاب التحاد 
عشر البيت 203-198). 

كذ كام هوميروين هن الخسباسة ادويق بق اع ليقو ساني لا 
يرتفع إلى مستواه سوى شكسبير. حتى إنه جعل برياموس ملك طروادة 
المبجل يقبل يدي أخيلليوس التي قتلت العديد من أبنائه! ويذوب القلب 
معام ابوه عر لبقي المتراعن بحري الخل كن كزع روباسين 
ميتي التموع عندها جر آباء جخرذته الجتحة فيظحاة جيكتور ويشيطر 
إلى خلعها . فأبطال هوميروس يبدون في لحظات القرارات الحاسمة وأوقات 
الشدة وكأنهم يمتلكون قلوبا قدت من حديد أو كأنهم يتمتعون بقوة تفوق 
ظرة البشن المادية إلا إلا سن حائي انكر حضون للتخضوع فى رة وشعت 
لأدق المشاعن الإنسائية وأفثرها رحاهة: وتعل هذا ها يميزهم عن ساك 
الأبطال في كافة الآداب. 

يتميز أبطال هوميروس بحدة الانفعال حبا أو كراهية. عطفا وحنانا أو 
غضبا وانتقاما. ولا يمكن أن الموضوع الرئيسي في ملحمة «الإلياذة»-وكما 
بغرن الكتامر نفب فى البيت الأول مويقضية ا خيلليوسن؟ ران دل ذلك 
على شيء فإنما يدل على أن حدة الانفعال هي السمة الرئكيسية للفعل 
البطولي الملحمي. ولقد ورث المسرح التراجيدي ذلك عن هوميروس ونضرب 
المثل من مسرحيات أيسخولوس ببروميثيوس ومن مسرحيات سوفوكليس 
بأياس وكذا أوديب في «أوديب في كولونرس» ومن مسرحيات يوريبيدس 
ميركل سجلونا وميديا قى تددر لسشخصياتة الث الحود و وقيرها الككير 
تحن الالقوالات كد رافك اها قينا أور عضا اوتحت الاقين مها كمافي 
«أوديب في كولونوس» بصفة خاصة حيث يثور البطل ثورة عارمة لا هوادة 
فيها على أهالي طيبة وفي مقدمتهم ابنه ولكنه يذوب حنانا وحبا لابنته 

وعدا ييه موميروسس زة الخرض أله كازيراكنا هبسكي حال 
7 التعصبات البطزنية كوا عاق بالفيدة للسيكة القنية زوجدوة السذت 
والموضوع الملحميين. 


هوميروس: المبدع الأول 


وأبطال هوميروس في الواقع ليسوا بشرا عاديين تماما كما أنهما 
ليسوا من الآلهة ولكنهم يتحركون في المنطقة الوسطى الواقعة بين الآدمية 
والألوهية. وهم يميلون إلى هذا الجانب حينا ويبتعدون عنه إلى الجانب 
الثاني أحيانا أخرى ولا يفقدون صلتهم تماما بهذا الجانب أو ذاك قط. 
ولكن ما هي طبيعة العلاقة بين هذين العالمين عند هوميروس5 

ج-ناسوتية الآلهة وألوهية البشر: 

في إحدى فقرات «الإلياذة» (الكتاب الثاني بيت 484- 492) يقول 
هوميروس: «اخبرنني يا ربات الفنون يا من تنزلن منازل الأوليمبوس فانتن 
إلهات موجودات هناك. بكل شيء عليمات. أما نحن (البشر) فنسمع عن 
هذا المجد ولا نعرف عنه شيئًا. أخرنني من هم قواد الإغريق ومن هم 
سادق :ان انتتظيع آنا أن انقل عدوا ولا أن السمئ اشماهه حقى ولو 
كانت لي عشرة ألسنة وعشرة أفواه وصوت لا ينقطع وقلب نحاسي:؛ إن لم 
تذكرنني أنتن واسااسين الأوليمبيات بنات زيوس م (أيجيس) بمن 
أتوا إلى طروادة». وبغض النظر عن أن هذه المقطوعة تؤكد أن هوميروس 
يرى الشعر إلهاما خالصا؟ من عند ربات الفنون فأننا نجد فيها أيضا 
تفرقة ملموسة بين طبيعة البشر وطبيعة الآلهة. فمن المعروف أن هوميروس 
قد أنزل الآلهة من قمة الأليمبوس-أي السماء عند الإغريق-إلى الأرض 
لكي يشاركوا الناس حياتهم اليومية-ولذا نجدهم في «الإلياذة» و«الأوديسيا» 
يقعون في نفس الأخطاء التي يقع فيها البشرء وينزلقون إلى نفس المزالق 
وتستهويهم نفس الشهوات؛ يتعاركون ويتناحرون تماما كما يفعل البشر 
العاديون. ويكاد المرء لا يحس بأية فروق بين البشر والألهة عند هوميروس. 
ولكن الحقيقة غير ذلك. فالمقطوعة المترجمة على سبيل المثال تظهر الآلهة 
عليمين بأشياء كثيرة لا قبل للبشر بها . فهم وإن لم يكونوا بكل شيء عليمين 
إلا أنهم دون شك فوق مستوى البشر محدودي المعرفة إلى أقصى حد 
بطبعهم. ويتمتع آلهة هوميروس بقدرات لا يحلم بها البشرء فهم وإن لم 
يكونوا على كل شيء قديرين يقومون على أية حال بأعمال خارقة ومعجزات 
يصعب على البشر مجرد تصورها . ولكن الفارق الرئيسي والفاصل الأساسي 
بين الآلهة والبشر عند هوميروس هو أن الفريق الأول يتمتع بالخلود الأبدي 
وهو أمر لا يسمح للبشر بأن يطمعوا فيه أو يتطلعوا إليه اللهم إلا إذا دفعوا 


590 


الشعر الاغريقى 


الثمن مقدما وهو ثمن باهظ من الجهد المبذول وال معاناة القاسية وقد يصل 
إلى الموت؛ وقليلون من البشرهم القادرون على دضع مثل هذا الثمن الغالي 
وهم الذين يتفوقون على سائر الناس ويتخطون حدود الأدمية بقدراتهم 
البطولية ومواهبهم شبه الإلهية. 

وهذا التصور للعلاقة بين البشر والألهة ورثه شعراء الإغريق عن 
هوميروس ويعد مدخلا مقبولا لفهم التراجيديا الإغريقية على سبيل المثال. 

بالطبع كانت قصص الآلهة اقدم من قصص البشر في العصور السحيقة 
قبل هوميروس. وقضى المألوف الملحمي أن يلعب الآلهة دورا بارزا في 
الفعل البطولي كأثر لهذه الأسبقية. والألهة عند الإغريق بصفة عامة 
أنتروبومورفيون أوناسوتيون (05عزطام:دسممهبطادة) بمعنى أن لهم شكل 
وطبيعة البشر”"": إلا أن الشيخوخة لا تدركهم وكذا الموت ويتمتعون بقدرات 
وقوى تفوق بكثير طاقة البشر. وعندما يومىّ زيوس عند هوميروس يهتز 
الآأوليمبوس وعندما يقدم بوسيدون إله البحر من سامو طراقيا إلى أيجاي 
تميد الجبال والنابات من تحته. كما أنه يقطع هذه الرحلة الطويلة في 
خطوات ثلاث ليس إلا. وعندما يصيح هو أو آريس إله الحرب فان صيحة 
كل منهما تعادل صيحات تسعة أو عشرة آلاف رجل. للآلهة إذن قوة تكاد 
تكون بلا حدود . ولآنهم يعيشون للأبد فانهم يقضون معظم وقتهم على نحو 
يمكن أن يقضي البشرية حياتهم لو تخلصوا من خطر الموت؛ أي في اطمئنان 
واستجمام وتمتع بوقت الفراغ إلى أقصى حد . تبدو الصورة الهومرية لآلهة 
الأوليمبوس وكأنها أسرة سعيدة ومتحابة ولكن حياتها لا تخلو من الشقاق 
مما يجعل مهمة زيوس كرب الأسرة أو كبير العائلة صعبة. فهو عندما 
ينتهي من التورط في معارك طروادة تخدعه هيرا زوجته نفسها وتجذبه 
إلى فراشها بعد أن تزين نفسها بأحلى زينة. وتنطلي عليه الحيلة ويذهب 
زيوس معها مشدودا بسحر جمالها وبذلك تفلح الربة في أن تنسى زوجها 
رب الأرباب أمر الحرب الطروادية لتنفذ خططها الخاصة بها والمعادية 
للطرواديين ! 

الآلهة عند هوميروس ليسوا عليمين بكل شيء حتى أنهم أحيانا يجهلون 
آخر الأنباء الواردة من ميدان القتال بطروادة. فآريس إله الحرب نفسه قد 
لقته سحابة ذهبية فوق الأوليمبوس ولم يعلم بان ابنه أسكالفوس قد قتل. 


00 


هوميروس: المبدع الأول 


هذه إذن نقطة التقاء بين البشر والألهة. ويصل الأمر أحيانا إلى حد ظهور 
الآلهة بمظهر كوميدي للغاية. ونضرب على ذلك مثلا بالموقف الذي تغنى 
به المنشد فيميوس في بلاط ألكينورس أي كيف أن آريس ضاجع أغروديتي 
خلسة فضبطهما متلبسين زوجها هيفايستوس فألقى عليهما شبكا شفافة 
غير مرئية ودعا كل الآلهة لكي يشاهدوهما ويسخرون منهما!! وهناك لمسة 
كوميدية أخرى في مشهد هيرا وهي تجذب زيوس من ميدان الحرب إلى 
فراشها كما سبق أن المحنا. فرب الأرباب الذي يمتثل لرغبة هيرا وقد 
غلبته جاذبيتها يعدد لها بلا وعي انتصاراته في ميدان الحب ويقول لها 
دون تحفظ إنها-أي زوجته-تتفوق جمالا على كل عشيقاته! 

و تعتبر مثل هذه المشاهد بمثابة «الترويح الكوميدي» في خضم الأحداث 
الملحمية الجادة. ولا ينتج؛ هذا العنصر الكوميدي عن أي نوع من التشكك 
أو عدم الإيمان بالآلهة بل على العكس من ذلك يؤكد ويدعم ذلك الإيمان 
نفسه. فالآلهة كالبشر ولما كانوا يتمتعون بالأمان التام أمكنهم-كما قد يفعل 
البشر لو أنهم وضعوا في مكانهم-أن يقضوا معظم أوقاتهم في الولائم ومتع 
الحب والضحك. هذه أمور يتمنى كل إنسان أن يتمرغ فيها ولكنه لا يستطيع 
بسبب كثرة وثقل المسئوليات الملقاة على عاتقه ولآنه محكوم عليه بالموت في 
النهاية. واذا كان الآلهة يسخرون من بعضهم البعض فلا بأس من أن يتعرضوا 
لسحرية البشر أيضا. وهي سخرية لا تصدر إلا عن شعور بالارتياح والمتعة 
في متابعة أعمال الآلهة. وعلى أية حال فإن هذا العنصر ورثه شعراء 
المسرح الإغريقي عن هوميروس وكان مثار جدل بين الفلاسفة والعقلانيين. 

أما عن موقف الآلهة من طرفي النزاع في الحرب الطروادية فان كل 
واحد منهم اتبع أهواءه وأغراضه الشخصية بل ومزاجه الخاص. فأثينة 
وهيرا كانتا بالطبع تكرهان طروادة والطرواديين بسبب حكم باريس في 
مسابقة الجمال لصالح أفروديتي ضدهما. والآخرة تعضد الجانب الطروادي 
بكل قواها مناصرة لباريس ووفاء بوعودها له. وهكذا تتصرف هؤلاء الريات 
وكأنهن نساء من البشر فالمتضررتان من حكم باريس تصران على الانتقام 
لكبريائهما المجروحة وهو ما يتمشى مع أفكار عالم البطولة إبان العصر 
الموكيني. وبالمثل نجد ارتميس تقتل أبناء نيوبي لأنها تفاخرت وتباهت عليها 
بجمال أبنائها ويعاقب يوسيدون أوديسيوس شر عقاب لآن الأخير فقأ عين 


ان 


الشعر الاغريقى 


بوليفيموس (الكيكلويس) الوحيدة. وفي المقابل يفوز بالكثير من تحية الآلهة 
فيلقى العون والتأييد بلا حساب. بل إن الآلهة والإلهات تعطف على من 
يجزل لهم العطاء أي من يتوسع في تقديم القرابين. ولذلك عندما أراد 
العراف الطاعن في السن خريسيس أن يسترد ابنه من يد جاممنون تفرع 
لأبو للون وذكره بالروابط القديمة والمتينة التي جمعت بينهما فنزل أبوللو 
كالليس ونشر الوباء بين صفوف الآخيين. لقد اعتبر أبوللو أن الإهانة 
الموجهة إلى عرافة وكاهنه بمثابة إهانة موجهة إليه هو شخصيا فتبنى 
قضيته بنفسه وهذا يعني أن الآلهة مثل البشر تتحرك لاسباب شخصية 
بحتة أي عندما تتعرض كرامة الواحد منهم | لأية بادرة من بوادر التعدي أو 
الإهانة. وتقف الربة أثينة معينة مخلصة لأوديسيوس وهو يصارحها القول 
ويكشف لها عن مكنونات النفس كما تفعل هي بالضبط. ومثل هذه الصداقة 
تفرض دائما نوعا من الالتزام على الطرفين. فعندما يكون أوديسيوس في 
مأزق تتصرف أثينة من منطلق أعلى المستويات في مفهوم الصداقة أي 
تبذل أقسى ما في وسعها لتنقذه من المأزق. 

ولم يكن النموذج الإلهي المثالي عائقا أمام البشر بل كان حافزا لهم 
فلقد سمح الآلهة للبشر بان يطمحوا إلى زيادة قواهم وأمجادهم في حدود 
معقولة أي بحيث لا يتعدون حدود الكيان الإنساني أو يجاوزونه إلى عالم 
الآلهة نفسه. فالآلهة خالدون والبشر فانون وذلك وحده سبب كاف وكفيل 
بان يقنع البشر بان يبذلوا كل ما يستطيعون في سبيل المجد والعظمة 
المحدودين بحدود حياة بشرية قصيرة للغاية. ليس للانسان أن يطمع في 
أن يكون إلها أو حتى شبيها بالآلهة. ولقد حاولت كاليبسو أن تمنح الخلود 
لأوديسيوس بأن تطعمه من طعام الآلهة الأميروسيا وتسقيه من شرابهم 
النكتار ولكنه لم يشعر بالراحة وفضل العودة لزوجته في وطنه. على البشر 
أن يحذروا نسيان أو تخطي حدود بشريتهم فليتذكروا دوما أنهم فانون 
ومحدودو القدرة. وهذا ما كان يشعر به أخيلليوس نفسه («الإلياذة» الكتاب 
الواحد والعشرون أبيات 107-101). ولا تعني محدودية الإنسان أنه لا يساوي 
شيئًا سوى العدم أمام الآلهة. بل إن الإنسان في عالمه الخاص وحدوده 
المرسومة يستطيع أن يفعل مالا يفعله الآلهة إنه يستطيع أن يكدس اكبر 
قدر ممكن من الإنجازات والانتصارات في حياة قصيرة للغاية وفي أثناء 


02 


هوميروس: المبدع الأول 


ذلك قد يخاطر بحياته نفسها عن طيب خاطر. وهذا يعني تطلعه إلى شيء 
ما فيما وراء الحياة التي يحياها أي إلى أنموذج أعلى للرجولة ومثال أفضل 
للبطولة وهو أنموذج ومثال لا وجود له في العالم الإلهي المثالي بطبعه. 

كانت حدود المجتمع الإنساني الهومري ضعيفة يمكن اختراقها بيد أن 
«القوانين غير المكتوبة» التي تحدد العلاقات الاجتماعية كانت قوية للغاية. 
وبالطبع كانت الأهواء تدفع بعض الناس لإهمال هذه القوانين ولكن مثل 
هذا الإهمال كان يعد تعديا أو تخطيا للحدود (عذلةطاكة)2 ,5طنزط) يعرض 
صاحبه لعقاب الآلهة الذين يفرضون ويحمون قدسية هذه القوانين غير 
المكتوية. وكان هذا العقاب الإلهي (5أوعسصيعم) رادعا قويا ومخيفا. وكان 
الخضوع لما تقضي به هذه القوانين غير المكتوبة أو ما يمكن تسميته العرف 
الأخلاقي يسمى «الحياء» (01005) وهو نفس الشيء الذي يدفع حتى الجبان 
على الإقدام في ميدان الحرب خوفا من العار الذي سيلحق به. 

وفي عالم هوميروس لم تكن الفوارق بين طبقة عامة الشعب والنبلاء 
اقل وضوحا من الفوارق بين طبقة النبلاء والآلهة. وإن كان التميز بين 
الطبقتين السفليين أكثر حدة. ولكن كان بعض أغراد هاتين الطبقتين-أي 
العامة والنبلاء-يتطلعون إلى كسر حدود طبقتهم وصولا إلى المرتبة الأعلى. 
ومطمع طبقة النبلاء أوضح من أن نشير إليه. إذ كان الأمراء والأميرات 
يقرنون في الشعر الملحمي دوما على نحو ساقر بالآلهة والإلهات. 
فايدومينيوس يقف بين شعبه من الكريتيين كإله؛ أما أهل ليكيا فينظرون 
إلى ساربيدون وجلاوكوس على أنهما إلهان. وكثيرون هم الأمراء الذين 
جاءوا من نسل إلهي عن طريق الأم أو الآب أو الذين تلقوا تربية إلهية. ومن 
هؤلاء كان كل الأمراء في فايكيا. بيد أن القوانين غير المكتوبة تعمل على 
الحفاظ على الفوارق والحدود بين الطيقات الكلاث: غافة الناس والتباذء 
والآلهة وتجرم أو تحرم تخطي الحدود (رعتطوط) وتضع له العقاب (ؤ5زوعمرعم) 
المناسب. كان أفراد طبقة النبلاء متعطشين للشهرة والمجد وتأكيد الذات 
وتخطي الحدود للوصول إلى مرتبة الإلوهية وعندما لا يوفقون في ذلك 
يردون فشلهم إلى «حسد الآلهة» مستخدمين فعلين بمعنى «أحسد» أو 
«أستكبر» (متتهععط ,نهصوعة) ويعنون بذلك القول أن الآلهة تستكبر على 
الإنسان الوصول إلى مثل هذا المجد”" وكاليبسو نفسها قالت إن الآلهة لا 


05 


الشعر الاغريقى 


تنظر بعين الرضا إلى أية ربة تنزل إلى مستوى معاشرة إنسان فان كما 
فعلت هي مع أوديسيوس. وتقول بينيلوبي إن حسد الآلهة هو الذي حال 
بينها وبين أن تعيش مع زوجها أوديسيوس حياة زوجية مستقرة. وهكذا 
جعلت الأنثروبومورفية الإغريقية آلهتهم يشبهون البشر ويخضعون مثلهم 
للأحكام الأخلاقية الأدمية.!21) 

آلهة هوميروس ليسوا قادرين على كل شيء ولا عليمين بكل شيء ولا 
موجودين فى كل مكان. ذلك أن الديانة الإغريقية منذ بداية عهدها ليست 
ديانة وحدانية بل هي ديانة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة وتخصص كل واحد 
منهم في مجال معين وإن كانوا جميعا يخضعون لإله واحد هو كبيرهم لا 
زيوس. ولقد وضع الخيال الإغريقي الخصب الآلهة والإلهات في أماكن 
محددة قيل إنها هي التي كثر تردهم؛ عليها أو هي أماكن عبادتهم. وكان 
بوسع الناس أن يستدعوا هؤّلاء الآلهة بالصلوات والدعوات والقرابين فيرونهم 
قادمين سواء في هيئتهم الانسيابية المرئية كطيور وذلك كما يظهر في 
الرسوم الموكينية أو يتخيلونهم. حاضرين عند تقديم القرابين وفي هذه 
الحالة لا بد أن تقع بعض العلامات الخارقة والدالة على تواجد الآلهة كأن 
تتلبد السماء بالغيوم المتجمعة حول الجبل أو تدوي الرعود فإن هذا قد يعد 
نذيرا بقدوم زيوس. وجبل زيوس أي الأوليمبوس هو السماء. ومن ثم كان 
الناس يتضرعون إليه ووجوههم | إلى السماء بيد أنه بالإضافة إلى 
الأول ِ بس كان لبعض الآلهة أماكنهم الخاصة والمفضلة فزيوس يحكب من 
جبل أيدا ويعيش بوسيدون في أعماق البحار حيث تقبع قصوره في أيجاي 
(نهونة) ويعيش أبوللون في ليكيا أو في معابد خريسسي وكيلا وتينيدوس 
وهكنا 22) 

و بالقطع لم ير أي إنسان حي الآلهة وإن كان هوميروس قد جعل الآلهة 
تتصل على نحو شخصي وتتعايش دوما مع المفضلين من الشعوب الأسطورية 
أمثال الأثيوبينن والفاياكيين. وأظهر هذا الإله أو ذاك نفسه أحيانا لبعض 
الأبطال المحبوبين من الإغريق كامتياز خاص ودون أن يتنكروا في هيئة 


4ن 


هوميروس: المبدع الأول 


بين الاعتقاد في التدخل الإلهي المباشر والدائم والمحسوس في شئون البشر 
دون أن يراهم أحد وبين القول أنهم: يتخذون هيئة الإنسان. ولقد استغل 
هوميروس هذه الحيلة وكان «الغريب» القادم من بعيد موضع اهتمام خاص 
على أساس أنه من المحتمل أن يكون متنكراء وهكذا . بينما استجاب التفكير 
العقلاني لإغراء تقديم التدخل الإلهي المرئي أو المحسوس للرجل العادي 
على أنه شيء قابل للتصديق فإن الأنثروبومورفية المميزة للأساطير الإغريقية 
قد زودت الآلهة بالقدرة على اتخاذ الهيئة البشرية وبذلك أوجدت حلا 
اكثر منطقية إذ أصبح من السهل والمعتاد بالنسبة للآلهة أن يتدخلوا في 
شئون البشر بل وأن يعايشوهم فترات طويلة متنكرين ودون أن يكشف 
أمرهم. وصارت هذه هي الطريقة العادية والطبيعية لتدخل الآلهة ولو أن 
زيوس كان يوجه معركة طروادة من بعيد وعن طريق إرادته الإلهية والرسائل 
التى يبعث بها هنا وهناك. ولم يتدخل شخصيا إلا عندما ألقى بصاعقته 
أمام خيول ديوميديس بيد أن أبوللون لطم باتروكلوس بيده القوية فسقطت 
عدة البطل الحربية من فوق جسده. ولقد صارت الرية أثينة فى «الأوديسيا» 
روحا مألوفة لكثرة ظهورها وتدخلها في الوقت المناسب. 

و يتحدث هوميروس أحيانا عن الآلهة بصورة عامة دون تخصيص 
بالاسم لهذا الإله أو ذاك. ويستخدم ألفاظا بمعنى «قوة إلهية ما» (دمستهل) 
أو «الآلهة (تمعط)) أو» اله ماء (5ن ومعط) أو «زيوس» وهو رب الأرياب الذى 
لحظات الحياة البشرية يشير هوميروس إلى وجود إلهي بصورة أو بأخرى. 
فالآلهة هم الذين يمنحون القوى الجسدية والمزايا العقلية للناس المميزين 
تماما كما يهبون المهارة والثروة. فعين كالخاس العراف بقدرتها على التنبوٌ 
كل تلك وغيرها من هبات الآلهة للبشر. فالآلهة هم الذين يقدرون مصائر 
الناس وهم الذين يقررون سقوط طروادة ونهاية المعركة بين هيكتور 
وأخيلليوس وهم الذين يرفعون هذا الإنسان !إلى قمة الازدهار ويهبطون 
بذلك الآخر إلى هاوية الفشل. وهم قبل كل شيء يحددون أعمار الناس 
ويعينون يوم مماتهم. وصفوة القول أنهم يشكلون ما يشبه حكومة تدير 
شئون حياة البشر. إنهم بالنسبة للناس غاية في القوة والعظمة والأبهة. 


05 


الشعر الاغريقى 


ومع ذلك فهم يخضعون لقوة أعلى منهم إنها «الضرورة» (©0281ة) أو القدرة 
(013م) . ولا يتورث أبطال هوميروس عن مواجهة الآلهة رغم أنهم نادرا ما 
يوجهون إليهم أسلحتهم وقذائفهم كما فعل ديوميديس بيد أننا نرى مينلاوس 
ملك إسبرطة وزوج هيليني المختطفة يخاطب رب الأرباب قائلا «أي زيوس 
إنني مي أجد أسوأ منك إلها! «وعندما يلتقي فيلويتيوس المخلص بأوديسيوس 
المتتكر كشحاذ يصرخ» أي زيوس الأب كم أنت غليظ القلب لقد تسببت في 
مجيئنا للوجود ومع ذلك ترسل لنا البؤس وال معاناة ! «إن وجود الآلهة في 
الشعر الإغريقي يعد توسيعا فلسفيا وامتدادا طبيعيا للوجود الإنساني 
نفسه.20 ودليل ذلك أن هوميروس-كشعراء التراجيديا-يتداخل بين الفعل 
الإنساني والفعل الإلهي فعندما تصعد المربية يوريكليا إلى بينيولوبي في 
حجرتها تخبرها بأن أوديسيوس لم يعد فحسب بل هزم الخطاب أيضا 
تقول الأخيرة» ليس هذا صحيحا «. فاوديسيوس قد مات. لا بد أن الذي 
قتل الخطاب هو أحد الآلهة الذي لم يعد بوسعه التغاضي عن شرورهم. 
وهنا يثار التساؤل حول مسئولية البشر فيا قد يقع من مآسي. الآلهة 
يتدخلون دائماء هذا صحيح ولا سيما فيما قد حدث بالفعل. أما بالنسبة 
للمستقبل فان الإنسان يعرف أن النتيجة المباشرة تعتمد عليه هو ومن ثم 
يتصرف من هذا المنطلق. بعض الناس يقولون إن الإنسان يتحمل مسئولية 
أفعاله ونتائجها ولكنهم عندما يرغبون في تلمس الأعذار لأنفسهم يقولون 
غير ذلك. فبرياموس يعلن أمام هيليني أن الآلهة-وليست هي-هم المستولون 
عن مصائب طروادة الناجمة عن خرق باريس لقواعد وأصول الضيافة. 
والمرء في العادة ميال لتلمس الأعذار ومن ثم فهو دائما ينحى باللائمة على 
الآلهة وإن كان أحيانا يعترف بمسئوليته. وبهذا يتجنب هوميروس أن يجعل 
من أبطاله دمى في أيدي الآلهة. لقد أمد تصور الإغريق للآلهة بما يمكن 
أن نسميه» الآلية الربانية» التي تدير شئونهم على الأقل في عالم الشعر 
والأدب. فالسهم مثلا عندما لا يصيب هدفه يقال أن ذلك ليس من الضروري 
أن يكون بمحض الصدقة أو لا يصح القول بان الهدف هو الذي زاغ من 
السهم أ ولكن التعليل الأفضل هو إن إلها ما قد تدخل وأدخل تحريفا في 
مسار السهم. والرجل عندما يتعرض للخطر أو لهجوم معاد ويفلت منه 
ويسلم يقال إن إلها ما قد اختطفه خطفا من بين الصفوف. أما الفكرة 


0ن 


هوميروس: المبدع الأول 


العبقرية التي تأتي في الوقت المناسب فيقال أنها إلهام من الآلهة تماما كما 
أن المصيبة التي لا يمكن ردها هي أيضا من عند الآلهة. المهم أن الرجل 
الإغريقي قد وجد في التصور الآنثروبومور في للآلهة ما يساعده على 
العثور دائما على مشجب يعلق عليه ما يشاء من الأخطاء ويعول عليه كذلك 
في تحقيق ما يحلم به من طموحات خارقة. 

د-المنشد الملحمي وطبيعة عمله 

يرد فى «الأوديسيا» (الكتاب الأول أبيات 228-325 و 352-336) ما يلى: 
له. كان يغني لهم عن عودة الأخيين المفجعة من طروادة والتي أوجبتها الربة 
بالاس أثينة» وبعد ذلك خاطبت (بينيلوبي) المنشد الرباني والدموع تترقرق 
في عينيها: أي فيميوس إنك تعرف الكثير من مفاتن الرجال الأخرىء إنك 
لعلى علم بأعمال الرجال والآلهة المجيدة مما حفظه لنا المنشدون. غن لهم 
واحدة منها واجلس إلى جوارهم ودعهم يحتسون في صمت-كئوس الخمر 
واترك هذه الأغنية الحزينة التي تجلب الأسى إلى أعماق قلبي حيث إن 
حزنا لا ينسى يسقط علي وأنا أتذكر متلهفة على رأس زوجي الذي ذاع 
صيته في هيلاس وأرجوس. 

غرد عليها تيلاخوس الحكيم قائلا: لم تكرهين يا أماه أن يمتعنا المنشد 
المخلص بالطريقة التي تواتيه ؟ فلا لوم على المنشدين إنما زيوس هو الملوم 
فهو الذي يعطي كيفما شاء للبشر الساعين وراء أرزاقهم ١‏ اليومية. فلا 
تثريب على الرجل (أي فيميوس) أن يغني مصير الدانائيين (الإغريق) المؤوسف 
9 لأن أناس في الغالب يثنون على الأغنية التي تسبح إليهم نغماتها للوهلة 
الأولى. 

ومن هذه المقطوعة نستطيع أن نستخلص كل آراء هوميروس حول طبيعة 
ووظيفة الشعر بصفة عامة والشعر المللحمى بصفة خاصة. ولعل أول ما 
يلفت نظرنا هو أن هذه المقطوعة تشهد بوجود النقد الذوقي في عصر 
هوميروس إذ نجد المنشد وسامعيه يفاضلون بين أغنية وأخرى ويقولون إن 
هذه حزينة وتلك بهيجة أو أنها لا تعجب من يسمعها أو تروق لهم وتحرك 
مشاعرهم. ونفهم كذلك من النص المترجم أن جمهور الأناشيد الملحمية قد 
شارك في عملية خلق هذه الأناشيد لأنه أثر في تداولها وتجويدها. إذ كان 


07 


الشعر الاغريقى 


يتدخل في عمل المنشد ويطلب منه التعديل أو التبديل؛ الإضافة والإعادة أو 
الحذف. 

ويجرنا الحديث عن المنشدين إلى موضوع آخر هو أن الشعر الملحمي 
بالأساس شعر شفاهي إنشادى يخاطب آذن السامعين وابضارهم في نقس 
الوقت. لأن جمهور الأناشيد الملحمية يتمتع ليس فقط بسماع المنشد وإنما 
برؤيته ورؤية تأثير أغانيه عل ملامح وجهه ونفوس مستمعيه. وكان المنشد 
المتجول يحفظ عن ظهر قلب العديد من أغاني البطولة التي تمجد أبطالا 
ينتمون إلى العصور القديمة المجيدة وكان يملك أن يلي بين الحين والآخر 
طلبات الجمهور المحتشد حوله وإلا فسيتغنى بما يحلو له هو مما يحس أنه 
أكثر جذبا وتشويقا أو أنسب للزمان والمكان الذي يقف فيه (قارن «الأوديسيا» 
الكتاب الثامن بين 72 وما يليه). 

علينا أن نتخيل المنشد الملحمي وقد جلس يعيد مرات ومرات قصة أحد 
الأبطال الأسطوريين لأناس يزعمون أنهم من نسل ذلك البطل. ولما كان 
عقل هذا ال منشد لا يتميز بحرفية «شريط التسجيل» فمما لا شك فيه أن 
روايته كانت تختلف من مكان إلى آخر وفي كل مرة ينشد فيها ولو كان في 
نفس المكان ولنفس الجمهور. إذ لم يكن هناك من قيد يقيد المنشد سوى 
«المألوف الملحمى» وهو محصلة تراث ممتد عبر قرون طويلة. ومن هذا 
التراث اللحض الماليف نضرب مثلا بالصفات: إذ توارث المنشدون جيلا 
بعد جيل صفات معينة عن بطل مثل أوديسيوس فصاروا يتزمون بها في 
أناشيدهم حتى أنهم لا يذكرون اسم هذا البطل إلا مقرونا بإحدى هذه 
الصفات فمرة نجده أوديسيوس (الإلهي) أو «شبيه الآلهة» أو الصبور شبيه 
الآلية را وكسيس الدن» أوهذا اليل الكقبرة» آي رواسم الجيلةىر وكذلكت 
تيلمياخوس يوصف بأنه «شبيه الآلهة» أو «ابن أوديسيوس المحبوب» أما 
أجاممنون فهو «ملك الرجال» أو «السيد» وهكذا . وغالبا ما يذكر هوميروس 
آلها من الآلهة أو بطلا من الآأبطال مقرونا باسم الأب ثم متبوعا بالصفة 
التقليدية له مثل قوله «بنت لابس الدرع أيجيس (زيوس) تريتوني» ويعني 
الربة له أثينة. أو قوله «نيستور بين نيليوس المجد العظيم للآخيين». عل أن 
أحد المنشدين قد يبتاع صفة جديدة ويضيفها إلى رصيد بطل ما بيد أن 
بقاء هذه الصفة ضمن التراث الملحمي المألوف أمر مرهون بمدى نجاح 


نك 


هوميروس: المبدع الأول 


هذه الصفة في كسب رضا وإعجاب المنشدين الآخرين عبر الأجيال أو 
بالآحرى مدى تقبل جمهور السامعين. ولا شك أن اقتران بطل من الأبطال 
بصفات معينة يكسب شخصيته ميزة الاتساق عبر كل الأناشيد الملحمية 
كما أنه يساعد جمهور هذه الأشعار على التعرف على الأبطال. 

لم يكن عمل المنشد مجرد «إعادة إخراج» لنص محفوظ عن ظهر قلب 
وإنما كان بمثابة «إعادة خلق» لقصة معروفة في صيغة مألوفة ومعدة 
خصيصا لمناسبة معينة. كان المنشد يدخل من التغييرات والإضافات في 
القصة التي يرويها ما يراه متمشيا مع ميول وقدرات الناس من حوله أي 
جمهور السامعين. يشبه عمل المنشد الملحمي عمل المصور الذي يختار ليس 
فقط الزمان بل والزاوية المناسبة لتصوير مناظر سبق أن صورها الكثيرون 
غيره لأن هذا الاختيار فى حد ذاته يدل على مدى عبقرية هذا المصور أو 
ذاك المنشد. 1 

ولقد وردت بعض عبارات في النص الهومري الذي قدمنا به حديثنا عن 
الإنشاد الملحمي وتقنياته ويمكن منها أن نستنبط بعض الحقائق المهمة. 
فعبارة «المنشد ذائع الصيت» تدل دلالة واضحة على أن بعض المنشدين 
الملحميين قد تفوق-على أقرانه فذاع صيته بين الناس. وهذا يعني أمرين 
أولهما أن عمل المنشدين كان خلاقا لا مجرد تكرار دون زيادة أو نقصان 
وإلا ما فضل منشد على آخر. والأمر الثاني هو أنه كان يجري في حلقات 
الإنشاد نوع من النقد الذوقي يفضل فيه نشيد أو منشد على آخر. ومن 
نفس المقطوعة يتضح أن الشعر يستهدف إمتاع السامعين.29 على أية حال 
هذه صورة للمنشد فيميوس في قصر أوديسيوس بايثكي وهناك صورة 
أخرى لمنشد آخر هو ديمودوكوس في بلاط الكينووس في فايكيا. وهذان 
المنشدان يعكسان مفهوم هوميروس عن عمل المنشد الملحمي بل قد يكون 
هو نفسه كمنشد يتخفى وراء إحدى هاتين الصورتين أو كليهما. وهذان 
المنشدان ليسا من النبلاء ولا من العبيد بل يحتلان مركزا وسطا كصاحبي 
حرفة تشبه حرقة الأطباء والعرافين وعمال غزل الصوف. إنهما من الرجال 
الأحرار الذين يكتسبون إحرامنا وإعجابنا بسبب مهارتهما في الغناء ولكنهما 
يعتمدان في بقائهما وحياتهما على رعاية الأمراء وهذا ما يفسر تعاون 
فيميوس مع الخطاب الذين يبتلعون ثروات أوديسيوس أثناء غياب الأخير. 


09 


الشعر الاغريقى 


هاتان الصورتان للمنشد الملحمي في «الأوديسيا» تساعداننا على التعرف 
على شخصية هوميروس نفسه. فهو في الأغلب احتل مكانة مماثلة. ولعل 
ولكزما يقر عتصير ا ملعوديا فى ملتحيديه الا وهو كياب أب إشارة ديه 
لنفسه أو حتى إصدار أي حكم يعكس تجربته الخاصة إنه يتخفى تماما 
وراء ملحمتيه كما فعل شكسبير في مسرحياته. الملحمتان مؤلفتان لأمراء 
يحبون سماع أخبار الماضي المجيد؛. ماضي أجدادهم: ولا يهمهم أن يسمعوا 
شيئًا من آراء وأحكام شخص يستخدمونه لإنشاد هذه الأشعار ويحتل مكانة 
اجتماعية أقل منهم بالطبع. ومن ثم غان هوميروس يعيد صياغة الماضي 
وتصويره وله مطلق الحرية في اختيار الكيفية التي يؤدي بها عمله هذا ما 
دام لا يخدش الماضي أو يفقده وقاره. له أن يدخل من حقائق الحياة 
المعاصرة ما يشاء بحيث لا يفسد الهالة الأسطورية التى تحوط هذا الماضى 
وقشن اناد سبامعية من الأمواة: 1 1 

كان الشعراء أو المنشدون الملحميون يسمون «المغنون» (201001) وهم يؤدون 
عملهم على أنغام آلة وترية تسمى فورمينكس «مندههدم أو كيثاريس دتهطانا . 
ثم سمى المنشدون الملحميون بعد ذلك رابسودوي 102050001 والكلمة تعني 
الذين يرتقون أي يصلون الأغاني بعضها ببعض وهو اسم مشتق من الفعل 
«مأمقط:» بمعنى «أرتق» والكلمة (006) بمعنى أغنية. ولقد نشآً هذا النظام 
الجديد فى الإنشاد المللحمى فى عهد بيسيستراتوس كما سبق أن ألمحنا. 

أما الوزن السداحى اقينه ل آداة الشعر الملحمي القوية فهو 
جزء من تركة الحضارة الموكينية على ما يبدو. فما كان ليصل إلى هذه 
القوة والعظمة كما هو عند هوميروس لولا أنه كان قد مر بفترة طويلة من 
التطوير والصقل. إنه وزن يقوم على التقسيم الكمي لا الكيفي أي لا يقوم 
على النبرة بل على الحروف والمقاطع بمقدار طولها وقصرها أي على 
الزمن الذي يأخذه كل منهما في النطق. ومع أن الشعر الأوروبي المعاصر 
يقوم أساسا على النبرة فإنه من الراجح أن التقسيم الكمي كان هو الأصل 
وهو المتبع في لغات الأسرة الهند-أوروبية بصفة عامة. فهو موجود في 
السانسكريتية والفارسية على سبيل المثال. وهو نظام أكثر طواعية واستقرارا 
في النظام القائم على النبرة. لأن الأول يقوم على مبدأ ثابت وهو أن 
الحرف أو المقطع الطويل يأخذ من الوقت ضعف ما يأخذه الحرف أو 


70 


هوميروس: المبدع الأول 


المقطع القصير عند النطق. وكل مقطع يأخذ حجمه الطبيعي. كما تحسب 
الحروف المتحركة والسكنة في العملية كلها. واصطلح الناس على أن هذه 
الحروف طويلة وتلك قصيرة وتركوا بعضها محايدا أي يمكن أن يكون 
طويلا أو قصيرا .(25) 

والوزن السداسي مكون من ستة أقدام وكل قدم مكون من داكتيلون أي 
مقطع طويل متبوع بآخرين قصيرين (س-)!* ويمكن استبدال أي قدم من 
الأقدام الستة الداكتيلون بقدم سبوندي أي مقطعين طويلين (--) بل إن 
القدم السادس يمكن أن يقتصر على مقطعين أحدهما طويل والأخر 
قصير (نه-). 

ولا نعرف أين اخترع الوزن السداسي فلا مثيل له في الشعر السامي 
أو الحيني القديم. وقيل إنه جاء من جزيرة كريت المينوية ولكننا لا نعرف 
عن لغة هذه الحضارة ما يكفي للتثبت من ذلك. الأرجح إذن أنه اختراع 
إغريقي قائم على التقسيم الكمي المعروف في أسرة اللغات الهند أوروبية. 
ولقد ساعدت طبيعة اللغة الإغريقية نفسها على اختراع هذا الوزن: فهي 
تتناسب معه تماما. وعلى أية حال فإن هذا الوزن قد عاش فيما بين 400! 
ق. م تقريبا وحتى آخر ملاحم العصر القديم في القرن الخامس الميلادي. 
وقد ينازعه أي وزن آخر في طول البقاء ولكنه يقف بلا منازع من حيث إنه 
لم يفقد شيئًا من كيانه الأساسي طوال حياته مع حدوث تطور لغوي وفكري 
ضخم بل ومع تنوع الموضوعات التي صيغت فيه من الملاحم مسرفة الطول 
إلى الأغاني القصيرة للغاية. 

و مع أن أغلب مفردات هوميروس جاء من ميراث قرون طويلة من 
التقنية الملحمية المألوفة والمتعارف عليها بعد فترات طويلة من الإنشاد 
والصقل إلا أنها ليست مفردات مصطنعة أو غير مؤثرة على خيال السامع 
أو القارئ بل إنها تفوق في تأثيرها المفردات المنحوتة والمبهرة. ليست لغة 
هوميروس هي لغة الحديث اليومي في عصره ولكنها لغة متعارف عليها 
كإبداع فني للإنشاد الشفوي وتجمع بين القديم والحديث. بل وتمزج بين 
مختلف اللهجات السائدة هنا وهناك في بلاد الإغريق. ومع أن لغة الشعر 
(*3) العلامة-تعني حرفا أو مقطعا طويلا والعلامة ن تعني حرفا أو مقطعا قصيرا وهي علامات 
متداولة ومعروفة في علم العروض الإغريقي.. 


7 





الشعر الاغريقى 


الإغريقي بعد هوميروس ليست من المألوف الموروث والمتعارف عليه بنفس 
الدرجة كما هو الحال في ملحمتيه إلا أنها على أية حال لغة متعارف عليها 
أيضا. وحتى بعض الشعراء الغنائيين مثل سافو والكايوس وأنكريون الذين 
حاولوا استغلال لغة الحديث اليومي فانهم أيضا استخدموا بعض مفردات 
المألوف الشعري أي التي لا تستخدم إلا في الشعر. ذلك أن الذين اخترعوا 
الوزن السداسي اخترعوا معه صيغا لغوية مناسبة له وأصبحت أنموذجا 
ليس من السهل تجاوزه. وما يصلح للشعر الملحمي الجيد من مفردات 
يصلح أيضا للشعر الغنائي وغيره. ولذلك قلد الشعراء الإغريق هوميروس 
بصفة مستمرة. وهنا يكمن السر في أن لغة الشعر الإغريقي ظلت بعيدة 
عن لغة التخاطب اليومي. وكان لذلك ميزة عظيمة وهي أنه لو أن كل شاعر 
كتب بلهجته المحلية لما فهمته جماهير المناطق الأخرى حيث يتكلمون لهجات 
مختلفة. بل لعل ما نحسبه ميزة هو السبب أملا في اصطناع لغة متعارف 
عليها للشعر والآدب. ولا يفوتنا التنويه إلى أن لغة الأدب والشعر عند 
الإغريق ليست متجمدة مع أنها مصطنعة إلى حد ما. فللشاعر مطلق 
الحرية لا في أن يستخدم الكلمات المألوفة أو الموروثة فحسب بل في أن 
ينحت كلمات جديدة على شاكلة الكلمات القديمة وأن يستغل المرادفات 
والأشكال البديلة بل وأن يطعم لغته بمفردات محلية. 

فلغة الأدب والشعر الإغريقية إذن لغة متعارف عليها دون أن تكون 
جامدة فهي دوما متجددة. ولقد ساعد على التجديد عدم وجود وسيلة 
اتصال جماهيرية ثابتة بل إن فن تدوين الأدب نفسه لم يعرف إلا مؤخرا. 
ومما لا شك فيه أن التدوين هو الذي يثبت اللغة ويحفظها من الضياع 
ويقف حجر عثرة في طريق إدخال تغيرات جوهرية عليها أما التناقل 
الشفوي للأدب فهو الذي يسمح بحرية أكبر في التغيير والتطوير. 


3- ما بعد هوميروس 

ادعى بعض أتباع هوميروس أنهم من نسله وحملوا لقب «أبناء هوميروس». 
(01تعم:ه11) . ورغب الشعراء من بعد هوميروس أن يكملوا قصة «الإلياذة» 
و«الأوديسيا» ومن هنا جاءت الأشعار الملحمية التي درج الناس عل تسميتها 
بالحلقة الملحمية (1105:نج! 5معازم») أو حتى ببساطة «الحلقة» (1105و1) ٠‏ وهي 


12 


هوميروس: المبدع الأول 


ثلاث عشرة قصيدة تقريبا لم تصلنا منها سوى شذرات متفرقة. ونعرف 
عناوينها وهي كما يلي: «القبرصية» أو «قصة قبرص» (32م07): و «الأثيوبية» 
أوقصة الأثيوبية 0200 و«الإلياذة الصغيرة» (11125 81112): و «تدمير 
طروادة. أي اليون (515ء2 1اه111)؛ و» رحلات العودة» (1ه:205) و «التيليجونية» 
أو «قصة تيلجونوس» (12دمعء161): ومعركة المردة التيتائيس «(2تطاعةدسمصهاة1) , 
و«الأوديبية» أو قصة أوديب «(00612م0101).: و «الطيبية» أو «قصة طيبة» 
(كتهطعط]1). و«الابيجونوي» (أمممعنم8) أي «الخلفاء» وتدور حول قصة «الهجوم 
الناجح لأبناء السبعة ضد طيبة»»؛ و«درحيل أمفياروس» (5أكداعئه ناممتقتطمصم) 
«وفتح أويخاليا»,!©")-وهي مدينة بجزيرة يوبويا-(5ز05لة 5دذله01) «أضوكايس». 
(دنه»اهدام) أي «قصة فوكايا»7”" ولقد انتقد أرسطو* شعراء الحلقة الملحمية 
لفقرهم في الإبداع وعجزهم عن البنية الشعرية لقصائدهم. ومما لا شك 
فيه أن هؤلاء الشعراء«يمثلون الخطوة الأولى في خط المنحنى الطويل الذي 
سار فيه الشعر الملحمي بعد هوميروس . وكان مثل هؤلاء الشعراء لا يزالون 
ينظمون أشعارا ملحمية إبان القرن الخامس والرابع ولكنها أشعار فقدت 
قوتها ودفأها. ذلك أن شيوع الكتابة وفن تدوين الأدب يعني أن الشعراء 
شرعوا يهجرون رويدا رويدا تقنيات الآدب الشفوي ليدخلوا مرحلة التأليف 
المدروس أي البعيد عن العفوية والتلقائية والمشبع بالعقلانية وإعادة التفكير 
والصياغة والمراجعة وما إلى ذلك. فهم ينتقون الكلمات بعناية شديدة 
ويستخدمون أساليب منمقة ومصطنعة ويتحدثون بلغة فيها الذاتية التي 
تعي نفسها بنفسها. ومما لا شك فيه أن هذا مسار التطور الطبيعي ولكنه 
على أية حال مخالف لطبيعة الشعر الملحمي ومناقض لازدهاره. ويعزى 
لأقباع موميروين آيضا نا اصطلح على ميته ن والأناشيدّ الهومرية» التي 
تؤرخ فيما بين القرن السابع والخامس. إذ كان من المعتاد أن يقدم المنشد 
الملحمي لأبيات أية ملحمة يتغنى بها باستهلال طويل-أو قصير-يتوجه به 
متضرعا لإله من الآلهة ولا سيما من تقام حفلة الإنشاد تكريما له. فكان 
الشاعر الهومري المتمرس يستهل إنشاده «للالياذة» أو «القبرصية» مثلا 
بقصيدة من عندياته قد تصل إلى عدة مئات من الأبيات. أو قد يكتفي 
باستهلال بسيط وعابر لا يتعدى بضعة أبيات. النشيد الهومري إذن مجرد 
استهلال (دمندزمه:2) كما كان يسمى أحيانا في العالم القديم. ولقد وصلنا 


13 


الشعر الاغريقى 


ثلاثة وثلاثون نشيدا (أو استهلالا) هومريا. وتحتل من بينها ستة أناشيد 
مكانة خاصة لما لها من أهمية كبرى وهي نشيد رقم 2 (إلى ديميتر) ورقم 3 
(إلى أبوللون) ورقم 4 (إلى هرميس) ورقم 5 (إلى أفروديتي) ورقم 7 (إلى 
ديونيسوس) ورقم 19 (إلى بان). ومن الملاحظ أن هذه الأناشيد الاستهلالية 
تنتهي في الغالب بعبارة تعني «ولكني سأذكرك (ويعني الإله أو الإلهة) 
وسأذكر أغنية أخرى ويعني المقطوعة الملحمية التي سينشدها بعد هذا 
الاستهلال من هوميروس أو غيره. 

والجدير بالذكر أن النشيد الهومري» إلى أبوللو «هو الذي أوجد الاعتقاد 
السائد بأن هوميروس كان أعمى لأن المؤلف يقول أنه إذا سئلت الجوقة: 
من أعذب الشعراء؟ ستجيب» رجل أعمى يسكن خيوس ذات الصخور «(بيت 
رقم 172). 

ولقد عارض اللورد بيرون هذا البيت بقوله» الرجل المسن الأعمى في 
جزيرة خيوس الصحرية! ولكنه كتب اسم الجزيرة هكذا (5610) أما النشيد 
«إلى ديميتر» فهو الذي يسرد بالتفصيل قصة اختطاف بيرسيفوني وتأسيس 
عبادة أسرار اليوسيس. والنشيد «إلى أفروديتي» هو الذي يحكي قصة 
أينياس بن أنخيسيس من أفروديتي نفسها وهي الأسطورة التي قامت عليها 
«اينيادة» فرجيليوس أمير الشعر اللاتيني فلها علاقة بقصة تأسيس روما 
نفسها . ولقد ترجم شيللي هذا النشيد إلى الإنجليزية فاكتسب شهرة واسعة 
في الأدب الإنجليزي والعالمي. ويختلف شعراء الأناشيد الهومرية عن 
هوميروس في تصوير الآلهة, إذ يظهرون عندهم بصورة أكثر صقلا وتطورا . 
وإن كان هؤلاء الشعراء ينسبون إلى الآلهة بعض ما يرد عند هوميروس من 
هفوات آدمية كالخداع والكذب, وأكثر من ذلك فإنهم يقدمون الآلهة وهم 
يرقصون فوق الأوليمبوس وتشترك معهم ربة الانسجام أو الهارمونيا 
(12«مدضة1؟) وربة الشباب وهناك ترى كل إله وقد لف ذراعيه حول خصر 
إلهة ما وراح أبوللو يعزف على قيثارته! ومع ذلك فإن قصص الآلهة عند 
هؤلاء الشعراء الهومريين قد أصبحت بصفة عامة أكثر تهذيبا وتشذيبا ولا 
سيما ما يتصل بالأعمال العنيفة أو الوحشية. كما لم يعد عالم الآلهة مغلقا 
عليهم بل ازداد انفتاحا على عالم البشر. ولقد ظلت الأناشيد الهومرية لا 
شخصية أي لا ذاتية بيد أن الشعراء لم يخفوا أنفسهم بنفس الدرجة التي 


1 41 


هوميروس: المبدع الأول 


تخفي بها هوميروس وراء ملحمتيه. إذ بدأ الشاعر الهومري الجوال يتضرع 
للاله أو الإلهة أن تجزيه خيرا على قصيدته بأن تمنحه السعادة. وهذا 
يعني أن المنشدين الملحميين لم يعودوا مكتفين بهبات الأمراء وشرعوا 
يفرضون أنفسهم على قصائدهم ومسامع جمهورهم . وفي الجزء الأول من 
النشيد الهومري «إلى أبوللو. الذي كان ينشد في جزيرة ديلوس وبعد أن 
يحدثنا المنشد عن الجماعة المرحة التي تجمعت فوق هذه الجزيرة التي ولد 
عليها الإله أبوللو يطلب من مستمعيه أن يتذكروه وأن يتذكروا أغنيته فيقول 
(أبيات 175-165): 

« أي أبوللو وأرتميس. التمس منكما الرحمة والعطفء وبعد فوداعا لكم 
جميعا. ولتتذكروني من الآن فغصاعدا أيتها العذارى ! عندما يأتيكن هنا 
في قابل الأيام أي فرد من أبناء الأرض الكادحين ليسألكن: 

يا عذاري أخبرنني أي رجل هو بحق أعذب المنشدين 

جاءكن هنا وبعث في نفوسكن السرور أكثر من غيره 

فلتجب كل واحدة منكن ولتكن إجابتكن الجماعية: 

هناك رجل أعمى يعيش في خيوس الصخرية 

أغانيه هي أجمل الأغاني جميعا الآن ومستقبلا 

وسأحمل صيتك معي طيبا أينما رحلت متجولا 

في الأرض عبر المدن وبين كل سكنيها 

وسيصدقني الناس أجمعين لأن الحق هو ما أخبرهم به» 

وهذه الفقرة تكشف النقاب عن منشد ملحمي محترف يقوم بالدعاية 
لنفسه ولنفسه أمام بنات ديلوس العذارى أو بواستطهن لآنهن كن يرقصن 
في أثناء إنشاده. إنه يتباهى بقدراته الفنية ومع ذلك يبدو أنه كان فقيرا. 
ومع أن هذا النشيد يقوم على موضوع غير ذاتي لأنه يحكي قصة أبوللو إلا 
أن ناظمه قد أدخل بعض الكلمات والعبارات التي تحدثنا عن فنه وحرفنه 
وظروف معيشة. 

ولقد كان القدامى يعتقدون أن هذا النشيد من نظم هوميروس نفسه؛ 
ولعل هذا الاعتقاد هو المسئول عن خلق أسطورة أن هوميروس كان أعمى 
وهو الأمر الذي قبله توكيد يدس نفسه المؤرخ الحصيف والناقد العالم. 
ومن العسير أن نقبل نسبة هذا النشيد إلى هوميروس لأن لغته ليست 


15 


الشعر الاغريقى 


هومرية تماما إذ تنقصها الدقة والثبات الهومريان. ومن المحتمل أن المنشد 
الذي كان على وشك أن ينشد من أشعار هوميروس يحاول تقمص شخصيته 
ويطالب لنفسه بالمكافأة التي يستحقها مثل هذا الشاعر الموقر. إنه أسلوب 
يؤكد به المنشد الهومري ذاته لأنه يزج يعمله إلى أعماق الناس وينتزع انتباه 
جمهوره الواسع والمختلط ويستغل شهرة المكان المقدسل أي ديلوس-الذي 
تنشد فيه الأشعار. 

على أية حال فإن صمت الشاعر الملحمي وتخفيه قد انتهى إلى الأبد. 
فهنا نجد المنشد الهومري رغم قدره المتواضع يطالب لنفسه بقدر من تآكيد 
الذات. وهذا يعني أن الشعر الذاتي قد بدأ يطرق الأبواب أو بالأحرى يطل 
من بعض نوافذ الشعر الملحمي التقليدي نفسه وهو شعر يطمس ذات الفرد 
مطبصة الحاق لأنه ركسي بيطو له الشعوب لذ الأشراو نا 


10 


2 هبسيودوس: الإفسان الفرد 
والشاع, المعلم 


١‏ - ما بين الشعر الملحمى والتعليمي: 

يمثل هيسيودوس المرحلة الانتقالية بين الشعر 
الملحمي والقصائد الذاتية أو ما نسميه الشعر 
الغنائتي» ولذلك نجده يجمع بين خصائص الملحمة 
وظهور الروح الفردية وهذا ما سنحاول تباينه في 
الصفحات التالية؛ بعد الإشارة إلى المتغيرات فى 
بنية المجتمع الإغريقي. ْ 

على الصعيد السياسي كان النظام الملكي لا 
يزال سائدا إبان القرن الثامن في معظم بلاد 
الإغريق. ولقد كان الملوك والأمراء في بلاطهم-كما 
رأينا-رعاة الشعر الملحمي وحمةة المنشدين 
الهومريين. فلما جاء القرن السابع حل محل الملوك 
فى مناطق كثيرة مجموعة من النبلاء اقتسمت فى 
ينها الشلطان والانتياوات الللكية كيم يعرف بنظام 
حكم الآقلية أي الأوليجارخية (2ناء,ةع011) وترتب 
على ذلك أن شعر أفراد هذه الفئة القليلة الحكمة 
بالازدهار والزهو فحاولوا أن يلفتوا الآنظار إليهم 
وإلى عهدهم فتحولوا عن الماضي وركزوا انتباههم 
على الحاضر. أي لم يعد المهم الآن هو التغني 


17 


الشعر الاغريقى 


بالنموذج اليطولى القديم كما فى الملاحم بل الإشادة بالقيمة الشخصية 
للإنسان الحي والعناية بكيان الفرد الموجود على ظهر الأرض. ومن ثم 
يرون فيها أنفسهم | فتملأ حياتهم وتثريها بتسجيل حوادتها الكبيرة والبسيطة 
وسردا أن يروا أعمادا اليومية موضوعا لكلمات منغمة يمكن أن يتغنوا بها 
هم والأجيال القادمة. وكانت هذه الكبرياء الأرستقراطية هي التي ولدت 
مفهوما جديدا لقيمة الإنسان والمفهوم الجديد يختلف عن المفهوم الهومري 
القائم على عبادة الكرامة والشرف. إنه مفهوم يقوم على أشياء أخرى 
كثيرة كان هوميروس نفسه واعيا بها ولكنه رآها غير ملائمة للبطولة, 
فاكتفى بالإشارة إليها فى تشبيهاته المملوءة بمشاهد مستوحاة من الحياة 
المعاصرة له.أما الآن فقد صارت هذه المشاهد من الحياة اليومية والأعمال 
العادية هي لب الشعر وجوهره وسبب وجوده. وهذا تحول ضحم في الرؤية 

ومن المرجح أن الشعر الذي كان موجودا حتى قبل هوميروس كان يضم 
نوعا ذاتيا ولكنه-أي النوع الذاتي-كان يحتل مكانة أكثر تواضعا من الشعر 
الملحمي الذي احتمى بالملوك وتمسح ببلاطهم. فلما انزوى الشعر الملحمي 
وخبا نوره الوهاج كان من الطبيعي أن يبرز الشعر الذاتي الغنائي وأن يخرج 
من مكمنه ويحاول بسط نفوذه وتوسيع رقعة شعبيته. ولكن هذا لن يتم 
سريعاء بل تدريجيا متخذا أكثر من مسار لأنه كانت هناك أكثر من وسيلة 
للتعبير عن الذات. المهم أن الشعر نزل من علياء الملحمة وسماء الملوك إلى 
أرض الواقع وحياة الشعوب؛ ليسير على قدمين بين الناس في حياتهم 
اليومية؛ ولأول مرة نستطيع أن نعايش الإغريق وأن نراهم كما رأوا هم 
أنفسهم في أشعار لا تسرح الأساطير القديمة بل تتحدث عن صانعيها. 

ولقد ساهمت الاكتشافات الأثرية الحديثة في كشف النقاب عن مسار 
هذا التحول في مفهوم الشعر الذي يعود إلى أيام هوميروس نفسه. إذ عثر 
على إناء (إبريق) للخمر في أثينا على الطراز الهندسي وعليه نقش يبدا 
بالبيت السداسى التالى: 

«ذلك الذي من بين جميع الراقصين يصنع أعذب المتعة[) ويؤرخ هذا 
الإبريق حامل النقش بعام 720 تقريبا ويبدو أنه كان جائزة منحت لراقص 


18 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


ماهر لا يتبع أسلوبا زخرفيا وإنما يتبنى أسلوبا راقيا في فن الرقص مما 
أثار إعجاب بعض المشاهدين. ما يهمنا على نحو خاص أن البيت المترجم 
يتحدث عن مناسبة اجتماعية معاصرة وواقعة بعينها عايشها ناظم البيت. 
ومع أن كلمات هذا البيت تنم عن حسن اختيار فهي منتقاة بعناية إلا أنها 
تعكس الموروث الملحمي المألوف الذي ليس بالضروري أن يكون هومريا. 
ومؤلف هذا البيت فيما يبدو ينتمي إلى طبقة اجتماعية أعلى من تلك التي 
تمتع بها شعراء الأناشيد الهومرية» ومن يدري؟ لعل الذي نظمه هو نفسه 
الذي أهداه مكافأة للراقص الرائع. وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى أنه حتى 
في هذا الوقت المبكر أصبحت الكتابة تلعب دورا بارزا في عالم الحياة 
والفنون حتى أنها قد صارت قادرة على تسجيل الشعر. 

و هناك كأس من الطراز الهندسي أيضا عثر عليه في بيثيكوساى 
الوافعة في جزيرة ايسخيا بخليج نابلي ويؤرخ بما قبل عام 700. ونقش عليه 
القول الاستهلالي الغريب التالي: «أنا كأس نيستور» ويبدو أن هذا الكأس 
يحمل نقشا سحريا قصد به صاحبه أن يكسب حب من يهواها لآنه مكون 
من بيتين سداسيين ترجمتهما كما يلي: 

«دع كل من يشرب من كأس هذا الرجل يقع على الفور فريسة للرغبة 
التي توحي بها صاحبة التاج الجميل أفروديت»!2) 

وهنا مرة أخرى نجد الوزن السداسي والأسلوب اللغوي الملحمي هما 
أدوات التعبير المألوفة. ومن ثم يمكن أن نستخلص من هذا المثال-وسابقه- 
أنه في الجزء الأخير من القرن الثامن رغب الناس في التحدث عن أحوالهم 
السائرة ومشاعرهم الآنية فلم يجدوا أمامهم سوى وزن ولغة الملاحم أي 
أنهم عبروا عن أنفسهم وحياتهم المعاصرة في قالب الشعر الشفوي الموروث 
والتقليدي. ومع أنه حق الطبيعي أن تكون لهذا التراث تنويعاته المحلية 
والمتباينة إلا أن جوهره واحد لا يتغير. المهم أن الشعراء الصغار استطاعوا 
بعبقريتهم | أن يطوعوا الفن الملحمي العملاق لأغراضهم ا الشخصية 
الصغيرة فنجحوا بذلك في تغيير مسار الفن الشعري كله. لقد أصبح 
الشعر الملحمي يجزأ إلى مقطوعات صغيرة تعالج موضوعات مغامرة أي 
أنه لا يعد شعرا ملحميا بالمعنى السليم. 

و ذا كان الشعر التعليمي قد نبت انعكاسا للتغيرات التي طرأت عل 


10 


الشعر الاغريقى 


المجتمع والحياة إبان الفترة التي عاش فيها هيسيودوسء فمن الملاحظ 
أيضا أن هذا الشعر يضم أعمالا وقصائد ليس لها من قاسم مشترك سوى 
أن موضوعها ليس هو الحب أو الحرب بل العلم والفلسفة أو أي فن من 
الفنون الحرفية. والجدير بالذكر أن الإغريق لم يعتبروا الشعر التعليمي 
غرضا مستقلا من أغراض الشعر ولكنهم صنفوه تحت اسم «الملاحم» 
(»م8) وهذا الفن الشعري في الحقيقة قد نشأ عند الإغريق بصورة تلقائية, 
وقد يزعم البعض أن هذا الفن محكوم عليه بالزوال لأنه يقوم أساسا على 
المزج بين عناصر متباعدة ومكونات متنافرة. بيد أن البحث في ازدهار هذا 
الشكل الفني في العالم القديم (حيث بلغ الذروة لدى الرومان) وأسباب 
هذا الازدهار يكتسب أهمية خاصة لأنه سيساعدنا على فهم طبيعة هذا 
الفن. 

ويمثل هيسيودوس بالنسبة للشعر التعليمي ما يمثله هوميروس بالنسبة 
للشعر الملحمي أي المصدر والمنبع والعلامة المميزة. كلاهما ظهر في فجر 
الدب الإغريقي. ولكن بينما وضع هوميروس بملحمتيه إطار محددا وثابتا 
للشعر الملحمي فان قصائد هيسيودوس «الأعمال والأيام» (تهتعصع]1] نمعا دع 2) 
و«أنساب الآلهة» (دندمعه106) لا تمثل سوى بداية قوية ودافعة نحو تجارب 
أوسع وأشمل وأكثر تشعبا . فليس في قصائد هيسيودرس من وضوح الشكل 
إلا القليل كما أن الشاعر قد خلع على قصيدة «الأعمال والأيام» بالذات من 
شخصيته وظروفه الخاصة ما قد حال بين الأجيال التالية له ومحاولة 
تقليدها تقليدا مثمرا. 

ومما يلفت النظر أن الملامح الرئيسية للشعر التعليمي ترتبط بملامح 
الشعر الملحمي. بل إن أهم ما يميز الشعر التعليمي هو الارتباط الوثيق 
بالملاحم شكلا ومضمونا. ففي قرون ما قبل الأدب المدون في بلاد الإغريق 
كان الإنشاد في الوزن السداسي-كما رأينا-هو الوسيلة المثلى لتناقل الأخبار 
والمعارف جيلا بعد جيل. ولقد تم ذلك التناقل بطريقتين مميزتين. الأولى 
هي رواية الأساطير شفاهة وقد انتهت هذه الطريقة السردية بالإغريق إلى 
الملاحم الهومرية. أما الطريقة الثانية فهي الأسلوب غير السردي والذي 
شاع بوجه خاص في منطقة بويوتيا وهي المادة الفولكلورية التي نقحها 
وصقلها هيسيودوس . إن قبولنا بوجود علاقة ما بين تراث ما قبل هوميروس 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


وتراث ما قبل هيسيودوس قد يساعدنا على فهم الطابع الهومري لأشعار 
هيسيودوس التعليمية. ويتمثل هذا الطابع أول ما يتمثل في استخدام الوزن 
السداسى الملحمى لأداء غرض تعليمى. كما أن أشعار هيسيودوس حافلة 
باللهجة أو اللهجات الهومرية وهناك عبارات بأكملها منقولة من «الإلياذة» 
«والأوديسيا». 

يضاف إلى ذلك أن هيسيودوس قد ملأ قصيدتيه بفقرات سردية صيغت 
بأسلوب ملحمي قح ولو أنه غير مصقول في بعض الأحيان. صفوة القول 
أن الشعر التعليمي الذي ابتدعه هيسيردوس كان ذا أصول ملحمية إلى حد 
كبير. ومما يؤيد رأينا أن الشعراء التعليميين المتأخرين الإغريق منهم والرومان 
قد ورثوا ذلك عن هيسيودوس . إذ ظلت الروابط وثيقة بين الشعر التعليمي 
والشعر الملحمي. ولقد التزم كل الشعراء-فيما عدا أوفيديوس (43 ق. م- 
8ام)-بالوزن السداسي كما استلهموا التعبيرات الملحمية وتعلموا كيف يمزجون 
المقطوعات الوصفية بأخرى قصصية. 

وقد فعلوا كل ذلك بوعي كامل وعن قصد معلن ونية واضحة ومبينة:؛ 
ذلك أنهم توخوا أن يقتفوا أثر رائدهم هيسيردوس في تبني الأساليب 
اللحمية 0 
و رابطة أخرى بين الشعر الملحمي والتعليمي نجدها في مناجاة 
هيسيودوس الافتتاحية لربات الفنون. على أن مناجاة هيسيردوس هذه 
للإلهات الملهمات تمتزج على نحو تلقائي بدعاء إضافي لزيوس راعي العدالة 
القدير («الأعمال والأيام» بيت 2- 10). 

ففي ذكر زيوس بصفته المميزة هذه في بداية القصيدة تقليد ابتدعه 
هيسيودوس واتبعه بقية الشعراء التعليميين أي الاستهلال بمناجاة الآلهة 
المتخصصين والمتصلين صلة وثيقة ومميزة بموضوع القصيدة. 

هكذا ناجى آراتوس (المولود عام 315) في مطلع قصيدته «الظواهر» 
زيوس. وهذه القصيدة تعد صياغة شعرية بالوزن السداسي لأبحاث فلكية. 
وهو يناجي زيوس لأنه بالأساس رب السماء والأفلاك. وبالمثل ناجى كل من 
لوكريتيوس (حوالي 99- 55) وأوفيديوس (43 ق. م-18 م) في مطلع قصائدهما 
التعليمية الربة فينوس (أفروديتي). وفعل فرجيليوس (19-70) نفس الشيء 
عندما نظم «زراعياته» إذ استهلها بمناجاة الآلهة الزراعيين. 


الشعر الاغريقى 


2- «الأعمال والأيام» 

لعل «أنساب الآلهة» تعد إحياء للشعر القديم الذي كان موجودا قبل 
هوميروس واقتصرت موضوعاته على قصص الآلهة دون البشر. أما قصيدة 
«الأعمال والآيام» فهي قصيدة تدور حول موضوع شخصي وقضية ذاتية 
لقد وضع هيسيودوس نفسه في مقابلة أو معارضة سافرة للموروث البطولي 
فنجده يناقض ويناهض هوميروس وتصويره للحياة التي كانت تتركز حول 
النبلاء والأمراء في قصور الملوك. ذلك أن هيسيودوس قد رأى الحياة من 
زاوية الفلاح الكادح الذي تطحنه مشاكل حياته ومشاغل أعماله وهموم 
حاضره وإذا كان هوميروس يقدم لنا ماضيا متوهجا ودراميا فإن هيسيودوس 
بواقعية لا تعرف التردد يصور الحاضر المضني وغير الواعد بأية مكافأة 
من نوع خاص للمكدودين سوى لذة الحياة بضمير مستريح. وتحكي الأساطير 
أن هيسيودوس دخل في مسابقة شعرية مع هوميروس وفاز الأول الذي 
أعطاه حكم المسابقة-الملك بانيديس (2061065©)-الجائزة المرصودة. وقد تكون 
هذه الأسطورة من ذلك النوع التفسيري بمعنى أنها حيكت لتبرر الاختلاف 
الواضح بين الشاعرين وازدياد شعبية الشاعر الأحدث على حساب زميله 
الأقدم. وتسلط الأسطورة مزيدا من الضوء على نفسها عندما تقول إن 
هيسيودوس كان قد هزم أمام هوميروس عندما تبارزا فقرة بفقرة بيد أن 
الجائزة أعطيت له لآنه إجمالا يتغنى بالزراعة والسلام لا بالحرب والضرب 
والتخريب. وهكذا تضع الأسطورة هيسيودوس في مكانه الصحيح الذي 
اختاره هو لنفسه. 

لقد أوضح لنا هيسيودوس-منن افتتاحية «الأعمال والأيام» التي تضمنت 
الدعاء لزيوس رب العدالة-أن فكرة العدالة هى بيت القصيد بل إنه يعود 
فيقول (ب 275-/28): 1 

«أنصت لصوت العدالة واهجر أية فكرة للعنف هذا هو القانون الذي 
وضعه زيوس للبشر. إن الأسماك والحيوانات المفترسة والطيور المتوحشة 
تأكل بعضها بعضا لأنها ليست لديها أية فكرة عن العدالة. أما البشر فقد 
وهبهم زيوس العدالة وهي التي ثبت أنها أحسن ما يملكون على الأرض. 
لآن زيوس يهب الرخاء والازدهار لكل من يرى الحق ويرغب في أن يتناقش 
حوله». ويقول هيسيردوس عن العمل الشاق وقيمته (ب 302, 308- 311,309 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


من نفس القصيدة): 

«المجاعة رفيق دائم للرجل العاطل ومن العمل يصبح المرء غنيا ويمتلك 
قطعانا من الماشية والأغنام وبالعمل أيضا يصبح الإنسان أكثر قربا من 
الآلهة. ليس العمل عارا ولكن العار أن لا تعمل. 

و يسمى هيسيودوس اللص «نائم النهار» (5عاذزماه:عممء8). ولعل هذه 
العياراكةالوفظية والأمثال الحكمية من الموروث الشعبي المألوف الذي كان 
الفلاحون وغيرهم يرددونه قبل هوميروس وحتى عصر هيسيودوس. ومن 
ثم فإن عمل الأخير اقتصر على مجرد التقاط وإعادة صياغة هذه الأقوال 
صياغة شعرية عصرية. وإن كان ذلك قد حدث فعلا فإنه لا يعيب 
هيسيردوس بل على العكس من ذلك يعطي لأشعاره قدرا أكبر من الأهمية. 
لأن المصدر الشعبي هو الذي صنع أعظم أعمال الشعراء التعليميين وغير 
التعليميين وهو الذي يشكل السبب الرئيسي لنجاح الأعمال الفنية بصفة 
عامة. 

وفي قصيدة «الأعمال والآيام» يضع هيسيودوس تقليدا آخر في الشعر 
التعليمي ألا وهو أسلوب «الخطاب المفتوح». وهذا الأسلوب بلا شك يزيد 
من وقع الإرشاد على النفوس في الأشعار التعليمية. فهيسيودوس دائما 
يخاطب أخاه بيرسيس وفي خطابه يمتزج عنصر الإحساس بال مرارة وحسن 
النية يقول مثلا في بيت 286: 

«إنني أخاطبك أنت يابيرسيس أيها الأحمق إلى حد كبير وسوف 
أخبرك». ويؤنب الشاعر أخاه بسبب ظلمه الفادح: إذ اغتصب نصيب 
هيسيودوس في الميراث: ورشا السلطات المحلية أو كما يسميهم هيشودوس 
مستخدما المصطلح الهومري «الملوك». ولأنه من ناحية أخرى متكاسل ويرى 
أن التعدي على حقوق الغير والظلم هما أقصر وأسهل طريق نحو تحقيق 
كسب غير مشروع ولكنه سريع (ب 316-314,41-27, 404-296) 

و ينصح هيسيودوس أخاه بيرسيس بأن يختار الصراط المستقيم وأن 
يتجنب طريق الضالين لأن السماء تتولى ثواب المستقيمين وعقاب المسيئين 
هم ومدنهم (ب 247-213). ويقول لبيرسيس: «اسمع يا بيرسيس إنه لمن 
السهل أن يأتي المرء أعمال الشر والصعب هو أن يكون الإنسان ممتازا لذا 
فأنصت لنصيحتي ونح جانبا عنك الخجل المزيف من العمل اليدوي واجتنب 


الشعر الاغريقى 


الأساليب الخسيسة (286 وما يليه). 

و رغم أن هذه المواعظ مزدوجة أي قصد بها هيسيودوس إلى جانب 
أخيه الجمهور العريض ولا سيما أولئك المرتشين من الحكام والذين كانوا 
يرون أن الحق والعدل يكمنان في القوة والبطش (ب 39-38). ومع أننا لا 
نشك في أن هيسيودوس كان يخاطب أيضا فلاحي بويوتيا المكدودين الذين 
لا يملكون إلا التمسك بفضيلة العمل والعدل أساسا للحياة وسببا للوجود 
إلا أن بيرسيس يأتي دائما في المقدمة بين ثنايا قصيدة هيسيود وس . وبهذا 
الأسلوب كسب العمل التعليمي سلاحا قويا سواء تم ذلك بطريقة تلقائية أو 
بصورة متعمدة من جانب الشاعر. ذلك أنه من الطبيعي أن يضع السامع أو 
القارئ نفسه موضع بيرسيس كلما صب عليه هيسيودوس هجومه أو 
إرشاداته وبالمثل يستطيع القارئ أن يعتبر تزلف لوكريتيوس لميميوس موجها 
له هو وبمقدور نفس القارئّ أن يأخذ تبجيل فرجيليوس لمايكيناس على أنه 

في قصيدة «الأعمال والأيام» يخاطب هيسيودوس الفقراء الذين لا 
يذكرهم هوميروس إلا لماما ولا يلعبون دورا بارزا في الأدب الإغريقي بصفة 
عامة. وقرية هيسيودوس نفسها اسكرا قرية معزولة في بويوتيا ومن العسير 
الوصول إليها . وهي لا تعجبه شخصيا بسبب بردها الشتوي القارس وحرها 
الصيفي الخانق. 

ومع ذلك فالشاعر لم يرحل عنها قط. لم يعبر البحر سوى مرة واحدة 
عندما أبحر من أوليس إلى الجزيرة المقابلة أي يوبويا التي لا تبعد كثيرا 
عن مسقط رأسه. وفي هذه الجزيرة وأثناء هذه الزيارة فاز هيسيودوس 
بجائزة بمدينة خالكيس فوهب الجائزة إلى ربات الفنون على سطح جبل 
الهيليكون. ويقال أن هيسيودوس عزف عن الترحال حتى لا ينقطع عن 
عمله في الحقل أو حتى لا يبتعد عن مقر ربات الفنون. 

وفي أبيات ا38- 764 يقدم هيسيودوس النصائح العملية المباشرة لممارسة 
سائر الأعمال الزراعية وأهمها جميعا النصيحة بضرورة أن يمتلك الفلاح 
منزلا وزوجة وثورا للمحراث حتى لا يحتاج إلى الاستعارة من الغير فهذا 
أمر معيب. وينصح الشاعر بتنظيم انسل متسائلا أليس من الأفضل أن 
يكون للمرء طفل واحد يعيش في رخاء؟ وفي حالة اضطرار الفلاح للاستعانة 


84 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


بخادمة فلتكن بلا أطفال.!") ويشير هيسيودوس على الفلاحين أن يحتاطوا 
لبرد الشتاء القارس منذ أيام الصيف الحار نفسها. ثم في هذه الفقرة 
بوضع مبادئ متفرقة للحياة أهمها السن المناسب للزواج والحكمة في التدبير 
وكياسة التصرف. أما في أبيات 665- 928 فيورد قائمة بالآيام المحظوظة 
وأخرى بالآيام المنحوسة والتي ينبغي على المرء ألا يعمل فيها. 

و من الواضح أن قصيدة «الأعمال والأيام» تعكس بالفعل حياة قلاح 
فقير لا حياة رجل غني أو أمير. ويبدو بعدها الخلقي محدودا إذ لا يترك 
مجالا واسعا للكرم ولا للتفضل بفعل الخير أو التعاطف مع الفقراء أو 
الضعفاء غير المحظوظين. كما أنها من الناحية الدينية تضم بعض 
الخزعبلات التي كان هوميروس قد تخطاها وتخلص منها بيد أن التركيز 
على فكرة العدالة كمبدأ كوني عام قد تقدم بنا خطوة للأمام في رحاب 
الفكر الدينى. 

تعد قضين قو الأفيان والأيام» الخطوة الأولى على طريق التأمل الفلسفي 
التشاؤمي. وهذا ما يمكن أن ندلل عليه من نظرة هيسيودوس للمرأة فهي 
نظرة لا تتميز بليبرالية هوميروس شاعر البطولة. حقا إن هيسيودوس 
يقول (702) إن المرء ما استفاد قط خيرا من زوجة صالحة وما أصابيه قط 
أسوأ من زوجة طالحة فهي لعنة قاتلة. غير أنه بصفة عامة يعتبر المرأة 
فخا منصوبا للرجل أي غواية تقوده للهلاك (373- 375). وهذا أمر واضح 
في أسطورة باندورا عنده فهي أولى النساء وأم الشرور وأس العذاب في 
الحياة البشرية. بل هي المخلوق الجميل الذي صنعته الآلهة وبعثوا به إلى 
الأرض من أجل تعذيب الرجال. لقد غضب زيوس عندما سرق بروميثيوس 
النار من أجل الناس فأمر هيفايستوس إله الصناعة والحدادة بتشكيل 
«باندورا» التي يعني اسمها «مانحة كل الهدايا» أو «حاملة كل الهدايا» ومن 
ثم فقد ترمز إلى الأرض نفسها أم الأشياء جميعا. على أية حال كان الذي 
استقبلها على الأرض هو أخ غبي لبروميثيوس ويدعى ابيميثيوس. لقد زين 
هيفايستوس باندورا بكل الهدايا التي وهبها لها الآلهة فحملتها في إبريق 
يقبع في قاعة الآمل؛ وهو ما قد يعني الدواء لكل مآسي الإنسانية. المهم 
شرعت باندورا تبعثر هداياها أي شرورها في أركان الدنيا فامتلأت الحياة 
بالرذائل والرزايا9. بيد أن باندورا كانت حريصة دائما على أن تضع الغطاء 


الشعر الاغريقى 


فوق الإبريق قبل أن يتمكن الأمل من الإغفلات والخروج للناس المتلهفين على 
أية بارقة للأمل. ولذا فإن آلاف الشرور تهيم ا بين الناس وتملاً دروب 
الحياة في البر والبحرء ولا يزال الأمل محبوسا في الإبريق. ومن فالحالة 
البشرية مستعصية وميئوس من شفائها. بيد أن هيسيودوس يقدم حلا 
إيجابيا وحيدا . إنه العمل؛ الآمل الوحيد الباقي للانسان لكي يتحمل الحياة 
الدنيا. وأفضل الأعمال هي الزراعة لأنها توفر الأمن الغذائي وتقضي على 
المجاعة. ومع أن هيسيودوس يعرف تفاصيل العملية الزراعية إلا أنه ليس 
سعيدا بها إذ تسعده أكثر بعض سويعات الراحة عندما يجلس في ظل 
صخرة ليشرب الخمر واللبن أو يأكل الخبز وبعض قطع اللحم البقري. 
وهي سويعات نادرة في حياته. المهم أنه بالنسبة لهيسيودوس العمل البطولي 
هو عمل الفلاح في مقابل عمل أبطال الحرب الهومريين. 

واذا كان هناك شيء من التشاؤم عند هوميروس فإنه مغلف بالعظمة 
البطولية المبهرة. أما تشاؤم هيسيودوس فمباشر وسافر. إنه يقول بوضوح 
شديد وتأكيد قاطع إن البشرية تسير من سيئ إلى أسوأ. في البداية كان 
العصر الذهبي القديم قدم الإنسانية: انه عصر الوفرة والكثرة؛ الرخاء 
والاسترخاء. عصر السلام والآمان في ظل حكم «الإله» أو «الملك» كرونوس. 
وعندما اختفت هذه السلالة البشرية الذهبية من سطح الأرض حلت محلها 
سلالة أخرى «خضية» وتلتها سلالة «برنزية» ين بعد أتت السلالة الرايعة 
سلالة الأبطال وهي السلالة التي لا تستمد اسمها من أي معدن من المعادن 
كما أنها السلالة التي انقرضت في الحروب حول أسوار طيبة وطروادة. 
وبعدها جاء عصر السلالة الخامسة الحديدية أي العصر الحديدي الذي 
يتحدث عنه هيسيودوس فيقول («الأعمال والأيام» بيت 174 وما يليه): 

ليتني لم أكن بين رجال الجيل الخامسء بل ليتني 

مت قبله أو ولدت بعده. فالسلالة التي توجد 

الآن هي حقا سلالة حديدية ولا راحة لأحد 

فيها من الأسى والإرهاق نهارا والهلاك ليلا..» 

ومن هذه الآبيات يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن هيسيودوس يرى أن 
التاريخ تطور مطرد نحو الأسوأ أي أنه تدهور تدريجي. وهذه نظرة تشاؤمية 
للحياة والحضارة البشرية. ويفسر هيسيودوس هذا التدهور المتصل في 


00 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


أحوال السلالة البشرية بأن الآلهة يكون لها سوء النية والحسد والحقد. 
ولكننا يمكن أن نعلل سيطرة هذا التشاؤم على أشعار هيسيودوس بظروفه 
الخاصة وتجربته المريرة في الحياة كما رأينا. 

حقا إن هوميروس يشير إلى «الأقدار السماوية» التي تصدر في هيئة 
أحكام وتشريعات شفوية لتصبح بمثابة قوانين غير مكتوبة لها قداستها 
وذلك قبل أن تكتب الدساتير. ويتحدث هيسيودوس بمرارة المجرب عن 
هذه القوانين التي غالبا ما تحور لصالح الملوك والأمراء. ولذلك فهو يخاطبهم 
وينذرهم بألا ينسوا أو يتناسوا انتقام الآلهة. فهناك «عشرة آلاف مثلثة» 
(أي ثلاثون ألفا أو عدد لا حصر له) من الأرباب الخالدين يمشون على 
الأرض مختفين وسط الضباب ليراقبوا تصرفات البشر. وزيوس الذي لا 
يغمض له جفن سيعاقب الأشرار في النهاية وكما عقد هوميروس على درع 
اخيلليوس مقارنة بين مدينتين إحداهما في حالة حرب والأخرى في حالة 
سلم فإن هيسيودوس يعقد مقارنة بين مدينتين أخريين في إحداهما تسود 
العدالة وفي الثانية يهيمن العنف والظلم. ولكن هيسيودوس على يقين-تام 
بوحي هن نظرتة التشاؤمية بان العدل ضعيف كل الضعف أمام عتفوان 
الظلم وجبروته؛ وهو يثبت وجهة نظره هذه مستخدما قصة العندليب والصقر 
إذ انقض الأخير بمخالبه على الطائر المغرد ثم طار به إلى أجواء الفضاء 
قائلا له في خيلاء: 

«أيها المخلوق البائس» لماذا تصرخ؟ ها أناء وأنا أقوى منك كثيرا قد 
أمسكت بك في قبضتي وعليك الآن أن تذهب أينما شئت أناء هذا مع أنك 
طائر جميل الصوت, إنني أستطيع الآن إن أردت أن أجعلك غدائي وأستطيع 
أيضا إن شكت أن أطلق سراحك. أيها الطاكر الباكس إنه أحمق من يحاول 
مقاومة الأقوى منه لأنه لن يستطيع أن يزحزه ولن يناله من المحاولة إلا 
الآلم والعاره. وهكذا فإن هيسيودوس الذي لا يفضله عن هوميروس زمن 
طويل يأتي مناقضا له في كثير من النواحي؛ فحتى عندما يورد قصة سبق 
لهوميروس أن رواها يعطيها معنى جديدا . وهذا أمر واضح في أسطورة 
بروميثيوس الذي خدع زيوس عندما قدم له عظام الذبيحة ملفوفة في كثير 
من الدهن بدلا من أن يقدم له صافي اللحم. فهو عند هيسيودوس ليس 
مشهدا كوميديا بل مصدرا للشرور التي أصابت الناس. ويصفة عامة يفتقد 


6867 


الشعر الاغريقى 


هيسيودوس سلاسة وعذوبة الشعر الهومري ولكنه يتفوق عليه في الأقوال 
المحكمة والمأثورات وفي محاولته التعمق في فهم الموقف الإنساني في هذا 
الكون. لقد طور هيسيودوس لنفسه فكرة عن ماهية الآلهة الذين وجد 
فيهم العزاء للمقهورين المظلومين ورمزا خالدا لانتصار النظام على الفوضى 
وضمانا لسير العدالة واندحار الظلم5!. 

و ترك هيسيودوس بصماته أيضا على الشعر التعليمي بالبناء غير 
المحكم الذي نظم فيه قصيدته «الأعمال والأيام» فمن الملاحظ أن العناصر 
المكونة لهذه القصيدة لا يرتبط بعضها ببعضها الآخر إلا بخيوط واهية 
يمكن فصمها . فنحن ننتقل في القصيدة من قوائم كاملة للحكم أ والأمثال 
إلى أحداث ملحمية الطابع إلى استطرادات بعضها يتصل بالترجمة الذاتية 
للشاعر نفسه وبعضها الآخر بعيد عن ذلك كل البعد. ثم نصل إلى مجموعات 
من الأفكار المفيدة حول الزراعة؛ وتحذيرات متشائمة عن الملاحة (أبيات 
694-8). فلا غرو إذا كان النقاد بعد تحليل دقيق لهذه القصيدة قد 
وجدوا ما يبرر الشكوك التي دارت حول وجود بعض التحريف أو الإقحام 
في أبياتهاء ولو أن مثل هذا التشتت في بنية القصيدة قد يعود إلى نقص 
في تقدير هيسيودوس وحكمه على الأشياء ومدى ارتباطها بموضوعه 
الأصلي. المهم أن هذه الخاصية قد انسحبت على بقية الشعراء التعليميين 
من بعده. حتى إن شعراء العصر الهيللينستي وهم المشهورون بالتدقيق 
والتحقيق قد تأثروا بهذه السمة الهيسيودية وتعلموا كيف يستغلون بمهارة 
وحذق مثل هذه الاستطرادات بهدف إضفاء الزخرف على عملهم الشعري. 
و بغض النظر عن هذه التأثيرات الملموسة لقصيدة «الأعمال والأيام» على 
التراث الشعري التعليمي عند الإغريق والرومان فإن هذه القصيدة قد 
أصبحت من أمهات الأشعار التي أثرت في كل الفنون الشعرية بالعالم 
القديم فلهذه القصيدة بصماتها الواضحة على الشعر الغنائي والممسرحي 
وعلى الفكر الأخلاقي والسياسي. نضرب لذلك مثلا برؤية هيسيودوس 
التي سبق أن ألمحنا إليهاء عن «العصر الذهبي» الذي يختلط فيه الرخاء 
الزراعي بمفهوم العدالة فكلاهما يرتبط بفكرة الماضي الذي ولى ولن يعود 
مرة أخرى (أبيات !!9-١17‏ , 239-225). لقد مارست هذه الفكرة تأثيرا كبيرا 
على العديد من الشعراء مثل آراتوس ولوكريتيوس وفرجيليوس وتيبوللوس 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 
بوعل #يلسرف سكل افلاطون: 


3- «أنساب الآ لهة» 

وتبدو قصيدة «أنساب الآلهة» وكأن مؤلفها قد نظمها بإيعاز من ربات 
الفنون نفسهاء وقد تكون هذه القصيدة أول إنتاج للشاعر الذي يحاول فيها 
ترتيب مجموعة من الأساطير المتفرقة بأن يعطي لها نظاما متماسكا. 
ولعله أول من فعل ذلك لأن عمله هذا صار مرجعا في مسألة بداية الأشياء 
ولا سيما تسلسل نسب الآلهة. وفي هذه القصيدة يتحدث هيسيودوس كما 
لو كان رجلا مميزا عن بقية الناس أو كا الآلهة منحته قدرات خاصة 
تمكنه من النفاذ إلى خبايا الأمور فهو لا يتردد ولا ينتابه الخوف من احتمال 
الخطأً. ولما كانت القصيدة تضم عددا وافرا من الزيجات الإلهية وبالتالي 
عمليات التناسل المستمرة فإن ذلك قد يوحي بأن مسار القصيدة التي بحث 
بيد أن المدقق في أبياتها يستشعر نوعا من التخطيط والتدبير في مسيرة 
الكون والكائتنات كما يحس بشيء من الجاذبية لمتابعة عمليات الزواج 
والإنجاب الإلهية هذه. 

ويرى هيسيودوس أن نمو العالم والآلهة يتم في حركة بطيئة ومضنية 
من الفوضى إلى النظام. غفي البداية كانت «الفوضى» (07205) واريبوس 
(ومطء8) والليل (دا8) فائجبوا السماء (5مهئن0) والتهار (هتعصعة) وتزوج 
أورانوس من (الأرض) جايا (هنه6) وأنجبا سلالة العمالقة والمردة. وكلما 
تقدم الزمن للأمام حل الآلهة محل عناصر الفوضى في الكون حتى جاء 
كرونوس (110005) فاستوى على العرش بعد أن خلع وخصى أباه أورانوس 
واستولى على الحكم الكوني. ومن بعده جاء ابنه زيوس فتربع على عرش 
السماء بعد أن فعل بأبيه كرونوس ما ظعله الأخير بأبيه. ولما هدد العمالقة 
جيجانتيس والمردة تيتانيس السلطة الإلهية هزمهم زيوس وإخوته أرياب 
الأوليمبوس شر هزيمة وألقوا بهم في الظلام. ولكن لا تزال مع ذلك هناك 
بعض عناصر الاضطراب والفوضى. فهناك «القوة» التي تحمل «القدر» و 
«الموت» و «الخصام». وفي مقابلها توجد عناصر الجمال والوثام وتمثلها 
سلالة ثيميس ربة الحق ورمز («لعدالة» و «السلام» و «روح القانون». 

و تتكون القصيدة من مقدمة (بيت ١ا-35)‏ عبارة عن تضرع إلى ربات 


إن 


الشعر الاغريقى 


الفنون ووصف للقاء الشاعر معهن. وجاء في هذا الجزء قول الشاعر (بيت 
ا-1): 

«دعنا نبدأ في أغنية ربات الفنون سكنات الهيليكون اللائي يملكن جبل 
الهيليكون العظيم والمقدس ويرقسن بأقدامهن التاعمة حول النبع القرمزي 
وحول مذبح زيوس القدير. فبعد أن اغتسلن في مياه بيرميسوس أو نبع 
هيبوس أو أوليمبوس المقدس قمن برقصات ساحرة ورشيقة فوق قمة 
الهيليكون ثم انسابت خطاهن وعلى الأقدام انتقلن من ذلك المكان ليلا 
يلفهن هواء كثير وسرن الواحدة تلو الأخرى وهن يغنين بصوتهن الرخيم 
ويبتهلن إلى زيوس لابس الدرع أيجيس وهيرا مليكة السماء والأرض». 

ثم يقول هيسيودوس بعد ذلك (بيت 34-21)- 

«لقد علمت ربات الفنون هيسيودوس أغنية جميلة بينما كان يرعى 
أغنامة غلى سقع الهيليكون: وقبل كل شيء فإن .ريات الفتون»الموشايدينات 
زيوس لابس الدرع أيجيس خاطبته بهذه الكلمات: أيها الرعاة قاطنو الحقول. 
باللأشياء الشيعة الح يدوج لرمكب إنكم جرد يطوق شرهة أما تعن 
فنعرف كيف نلبس أكاذيب كثيرة في أقوالنا ثوب الحقيقة ونعرف أيضا 
كيف :نتغنئ: تالحفاكق عندما كريد 

هكذا تحدثت بنات زيوس العظيم ذوات اللسان الفصيح وبعد أن قطعن 
فرعا من شجرة الغار المزهرة أعطينني صولجانا وأوحين إلى بأغنية ربانية 
لكي أتغني بالأشياء التي ستحدث وبما حدث بالفعل وأمرنني أن أمجد 
سلالة المباركين للأبد». 

فهيسيودوس كما يفهم من هذه الأبيات يرى مثل هوميروس بان الشعر 
الهام ولكنه يختلف عنه في تخفيف درجة الإلهام هذه وبالتالي زيادة دور 
الشاعر في العملية الإبداعية. إذ لا يرى هيسيودوس في ربات الفنون سوى 
مجرد ملهمات وات لسبان فصيح وقول بلي يجدن ارصن :الاجر والغناء 
الآسر والكلام المقنع والنافع. واقتصر عملهن بالنسبة لهيسيودوس عل 
تؤويده بصولجاخ الشعر كما آوبحين إليه بالأغاتي وهذا يعني أنهن اخظين 
لأشعاره قوة ربانية كبيرة ولكنهن لم يعطينه الأشعار نفسها كما حدث 
بالنسبة لهوميروس. وانسجاما مع هذه الرؤية عن الإلهام فان هيسيودوس 
يعطى للشعر وظيفة أساسية هي تنمية معارف الناس والأخذ بيدهم فيما 


00 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.!0) 

و يتلو ذلك الاستهلال بمناجاة ربات الفنون فى قصيدة «أنساب الآلهة» 
ما يمكن أن نسميه برولوج ثاني (بيت )1١15-36‏ وفيه يقول الشاعر: 

«دعنا نبدأ من ربات الفنون بنات زيوس من منيموسيني (ربة الذاكرة) 
اللائتي يتغنين تكن شيء في السماء والأرض». 

وفي أبيات 153-1١16‏ يقول هيسيودوس إن بداية الأشياء جاءت من 
«الفوضى» ثم يتحدث عن زواج «أورانوس» (السماء) من «جايا» (الأرض) 
ونسلهما . وفي أبيات 154- 410 يثور أبناء أورانوس وجايا أي المردة التيتانئيس 
والعمالقة جيجانتيس ضد أبيهم أورانوس ويقطعون أوصاله ويفصلونه عن 
جايا الآأرض. 

ثم يتحدث الشاعر عن عملية الزواج والتناسل بين التيتانئيس. وفي 
أبيات 452-41١‏ يقدم لنا مشهدا عرضيا عبارة عن نشيد يكرم فيه الشاعر 
هيكاتي بنت أحد التيتانئيس وهوكويوس من زوجته فويبي. وهيكاتي كما 
يقول هيسيودوس تحطى بمكانة خاصة لدى زيوس ويمكنها أن تهب الناس 
كثيرا من الخيرات. وفى أبيات 506-453 يتحدث هيسيودوس عن سلالة 
كرونوس وريا. فزيوس هو أصغر أبنائهما يثور على أبيه ويخلعه عن عرض 
الكون. وضي أبيات 616-507 يولد بروميثيوس ابن أحد التيتانئيس وهو يابيتوس» 
ويخدع بروميثيوس زيوس في نصيبه من القرابين ويسرق النار من السماء. 
ويرد زيوس الغاضب على ذلك بإرسال باندورا جدة النساء الأولى. كما 
يوضع بروميثيوس في الأغلال ويسلط عليه نسر كبير لينهش كبده الذي 
يجدد له بليل كلما نفد ليستمر عذابه للأبد. وفى أبيات 617- 819 يصف 
هيسيودوس المعركة بين سلالة كرونوس والتيتانئيس وانتصار الطرف الأول. 

وفى أبيات 880-820 تلد جايا (الأرض) سلالة جديدة متمثلة فى الوحش 
تيفويوس الذي يصيبه زيوس بصاعقته. وفي أبيات |955-88 بعد أن هزمت 
سلالة كرونوس كل الشرور يتلقون نصيحة جايا ويختارون زيوس ليكون 
ملكا عليهم. ثم يصف الشاعر زيجات زيوس وبقية الآلهة. وفي أبيات 956- 
2 يتحدث الشاعر عن أبناء الشمس الآدميين وأبناء الإلهات من البشر 
ويتطرق «للمثيلات6. 

من الواضح إذن أن «أنساب الآلهة» دراسة أسطورية لاهوتية تسير على 


9 


الشعر الاغريقى 


المنهج البدائي. المعروف آنذاك أي تتبع خيط النسب. وهي أيضا بمثابة 
مقدمه لتاريخ العالم. ومع ذلك فالقصيدة أقل تشويقا من «الأعمال والأيام» 
حتى أن كوينتيليا نوس الكاتب الروماني يقول «قلما يصل هيسيودوس إلى 
أية درجة من السمو لأن غالبية قصيدته تضيع في الأسماء»!/ وهذا يعني 
أن هدف هيسيودوس الرئيسي في هذه القصيدة هو نقل المعرفة والتعليم 
لا المتعة. ومن الملاحظ أنه استبدل الآلهة التقليديين بآخرين أقل شهرة 
وأضاف العديد من المعاني المجردة كقوى تم تأليهها مثل «الخصام لا وسلالتها 
من «التعب» و«النسيان»إلى «الجوع» و «الآلام» وكذا سلالة «الليل» (أبيات 
6 وما يليها) بل إنه جعل من إيروس (8:053) أي «الحب» الذي كان في 
الأصل آلها فعليا فى كسسبياى (180م1ه10) بإقليم بويؤتيا قرة كرثية عظس . 
إنه طفل بلا أب وهو مولود من «الفوضى» (بيت 20! وما يليه). بل إنه جعل 
«الشائعة» (©<هام) قوة إلهية وقد يعني هذا أن «الرأي العام»-الذي يبدو 
كما لو أن أحدا غير مسئول عنه-هو مظهر من مظاهر القوى الإلهية الخفية 
تعمل في الناس بلا وعي منهم (أبيات 764-763) ولريما كانت هذه الفكرة 
أصل المبدأ المعروف والقائل بأن صوت الشعب هو صوت الإله (11ناممم :ه7١‏ 


أعل 002 . 


4- ما ببعد هيسيود وس 

وتنسب خطأً إلى هيسيودوس قصيدة «درع هرقل» (كتمكة دنامعلكله2) 
وهي بالطبع تذكرنا بوصف هوميروس لدرع اخيلليوس في «الإلياذة» وتؤرخ 
هذه القصيدة لعام 600 تقريبا وتقع في 480 بيتا. وترد أحيانا الست 
والخمسون بيتا الأولى منها ضمن قصيدة «المثيلات» وهي تتناول قصة 
ألكميني وأمغيتريون ومولد التوءم هرقل وايفيكليس ثم مغامرات هرقل. 
ويستغرق وصف تسلح هرفل 178 بيتا إذ يرد فيه وصف درع هرقل والمشاهد 
المنقوشة عليه وتتضمن القصيدة كذلك وصفا للصراع بين هرقل وكيكنوس 
الوحش ابن الإله آريسء ودرع هرقل مثل درع أخيلليوس عند هوميروس من 
صنع هيفايستوس وعليه مشاهد من أساطير الآلهة. ومن الحياة اليومية, 
وهذه القصيدة بصفة عامة تظهر حالة الشعر الملحمى-التعليمى عندما 
وصل إلى ما وصل إليه من التدني والتدهور. وتنسب إلى هيسيودوس أيضا 


02 


هيسيودوس: الانسان الفرد والشاعر المعلم 


قصيدة «قائمة النساء» («معلههتزع 2]21085>) والمعروفة بعنوان آخر هو 
«المثيلات» (51زه11) ذلك أن كل فقرة فيها تبدأ بعبارة «أو مثل ألكميني (أو 
أية بطلة أخرى) 100 والهدف الواضح للقصيدة هو تبيان كيف أن نساء 
كثيرات من الماضي كن طيبات ممتازات فزن بحب الآلهة (مثل...) ثم يسرد 
الشاعر قصة هذه المرأة أو تلد وابنها أو ابنتها من هذا الإله أو ذاك. ومن 
الشذرات التي وصلتنا من هذه القصيدة يتضح أن أسلوبها لا يرقى إلى 
مستوى الشعر الملحمي-التعليمي؛ وكأنها من نظم تلميذ يقلد أسلوب مؤسس 
المدرسة هيسيودوس . ذلك أن هيسيودوس يعتبر مؤسسا لمدرسة من الشعراء 
الذين اتبعوا نهجه ولو أنهم ليسوا في أهمية اتباع هوميروس . إنها على أية 
حال مدرسة للشعر شغلت نفسها بالأخلاقيات وكتابة تواريخ أو حتى أساطير 
منظمة ومرتبة وأهم من ذلك أن هيسيودوس يعتبر خير من مهد لظهور 
الشعر الغنائي: فهو أول من تحدث عن همومه الخاصة في شعره. ويتميز 
هيسيودوس بالموهبة المقترنة بقدر كبير من الميل لتآكيد الذات والاهتمام 
بالآأخلاقيات وتصنيف أو ترتيب المعلومات. وهذه كلها تعد يذورا صالحة 
توضع في تربة العبقرية الإغريقية حيث ستنبت منها مستقبلا الفلسفة 
الإغريقية والفكر الأخلاقي والمنهج العلمي. فكما عبر هيسيودوس عن 
فكره الأخلاقي والديني بالوزن السداسي هكذا سيستخدم نفس هذا الوزن 
في أعمال الإعلام الديني والفلسفي إبان القرن السادس والخامس. يضاف 
إلى ذلك أن رؤية هيسيودوس (وهوميروس) عن الإلهام في الفن قد استمرت 
سائدة في عالم الفكر والأدب حتى الفترة الكلاسيكية بل وما تزال حية إلى 
يومنا هذا . فأفلاطون يرى أن الشعر إلهام واعتبر سيمونيديس ليس فقط 
حكيما (5071105) بل ربانيا (16105). وكان الشعراء-في رأي أريستوفانيس 
(الضفادع 686) معلمين للبشرية؛ ولم يتردد هذا الشاعر عن أن يصف 
الجوقة في مسرحه بأنها مقدسة لأنها تخدم إله الخمر والمسرح ديونيسوس 
«الضفادع» 1030 وما يليه «والزنابير» 1043) ولم يتورع عن أن يخلع على 
نفسه لقب «طارد الشرور» (01105::ه1ه) وهو لقب شعائري من ألقاب الآلهة 
وسمي نفسه كذلك «المطهر لوطنه (وعتةط)ة؟1) قارن» الاخارنيون «أبيات 
8 وما يليه. ونحن نرى فى كل ذلك-وغيره الكثير-ترديدا لأصداء شعر 
وفك هيسيودوين هي قضيدتيه والأعمال والآيام: و:«انسيات :الآلهة»: 


565 


البباب الثافي 
الشعر الغنائي وازدهار الدانيهة 


«أي سافو ! أيتها المقدسة! 
يا ذات الشعر البنفسجى 
والبسمة العذبة إني أتلهف 
للحديث إليك بيد أن الحياء 
1 الكايوس 
«إن كانت الرغبة في قلبك 
من أجل الخيز والجمال 
فتحسب وإذا كان لسانك عفا 
فإن الحياء لن يحجب عني 
بريق عينيك». 
سافو 


الشعر الغنائي... صعناه 
وأصوله 


كان القرنان السابع والسادس بالنسبة للإغريق 
فترة قلاقل لأن الطبقات الأدنى بدأت تحس بعدم 
الرضا وتسعى لتحسين أحوالها بل وتطلعت إلى 
المشاركة في الحكم. ولكي تحقق هذا الهدف اتخذت 
هذه الطبقات لنفسها زعيما هو في الغالب من 
أغراد الأرستقراطية وكان عليه في هذه الحالة أن 
يطيح بنظام الحكم الأرستقراطي ويستولي هو على 
مقاليد الآمورأي يصبح حكما «طاغية» (5ومصصمتدج) . 
والكلمة اليونانية هذه تعني الحاكم الذي لا يستند 
حكمه إلى الدستور المكتوب أو غير المكتوب أي لم 
يصل إلى الحكم بالطريق المألوف التقليدي فالكلمة 
أصلا لا تحمل في طياتها معنى الظلم والاستبداد 
كما يفهم منها ومن مشتقاتها في اللغات الأوروبية 
الحديثة. هذا مع أن بعض الطغاة الإغريق كانوا 
فعلا مستبدين وظالمين. وفي الغالب-على أية حال- 
كان مصبير شولا الطتفاة هى اللعلو بين لحك 
والطرد من البلاد ليحل محلهم حكم جديد دستوري 
سواء أكان أوليجا رخيا أو ديمقراطيا. المهم ا أنه 
صار هناك دستور مكتوب يسند هذا الحكم وصار 


95 


الشعر الاغريقى 


للناس رأي في اختيار حاكمهم. 

وكان من الطبيعي أن يمتد هذا الجو السياسي والاقتصادي ليشمل 
بتأثيراته مجالات الحياة الأخرى. فبدأ الناس يتساءلون عن المسلمات 
القديمة بما في ذلك عدالة الآلهة أنفسهم. وما إذا كانت الحياة تستحق أن 
نعيشها أم لا. وفي عالم الفكر والأدب ظهر تياران جديدان. يتمثل الأول في 
انتشار معتقدات دينية جديدة كانت تعتبر فيما قبل غير مقبولة على أساس 
أنها أجنبية أو شعبية وهي معتقدات تركز على جانب الحياة الأخرى حيث 
سيلقى الناس تعويضا مناسبا لما عانوه من متاعب في هذه الحياة الدنيا. 
أما التيار الثاني فهو الفكر الجديد الذي انشغل بمسألة الكون ككل والمجتمع 
الإنساني برمته. ويمكننا أن نتلمس هذين التيارين الجديدين في عبارات 
وأفكار العقيدة الأورفية والبيثاجورية نسبة إلى أورفيوس وبيثاجوراس (أي 
فيثاغورس) على التوالي. 

و كانت التغييرات الكبيرة التي طرأت على عالم السياسة والاقتصاد 
وكذا الفكر والأدب إبان القرن السابع هي التي مهدت للتطور الهائل الذي 
وقع في القرن السادس في كل ناحية من نواحي الحياة. في هذا القرن بزغ 
العلم والفلسفة, ونشأ المسرح وكذا النثر الأدبي لأول مرة. وكان القرن 
السادس أيضا مقدمة لانتصار الديمقراطية. وفيه أيضا استمرت حركة 
بناء المستوطتات أو المستعمرات وفية أيضنا يرز يغطن الطفاة الحكماء أمثان 
بوليكراتيس طاغية ساموس وبيسيسراتوس طاغية أثينا وبيتاكوس طاغية 
موتيليني في لسبوس. والآخير هو الطاغية الذي اعتزل الحكم بعد أن 
أصلح الحكومة وظن أن مهمته قد انتهت وهو الذي عاصر سولون واستحق 
أن يدرج اسمه في قائمة الحكماء السبعة. 

و بالنسبة لآثينا إبان بدايات القرن السادس فقد كانت لا تزال-برغم 
منجزات المشرع دراكون-تعاني من الإجراءات الجائرة التي فرضها أصحاب 
الآأراضي الزراعية من النبلاء أغراد الطبقة الآرستقراطية (نه64لهم81) على 
الطبقات الدنيا (65اءط) حق وقع الاختيار على سولون حيث أنيط به أمر 
إصلاح الحكومة عام 594. وتسيطر شخصية سولون على هذه الحقبة 
سيطرة واضحة وملموسة. لقد كان شاعرا غنائيا ومشرعا ورجل دولة 
بمعنى الكلمة؛ قاد مجتمعه نحو العدالة والمساواة. بيد أنه في عام 530 


9 


الشعر الغنائى... معناة وأصوله 


وقبيل موت سولون استولى بيسيستراتوس على الاكروبوليس (قلعة المدينة) 
وحكم الدولة «كمواطن لا كطاغية» على حد قول أرسطو. ساربيستراتوس 
على نهج سولون ولكن بأسلوب مختلف. أعطى دفعة قوية للفنون وكان هو 
وابنه هيبارخوس-الذي حمل لقب فيلوموسوس (دهناهمو1ن20) أي «المحب 
لربات الفنون موساي»اللذين وضعا أسس السيادة الأثينية في البحر الإيجي. 
وفي عصر بيسيستراتوس أقيمت لأول مرة حفلات الإنشاد الملحمي في 
أعياد البانائينايا وكذا العروض المسرحية الأولى في أعياد ديونيوس 
(الديونيسيا) ومات بيسيستراتوس على فراشه ميتة طبيعية عام 530 وهي 
كنهاية لطاغية جديرة بالإعجاب ! وتلاه ولداه هيبياس وهيبارخوس. فلما 
قتل الأخير عام 514 على يد هارمودياس وأريستوجيتون تحول أخوه هيبياس 
إلى طاغية بالمعنى الحديث للكلمة أي بالمعنى السيء للفاية. فطرد من أثينا 
بمساعدة إسبرطة عام 510. وقامت الديمقراطية الأخينية الحقة على يد 
كليسثينين عام 508. ويها بدأ عصر جديد ليس فقط بالنسبة لأثينا وإنما 
بالنسبة لبلاد الإغريق ككل والحضارة الإنسانية بصفة عامة. بيد أنه في 
غضون القرن السادس أيضا تعاظمت قوة الإمبراطورية الفارسية التي 
ضمت آشور وبابل وميديا وليديا ومصر. وفي عام 499 ثار الايونيون على 
الفرس وطلبت ميليتوس النجدة من الإغريق ولبت أثينا وأريتريا نداء بني 
جلدتهم وفي عام 494 انتقم الفرس ودمروا ميليتوس تماما فكان ذلك إيذانا 
ببداية سلسلة الحروب الفارسية التي ستخرج منها أثينا في النهاية منتصرة 
وسيدة لا تنازع في البحر الإيجي كله وعاصمة للفكر والأدب الإغريقيين. 

تلك هى باختصار شديد الخطوط العريضة للتغيرات الجوهرية التى 
طراك عل لحن الأغريقى عابة وحميلة اننا بخاسة وهئ القيرات 
التي في ظلها تدعمت أركان حياة دولة المدينة (ونا20) وبرزت الروح الفردية 
كما لم تبرز من قبل وذلك بفضل نمو التيار الديموقراطي في الحياة 
السياسية. وجاء الشعر الغنائي بكل فنونه كأفضل تعبير عن هذا العصر 
الجديد عصر الديموقراطية المتنامية والذاتية المزدهرة. وهذا ما سنحاول 
أن نسلط عليه الضوء في الصفحات التالية. على أننا نضع في الاعتبار 
ضرورة ربط فنون الشعر الغنائي هذه بالموروث الملحمي والتعليمي من جهة 
والفن الدرامي الذي تمخض عنه من جهة أخرى. 


97 


الشعر الاغريقى 


إن عبارة «الشعر الغنائى» (عكانةزا) تعد مضللة هنا لأآنها لا يمكن بأية 
حال من الأحوال أن تغطى كل ألوان الشعر التى سنتحدث عنها فى هذا 
الشعر الذي سنتحدث عنه عالج أمورا أخرى كثيرة غير «ذات» الشاعر 
بالمعنى الضيق للكلمة. أما التعبير الشائع فى اللغات الأوروبية الحديثة (. 
عات 19110106 ,1(136) فيعود إلى الصفة الإغريقية (13:1105) التى استخدمت فى 
وصف هذا الشعر منذ العصر السكندري. عندما صنف شعراء الإسكندرية 
التراث الشعري الإغريقي الموروث إلى ضروب أو قوائم عدة. وكان كل 
ضرب أو قائمة(هممهع1)!') برأيهم له أسلوبه الخاص وملامحه المميزة. 
وبالصفة 1/1105 يقصد السكندريون الشعر الذي يغني بمصاحبة أنغام 
القيثارة (لدتتز) وأدرجوا فى هذا الضرب أو ضمن هذه القائمة تسعة شعراء.: 
الكمان وسافو والكايوس وستسيخوروس وأناكريون وايبيكوسء؛ وسيمونيديس 
(من كيوس)(" وبنداروس وباكخيليدس. وعاش هؤلاء الشعراء في فترة 
تمتد من 610 تقريبا حتى 438 أي منذ ازدهار الكمان حتى موت بنداروس. 

و هيز السكندريون بين توعين من الشعر الغناكي (الليريكي): الأول هو 
الشعر الجماعي وأسموه مولبي (ءمامم) وتلقيه جوقة مصحويا بالرقص أي 
الإيقاع على أنغام القيثارة أو الناي (الفلوت) أو الاثنين معا وكانت هذه 
الرقصات تقام فى المناسبات العامة ولا سيما المهرجانات الدينية. أما النوع 
الثاني فهو الشعر الغنائي (الليريكي) الفردي (المونودي) والذي أسموه 
«ميلوس» (105ء2) . وهذا النوع هو الأقرب إلى ما نعنيه نحن المعاصرون 
عندما نتحدث عن الشعر الغنائى أو «الأغانى» بل لعله الأقرب إلى تراث 
الشعر الغربي, إنه ينظلم في قصائد كل منها هبارة عن أغنية يلقيها خرد هو 
الشاعر نفسه في العادة وتصحبه في الأداء أنغام القيثارة. وتتغنى مثل هذه 
من الأصدقاء المشتركين فى هذه المناسبة أو الجالسين على مائدة الشراب. 
على أنه من الأفضل ألا ننشغل كثيرا بهذه التعريفات والتصنيفات السكندرية 
ولايبمدى صحتها . وليس لنا أن نندهش عندما نلاحظ أن الكايوس قد نظم 


(*) لاحظ وجود شاعرين بهذا الاسم سيمونيديس والآخر من ساموس. 


508 





الشعر الغنائى... معناة وأصوله 


أشعارا تلقى في احتفالات عامة بأسلوب الأغنية الفردية (المونودية) وأن 
أيبيكوس تغنى بأغاني الحب المكتوبة لمناسبات خاصة بهدف أن تلقى دون 
أن يصاحبها رقص أو أي تعبير حركي مستخدما أسلوب وأوزان الشعر 
الغنائي الجماعي. صفوة القول أن هذه التعريفات والتصنيفات السكندرية 
يبين فنون الشعر وأغراضه ليست دقيقة كل الدقة فهي قواعد وأصول 
نظرية وضعها علماء وفقهاء متأخرون ولا تنطبق على الواقع تمام الانطباق 
وهذا أمر لا يختص به الشعر الإغريقي بل شائع في كل الآداب ونعني 
الفرق الموجود دائما بين التنظير من ناحية والتطبيق أو التطبيقات من 
ناحية أخرى. 

و بناء على ما تقدم فأننا نستخدم تعبير «الشعر الغنائي» عنوانا لكل 
الأشعار والشعراء الذين سنتحدث عنهم في هذا الفصل. أما إذا أردنا 
التخصيص والتدقيق فسنحاول استخدام اللفظ الإغريقي المحدد في كل 
حالة. وكما سنرى في الصفحات التالية. 

و لعل الشعر الإغريقي الغناثي يعود في أصوله القديمة-مثل الشعر 
الملحمي والتعليمي-إلى تراث شعري فديم وموروث. بل ريما يعود إلى حضارة 
كريت المينوية ذاتها. فطبقا لما يقوله الإغريق أنفسهم في الأساطير كانت 
كريت مهد فن الرقص. فعلى جبل ديكتي علمت الربة ريا-زوجة كمرونوس 
والدزيوس-جماعة الكوريتيس هذا الفن» وكانت رقصاتهم الصاخبة هي- 
كما تحكي الأسطورة-التي أنقذت الطفل الرضيع زيوس من الهلاك على 
أيدي أبيه كرونوس الذي كان ينوي ابتلاعه خوفا من النبوءة التي أنذرت 
بأن أحد أبنائه سيخلفه على عرش السماء. وتدل الحفريات الأثرية على 
أن الموسيقى قد لعبت دورا بارزا في الحياة الاجتماعية والدينية إبان العصر 
البرنزي في كريت. إذ يظهر الراقصون والموسيقيون بكثرة على الأختام 
الحجرية والخواتم والآلواح الحصية (5ع0ن2:65) المصنوعة من البرنز أو 
الفخار. وفي العصر الهيلادي المتأخر نجد في أعمال الفن الموكيني-التي 
تصور بعض ملامح الديانة المينوية-أناسا يشتركون في بعض الطقوس 
الراقصة. وتظهر صورة للقيثارة على لوحة جصية عثر عليها في بيبلوس. 
وهناك أأوان شغارية تمود إلى شكرة متا خر» بحي بدا الشكل الانساني يظهر 
فيها من جديد-تحمل صورا للراقصين والموسيقيين. ومما لا شك فيه أن 


99 


الشعر الاغريقى 


مراكز العبادة الإغريقية المشهورة مثل اليوسيس وديلوس كانت تحفل بتراث 
ضخم من الرقص والغناء الدينين. وهو تراث متصل لم ينقطع قط منذ 
العصر البرنزي وحتى عصر هوميروس. 

وفي عالم هوميروس نفسه نعايش أناسا يحتفون بكل مناسبة في الحياة 
بإقامة حفلات الموسيقى والغناء. ومثال ذلك ما نجده في وصف درع 
أخيلليوس «بالإلياذة» الذي-كما رأينا-يقدم مشهدا حيا من الحياة المعاصرة 
للشاعر نفسه وفيه نرى الرقصات الغنائية أو الأغاني الراقصة ثلاث مرات: 
الأولى بمناسبة زفاف عروسين «الإلياذة». الكتاب الثامن عشر أبيات -49١‏ 
6 . والمرة الثانية بحاسبة موسم قطف الأعناب (نفس الكتاب أبيات 569- 
72). أما المرة الثالثة فهو مشهد كامل مخصص للرقص (نفس الكتاب 
أبيات 606-590). وفي «الأوديسيا» أيضا ما أن ينتهي خطاب بينيلوبي من 
المأدبة حتى يتحولون إلى الغناء والرقص على أساس أنهما يمثلان «ذروة 
المائدة» نفسها (021:05 10هدمعطامه) وفي أكثر من مناسبة مهمة نجد الآخيين 
في «الإلياذة» يغنون أغنية نصر أي بايان (2620م) تكريما للاله") أبوللو كما 
حدنة يد أن أعادوا خريسئيس ثتانية إلى أبيها كاهن الإله (الإلياذة. الكتاب 
الأول بيت 475-472). فهم يقيمون المآدب ويقدمون القرابين ويسترضون 
الإله برقصة غنائية يرددون أثناءها أغنية بايانية لطيفة تمجد أبوللو الذي 
انشرح صدره عند سماعها ومشاهدة الرقصة المصاحبة لها . وفي كل موكب 
جنائزي كانت المرثية(15:6205) تغنى. كما حدث عندما سجى جسد هيكتور 
على النعش ووضعوا إلى جانبه مغنيين يشرفون على أداء المرثية. وبالفعل 
اشترك الجمع في هذه الأغنية الجنائزية التي صاحبتها النساء بالعويل 
(الإلياذة الكتاب الرابع والعشرون بيت 722-720). تتضمن المقطوعات الوصفية 
عند هوميروس الرقص والغناء الفردي والجماعي. وكان ذلك يتم في كل 
اجتماع ممكن للناس سواء أكانت المناسبة دينية أم دنيوية. حزينة أم سارة. 
وإلى جانب الأغنية الجماعية نجد الأفراد أحيانا يغنون بمفردهم ولأنفسهم 
مثلما فعلت كاليبسو عندما جلست على نولها تغزل وتغني («الأوديسيا» 
الكتاب الخامس بيت .)6١‏ 1 

و يشير هوميروس إلى الأغنية الفردية عندما يتحدث عن (أغنية لينوس) 
التي يؤديها صبي «الإلياذة» الكتاب الثامن عشر بيت 570) وهو يعرف 


الشعر الغنائى... معناهة وأصوله 


كذلك أنواعا عدة من الأغاني الجماعية مثل «المرثية»(الإلياذة, الكتاب الثامن 
عشر بيت 316-314,51-50 والكتاب الرابع والعشرون بيت 747-746). وهو 
أيضا يتحدث عن أغنية النصر البايانية («الإلياذة» الكتاب الأول بيت 472- 
4). وترد عنده أيضا إشارات لأغنية الزفاف الهيمينايوسر20 كناعفمعصصرط 
(«الإلياذة» الكتاب الثامن عشر بيت 493) والهيبورخيما؟ قسعطعءوطوم 
(الأوديسيا الكتاب الثالث عشر بيت 265-256) وهى أغنية تصاحبها رقصة 
إنقائية. والخير) يضف موفيروين اشاتي الغذاوى (الاليادة الكتاب السادسن 
عثر بيت 183-182). 

صفوة القول أن الغناء والرقص فنان متغلغلان في كل مظاهر الحياة 
الإغريقية منذ أقدم عصورها. ولا شك أننا لا يمكن أن نفصل تطور الغناء 
الفردي أو الجماعي عن تطور الحياة نفسها. فالشعر الغنائي تقريبا شعر 
مناسبات إلى حد كبير بمعنى أن كل قصيدة من قصائده نظمت خصيصا 
من أجل مناسبة معينة ولسد حاجة محددة. ول ١‏ تكن الأغنية الفردية 
(المونودية) قاصرة على جانب واحد من الحياة إذ إن موضوعاتها كانت 
تتعدد وتتلون مع اختلاف تجارب الشاعر نفسه وتعقد الحياة كذلك. ولكن 
نظرا لأن المآدب كانت أهم المناسبات للأغنية الفردية فإنها تمثل موضوعا 
ثابتا أو خلفية عامة لهذا النوع من الشعر الغنائي. أما الأغنية الجماعية 
التي قسمها السكندريون إلى واحد وعشرين صنفا فكانت دائما تنظم 
لتؤدي في احتفال عام. وكانت الأغنية الجماعية في الأصل-وبطبيعة الحال- 
تمثل جزءا أساسيا من الاحتفالات الدينية التي تقام تكريما للآلهة بصفة 
عامة. كما أن الرقص والغناء والعزف على القيثارة كانت من بين دروس 
التربية والتعليم بالنسبة لأبناء الآسر الأرستقراطية. وكان من المسلم به أن 
كل مثقف يشترك في الولائم أو الاحتفالات عليه أن يؤدي دوره في وسائل 
الترفيه والمتعة سواء بتقديم أغنية أو ارتجال جزء من أغنية جماعية. كما 
أن الفتيان والفتيات كانوا يتطلعون بشغف للاشتراك في الجوقات التي 
تؤدي الأغاني والرقصات الجماعية في الاحتفالات الكبيرة بالمدينة. وكانوا 
يرون في اختيارهم ا للاشتراك في هذه الجوقات شرقا عظيما ويشعرون 
بخيبة أمل وإحباط لو لم يحظوا به بينما يتفاخرون على أقرانهم به طول 
العمر إذا نالوه. 


الشعر الاغريقى 


و هناك ملامح مشتركة تجمع بين كبار شعراء الأغنية الجماعية لعل 
أكثرها وضوحا هو استخدام الأسطورة واستنباط المبادئ الأخلاقية منها. 
وكذا الانتقال الفجائي من فكرة إلى أخرى وترك السامع يضع لنفسه ما 
شاء من روابط بين هذه الأفكار. ثم تأتي غزارة الصور الشعرية من مجاز 
إلى تشبيهات وغير ذلك . وتسود اللهجة الدورية الشعر الغنائي بصفة عامة 
مع بعض الاستعارة من الموروث الملحمي. ذلك أنه منذ البدايات الأولى 
للأغنية الجماعية الدورية تطورت لهجة أدبية مصطنعة احتفظت بطابعها 
الدوري حق بعد أن تطور هذا الفن على المستوى الإغريقي القومي. والتزم 
بنداروس-اكبر الشعراء الغنائيين-هذا التقليد المتعارف عليه. فهو مثلا يتحدث 
عن قيثارته الدورية مع أنه من السلالة الدورية. بل التزم بهذا التقليد 
نفسه شعراء التراجيديا الأتيكية وهم ينظمون الأجزاء الغنائية للجوقة ضفي 
مسرحياتهم. وأخيرا لا يفوتنا أن نشير إلى ظاهرة البنية الثلاثية للأغنية 
الإغريقية. إذ تنقسم إلى «استروفة» (عطمه586) وأنتيسروفة (عطممددنهة) 
وابودوس (6©00005). ويقال إن هذه البنية الإستروفية الثلاثية من اختراع 
وابتداع ستسيخورسء ولكنها على أية حال استمرت في الوجود من بعده 
ورسخت في التراجيديا الآتيكية. وسنعود للحديث عن ذلك وسنرى أن فن 
الدراما نفسه قد تطور عن فن الغناء الجماعي ولا سيما أناشيد 


الديثورامبوس. 


الشعر الالبجي والتصير خن 
الذات في إطار دولة المدينة 


نشاً الوزن الإليجي عن تطوير أدخل على الوزن 
السداسي الملحمي بهدف خلق الإيقاع المناسب 
للغناء . وتمثل ذلك التطوير في إضافة بيت خماسي 
مكون من شطرين (5معنصسعط) وهكذا أصبح الثنائي 
الأليجي يتكون من بيت سد اسي د اكتيلي متبوع ببيت 
خماسي داكتيلي. ومن الملاحظ أن كل بيت منهما 
مكون من شطرين كل منهما مكون من قدمين 
ونصف بالتساوي. ويقع التشطير (51012ع00) عند 
نهاية كلمة. وفي الشطر الثاني من كل بيت يتيغي 
في الشطر الأول أحيانا. هذا وإذا كنا قد سمينا 
البيت الثاني بالخماسي فان هذه التسمية ليست 
(عناءوامدء). وعلى أية حال فان الثنائى الأليجى 
يوزن هكذا 

-01آ_ان1_//تانا_تانا_ 

ولقد استخدمت الكلمة دمنعوعاء أي الوزن 
الإليجي في كتابات كريتياس2!7 في شذرة 2 بيت 


الشعر الاغريقى 


رقم 3 حيث ارتبطت هذه الكلمة بكلمة أخرى هي 9 التي تعني «أغنية 
الحداد» أو «المرثية». ويقول البعض إن تسمية الوزن الأليجي جاءت من 
العبارة الإغريقية «ماءوءاءء أي «القول أواه ! أواه» وفي العالم القديم كان 
الشعر الأليجي بصفة عامة يعرف بأنه شعر المراثي. فيتحدث اوفيديوس!2) 
عن «الأليسية الباكية أو «البكائية الأليجية» (2نءعءاء 5ذازط»1) ومع ذلك فقد 
اتضح للباحثين أن الربط بين الشعر الأليجي والمراثي ليس هو المنطلق 
الوحيد لفهمه. فهناك أمثلة قديمة من هذا الشعر بعيدة كل البعد عن 
المرثيات. ويميل العلماء والفقهاء الآن إلى ترجيح أن كلمة 5معماء جاءت 
أصلا من كلمة أجنبية وافدة بمعنى «الفلوت» وقد يكون جذع هذه الكلمة 
مشتق من المقطع الأرمني «وهاه. على أية حال كان الشعر الأليجي في 
الأصل عبارة عن أغان تغنى بمصاحبة الفلوت (211105) وهي آلة شبيهة 
بالأوبوي. ومخترع هذا الوزن مجهول وان كان القدامى يعتبرون أرخيلوخوس 
أو كاللينوس أوميمنرموس صاحب هذا الفضل. ولقد ظهر لأول مرة في 
أواخر القرن الثامن بأيونيا على ساحل آسيا الصغرى والجزر المجاورة ثم 
شق طريقه إلى بلاد اليونان الرئيسية؛ وعلى أية حال يقول هوراتيوس في 
كتابه «فن الشعر» (أبيات 78-77). «يتجادل الفقهاء حول من يكون أول 
مؤلف أبدع الإليجيات الخفيفة 5معاء 5هناعءن»ه ولا يزال الأمر موضع خلاف». 

ويمكن التعرف على طبيعة الشعر الأليجي من إلقاء نظرة سريعة على 
أغراضه وهي كما يلي: 

-١‏ أغاني الشراب: وتغنى على أنغام الفلوت أثناء حفلات الشراب وتمتاز 
بالقصر. ومع أن اليجيات أرخيلوخوس (شذرات )13-١‏ تنتمي إلى حياة 
المعسكرات في غالبها إلا أنها تعتبر من هذا النوع. ويمكن أن نجد أمثلة 
أخرى عند كاللينوس وميمنرموس وثيوجنسيس وأناكريون وايون من خيوس 
وكذا كريتياس. 

2- أغاني الحرب: وهي أناشيد طويلة تخاطب الجنود وتحثهم على 
القتال والنضال والمثل الرئيسي لذلك قصائد تيرتايوس الإسبرطي. 

3- أغاني تاريخية: فلقد استخدم ميمنرموس هذا الوزن لسرد تاريخ 
سميرنا (أزمير) في قصيدة طويلة بعنوان «أزميرية» (وتعسدرصس5). وفعل 
نفس الشيء سيمونيديس من ساموس بالنسبة لتاريخ هذه الجزيرة. 


104 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


4- أشعار الإهداء: إذ استخدم الوزن الإليجي في النقوش التي حفرت 
على ما يهدي من الأشياء. كما فعل ارخيلوخوس (شذرة 16) وأناكريون 
(شذرة 108-157). 

5- شواهد القبور: حيث استخدم الوزن الإليجي لتخليد الموتى بنقوش 
توضع على القبور وتتحدث بضمير المتكلم أو تذكر ببساطة اسم ومسقط 
رأس المتوفى وأصبح ذلك شائعا إبان القرن السادس ولا سيما في أتيكا. 
والجدير بالذكر أن بعض هذه الشواهد-وكذا قصائد الإهداء-لا تحمل اسم 
ناظمها الذي قد يكون شاعرا مشهورا وقديرا مثل سيمونيديس. 

6- المرائي: واستخدم الوزن الإليجي في هذا الغرض منذ وقت مبكر في 
شبه جزيرة البلوبونيسوس حيث اشتهر إخيمبروتوس (0605:طدمعطه8) حوالي 
عام 586 بالصرامة في هذه الأغاني الحزينة ولم تصلنا أية شذرة من 7 
النوع ولكننا قد نجد له صدى في شاهد قبر الأثينيين الذين سقطوا في 
معركة كورونيا وكذا في اليجيات يوريبيديس «أندروماخيء أبيات -١03‏ 
16) وأفغلاطون (شذرة 6) حيث يرثى ديون السيراكيوزي. 

واستمر الوزن الإليجي أداة التعبير عن هذه الأغراض حتى القرن 
الخامس وربما الرابع. وبعد ذلك بدأت الفواصل والفوارق بين الآوزان 
المختلفة تتلاشى. عندئذ بدأ الوزن الإليجي يستخدم في أغراض جديدة 
كالمقطوعات الوصفية التي ظلت معروفة حتى العصر البيزنطي. واستخدم 
الوزن الإليجي كذلك في قصائد الحب كما ظهر في اليجيات أقلاطون 
وشعراء الإسكندرية ثم صار هذا الوزن أداة لتقليد ومعارضة المقطوعات 
التي نظمت قديما في الأغراض سالفة الذكر. وحظي الوزن الإليجي بشعبية 
كبيرة في الإسكندرية ثم ازدهر في العصر الأوغسطي بروما وكذا على يد 
لوكانوس إبان القرن الثاني الميلادي وظل على قيد الحياة في الشعر حتى 
القرن السادس الميلادي. 

ومن أول الشعراء الغنائيين الذين استخدموا الوزن الإليجي كاللينوس 
الأزميري الذي لا نعرف عنه إلا القليل. كتب أشعارا اليجية يحث فيها 
مواطنيه على قتال أعداء الوطن. وبقيت لنا منه بضعة أبيات من قصيدة 
يخاطب فيها زيوس . ومنها علمنا موطنه وشيئًا من تاريخ حياته. فهو يتضرع 
للآلهة من أجل سميرنا (أزمير الحديثة بتركيا) ولو أن سترابون يعتبرها 


الشعر الاغريقى 
الاسم القديم لمدينة أفيسوس ويأخذ العلامة باورا بهذا الرأي" ويقول 
كاللينوس في قصيدته إن الكيمبريين قادمون لمهاجمة أزمير. وبذلك استطعنا 
أن نعرف أنه عاش في النصف الأول من القرن السابع ونص البيت الذي 
يذكر فيه هذا الهجوم المعادي هو كما يلي (شدرة 3): 

«الآن يتقدم الجيش الكيمبري إلينا يا صانعي الغضب». 

وبالفعل كان الكيمبريون وآخرون يهاجمون فريجيا وليديا وأيونبا في 
هذه الفترة. ويشير كاللينوس كذلك إلى تدمير ماجنيسيا على يد الافيسيين 
وهو ينهي مواطنيه عن الجلوس دوما إلى المآدب ويحثهم على أن يحملوا 
السلاح دفاعا عن الوطن ويقول إن المواطن الشجاع يتبوأ مرتبة نصف 
إلهية. 

«إلى أي مدى ستظلون هكذا في استرخاء ؟ متى يا شباب ستصبحون 
شجمانا ايان + 1 

أنكم تغمضون أعينكم عن احتقار الجيران لكم فأنتم متقاعسون إلى 
أقصى حد . قعدتم في بيوتكم: آمنين والأرض كلها من حولكم تشتعل بنار 
الحرب» ومع أن لغة كاللينوس ملحمية الطابع إلا أنها تتسم بشيء من 
الأصالة والابتكار. 

وعاش ميمنرموس الكولوفوني في مدينة كولوفون التي لا تبعد كثيرا 
عن موطن كاللينوس. وتؤرخ حياته بالنصف الثاني من القرن السابع لأنه 
ازدهر فيما بين 600-630 وكان موسيقيا محترفا يعزف على المزمار (الفلوت) 
وربما كان معروفا لسولون المشرع. إذ يروي أن ميمنرموس نظم (شذرة 6) 
بضعة أبيات قال فيها (يا ليتني في سن الستين (عاعها دمعاء»<ءط) األتقى 
بالموت والأقدار بدون مرض أو أسى: . فرد عليه سولون معارضا وقائلا إنه 
يفضل الثمانين (ع]ءه:2ه08001) . وكان سولون بإضافة هذه الكلمة لا يعدل 
رأيا فحسب بل يصحح للميمنرموس هذا البيت من حيث الوزن. 

ويعطى لنا ميمنرموس صورة مشرفة للحضارة الأيونية إبان فترة بزوغها 
وهو شاعر له فلسفته في الحياة. يسعى للحصول على أفضل ما يمكن 
الحصول عليه لا بأداء الواجب وإنكار الذات أو التضحية: بل بقوة الشباب 
وعنفوانه الذي يتيح له التمتع بمباهج الحياة. وهكذا يبدو لنا هذا الشاعر 
للوهلة الأولى وكأنه داعية إلى مبدأ اللذة بلا مسئولية فهو السائل (شذرة 


1١ 6 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


:)3 -١ ابيت‎ 

«آه ما هي الحياة ؟ وأية متعة لنا فيها بدون أفروديتي الذهبية ؟ 

ليكن الموت نصيبي إن صرت لا اعبأ بمثل هذه الأشياء 

فالحب كالسر المكنون؛ والهدايا مثل العسل أو النوم» 

وهو في هذه الأبيات يلمح الشيخوخة في الأفق المنظور ولا يجد فيها 
أية متعة. إنه يعرف أن حياة الإنسان قصيرة إذ يتساقط البشر بسرعة 
كأوراق الشجر وان أقدار الشيخوخة والموت تقف للجميع بالمرصاد . وعندما 
تأتى الشيخوخة يخشاها ميمنرموس ويفضل عليها الموت لأنها مليئة بالأسى. 
لا يوجد بين البشر إنسان لم يهبه زيوس الكثير من الشرور. هذا ما يقوله 
ميمنرموس فيذكرنا ببيت ورد عند هوميروس ويقول فيه («الإلياذة» الكتاب 
السادس بيت 146): 

«أجيال البشر كأجيال أوراق الشجر» 

هكذا يتفق الشاعران في هذه النظرة المتشائمة للمصير الآدمي ولكنهما 
يختلفان في كيفية مواجهة هذا المصير. فهوميروس يرى أن قصر عمر 
الإنسان يستوجب أن نملأه بأقصى قدر ممكن من أعمال المجد والبطولة. 
أما ميمنرموس فقد حاول أن يملأ عمره القصير بشتى أنواع اللذة المتاحة/؟ . 
بيد أننا ينبغي ألا نبالغ في هذا الاتجاه بالنسبة لميمنرموس الذي ربما لا 
يعبر. عن رأيه الخاص وطريقته في الحياة إذ لزام علينا ألا ننسى أن 
قصائده كانت تنظم لتغني في احتفالات عامة ولا يناسبها إلا ما يبعث على 
السرور والبهجة. أضف إلى ذلك أن ميمنرموس يلتفت أحيانا إلى الجانب 
الآخر من الحياة. فهو يشيد بأمجاد أمته القديمة سواء عندما جاء الإغريق 
واستعمروا أيونيا أو عندما صد الأآيونيون هجوم الليديين وهزموهم. فهو 
هنا يظهر إعجابه بالقوة والبطولة ومن ثم فإن ميمنرموس في الواقع يحتفظ 
في أشعاره بتوازن ما بين حياة العمل والنشاط أو التعب من جهة والاسترخاء 
والمتعة من جهة أخرى. وهو بذلك يمثل وجهة نظر أيونية معروفة فهم أناس 
يحيط بهم الأعداء من كل جانب. صمدوا أمامهم في شجاعة وبسالة 
وخاضوا المعارك العنيفة ولكنهم-في كل مرة-ما أن يتخلصوا من الخطر 
الداهم حتى يهرعوا إلى لذاتهم ليستريحوا أو يتمتعوا إلى أقصى حد. 
وميمنرموس الأيوني لا يتخلف في ذلك كثيرا عن سولون الأثنيني. 


107 


الشعر الاغريقى 


تتوجه قصائد ميمنرموس إلى محبوبة اسمها نانو(ههصة]2) التي قد 
تكون شخصية حقيقية وقد يكون اسمها مستعارا ومن المرجح أنه اسم 
شرقي الأصل ويقال إنها كانت عازفة على المزمار (الفلوت) مثل حبيبها. 
حملت أشعار ميمنرموس هذه-التي تقسم أحيانا إلى كتابين على يد 
الدارسين-اسم حبيبته «نانو» عنوانا. وجمعت هذه الأشعار إلى جانب قصائد 
الحب بعض الأساطير مثل أسطورة تيثونوس (شذرة 4) والزورق السحري 
للشمس (شذرة 10) وتاريخ تأسيس كولوفون (شذرة14) والحرب بين أزمير 
وجيجيس ملك ليديا (5هع/© شذرة 13). ولو أنه يقال إن ميمنرموس كتب 
مؤلفا تاريخيا عن ازمير تحت عنوان «الازميرية» (واعمررصم5) وقد يكون 
جزء من كتابه بعنوان «نانو» ولقد تنبا ميمنرموس بكسوف الشمس الذي 
وقع في 6 أبريل عام 648. ويتميز ميمنرموس بصفة عامة بحسن الإيقاع 
الموسيقى فى استخدامه للوزن الإليجى وكذا ثراء قصائده بالصور الشعرية 
الرائمة والمناشرة وظدرقه على مخاطبة المواظف وإقازة اللكية: 

هناك حكاية أثينية* تقول إن تيرتايوس الإسبرطي كان في الأصل 
مدرسا أثينيا أعرج أرسله بنو وطنه إلى إسبرطة بناء على طلب منها-أو 
استجابة لنبوءة ما-كمساعدة من الأثينيين للاسبرطيين في الحرب الميسينية 
الثانية التى كانت بالنسبة لإسبرطة مسألة عحيا ل[ و سيوك و الف استمرت من 
عام 685 إلى 668 وهذا يعني أن الأثينيين الذين لم يرغبوا قن إرسال مساغرة 
عسكرية أو قوات حربية اعتبروا أن في تيرتايوس الكفاية أي أنه يمثل 
العون المناسب الذي تحتاجه إسبرطة. وبالفعل كانت أشهار تيرتايوس 
الحماسية هي التي نجحت في حث الإسبرطيين على أن ينسوا نزاعاتهم 
الداخلية؛ بل وأن يحاربوا ببسالة حتى يتحقق لهم النصر. 

بيد أن تيرتايوس نفسه (شذرة 4) يقول بأنه إسبرطي ولا غرو في أنه 
عرف الفن الأآيوني وقلد هوميروس إذا لاحظنا أن بعض الحلى الفينيقية 
الصغيرة قد عثر عليها مؤخرا في إسبرطة7” يضاف إلى ذلك أن تيرتايوس 
فى بعض قصائده (شذرة ١‏ و 8) يعطى هو نفسه الأوامر للجنود وكأنه هو 
القائد العسكري وهنذا ما له يركداد الأمسرظيون :إن كان قاس العافت 
يبدو م نه هو الذي قاد الحرب. وحملت مجموعة من قصائده عنوان 
«إيونوميا» (12م:همد8) بمعنى «النظام والقانون» أو بعبارتنا الشائعة»«الضبط 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


والربط» ووصلتنا منها بعض الشذرات ومنها الشذرة رقم 5 التي تقول: 

«كم هو رائع موت رجل شجاع يقف في الصفوف الأمامية للدفاع عن 
وطنه هيا نحارب بكل شجاعة من أجل هذه الأرض هيا نموت من أجل 
أطفالنا لا نبخل بالحياة؛ إليها أيها الشباب !إلى الحرب في صفوف متراصة 
لا تدع أي رجل فيكم يسلم اللواء ويهرب بسبب الخوفء لا تتركوا كباركم ! 
من العار أن تروا بأعينكم محاربا مسنا يسقط في المقدمة برأسه الصلعاء 
ولحيته البيضاء» يغطي بيده عورته التي تنزف منها الدماء بعد أن شوه 
الأعداء جسده يا له من منظركريه ومنفر! بيد أن هذا لووقع لشاب... فهو 
أمرآخرء فطال ما أنه في ريعان الشباب الزاهي سيفوز بإ عجاب الرجال وتعشقه 
النساء إن نجا من المعركة؛ أما إذا سقط جريحا في الصفوف الأمامية 
بقيت ملامحه حية لا تموت»؛ قفوا إذن ثابتين... صامدين» 

جمع السكندريون أشعار تيرتايوس في خمسة كتب ضمت ثلاثة أنواع 
هي : 

-١‏ أناشيد حربية وصلتنا منها شذرتان -١5(‏ 16 علعع8). 

2- قصائد بالوزن الإليجي تحت المواطنين على الصمود. 

3- قصيدة تسمى «نظام الحكي أو «دستور الدولة» (4نعازاهم) ويخاطب 
فيها أهل إسبرطة. 

هذا وتدور شذرة رقم 9 حول موضوع «الفضيلة» (عاعمة) وأهميتهاء 
وطبيعة الرجل الفاضل أو الإنسان الممتاز (2820005 :6مه) . وغنى عن القول 
أن تيرتايوس يرى الفضيلة في الشجاعة ويعتبر الرجل الفاضل هو المحارب 
الباسل. أما عن لغة تيرتايوس فهي ملحمية الطابع تعكس بعض الملامح 
الهومرية. ولعل أهمية تيرتايوس تقوم على علاقته بالسياسة أكثر من ارتباطه 
بفن الشعر. بيد أنه مارس تأثيرا ملموسا على سولون بحماسه الشديد 
ردحا طويلا من الزمن. 

و إن لم يكن تيرتايوس من مواليد أثينا حقا فان سولون الشرع الأثيني 
يعد بالفعل أول شاعر وأديب نعرف بيقين أنه من أبناء هذه المدينة وعاش 
فيما بين 640 و560 تقريبا. برز سولون لآول مرة في الحياة السياسية إبان 
الصراع بين أثينا وميجارا حول ملكية جزيرة سلاميس الملاصقة لشبه 
جزيرة أتيكا في الخليج الساروني؛ إذ نجح سولون بالفعل في طرد الميجارين 


1١09 


الشعر الاغريقى 


من هذه الجزيرة. وترد عند بلوتارخوس رواية قديمة فحواها أن سولون- 
لكي يدعم ما تزعمه أثينا من أن هذه الجزيرة المتنازع عليها تتبعها منذ 
القدم-أقحم في «قائمة السفن» «بالإلياذة» الهومرية (الكتاب الثاني) بيتين 
لا يزالان موجودين فيها وهما القائلان: 

«من سلاميس احضر أياس اثنتي عشرة سفينة 

ووضعها جنبا إلى جنب مع القوات سفينة الأثينية» 

ومن ناحية أخرى تثبت هذه الرواية-صدقت أم كذبت-أن هوميروس كان 
يؤخن كسند تاريخي موثوق به إبان عصر سولون. ويقال كذلك في روايات 
ممائلة أن سولون نظم سرا اليجية من مائة بيت ثم تظاهر بالجنون وارتدى 
ثيابا تنكرية وطاف في شوارع أثينا يتغنى بها وكان مطلعها كما يلي: 

«جتتكم رسولا من حبيبتكم سلاميس لكي أتغنى لكم بأخبارها» 

(شذرة 2 بيت -١‏ 2 علوء8) 

و تستكمل الرواية هذه القصة فنقول إن هذه الأبيات الإليجية أشعلت 
الحماس في قلوب الأثينيين فأعادوا إعلان الحرب على الميجاريين واستعادوا 
منهم جزيرة سلاميس3. 

اختير سولون حكما (ه0اعنة) عام 594 وكانت أهم الإجراءات الاقتصادية 
التى اتخذها هي إلغاء الديون القديمة وتحريم استبعاد المدين المفلس العاجز 
ضع بدن 27 ولقد سميت هذه الإصلاحات باسم 2أعطاطاعدواءة أي 
«نفض الأعباء» أو إزاحتها عن الكاهل. وعادت هذه الإجراءات على سولون 
بشعبية كبيرة حتى أنه كلف بإعادة صياغة الدستور الأثيني. وظهرت باكورة 
أعماله الشعرية في قصائد خفيفة عن الحب تدرجت رويدا رويدا لتصبح 
أشعارا أكثر جدية ومليئة بالحكمة والوعظ. ولقد امتدت شهرته امتدادا 
واسعا حتى أنه اعتبر من «الحكماء السبعة». ووصلتنا من قصائده بعض 
الشذرات التي في مجموعها لا تتعدى خمسة وعشرين بيتا. ومع قلة هذه 
الأبيات أو الشذرات فإنها تعد ذات أهمية كبيرة كوثيقة تاريخية» وإن كانت 
لا تنم عن مقدرة خيالية فائقة مع أنها صيغت في أسلوب قوي وبسيط. 
ويمثل سولون في الشعر الإليجي الاتجاه الحكمي (ءتسممع) بمعنى أنه 
يهدف إلى غرس المبادئ الأخلاقية والحكمة الفلسفية في أذهان الناس. 
ومن أقواله المأثورة والمشهورة «أظل أتعلم ا كلما تقدمت بي السن» (- 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


«يموت المعلم ود يتعلم » 0103510506205 0113ص تعن “0 معاقةء6) وله قصيدة يستهلها 
بخطاب موجه لربات الفنون ويتضرع فيها للآلهة أن تمنحه الرخاء والشهرة 
أو بالآحرى الثروة والسمعة الطيبة: إذ يريدها ثروة تأتيه بطريق نزيه لا 
خبث فيه. هذا وقد نظم أشعارا بالوزن التروخي والرباعي والإيامبي. 
وعرف عن سولون أنه سافر كثيرا إذ قضى عشر سنوات في رحلات مستمرة 
زار أثناءها مصر وقبرص فالتقى بأمازيس”' وربما لاقى كرويسوس (- 
قارون 5) ملك ليديا. وكانت رحلاته من أجل المعرفة وجمع المال عن طريق 
التجارة عبر البحر. ولمما عاد ووجد أثينا غارقة في نزاعات داخلية انتهت 
بتأسيس نظام الطغاة حاول عبثا أن يثني الأثينين عن تأييد بيسيستراتوس 
وخاطب قومه قائلا (شذرة 8 أبيات -١‏ 4): 

«أن جبنكم وحده هو المسئول عن ضميركم التعس 

لا تلوموا الآلهة؛ لا تلوموا إلا أنفسكم 

فأنتم الذين بأنفسكم حميتم تلك الطغمة 

وملأتم بالغرور صانعي العبودية المشينة لكم» 

ويبدو أن سولون كان من الحكمة بحيث أنه لم يحتقر متع الحياة. ولكنه 
عندما تقدمت به السن هجر «الحب الإغريقي» واتجه لعشق النساء والخمر 
والشعر. ويؤكد لنا بلوتارخوس أنه «هرب من عواصف عشق الغلمان ووطد 
العزم على أن يبدأ حياة جديدة هادئة وتهياً للزواج والفلسفة». وروى أن 
سولون مات في قبرص وأن عظامه بعثرت فوق جزيرة سلاميس تبركا بها . 

ازدهر ثيوجنيس الميجاري حول عام 540 وتنسب إليه أشعار حكمية 
واليجيات تبلغ حوالي 1400 بيت معظمها يقع في شذرات مهلهلة. ويحتد 
النقاش بين العلماء والدارسين حول نسبة هذه الأشعار إلى ثيوجنيس ويقال 
إن بعض فقرات هذه الشذرات من نظم ميمنرموس وتيرتايوس وسولون 
وشاعر آخر مجهول يدعى ايوبمنوس . وأدا هذه الشذرات هي تلك القصائد 
الموجهة إلى كيرنوس وهو شاب صغير صديق لثيوجنيس. وتمتلىّ هذه 
القصائد بالوعظ الأخلاقى والأفكار الفلسفية عن الحياة وشرودها كما 
يكن بمشاهر الكراهية السون تجاه عامة الناس أي السوقة والرعاع 
لأنهم مطبوعون على النشاط والحركة الدائبة ومفعمون بالعاطفة. من 
هذه الأشعار نفهم أن صاحبها محافظ عنيد وبالأحرى رجعي يحارب تيار 


الشعر الاغريقى 


التجديد ولا يرى سببا لمتاعب عصره سوى جنون وانحطاط أفراد الطبقات 
الدنيا التي تحاول أن تأخن نصيبها من الثروة والسلطة. 

ينصح ثيوجنيس صديقه الشاب كيرنوس بألا يتعامل إلا مع النبلاء 
الفضلاء (أهلطادء نما أمطندعه) بالمعنى الأخلاقي والاجتماعي والاقتصاديء 
فهو يعني طبقة ملاك الأراضي الأرستقراطيين. ويقول ثيوجنيس إن الميل 
إلى تخطي الحدود أي جريمة العجرفة والتجاوز(16:15) هي خطيئة الإنسان 
الكبرى وهي أرذل الرذائل التي ابتلى الآلهة بها البشر (ب (15). فهي لا 
تجلب سوى الدمارء وكم من مدن أهلكت ؟ نعم فهي الآن تتهدد ميجارا 
بالخراب (ب 44, 541, 604, 835). ونقيض «تخطى الحدود» أو «العجرفة» 
خصيلة,السيابه (5084 وهو لضن ما يعرلك اقر لأ اقم هيراك والهياء 
الذي يوصي به ثيوجنيس يقترب كثيرا من روح التواضع المسيحية. أما 
أفضل الخيراسدعلى :جه الأرضن براى عوجتيين شيو «التتظل» أو :تدا 
الرأي»(عمرممع) الذي يحفظ الإنسان من الانسياق وراء الحمافات بل ويقوده 
إلى طريق الاعتدال وبر النجاة. وعلى المرء أن يكون بارا بوالديه (131), 
كريما مع ضيوفه رحيما بالمستجيرين (143): تقيا خشوعا للآلهة (ب 805- 
0 أمينا صادقا مع نفسه ومع غيره (ب 87- 92). مخلصا ومستقيما (ب 
9 وما يليه). غالثروة في حد ذاتها لا قيمة لهاء إن لم تصاحبها الاستقامة 
وروح البر والتقوى (ب 150-145). 

لقد كان ثيوجنيس شاعرا متعصبا لفكره الأرستقراطيء وأفزعته الثورة 
الشعبية التي قامت في ميجارا أيام شبابه عام 570 بيد أننا نلمس في 
مخاطبته لكيرنوس حنانا دفاقا وإخلاصا عميقا يذكر أننا برقة وعذوبة 
سافو وهي تخاطب تلميذاتها الجميلات كما سنرى. يقول ثيوجنيس لصديقه 
الغاب كيرووين زب ##وما يليه : 

«لا يكفي أن تحبني بالكلمات فقط 

بينما قلبك وذهنك مشغولان بشيء آخر 

إما أن تحبني بحرارة وصدق وإلا فاكرهني.. وأعلنها صراحة» 

ويعتقد باورا أن كيرنوس شخصية حقيقية لا وهمية وأنه عاش في 
الجزء الأخير من القرن السادس وأنه شغل منصبا عاما وكان ينتمي إلى 
طبقة الأرستقراطية في فيجارا وفقد أراضية نإيان الخورة الشعبينة المشار 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


إليها فذهب إلى المنفى"". ويقال إن قصائد ثيوجنيس قد تكون «كتاب 
أغاني» وضع ليستخدمه أبناء الأرستقراطيين الذين لا يريدون الارتجال 
على موائد الشراب. أي أنها قد تكون مؤلفة على يد-أو بإيعاز من-الدوائر 
الأرستقراطية في أثينا في القرن الخامس. وهي قصائد تعكس مجتمعا 
أكثر تمزقا من المجتمع الذي عاصره سولون على أية حال فلقد صارت 
اليجيات ثيوجنيس رويدا رويدا تغنى بمصاحبة المزمار على مآدب الحسناوات 
والمحظيات (نهينماءط) حيث يتجمع أبناء الأرستقراطية. 

وضي تلك الأثناء وباقترابنا من القرن الخامس بدأت الإبجرامات في 
الظهور وهي تمثل فنا شعريا سيصل إلى أقصى ازدهار له إبان العصر 
السكندري والإبجرامة تسجيل لذكرى ما على قطعة حجر أو معدن. فكان 
مثلا يكتب اسم ووطن الميت على قبره. وهذه عادة معروفة لدى الشعوب 
القديمة جميعا تقريبا بيد أن الإغريق بفكرهم وحسهم الجماليين أرادوا أن 
يكون هذا التسجيل شعرا فنشأت العادة أن يكتب بيت أو بيتان لهذا الغرض 
وبزغ الثنائي الإليجي كأصلح وزن: وإن لم يكن الوحيد في هذا المجال. 
وليس أمرا سهلا أن يوجز المرء كل ما يريد قوله في عبارات قصيرة محكمة 
ومعبرة ومن ثم فإن كبار الشعراء هم الذين تصدوا لهذه المهمة في الغالب 
أي لكتابة الإبجرامات ولا سيما في المناسبات الهامة. واشتهر سيمونيديس 
(5ع10«مدمعء5) من ساموس بإبجراماته الرائعة وهو شاعر سنتحدث عنه فى 
هايا حديكا هن الشعر الايامبي: ْ 

ودعنا الآن نتوقف قليلا نتأمل إنجازات الشعراء الإليجيين. لقد كان 
كل من كاللينوس وتيرتايوس وسولون من الشخصيات العامة التي اتخذت 
من الشعر وسيلة للفعل السياسي واستمد هؤلاء الشعراء قوتهم لا من 
الإحساس بذواتهم بل من الاقتناع بأنهم إنما يتحدثون إلى شعوبهم المحتاجة 
إلى جهودهم في مرحلة حرجة. غفي أيام كاللينوس كان الغزو الأجنبي 
يهدد وطنه أزمير (أو أفيسوس). ومن ثم جاءت أشعاره تستحث بني وطنه 
على شحذ الهمم والتصرف كرجال والدفاع عن الأرض. وبالمثل نجد 
تيرتايوس يلعب دورا بارزا في حياة إسبرطة التي كانت تهددها بالفناء ثورة 
أتباعها الميسينيين. أما سولون فهو المشرع الذي أصلح فساد القوانين في 
أثينا. فمع اختلاف الظروف التفصيلية بين كل من هؤلاء الشعراء الثلاث: 


الشعر الاغريقى 


إلا أن هناك بعض السمات التي تجمعهم, ولعل أهم هذه السمات وأبرزها 
أن صوتهم يسترعي الانتباه ويفرض وجوده لا بسبب ما يستندون إليه من 
قوة سياسية متمثلة في نفوذهم الشخصي بل لآنهم ينطقون بثقة كاملة 
وينطلقون من يقينهم الثابت بان مواطنيهم لا بد أن يسمعوهم. فالشعر هنا 
يقوم بوظيفة الخطابة السياسية التي لم تكن قد برزت بعد في الأفق 
الإغريقي. لقد اعتقد هؤلاء الشعراء أن مصائر أوطانهم معلقة في رقابهم 
فتحدثوا بإحساس عميق بالمسئولية وعن إيمان صادق بأنهم على حق في 
كل ما يقولون. وهذا تحول خطير في مسار الشعر الإغريقي لأن الشاعر لم 
يعد يهدف إلى تسلية مستمعيه وإمتاع مواطنيه بتشنيف آذائهم بأعذب 
الكلمات وارق التعبيرات. بل صار الشاعر المتحدث الصارخ بلسان متاعبهم 
والمعبر عن آلامهم ومخاوفهم, إنه شاعر يجمع بين عمل العراف الواعظ 
من جهة ورجل الدولة ذي الرسالة التثقيفية من جهة أخرى. 

وتدين اليجيات هؤلاء الشعراء جميعا بالكثير من الفضل للموروث الملحمي 
الهومري مما يوحي بأآنهم يحاولون إحياء الرؤية البطولية للحياة وتجسيدها 
واقعا ملموسا في الظروف الراهنة. إنهم يحضون على بذل أقصى جهد 
ممكن في ميدان الحرب بل وفي النزاعات الداخلية؛ فهم يوؤّمنون بان لهذا 
الجهد المبذول مردودا مضمونا يتمثل في قيمة الوجود الإنساني نفسه. 
يقول كاللينوس (شذرة ١‏ بيت 21-18): 

«يلبس كل الناس لباس الحداد عندما يموت رجل شجاع 

أما إذا نجا هذا الرجل من المعركة فيبدو لهم كأنه سليل الآلهة 

وينظرن إليه كما لو كان قلعة شامخة تزداد علوا أمام أعينهم 

لأن ما كان ينبغي أن ينجزه عدد كثيرا أنجزه هو بمفرده» 

ألا يعني هذا أن ثواب من يموت في ميدان القتال هو تكريم الناس له 5 
إن صح ذلك فهي إذن وجهة نظر تناقض ما طرحه هوميروس من قبلء إذ 
وضع هذا التكريم البشري ضمن فكرة المجد البطولي الأوسع أفقا. على 
أية حال فان أبيات كاللينوس تقترب من المعنى الذي يقصده تيرتايوس حين 
يقول (شذرة 6 أبيات -١‏ 4): 

«نبيل ذلك الرجل الذي يسقط مريعا في الصفوف الأمامية بالمعركة 

انه يثبت قيمته كما ينبغي أن يفعل رجل يحارب من أجل وطنه 


1 14 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


وأتعس الناس كافة من يهيم متجولا 

كشحاذ هرب من مدينته وحقوله المحطاءة» 

فتيرتايوس يعبر هنا عن مفهومه للفضيلة وهو مفهوم حبيب إلى نفوس 
الإغريق بصفة عامة ويقوم على أساس أن الفضيلة هي أن يحقق المرء 
طبيعته وذاته. ولقد طرحت عدة بدائل ممكنة لتحقيق هذا الهدف مثل 
الألعاب الرياضية؛ وسرعة الجريء وجمال الأجسام.؛ وكمالهاء وجمع الثروة, 
والتمتع بالآبهة الملكية. وتثقيف اللسان والفصاحة في القول. ولكن تيرتايوس 
يقرر في النهاية أن الفضيلة الحقة هي الإقدام على الموت في سبيل الوطن. 
إنه بذلك يجسد فكرة الرجولة الإسبرطية المعهودة. بيد أنه لا يفهم من 
ذلك أن تأثير تيرتايوس منحصر في إسبرطة. ذلك أن هذه الفكرة عن 
الرجولة والبطولة ستلعب دورا رئيسيا في توجيه مسار التاريخ الإغريقي 
برمته. صفوة القول أن بطولة هيكتور في دفاعه عن طروادة-المقابلة لبطولة 
أخيلليوس الهجومية-تصبح هي الآن المثل الأعلى. وهكذا تتحدد ملامح 
الفضيلة الإغريقية في أشعار القرن السابع ويمكن أن نتعرف عليها لا في 
التأكيد على ذات الفرد كفرد وإنما في الإنسان الذي يحقق ذاته بالقيام 
بواجباته إزاء دولة المدينة. 

وتأتي قصائد سولون وكأنها مقالات سياسية وإن كانت تتميز بأفق 
أوسع من ذلك بكثير لأنها في الأساس تقوم على التفكير في القيم الإنسانية 
الخالدة. يفكر سولون في واجبات الإنسان أكثر مما يدعو إلى الموت في 
سبيل الوطن. الإنسان عنده هو أكبر عدو لنفسه لأنه يرتكب أحيانا حماقات 
ناجمة عن زهو أعمى وكبرياء جوفاء مما يدفع زيوس إلى عقابه أشد 
العقاب هو وذريته من بعده. ولقد بنى سولون لنفسه نظاما أخلاقيا متسقا 
على أساس واقعي يقول برعاية الآلهة للبشر. انه لا ينكر أن للانسان 
طاقات هائلة وقدرات عظيمة ولا ينقصه إلا حسن استغلالها. يستطيع 
المرء عنده أن يتجاوز عماه وجهله. وهو بعون الآلهة يستطيع أن يحقق 
إنجازات ضخمة لها نتائج في مجال الحرف وصناعة الشعر والطب 
والنبوءات. ومع ذلك فهناك بالطبع حدود لنجاح الإنسان تأتى بالأساس من 
عجزه عن معرفة المستقبل وهذا ما يجعله يقع فريسة سهلة تحت رحمة 
الحظ وتقلباته. ويهتم سولون أكثر ما يهتم بتحصيل المعرفة وتطبيقها في 


الشعر الاغريقى 


مجالات نافعة للمدينة ومؤدية لازدهارها. 

يتفق إذن كل من كاللينوس وتيرتايوس وسولون في وضعهم الفرد في 
خدمة المجموع أي الوطن. قال الشاعران الأولان إن مسئولية الدفاع عنه 
في وجه الأعداء المغيرين تقع على عاتق المواطنين جميعا. وجاء سولون 
فوضع أيضا الفرد في خدمة المدينة داخليا أي بتطويرها وتنظيمها وتنميتها 
وراب الصدع بين طبقاتها. ولا يعني هذا أن الشعراء الثلاث أهملوا الحياة 
الخاصة للأفراد فهذا أمر لا يفكر فيه أي إغريقي مهما كان. يقول سولون 
(شذرة 13): 

«سعيد حقا من له أولاد يحبهم وخيول لها صهيل وكلاب تتمتع بحاسة 
حادة في الشم وأصدقاء يعبرون البحر» واكثر من ذلك فإن سولون الحكيم 
لا يغفل أو يهمل متعة الغرائز إذ يقول (شذرة 20) 

«حبيبة إلى نفسي أفعال القبرصية (أفروديت) وديونيسوس 

وربات الفنون» فهي تجلب إلى السرور والمتعة» 

فهو هنا يجمع بين غريزة الجنس وشرب الخمر وصناعة الشعر كوسائل 
محببة إلى نفسه لأنها تجلب إلى قلبه المتعة والسرورء وسولون. لا يكره 
الشيخوخة ولا يخشاها ويتمنى أن يعيش حتى الثمانين كما سبق أن المحنا. 
بل يرى أنه كلما تقدمت به السن توسعت معارفه. إنه إذن رجل متوازن 
ومعتدل المزاج؛ لا تركبه عاصفة الجنون البطولي ولا يستعبده الشغف الزائد 
بالمتع الحسية. إنه يمثل الأرستقراطية الإغريقية في أحسن حالاتها. 

أما ثيوجنيس فيقول (أبيات 872-869): 

«ليت السماء النحاسية الهائلة تدق رأسي هذه الساعة 

ليتها تزرع الرعب في قلب كل رجل من أبناء الأرض 

إن أنا تخاذلت في مد يد العون لاأحبائي 

أو لم أسبب الألم والحزن لأعدائي» 

هنا نضع يدنا على مبدأ إغريقي مهم سيطر على سلوك الفرد في كل 
مجال عاما كان أو خاصا . بل إمتد هذا المبدأ ليشمل النزاعات الواقعة بين 
طبقات المجتمع الواحد. وكذا الحروب بين المدن بل والصراع بين الإغريق 
والأجانب. إذ لا خير في امرئ لا ينصر ذويه في الشدائدء ولا يعادي 
أعداءه أو لا يلحق بهم الضرر دائما. هذا ركن من أركان مفهوم البطولة 


16 


الشعر الاليجى والتعبير عن الذات 


الإغريقية والفضيلة كذلك. 

وينصح ثيوجنيس كيرنوس بالتلون والمصانعة. فهو يعترف-بقيمة الثراء 
وأهمية نفاق الأصدقاء. وفي هذا القول تكمن بذور الفساد الاجتماعي 
الذي ستنمو جرثومته رويدا رويدا بفضل الظروف المواتية لها والمعاكسة 
لثبات قيم الشرف والبطولة الهومرية. 

يحتفظ الشعراء الإليجيون ببعض الوقارء فمع أن أشعارهم تأتي ترجمة 
لتجربة ذاتية إلا أنها محملة برسالة أخلاقية تعليمية. وتعكس لغتهم تأثير 
الموروث الملحمي إلا أن لها صورها الشعرية المميزة. فمثلا يشبه أحدهم 
الرجل الشجاع بالقلعة الشامخة التي تزداد علوا على الدوام. ويصف آخر 
الفتاة وكأنها فرس تحت الفارسء وآخر يرى الخدم في الحقول غزلانا 
ترعى: والصديق الخائن كالثعبان البارد والكامن في الصدر. ولهؤلاء الشعراء 
فلسفتهم عن الكون وعن علاقة البشر بالآلهة. فثيوجنيس يلوم الآلهة على 
كل شيء حينا ويضع كل اللوم على عاتق البشر أحيانا أخرى''"). وهو لا 
يأمل كثيرا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة ويقول (أبيات 425- 428): 

«أن لا يكونوا قد ولدوا أصلا هو أفضل مما كان يمكن أن يحظى به أبناء 
الأرض من القدر. أما إذا ولدوا بالفعل فعليهم أن يمضوا بسرعة نحو أبواب 
هاديس ليرقدوا هناك في القبر تحت كومة من تراب الأرض». 

و ستجد هذه المقولة التشاؤمية تجاوبا ملموسا وصدى مسموعا في 
قايا كرااحيرياه سوفركا بين ال يق إنها قول يعير من الفقلية الأخريقي: 
ككل. أي أن على الإنسان إلا يتوقع من الحياة الدنيا الكثيرء لأن حياته على 
الأرض قصيرة وعابرة فليتمتع إذن بها قدر ما يستطيع وقبل الرحيل العاجل. 


17 


المسهر الأيامبي 


هناك أسطورة تقول إن الإلهة ديميتر-يعد أن 
خطف إله العالم السفلي هاديس ابنتها بيرسيفوني- 
كانت تسير بمفردها مهمومة يمنطقة اليوسيس 
ودخلت منزل شخص يدعى كيليوس. وهناك 
استطاعت الفتاة «ايامبى» (أمتمةة) أن تجعل 
الأبسابة علو شف الرية الخزينة لأول جره | 
روث ليااسسن التقامات المرحة:.ويقال إن القدم 
الايامبي-0]) 9 أخذ اسمه من أكل اسم هذه 
الفتاة. ولو أن بعض الدارسين يرون أن اسم هذا 
القدم مشتق من فعل 12060 بمعنى «أهاجم» لأنه 
وون كان يستخدم أساسا في الهجاء: هذا مع أن 
سولون قد استخدمه في الكتابات السياسية الجادة. 
كما أنه أصبح أداة الحوار بالمسرح الإغريقي لأن 
هذا الوزن بإيقاعه السريع يقترب كثيرا من الحديث 
العادي في الحياة اليومية. 

وهناك من العلماء من يرون أن كلمة «ايامبوس» 
(130505) غير معروفة الأصل وهناك من يرجحون 
أنها كلمة أجنبية ذات أصول آسيوية؛: وردت لأول 
مرة عند أرخيلوخوس (شذرة 20): وإن كان ذلك لا 
يعن أنه ارس استخدمها جيكبزن | مسو فرق 
إن هذه الكلمة وردت في قصيدة «مارجيتيس» 


110 


الشعر الاغريقى 


(65انع:91) المنسوبة خطا إلى هوميروس"". ولقد اقتطف أرخيليوخوس 
(شذرة 103) بيتا من هذه القصيدة. ومن الملاحظ أن القدم الايامبي سريع 
للغاية وقد يكون ترديده لمدة طويلة مملا ولذلك أدخل عليه الشعراء الكثير 
من التنويعات كان يستبدل المقطع الطويل بمقطعين قصيرين أو أن يكون 
الجزء الأول من البيت سبوندي (--) وبذلك صار الوزن الإيامبي أكثر قربا 
من الحديث العادي أي من الكلام الذي لا ينشد ولا يغني مما يناسب 
المؤلفات التي تروى في حديث يبدو كأنه عادي مثل القصص والخطابات 
والهجائيات وما إلى ذلك. والبيت الإيامبي يمكن وزنه كما يلي: 

[آ-نا-/نا-نا نادلا 

فهو مكون من ثلاث وحدات (2تتاءعدم) وكل وحدة تتكون من قدمين فهو 
إذن عبارة عن ستة أقدام. ويمكن استبدال المقطع القصير في بداية كل 
وحدة. 

وأشهر من نظم أشعاره بالوزن الايامبي بين الشعراء القدامى هو بلا 
منازع أرخيلوخوس (ويعني اسمه قائد الجماعة). يتحدث النقاد القدامى- 
أمثال شيشرون وكوينتيليانوس-عنه فيضعونه على قدم المساواة مع هوميروس 
نفسه". وحيكت حول ارخيلوخوس رواية أسطورية وصلتنا في صورة نقيش 
محفور على نصب بناه له مواطنوه من أهل جزيرة باروس «أبان القرن 
الثالث الميلادي. واكتشفه حديثا عالم الآثار اليوناني ن. م. كوندوليون. 
والنصب جزء من معبد الموساي (الموسيون) ويشبه تلك المعابد التي أقيمت 
لهوميروس في جزيرة خيوس ولهيسيودوس على سفح جبل الهيليكون 
ولميمنرموس في أزمير. وفحوى هذه الرواية الأسطورية أنه ذات ليلة قمرية 
كان الشاب أرخيلوخوس-راعي قطعان الماشية البسيط-يسوق إلى المدينة 
ةمق كطعاقه رودت يدوا موف الطريق صادطته يعض النض ا الجبيافة 
فوقف يتبادل معهن أطراف الحديث الفكه والممتع. وإذ بالبقرة تختفي 
فجأة ومعها الفتيات الجميلات كذلك ! بيد أنه عوضا عنهن جميعا وجد 
قيثارة ظهرت فجأة عند قدميه. وترمز هذه الأسطورة بوضوح شديد إلى 
أن هؤلاء الفتيات هن ربات الفنون اللائي استبدلن بقرة أرخيلوخوس بالقيثارة 
أي بالشعر الغنائي. ولكن دعنا نسير مع الأسطورة إلى نهايتها. لقد عاد 
أرخيلوخوس إلى منزله وحكى قصته هذه إلى أبيه الذي رأى ضرورة الذهاب 


الشعر الايامبى 


إلى دلفي لكي يستشير نبوءة أبوللون فيما قد حدث. وبالفعل جاء رد النبوءة 
كما يلى «احد ابتاك يا #يليسيكيس [اسم الأب سيصيع شاهرا حالذا 
معروها في 'اتساء الدثيا كلها إنه اول مخ سيستقبلك بالفحية عند عوذتك 
إلى موطنك». وعندما وطئّت قدما تيليسيكيس أرض جزيرة باروس قادما 
من دلفي كان أول من استقبله بالتحية-كما تقول الأسطورة-هو أرخيلوخوس . 

و من المحتمل أن يكون أرخيلوخوس هو مبتدع الوزن الإيامبي لأنه يعتبر 
بالفعل ماس الأغنيةة الغردية ([اللوزودية) كتين أذنى صرار كينا بعدد 
مكانة مرموقة لا في الأدب الإغريقي فحسب بل في الآداب الأوروبية 
بحميعا :وردندى ] لاتتختر إلى تكاهه الشعرض على أنه معاوللاك يدائية بكركنة 
لأننا في قصائده نسمع صوت شاعر ينطق بطلاقة مذهلة وعن ثقة واضحة. 
ازدهر أرخيلوخوس فيما بين عامي 710 و 680 واشتهر عبر التاريخ الأدبي 
بهجائياته اللاذعة أو التي لا تحتمل من شدة العنف. 

يقال إنه انحدر من أسرة نبيلة بيد أن أمه كانت من العبيد . ذلك أن تربة 
جزيرة باروس جدباء غير منتجة ولم يكن رخامها-شديد النقاء-قد أصبح 
مادة للبناء أي لم تعرف قيمته بعد . فآرسلت جماعة. من آبنائها ليقيموا 
مستوطنة في جزيرة ثاسوس الخصبة وا مليئة بالغابات الخضراء والتي تقع 
بمحاذاة الساحل الطراقي. وكان بين هؤلاء المستعمرين الموفودين من باروس 
رجل انحدر من أسرة نبيلة كما يدل على ذلك اسمه تيليسيكيدس 
(وع0ءمزوء1ء1) وحفيد هذا الرجل الذي يحمل نفس الاسم تزوج من امرأة 
من العبيد تسمى انيبو(هممنه8) التي على ما يبدو كانت محطظية لديه 
وأنجب منها ابنا وبنتا. وأعطى لابنه اسما أرستقراطياء إنه أرخيلوخوس 
الذي يحمل معنى الزعامة كما سبق أن المحنا. فلما تقدم الأخير للزواج من 
فتاة أحبها وتدعى نيوبولي بنت ليكامبيس. رفض أبوها بعد أن كان قد وعد 
بالقمول من كيل واللعم أ مخراركوى لقره بزعا كسي هجا تاقري 
هاجم فيها عائلة حبيبته بأكملها وبلغ من عنف هذه القصيدة أن الأب 
وبناته جميعا انتحروا هربا من العار الذي سيلحقهم للأبد. 

ومن ناحية أخرى فإذا كان الدرع الثقيل بالنسبة للجندي الإسبرطي 
كامل العدة (5ع)ناممط) يمثل ويجسد فكرة الشرف والشجاعة عملا بالمبداً 
القائل «عذبه أو عد محمولا عليه» فان إلقاء هذا الدرع في الميدان والهرب 


الشعر الاغريقى 


من الفزع هو اكبر عار يمكن أن يلحق أو يلصق بأي مواطن؛ علاوة على ذلك 
فقد نصت مادة في قوانين سولون على معاقبة الهاربين من أرض المعركة. 
ولكننا نرى أرخيلوخوس الذي ربما لم تنقصه الشجاعة يلقى بدرعه؛ إذ 
ولى الآدبار وأسرع هربا للخلف في إثر هزيمة منى بها الجانب الذي كان 
يحارب في صفه. وبدلا من التكتم على هذه الفضيحة أعلنها أرخيلوخوس 
على الملا وجعلها مادة للسخرية في قصائده (شذرة 6 لاءزا). ويبدو أنه 
يفضل أن يعيش كلبا على أن يموت أسداء فبعد الموت لا يبقى للانسان أي 
تش دمن احخرام [ذ لا يلوث أق يضباه الثانن ههما كان شهيرا وقد لا فق له 
إلا الإهانات (شذرة 7). والغريب أن نهاية أرخيلوخوس كانت في إحدى 
المعارك التي خاضتها باروس ضد أهل جزيرة ناكسوس . إذ قتل أرخيلوخوس 
في هذه المعركة عل يد رجل يدعى كالونداس. ولقد صارت باروس فيما 
بعد فخورة بشاعرها المحارب الباسل أرخيلوخوس . وراجت روايات أسطورية 
حيكت لتخليد ذكراه وفحواها أن نبوءة دلفي نفسها هي التي أدانت كالوند اس 
قاتل خادم ربات الفنون بل إن هذا القاتل اكتسب فيما بعد لقب «الغراب». 

يقول أرخيلوخوس في إحدى الشذرات (رقم 5) التي وصلتنا منه معقبا 
على ما أصاب أهل جزيرته الذين ابتلع بعضهم البحر وأصيب البعض 
الآخر بعد أن تحطمت سفينتهم: يقول «أن البكاء لن يداوي الجرحى أما 
السرور وإقامة الولائم فلن يجعلاهم أسوأ». 

والجدير بالذكر أن بعض أشعار أرخيلوخوس قد نظمت في الوزن الإليجي 
في شكل ابجرامات وتدور في معظمها حول الخمر والحرب. ويقال أيضا 
إنه كتب بعض القصائد السردية أي التي تحكي بعض «الحواديت» (1أممنة) 
وتلعب فيها الحيوانات والطيور دورا بارزا خفي شذرة 104 يكتب قصة عن 
الثعلب والقرد. وله قصة أخرى عن الثعلب والصقرء يقول فيها الشاعر 
انهما كانا صديقين مقربين ثم صارا عدوين لدودين وانتهى بهما النزاع إلى 
أن ابتلع الصقر صغار الثعلب بيد أنه بمرور الزمن حدث أن وقعت صغار 
الصقر من عشها العالي فآكلها الثعلب. وله قصة أخرى عن القنفذ والثعلب. 
ويقال إن الشاعر يرمز بهذه القصص إلى نفسه وظروف حياته فهو يتنكر 
وراء شخصية الثعلب في هذه القصص وعندئذن سيكون الصقر هو ليكامييس 
والد محبوبته الذي افترس أحلام حبه. ولقد تكسب أرخيلوخوس بالشعر 


الشعر الايامبى 


إذ روى أنه كان ينظم القصائد لمن يدفع له أجرا. ومما يروى عنه أيضا أنه 
تنبا بكسوف الشمس (قارن شذرة 74) الذي وقع بالفعل في 6 أبريل عام 
8 (وليس ١4‏ مارس عام 7١١‏ كما يرى البعض). 

و دعنا الآن نلقي نظرة عامة على إنجاز أرخيلوخوس الشعري في إطار 
ظروف عصره. يبدو لنا أنه كإنسان يجسد المحارب الهومري البطولي الذي 
يعيش للحرب بيد أنه لا يردد ولا يتحرج من الغناء. يقول أرخيلوخوس عن 
نفسه (شذرة :)١‏ 

«أنا خادمه؛ خادم السيد إله صيحة الحرب 

وأتقن فنون ربات الفنون التي أحبها إلى أقصى حد» 

وإذا دققنا النظر في تفاصيل ملامح أرخيلوخوس عن قرب سنكتشف 
أنه خالف المثل الهومري البطولي أو عدل فيه ليتناسب مع ظروفه الخاصة 
والأحوال المستجدة وفي النهاية خرج بأسلوب جديد للحياة. فارخيلوخوس 
ليس مثل هيسيودوس الذي يتشبث بموطنه الأصلي المغمور أسكرا القاسية 
بجوها الشتوي والصيفي. إنه-أي أرخيلوخوس_-أول شاعر نسمع أنه اشترك 
في تأسيس مستوطنة جديدة في جزيرة بعيدة نسبيا عن موطنه الآأصلي. 
إنه إذن مغامر غير مستقر ولو أنه قد يكون مهاجرا مرغما على الترحال. 
ففي حدود ما نفهم من إحدى قصائده (شذرة 53) لم يسعد بهجران باروس 
ذات أشجار التين حلو المذاق والتي تتمتع بحياة بحرية مستقرة. أي أنه قد 
يكون هو ورفاقه من ضحايا فقر البيئة الإغريقية. وكان ارخيلوخوس مفعما 
بشعور عدائي تجاه البرابرة أو من يسميهم «الطراقيين الكلاب» (شذرة 5١‏ 
بيت 48). ويعتوره إحساس بالضيق والحقد على القواد والرؤساء الذين 
يجمعون الثروات على حسابه وحساب رفاقه من الطبقات الدنيا. إنه إذن 
شاعر يفتقد جو الصداقة المتوفر في عالم هوميروس وعينه دائما على 
النقود. يبدو أنه كان محاربا محترفا أي مرتزقا يمارس مهنة الحرب ولا 
يرى فيها وسيلة لتحقيق المجد . كتب أشعاره انطلاقا من تجاربه فقعبر عن 
نفسه بصراحة شديدة دون أن يخفي شيئا أو يكتم إحساسا اعتمل في 
صدره. يستخدم لغة ملحمية أحيانا ولا سيما عندما ينظم في الوزن الأليجي 
أما لغة أشعاره الإيامبية فتقترب من اللفة الدارجة وريما تعود شعبيته إلى 
بساطة لغته. يقول بنداروس عنه (البيئة الثانية أبيات 56-54): 


الشعر الاغريقى 


«إني أرى في الماضي 

أرخيلوخوس الفقير؛ سليط اللسان 

يسمن هزاله بالكراهية؛ والكلمات الممتلئة» 

وأهم ما يميز ارخيلوخوس أنه يتلقى الهزائم والمصائب دون شكوى أو 
أنين اعتقادا منه أن الآلهة تمنح الصبر والسلوان دواء ناجحا لكل الكوارث. 
وهو يعتبر أن نشوة النصر المبالغ فيها لا تقل ضررا عن العويل في الشدائد 
والأحزان. إنهما برأيه جانبان متعادلان للحياة؛ وهذه بالطبع ليست رؤية 
بطولية هومرية للحياة بل وجهة نظر واقعية جديدة. وإذا كان الشعراء 
الإغريق منذ هوميروس قد رأوا الحرب فرصة لتحقيق المجد رغم ما تجره 
من أهوال مؤسفة وأحزان مضنية فان أرخيلوخوس رجل متوازن نظر إليها 
نظرة الجندي المحترف. يقول الثعلب فى قصة «الثعلب والصقر» -552 
ارخيلوخوس (شدرة 94): 

«زيوس! أي زيوس الأب ! أنت تحكم السماء 

وتراقب ما يفعل البشر من علياء 

يفعلون الحق وغير الحق 

وفي عالم الحيوان أيضا وبقوتك 

تحس بما يحدث؛ بالفعل الصحيح وبالكبرياء» 

وداكما ما يختلط أسم سيمونيديس (512021065) من ساموس أو 
أمورجوس مع الشاعرا لآخر الأشهر سيمونيديس (وعلتصمصزة) من كيوس 
والذي سنتناوله في الوقت المناسب. وسبب الخلط أن الحرف 6 بالمقطع 
الأول في اسم هذا الشاعر-وفي اللغة الاغريقية بصفة عامة-صار ينطق 
بصورة تقربه جدا من الحرف ,آ في عصور لاحقة؛ بل إن هذين الحرفين 
بكادان يكونان متمائلين في النطق باللغة اليونانية الحديثة. وكان سيمونيديس 
أحد الذين ذهبوا من ساموس لتأسيس مستوطنة أمورجوس ومن ثم يسمى 
أحيانا سيمونيديس من أمورجوس. وهو ابن كريتياس”" الذي تنسب إليه 
بعض الاليجيات ويعاصر أرخيلوخوس أو عاش بعده بفترة قصيرة. بقيت 
لنا فه بعض الشذرات أطولها (شذرة 7 لاه1ه) تسرد بعض الحكايات التى 
تلعب فيها الحيوانات والطيور دورا . وفيهاء يقول إن عقول النساء على 
اختلافها يمكن أن نجد لها ما يقابلها فى الحيوانات . فالمرأة بعقلها إما أنها 


1 4 


الشعر الايامبى 


تشبه الخنزيرة أو أنثى الثعلب أو الكلبة أو أنثى الحمار أو الفرس. وبعض 
عقول النساء ترابي المزاج أو بحري الطبع. أما أفضل العقول النسائية فهو 
الذي يشبه النحل. وتنساب هذه القصيدة في إيقاع أقرب ما يكون للحديث 
الدارج البعيد عن اللغة الملحمية الوقورة وحتى عن لهجة هيسيودوس 
السامية. تقول بعض أبيات هذه القصيدة (بيت 40-27): 

«في يوم تجدها مفعمة بالضحكء متألقة 

وقد يراها غريب بالمنزل فيمتدحها قائلا 

لا وجود لسيدة أروع 

ولا أحلى على سطح الأرض منها 

وفي يوم آخر قد يكون من العسير الاقتراب منها 

أو حتى إلقاء نظرة عليها.... فهي مجنونة 

مسعورة كالكلبة التي تخاف على جرائها 

إنها ثائرة لا يمكن لأحد قط أن يهدئّ من روعها 

صخرة تتحطم عليها جهود الأعداء والأصدقاء على حد سواء 

وهي أحيانا كالبحر الراقد في هدوء لطيف 

معظم أيام الصيف حيث يتمتع به البحارة 

بلا حدود؛ ولكنها سرعان ما تنقلب إلى الجنون 

فتكتسح كل شيء أمامها بموجاتها العارمة 

المرعدة: المتلاطمة» 

وهذا الخيط التهكمي المزايد في الشعر الإغريقي هو الذي سيتابعه 
هيبوناكس وسيصل إلى مستوى البذاءة. فمثل هذه السخرية في الأبيات 
السالفة لا يمكن أن نتصورها في عالم هوميروس البطولي حتى وهو يضحك 
أو يتفكه ولا في عالم هيسيودوس وهو يقدح الظالمين ويتهجم على أخيه 
بيرسيس . 

وهناك شذرة أخرى لسيمونيديس من ساموس تتحدث عن عبثية الآمال 
الإنسانية. ويقال انه جمع تاريخ ساموس في كتابين بالوزن الاليجي. 

وعاش هيبونكس الافيسي (نسبة إلى إفيسوس) بعد أرخيلوخوس بقرن 
من الزمان إذ ازدهر فيما بين 540 و537 وعاصر استيلاء قورش على سارديس 
ويعتبر هيبونكس صورة مبالغا فيها لأرخيلوخوس نفسه ويبدو من اسمه 


الشعر الاغريقى 


الذي يحمل معنى الفروسية أنه مثله انحدر من أسرة نبيلة. كان قد نفى 
على يد أحد الطغاة إلى كلا زوميناي بالقرب من أزمير وقد تكون حدة 
لسانه هي سبب نفيه. اخترع الوزن الإيامبي الجديد المسمى «سكازون» 
(دمعها5) أي «الأعرج» أو «خوليامبوس» (5055صة11ه0) أي المترنح لأنه جعل 
البيت الإيامبي ثلاثي الوحدات ينتهي بقدم تروخي أو سبوندي وهي نهاية 
مترددة وغريبة (قارن أعلاه). 

تدور بعض الشذرات التي وصلتنا منه (شذرة 22-15) حول قصة حبه 
لفتاة تدعى أريتي عاعلم (وهي كلمة لا تعني «الفضيلة» (عاعنث). وتدور 
بعض الشذرات الأخرى حول قصة نزاعه مع الفنانين بوبالوس (105همنا8) 
وأثينيس (دنمعطاه) اللذين صنعا تمثالا كاريكاتيريا له بهدف التهكم منه 
والتندر بقبحه. فما كان من هيبوناكس إلا أن رد عليهما بقصيدة هجائية 
بلغت من العنف والحدة أن الفنانين اضطرا للانتحار هربا من العار.) 
ومن المرجح أن هذه قصة مختلقة ولا أساس لها من الصحة لأنه من 
الواضح أنها تحكي قصة أرخيلوخوس مع ليكامبيس كما أن التماثيل 
الكاريكاتيرية لم تكن معروقة إبان القرن السادس. هذا ويعتبر هيبوناكس 
شاعر الطبقات الدنيا وقاع المدينة إذ استخدم لغة دارجة ربما تحوي أصولا 
آسيوية ليدية كانت أم فريجية. وكان لهيبوتاكس تأثير ملموس على الكوميديا 
وعلى الشعر السكندري ويقال إنه أول من اخترع فن المعارضات الأدبية. 


1 6 


الاغاني الفردية 


تعني الكلمة «1.9:1105» كما سبق القول أن الأغنية 
تؤدي بمصاحبة العزف على القيثارة (11:8). بيد 
أن بعض الأغاني لا تصاحبها موسيقى وبعضها 
الآخر يغني على أنغام الفلوت (105ه) لكن القيثارة 
(2آ) هي الأشيع على أية حال. ويمكن القول بصفة 
عامة أن القصيدة الليريكية (الغنائية) هي التي 
تنظم بهدف الغناء. وتعود أصولها إلى جذور ضاربة 
في القدم؛ فالقيثارة كانت معروفة إبان العصر 
الموكيني بل ولا يمكن تصور أن الإغريق في 
عصورهم الباكرة كانوا لا يمارسون فن الغناء 
فالأغنية جزء من الفولكلور الإغريقي كما هو الحال 
لدى كافة الشعوب القديمة. ولقد عرف هوميروس 
أناشيد قديمة تمجد الآلهة. وكذا مرائي تكرم 
الموتى» وعرف هوميروس أيضا أغاني الزواج التي 
قد تؤديها مجموعة على أن يقوم بالدور الرئيسي 
قائد هذه المجموعة فهو الذي يغنى الجزء الأكبر 
من القصيدة وتسنده المجموعة وترد عليه الحين 
بعد الآخر. 

وهكذا كانت الأغاني الاغريقية منذ البداية إما 
أغان فردية وأما أغان جماعية. وكل من هذين 
النوعين يختلف عن الآخر في الشكل والمضمون 


127 


الشعر الاغريقى 


وكل منهما تطور بطريقته الخاصة. بيد أن هناك علاقة تأثير وتأثر بينهما 
بطبيعة الحال ولو أن ذلك لا ينفي أن لكل منهما طبيعته المميزة وسماته 
الخاصة ولعل أهم الفروق بين النوعين أن الأغنية الفردية (المونودية) يتغنى 
فيها الشاعر بذاته وبمشاعره في حين أن الأغنية الجماعية (الكورالية) 
يعبر الشاعر فيها عن مشاعر المجموعة أي الطبقة التي ينتمي إليها أو 
حتى المجتمع ككل. إنه في هذه الحالة يقوم بواجبه إزاء المجموع وهو واجب 
يخرج على أية حال عن نطاق الذات الضيق. 

ولم تصلنا «النوتة» التي نستطيع منها التعرف على الموسيقى 
الإغريقية المصاحبة للغناء. المهم هو أننا عندما ل هذه الأغاني يجب أن 
نتذكر أننا نتعامل مع جزء فقط من كل اكثر تعقيدا ويشمل الموسيقى 
والرقص أو أي تعبير حركي. وقد يثير أسفنا أننا لا نمتلك هذه الموسيقى 
الإغريقية القديمة المصاحبة للأغاني التي بين أيدينا. بيد أنه مما يخفف 
من حدة أسفنا أنها موسيقى كانت بالقطع ستكون غريبة على آذاننا . حيث 
إن السلم الموسيقي ذا الدرجات السبعة غريب علينا كما أن عدم تساوي 
نغماته وأنصاف نغماته قد يثير فينا الحيرة. المهم أن ما بقي لنا هو الكلمات 
المتمثلة في القصائد الغنائية الفردية والجماعية. وبقراءتها سنجد أن لها 
سحرها الخاص حتى بدون الموسيقى المصاحبة لها. ففيها بمفردها نغم 
أخاذ وتأثيرها لا يقاوم ولا سيما أن عروضها يقوم على التوزيع الكمي-لا 
الكيفي-والذي ما أن نستوعبه حق نكتشف أن هذه الكلمات تتراقص فعلا 
وهي تنساب إلى داخل آذاننا وقلوينا. 

ويتداخل التاريخ الموسيقي مع تاريخ الشعر الغنائي بصفة عامة عندما 
نتحدث عن ترباندروس من ليسبوس بصفة خاصة. ولقد توازت المناهمج 
الرئيسية في التأليف الموسيقي الإغريقي مع النماذج الرئيسية في الشعر 
الغنائي إلى حد كبير بيد أن مصادرنا القديمة-وهي قليلة بطبعها-تذكر 
أحد المؤلفين الموسيقيين على أنهم شعراء أيضا ومنهم أرخيلوخوس وسافو 
وبنداروس بل وسوفوكليس شاعر التراجيديا الأشهر. ومما يؤسف له انه لا 
تتوفر لدينا المعلومات الكافية عن الجانب الموسيقي في عبقرية كل من 
هؤلاء الشعراء الموسيقيين لكن هناك فئّة أخرى عرف أفرادها كموسيقيين 
اكثر من كونهم شعراء. وفي الواقع يبدأ التاريخ الإغريقي الموسيقي إبان 


الأغانى الفرديه 


القرن السابع باثنين من الشعراء هما أرخيلوخوس وترباندروس. والآهم 
من ذلك أن خلفية عصرهما الموسيقية تتألف من الأغانى الفولكلورية كأغانى 
العمل والمناسبات الشخصية أو الاحتفالات العامة ل هذه الأغاني 
فردي وبعضها الآخر جماعي. وتتصدر الأغاني الدينية المصاحبة للطقوس 
في المعابد هذا التراث الفولكلوري. وفي خلفية هذا العصر أيضا يدخل 
التراث الملحمي حيث نجد المنشدين أمثال فيميوس وديمودوكوس-سالفي 
الذكر-بل والأبطال أنفسهم مثل أخيلليوس وكاليبسو يغنون الأغاني ويعزفون 
على الآلات الموسيقية. 

ولا بد من أن ندخل في هذه الخلفية بعض العناصر الأجنبية ولا سيما 
الشرقية. لقد أثيتت الأبجانك الحديثة فى الموسيقى الفرعونية المصرية 
والبابلية والفلسطينية وجود عناصر نشابة كثيرة مع الموسيقى الإغريقية. 
ويعترف التراث الإغريقي الموسيقى نفسه بدينه للشرق وهذا ما نكتشفه 
من اسماء يعطن الأناليب الوسيقية اومن شخصية اسطورية مكل ارليمبوس 
الميسيء فهو في الأصل اسم جبل عال يقع في أقصى الشرق من سلسلة 
الجبال التى تمتد عبر الجزء الشمالى الغريى من آسيا الصغرى. أما شخصية 
الموسيقى المعروف بنفس الاسم فهي فريجية. إنه عازف على القلوت تعلم 
هذا الفن على يد مارسياس ثم أخذ أيضا فن العزف على المزمار (عصتز5) 
عن الإله بان. والشيء اللافت للنظر أن اسم هذا الموسيقى يجمع بين 
عنصر إغريقي (أوليمبوس) وآخر شرقي (الميسي نسبة إلى ميسيا بآسيا 
الصغرى وبالطبع فان لهذا المزج مغزاه الذي لا يخفى على أحد أما آلة 
الموسيقى المرتبطة به أي الفلوت 2105 فلم تظهر في بلاد الإغريق-كما يبدو 
من الاكتشافات الآثرية-إلا إبان القرن السابع وإن كان من غير المعقول أن 
الإغريق لم يعرفوها قبل ذلك التاريخ. ومن الجدير بالذكر أن التناقض بين 
القيثارة الاغريقية والفلوت (:10ده) الأسيوية مسالة شائكة ينبغي التعامل 
معها بحذر شديد لأن القيثارة الإغريقية لها علاقة وثيقة أيضا بالشرق 
وموسيقاه. ومن المؤكد أيضا أن أساليب موسيقية جديدة وتقنيات مستحدثة 
قد وفدت من الشرق أيضا إلى بلاد الإغريق إبان أوائل القرن السابع ولكننا 
على أية حال لا نملك ما يمكننا من التمييز بين القديم والجديد آنذاك. 

ولقد ولد ترباندروس في انتيسا (58نامة) بليسبوس بيد أن نشاط 


120 


الشعر الاغريقى 


ارسق يوايط ودين سيركلة «رانود شهيرقه إلى اث الستتلاء أن يطبن 
اية وستخصضية على الأضاتى الخليدية الكسبهاةراضاتى الشيكارة:[ اموه 
101ن200هط)14) حتى أنها فباريث عرف على أنها من تأليفه وختاكسوهى اقنيات 
فردية فساحيها الايكارة باتقاسها واضيطع مجالا لالسبايقات فيما بعد: 
قيل أن نصوصها جاءت من الملاحم مع مقدمة استهلالية من وضع المؤلف 
ليقي اندو قود بالعقات رقيل إه للحن كا ضارا يعدتب الكرنيم 
والتفخيم. وفي نفس هذه الفترة ظهر كلوناس (10235؟1) من تيجيا (5) والذي 
لا نعرف عنه شيئًا مؤكدا . ولكن قيل إنه قام بشيء مماثل بالنسبة للأغاني 
التقليدية الأخرى المعروفة باسم «أغاني الناي» «أو الفلوت» (11نكماتته أمصمم) . 

بيد أنه توجد أسماء أخرى اكثر شهرة وألصق بالفلوت (اناه) مثل 
بوليمنيستوس (017:0265605م) من كولوفون وسكادس (5212035) من أرجوس. 
قالارك مكرك ونوا رود اسه يورق زشقر 178 ومصحدية فقه راونا ريخوين 
#بجدد سدع ولكله هع ذناك اليعكل من الأناوب الغنازم آنا بكاداس 
فيو اشير عازقى القرن السادس» كان إذن سفنها مشهورا وطولقا موسيقيا 
مردوقا لآخاض الناوسه وكان أيهنا هارا ونولنا للبشطوهات الوسيفية 
(بدون كلمات) للعروفة باسم «5معلتطالام ومصرمه 5معلتاء2101». فهي إذن مقطوعات 
برديكية على القاوض متسل سوشوع اسان اولوح على لأسي قوق 
(دمطاوم) . وضي هذا التأليف والعزف الموسيقيين بلغ سكاداس حد الروعة 
والإتقان حتى إنه فاز إلى عام 586 بالجائزة الأولى في ثلاث دورات للألعاب 
البيثية المتتالية. لقد كان العزف المنفرد على آلة الفلوت (15وع1ده ءازوم) يحتل 
مكانا مرموقا كن اهران الاغررظية مظله فى الك مذل الشرف شرم هلي 
القيثارة 500 عاأوم) وحققت الموسيقى الاغريقية اكير انتصاراتها فى 
مجال الأظنية الجماسية تحيت التركيية اكثر دوتيد| 3 جيم الأطنيية الجوناعية 
بين الشعر واللحن المصاحب والتعبير الحركي المواكب. ووصل هذا النوع 
فروة النضوج على يد بنداروس وسيمونيديس من كيوس وشعراء التراجيديا 
الأواكل ولقن اسغلويت الأضنية الجماعية إحدات تطتويرات كثيرة على 
الآلات الموسيقية وأساليب العزف عليها وكان صاحب النصيب الأكبر في 
التطوير هو الفلوت (30105) بيد أنه قد أضيفت أوتار جديدة للقيثارة أيضا. 
تأذث هده القطررا هع ميف بالإشافة إتن عوامل اخرى كثيرة إلى كلوز 


الأغانى الفرديه 


أناشيد الديثورامبوس-أصل الدراما-وهذا ما سنعود إليه في حينه. 

ويعزى إلى ترباندوس اختراع القيثارة ذات الأوتار السبعة بدلا من القيثارة 
الأقدم ذات الأوتار الأربعة. وتعزى إليه كذلك مقدمات استهلالية لأناشيد 
قديمة ربما قريبة من الأناشيد الهومرية. وبالإضافة إلى الأغاني التقليدية 
للقيخارة والقلوت التي سلت أن ذكرناها يعرى إليههاليف اغنية شراب 
(شذزة )ولو أوها آم مككوف ضة وفع الحل أن علماء الاسعد ريه 
وكقهاعها لم يعرضوا عند شيكا دويقول باون! إن عور الأعقية الإشريقية إلى 
فمل من اعمال الفن الأدبي كان تتبحة ثررة هي القن الوسيقي داقة بان 
القرن السابع وهي الثورة التي أحدتها ترباندروس الذي ازدهر (برأيه) عام 
6. فهو الذي أقام سلما منتظما للقيثارة سباعية الأوتار وهو الذي جعل 
التأليف الموسيقي السليم أمرا ممكنا إذ وضع له القواعد”"". ولقد أخن 
أهل القرن السابع بتجديداته وطبقوها على أغانيهم فازدهر الفن الموسيقي 
والشعر الغنائي. ومع أنه لم يتبق لنا من أعماله سوى بضع شذرات ضثيلة 
فاليه يعزي الشعر الغنائي الذي تهيأ ليحل محل الشعر الملحمي المتدهور 
ويسد الفراغ الناجم عن ذلك. 

كانت سافو (أوبسافو) ليسبية المولد هي أيضا وعاصرت سولون على 
وجه التقريب إذ ازدهرت حوالي 0. إنها الشاعرة الوحيدة التي يمكن 
اعتبارها من مصاف الشعراء الإغريق لأن كورينا-وهي شاعرة أخرى-ريما 
كمي إلى العدسى لمر الست كما انها الم تحظدييا حطع يه افر من 
شهرة. ولدت سافو في مدينة موتيليني أو-في رأي آخر-بقرية اريسوس 
وكلاهما في جزيرة ليسبوس انحدرت من أسرة ميسورة تنتمي لطبقة مالكي 
الآرض أو الأرستقراطية. ويقال انها أمضت فترة الصبا في جزيرة صقلية 
التي ذهبت إليها منفية بعيدا عن الوطن الذي سادته اضطرابات سياسية 
ومن اللحتمل أنها فاقت.هناك: ولو أنه يجكق عن سافو أيضنا أنها أحبت 
زجلا يدعى فاوءون ولكنه لم يبادلها نفس الشعور وصدهاء مما دفعها إلى 
أن تلقى بنفسها في البحر من فوق صخرة ليوكاس بإقليم ابيروس شمال 
غرب بلاد الإغريق. وهناك رواية أخرى تقول إن حبيبها هذا هجرها إلى 
صقلية فانتحرت أو ذهبت إلى صقلية حيث وافاها الأجل. ويقول بعض 
المفسرين إن فاوعون هو قرة إلهية (#منهلمة) سن اتباغ أغروديتي ويقال إنها 


الشعر الاغريقى 


تزوجت من رجل يدعى كيركيلاس (16:91285) من أندروس وأنجبت منه بنتا 
حملت اسم كليس (11615) وهو أسم أم سافو أيضا. 

وصلتنا شذرات من قصائدها كما وصلتنا قصيدة كاملة تحمل عنوان 
«دعاء إلى افروديتي» وجمعت هذه الشذرات في تسعة كتب. ولآنها تنتمي 
للجنس الناعم أصبحت سافو شخصية فريدة في التاريخ الأدبي عند 
الإغريق. إذ يتحدث عنها سترابون وكأنها «أعجوبة» وفي ابجرامة لأفلاطون 
توصف بأنها «ربة الفن» العاشرة ! أي أثهإضافيا ريات التكوق اسه 
«الموساى» الملهمات لكل شعراء الإغريق. صفوة القول أن النقاد اعتبروها 
بصفة عامة شاعرة من الطراز الأول ووضعوها إلى جوار هوميروس. 

كان لهذه الشاعرة علاقات ودية مع الكايوس وذلك واضح من أشعارهما 
التي وصلت إلينا. كما أنها جمعت حولها بعض بنات جنسها-أي بعض 
الفتيات الصغيرات-في شكل منتدى أو جماعة أدبية (513505) بهدف تعليمهن 
الموسيقى والشعر وعبادة ربة الجمال والحب والتناسل أفروديتي. ولقد 
أطلقت الشاعرة على منتداها هذا اسم «دار خدمة الموساى». وفنون الموساى- 
ربات الفنون-لا تقتصر على الموسيقى والرقص بل تشمل كل ألوان الثقافة 
بما في ذلك العلوم وألوان الفنون الأدبية. ومن ثم فان تكريس سافو نفسها 
ونشاطها للموساى وأفروديتي وكذا ريات النعم أو الخير (وعاتنةاه) يعني أن 
برنامج الدراسة عندها تضمن بنودا جادة للفاية ولم يكن تعليم بنات سافو 
فنون الرقص والموسيقى والشعر يهدف إلى تخريج المحترفات في هذه 
الفنون وإنما كان يرمي-بالآساس-إلى تكريس الشخصية النسائية المتكاملة 
والصالحة للزواج. وكمدرسة ناجحة وشاعرة موهوبة اقتنعت سافو بان 
أفضل وسائل التعليم هو الحب فسبقت سقراط بذلك. ولكن إذا كان الأخير 
قد أصر على الجانب الروحي للحب فإن سافو فيما يبدو قد تعدت إلى ما 
وراء ذلك. فهذا أمر ليس بمقدورنا أن ننكره بيقين لأن القدامى الذين نقلوه 
لنا كانوا ولا شك قد قرءوا كل أشعارها وكانوا بالقطع على علم بها 
وبشخصيتها أكثر منا. إنهم لم يتركوا مجالا للشك بان سافو كانت-على حد 
قول شاعر فرنسا الحديث بودلير-«الشاعرة العاشقة لتلميذاتها». 

كان الحب بلا منازع هو أهم أغراض الشعر الذي نظمته سافو وهي 
أحيانا تعبر عنه ببساطة وتلقائية وأحيانا أخرى برقة ونعومة ولكنها في كل 


الأغانى الفرديه 


حين تعاني من عاطفة نارية. ولا يلعب الرجال دورا بارزا في حياتها وأشعارها 
أو على الأقل لا يقارن دورهم بدور النساء اللائي يظهرن في أشعارها على 
نحو مستمر وصورتهن دائما مشرفة تبعث على البهجة وهذا ما يعكس 
إحساس الشاعرة نحوهن من حب عاطفي . ووصلتنا شذرات عديدة تتحدث 
عن هؤلاء النسوة بالاسم ومنهن نذكر أتثيس (1015ى) التي تحظى يمكانة 
خاصة في قلب سافو (شذرة 40 وا4) وجيرينو (وممتز6) وأناكتوريا 
(4ترم لهمت ) وجونجيلا (12روده6) واريجنوتا (هاممعضه) . وضي إحدى الشدذرات 
تقول سافو إنها تحسد زوج حبيبتها فهو كالإله لأنه حظي بها دونها . فهي 
نفسها أي سافو عندما تراها يكاد يغمى عليها من شدة الإعجاب وقوة 
الانجذاب. ومن نافلة القول أن هذه العاطفة التي أحست بها سافو تجاه 
النساء أمر غير عادي ويخالف المألوف مع أنه ليست لدينا أية أدلة على 
انها عاطفة وصلت بالشاعرة إلى حد المرض والشذوذ . وقد لا يتعدى الأمر 
مجرد حب رومانسي يمكن أن يتبادل الإحساس به أبناء أو بنات الجنس 
الواحد. 

نظمت سافو أيضا أغاني الزواج (دنصةاقطانم8) كما أنها أعطت اسمها 
للمقطوعة الشعرية (5022ا5) المعروفة باسم «السافية» (عنطممة5) والتي نظم 
كثير من الشعراء قصائدهم على شاكلتها-أي في مقطوعات سافية-ومن 
بين هؤلاء الشعراء هورانيوس نفسه وكذا كاتوللوس الذي قلدها (قصائد 
١6و‏ 62) وكلاهما من أكبر الشعراء الغنائيين في روما . وفي إحدى الشذرات 
التي وصلتنا منها تتحدث سافو عن أخيها خاراكسوس الذي كان قد ذهب 
إلى مصر وهناك وفع في حب غانية اشتراها. تعطيها سافو اسم دوريخا 
(203658) (شذرة 26) بينما يسميها هيرودوتوس رودوبيس وهي امرأة مشهورة 
ازدهرت في عمر أمازيس (526-569) . ويحكى لنا أوفيديوس أن خاراكسوس 
تحول ليكون فيما بعد قرصانا بعد أن فقد ثروته في مصر. ولدينا شذرة 
أخرى من سافو(25) تتضرع فيها إلى بنات نيريوس أي عرائس البحر أن 
يعدن إليها أخاها سالما وأن يزرعن في عقله رأيا أفضل عمن يحبونه 
وينتظرونه. ومن الجدير بالذكر أن إحدى قصائد سافو (شذرة 55) تدور 
حول زواج هيكتور من اندروماخي. 

وكانت سافو-مثل الكايوس-تتغنى بأشعارها لنفسها ولدائرة ضيقة من 


الشعر الاغريقى 


صديقاتها وتلميذاتها وليس بالضرورة في أية مناسبة عامة أو خاصة. 
ولذلك نراها تنظم أشعارها باللهجة الليسبية المحلية وإن داخلتها بعض 
مفردات الموروث الملحمي. ومن المحتمل أن الأوزان التي استخدمتها-هي 
والكايوس-جاءت من الأغاني الشعبية التقليدية ولا تزال الوحدة العروضية 
فيها هي «المقطوعةد (عطمه:؟) التي نادرا ما زادت على أريعة أبيات بل هي 
في الأغلب من بيتين لا اكثر. وهي بالطبع تختلف في الشكل والمضمون عن 
الأغنية الجماعية. 

وتختلف سافو عن الكايوس في أنها لم تذكر كثيرا الأحداث السياسية 
التي عاصرتها وعانت ير نفسها منها. ذلك أنها ركزت شعرها وكرست 
موهبتها لعواطفها الخاصة. وفي أطول شذرة وصلتنا من قصائدها تخاطب 
سافو أفروديتي ثم تحكي لنا كيف أن هذه الربة قد ظهرت لها بعد أن نزلت 
من السماء في عربة وسألتها عن متاعبها ثم طمأنتها وبشرتها بان كل شيء 
سيكون على خير ما يرام مستقبلا وقالت لها(شذرة ١‏ بيت :)24-2١‏ 

وإن كانت ترفض هداياك فستمنحك هي الهدايا عما قريب 

وان كانت لا تحبك سوف تخضع لسلطان الحب شاءت أو لم تشأ» 

وللعاطفة في قصائد سافو ألوان متعددة. ولكنها في كل حال تعمق 
لنا إنها ذات مرة لمحت فتاة تجلس إلى جوار رجل تحبه: تتحدث إليه 
وتضاحكه فغلبتها-أي سافو-العاطفة وغشيتها مشاعر الغيرة وانعكس ذلك 
في بعض الأعراض الفيسيولوجية التي اعتورتهاء فهي مثلا لا تستطيع 
الكلام لأن لسانها يتلعثم؛ واندلعت نيران وهاجة تحت جلدهاء وطرق طنين 
مدو أذنيهاء فامتقع لونها ومالت صفرة بشرتها إلى اخضرار الأعشاب. 
انها تحس وكأنها على شفا الموت إذ ستخرج روحها وتفارقها الحياة. أليست 
مثل هذه الأقوال كفيلة بتوضيح كيف أن هذه الشاعرة كانت غاية في 
تلقائية التعبير عن مكونات نفسها 5 نجدها عندما يمتلكها الحب تجاه 
إنسان ما تريد أن تشاركه كل ألوان المتعة وكان ذلك بالطبع يجر عليها كثيرا 
المحبوب. وعندئذ لا تجد لنفسها ملاذا سوى الأغاني. 


14 


الأغانى الفرديه 


كم من مرة تتحدث سافو عن فتاة ترحل بعيدا عنها. ربما لأنها تزوجت 
أو لأي سبب آخر. المهم أن الشاعرة عندئذ تشعر بفراغ كامل وينبغي أن 
نصدقها حين تقول عندئن إنها تود أن تموت. ولكنها عل أية حال لا تلبث أن 
تفيق من الصدمة رويدا رويدا ولا سيما عندما تستعيد ذكريات المتعة. على 
أن حب ساقو لتلميذاتها قد جعلهن يحب بعضهن البعض وعندما تغيب 
إحداهن تقول عنها باسمهن إنها كالقمر بين النجوم تفوقهن تلألوًاء وهي 
أيضا كالقمر الذي ينعكس ضوءه الساحر على سطح البحر ويغمر الأرض 
فتنتعش الزهور وتبلل قطرات الندى خدودها. أما عندما تتزوج إحداهن 
فتنظم لها سافو أغنية الزواج. وذات مرة-بالفعل-تزوجت إحدى تلميذاتها 
ولكن في سن متقدمة نسبيا وعندئذ شبهتها سافو بالتفاحة التي احتلت 
أعلى مكان بين أغصان الشجرة فلم ينتبه إليها الشبان الذين يجنون الثمار 
القريبة من أيديهم. وتلتصق ساقو بالطبيعة اكثر من الكايوس فهي تتعامل 
معها برقة وشاعرية وتتخذها خلفية للحب الذي كرست حياتها وشعرها 
له. إنها تتلذذ بذكر أنواع الزهورء وتتغنى بالنجوم التي تخفي وجهها عندما 
يبزغ القمر وتسمى العندليب «رسول الربيع المتحدث بلسان الحب» (شذرة 
6). وأكثر من ذلك تنفن سافو إلى ما وراء الأشياء أي إلى القوى الخفية 
التي تحركها فهي عندما تخاطب ربات النعم والخيرات أو ربات الفنون 
تحس بأنها تخاطب كائنات تراها وتتعامل معها بالفعل. ولعل هذا ما يجعل 
حبها آدميا في عاطفته سماويا في جزله. إنها عندما تحب تذوب في 
المحبوب فإذا ما غاب الحبيب فقدت سبب الوجود نفسه وأحست بأنها 
فارغة من الداخل. والحب عندها حلو في مرارة العلقم ومخلوق لا مهرب 
منه«(شذرة 130). وهكذا فان شعرها ينضج بعذوبة قلما نجدها في الشعر 
الإغريقي كله. الحياة بالنسبة لها هي الحب ولا شيء غير ذلك: وهي واثقة 
من رؤيتها تلك ولا تتردد في التعبير عنها صراحة فهي لا تخجل قط من 
خضوعها للعواطف الصادقة. 

ولكنها وكما سبق أن المحنا لا تقصر عاطفتها على تلميذاتها فهي تحب 
أخاها وابنتها كليس التي تقول عنها إنها «مثل زهرة ذهبية» (شذرة 2)132 
وأنها-أي سافو-لا تقايضها بمملكة ليديا الواسعة بممتلكاتها وكل ثرواتها. 
بل إنها تقول لابنتها كيف أنها لا تستطيع أن تشتري لها إكليلا تزين به 


الشعر الاغريقى 


رأسها احتفاء بمناسبة معينة ومن الأفضل الاستعاضة عنه بشيء آخر ! 
وهذا يعني أن العاطفة عندها أثمن من كل أموال ليديا أي مملكة كرويسوس 
(قارون). 

وتتمتع سافو بروح الدعابة حتى في أغنيات الزواج. وتتميز بالصدق 
والاعيؤية والنيقم تصرويانها ابراة عقيقية الحيت بالقدل لم تكن صسيقها 
للآلهة مانعا أو عائقا لها في أن تكون بسيطة وعفوية. قلما استخدمت 
اللجازالاتها عدت من القلب وتريد أن يصيل كاذمها إلى القانب مجاابرة 
فهي تقول مثلا «إني أحبك يا أتثيش منن زمن بعيد» وتتحدث عن أفروديتي 
شرل اسيم وحفقين بها لدتية :لا يسناج كدها إل صو العرية تزيده 
كراء لآن.هذا الفن التضادق ذهب إلى :ما وراع الصون الشعرية وحقق كرا ما 
لم يكن يحققه المجاز. في قصائدها نتحرك في عالم كمل ما فيه مبركئي 
وملموس ومحسوس على نحو بلغ من الوضوح ما لا يحتاج إلى زخرف أو 
قارع إضاكي. يل هو غالم يزداد فوة ووضوها علهنا عغلصن من الركوشن 
وغاشن مكتضيا بقواه الذانية. لا تحس بوجود أية شجوة بين تجربة ساهو 
الفعلية في الحياة وتعبيرها الشعري. تبدو أشعارها غاية في البساطة 
وكأنها بلا أدنى جهد ولكنها في نفس الوقت غاية في النسق والإتقان وتلك 
قمة شامخة من قمم الشعر الغنائي. 

تخاطب سافو امرأة جاهلة فتحتقرها وتقول إن مثل هذه المرأة التي لم 
تمن يفا امنتوووذ بوريا (آى الفتون) سنهيم كن العاقك الكو هملة متسيك 
لجو عاسو جام مركا ثآما كما يعاق بها هي هيا ان ماقو فسيكون 
الموقف جد مختلف لأنها ستبقى خالدة أبد الدهر بفضل أغانيها التي 
الهمتها إياها الألوك أى أن الأنهام الريات ااشص سيخلم علبهها صفة الخلود 
الريافية ايشا وليش لدينا ها يقح يان منانشز كالك فول منصها وضمها 
كان تكون كاهنة في معبد أفروديتي ولكن لا يمكن أن نتفهم هذه الشاعرة 
دق الفهم ها لم تيع في الأغتبان مرعها العميق وإيمانها الثايت ياف الآلية 
راضون عنها ويؤيدونها بل ويفرضون عليها أن تستغل مواهبها إلى أقصى 
ما تستطيع. إنها امرأة ليست كبقية النساء وهذا معنى نجده في مخاطبة 
الكايوس (شذرة 384) لها حيث يقول: «أي سافو ! أيتها المقدسة !يا ذات 
الشعن الكنديسي والسمة العقية ري اذيك للحدوية إلبلف يكن الحياة 


36 


الأغانى الفرديه 


يمنعني»ولنا أن نضع لكلمة «المقدسة» ما نشاء من معان» ولقد ظلت صفة 
القدسية لاصقة بها حتى بعد أن هاجمها شعراء الكوميديا إبان القرن 
الخامس إلى حد أن أفلاطون قد وضعها بين ربات فنون الشعر نفسها كما 
ستق أن العنا كا 

وعاش ألكايوس مع سافو في نفس مدينة موتيليني ونظم أشعاره فيما 
بين 610 و 580. ويقال إنه أحب هذه الشاعرة ولكنها صدته ووصلتنا أخبار 
هذا الحب في شذرة باقية من م عماله (64) كما أن هناك رسما على إناء 
اثري (162120005) يؤرخ بعام 480 ويصور لقاء بينهما . ومع ذلك فهناك من 
العلماء الدارسين من يرون أن قصة الحب بين ألكايوس وسافو من نسج 
الخيال. تخاطب إحدى قصائده على أية حال سافو ووصلتنا الأبيات الأولى 
منها وهي التي ترجمناها وأردناها في نهاية الفقرة السابقة أما رد سافو 
فقالت فيه (شذرة 160): 1 

«إن كانت الرغبة في قلبك من اجل الخير والجمال فحسب 

واذا كان لسانك عفا لم ينبس ببنت شفة خبيثة 

فان الحياء لن يحجب عني بريق عينيك» 

كان ألكايوس محاريا وجوالا يطوف ببلاد الإغريق هنا وهناك سنه في 
فترات التوقف عن القتال والترحال كان على استعداد أن يفني الأغاتي عن 
الخمر والحب. ونظم كذلك أناشيد دينية تكريما للآلهة أبوللون البيثي 
وهرميس والربة أثينة وديونيسوس وهيفايستوس بل وللبطل أخيلليوس وأياس 
وكذا عرائس البحر وبالطبع له أناشيد تكرم أفروديتي وايروس. ولكن 
معظم أشعاره مستوحاة من تجارب حياته غير المستقرة والمليئة بالمقلبات 
والقلاقل في معترك السياسة والحرب ومغامرات الحب. وقيل إنه نفى إلى 
مصر وعاش هناك بعض الوقت. وهو مثل أرخيلوخوس فقد درعه في 
إحدى المعارك التي خاضها وطنه ضد أثينا في نزاع حول ملكية سيجيون 
بمنطقة طروادة عام ١7,606‏ ويرى ألكايوس أن الخمر دواء لكل داء وعلاج 
شاف لكل الشرور بما في ذلك سوء الحظ والشيخوخة (شذرة 865). بل إنه 
يرى أن الخمر هدية ثمينة قدمها ديونيسوس للبشر نفعا لهم سواء أكان 
الجو عاصفا زمهريرا أم حارا خانقا (شذرة 90). 

كان ألكايوس صبيا لا يزال حين خلع أخواه أنتمينيداس وكيكيس الطاغية 


17 


الشعر الاغريقى 


ميلانخروس حيث تلاه ميرسيلوس الذي ساعده ديخومينيس وبيتاكوس. 
ويبدو أن الكايوس في مطلع الشباب كان متمردا على هؤلاء الطغاة الثلاث 
مما أدى في النهاية إلى طرده أي نفيه إلى بيرها(250©) . وهناك نظم 
قصيدة (شذرة 42 وربما 130) يصف فيها اضطراب الأحوال السياسية 
سمتكيها لكة بحرية مجازنة فز شانت بعر> سقط كرها ميرسيلوين صيريها 
(شذرة 332) فاعتلى كرسي الحكم من بعده بيتاكوس الذي فيما يبدو كان 
ألكايوس على علاقات ودية معه فاشتركا معا في المعركة ضد أثينا حول 
سيجيون حوالي عام 606 وهي المعركة التي فقد فيها درعه كما قال لنا ضفي 
أشعاره (شذرة 428) وتم التوصل إلى عقد معاهدة سلام. ووصلت قوة 
بيتاكوس وسلطانه إلى الذروة. وعندتذ هاجمه ألكايوس بقصيدة قال فيها 
إن انتخابه يعد ضربا من الجنون (شذرة 348) بل تندر ببعض العيوب الخلقية 
والخلقية فيه مشيرا إلى قدميه المفلطحتين وبطنه المنتفخة وكذا أصله 
الوضيع وعاداته الفجة وخيانته لرفاقه القدامى. ثم انتقد زواجه المغرض 
(شذرة 645) وسلركه الخليح (شذرة 76) ودهاءه (قنذرة 02 :ونقيجة لهذا 
الهجوم نفى الكايوس إلى مصر وأصبح أخوه أنتيمينيد اس من الجنود المرتزقة 
لحساب ملك بابيلون (شذرة 48). ويبدو أن الكايوس قد هاجر أيضا إلى 
طراقيا (شذرة 45) وتفاوض مع الليديين (شذرة 69). وقبل أن يعتزل بيتاكوس 
الحكم عام 580 عفا عن ألكايوس الذي لا بد أنه قد عاد إلى وطنه. ولا 
نعرف شيئًا عن حياته ومصيره فيما بعد ذلك. 

جمع أريستوفانيس البيزنطي وأريستارخوس أعمال ألكايوس فيما لا 
يقل عن عشرة كتب. ويبدو أنها قسمت حسب الموضوعات. إذ ورد ذكر 
الأناشيد (أممسرزط) «وأغاني سياسية حزبية» يطلق عليها اسم (هكلتامتههاة) . 
ويبدو من الشذرات المتبقية لنا انه كتب أيضا أغانى فردية عن الأحوال 
السياسية وحثلات الشراب والتحب بالإضافة إلى يعسن القصاق التاملية. 
ويبدو كذلك أنه أعاد صياغة بعض أغاني الفولكلور. أما لغته فهي محلية 
أيولية مع يعض التاثيرات الهومرية. هذا وتنقل الشاعر بين أوزان عدة. 

وبالنسبة للشق السياسي في حياته وشعره فيبدو انه أخذ جانب 
المحافظين الذين أرادوا الاحتفاظ بسلطانهم التقليدي فذهبت جهودهم 
سدى بفضل الطاغية بيتاكوس الذي كان قد حالفهم من قبل. قما أن 


الأغانى الفرديه 


انتخبه الشعب حتى حكم عشر سنوات مستديمة فأعاد للمدينة سيادة 
القانون والنظام. بيد أن ألكايوس هاجمه بشدة وعنف. فالكايوس مثل 
ثيوجنيس يتباهى بالتمادي في كراهية الأعداء وحب الأصدقاء. إنه لا 
يعرف أنصاف الحلول أو الاعتدال. 

وعندما يفعل شيئًا يفعله بكل قوته ويصل فيه إلى النهاية. وأغانيه هي 
انعكاس لمثل هذه الأفعال بيد أنه في أشعاره يظهر تحكما واضحا في 
كلماته بل إن قصائده جد محكمة ودرامية. ومع أن الطبيعة لا تغلب سوى 
دور الخلفية لأحداث حياته التي يسجلها في شعره نجده يخاطب نهرا 
مقدونيا فيقول (شذرة 45 بيت :)3-١‏ 

«أي هيبروس يا أجمل الأنهار 

تجري عبر أفينوس إلى مياه البحر الداكنة الزرقاء 

وتفيض بالخير عبر الأراضي الطراقية» 

وهو يدعو للتمتع بالحياة قائلا إنا لا نعيش مرتين وينبغي أن نتعلم 
الدرس من سيسيفوس الذي بالفعل هرب ذات مرة من العالم السفلي وقد 
كان أحكم الناس ولكنه لم يستطع الهرب مرة ثانية . وآلكايوس مثل ثيوجنيس 
يرى أن الفقر يقصم ظهر الإنسان وينغفص عليه عيشته لأنه يفقد المرء 
الإحترام بين الناس. ويعقد مقارنة بين هيليني صارخة الجمال وجالبة 
الخراب على الطرواديين وبين ثيتيس التي تزوجت بيليوس وولدت أخيلليوس. 

وتقع تيوس على الساحل الأيوني شمال إفيسوس فهي إذن قريبة نسبيا 
من ليسيوس. هناك في هذه المدينة ولد أناكريون عام 470 إذ عرف أنه بلغ 
سن النضج في النصف الثاني من القرن السادس. ترك تيوس عام 545 
عندما كان يتهددها الخطر الفارسي وذهب مع بعض مواطنيه لتأسيس 
مستوطنة جديدة في طراقيا هي أبديرا . وعاش أناكريون في جزيرة ساموس 
المواجهة لآيونيا بعد أن استدعاه طاغيتها بوليكراتيس لكي يعلم ابنه الموسيقى 
ويبدو أن أناكريون كان يميل إلى حب الملذات وحياة المتعة دون أن يصل في 
ذلك إلى حد الانحلال أو الغلظة بل يدخل هذا الأسلوب في إطار ما نسميه 
الحياة الأيونية (1021105 وونط) في اكمل صورها . وهي حياة كان المحافظون 
على التقاليد القديمة والمدافعون عن الأخلاق القويمة ينظرون إليها شذرا. 
أما الأدباء والفنانون فكانوا معجبين بها غارقين فيها إلى آذانهم. 


36 


الشعر الاغريقى 


نظم أناكريون شعرا يناسب جمهوره الايوني في لغة سلسة وأوزان سهلة 
وحمل قصائده فكرا صريحا ومعاني واضحة. تشمل أشعاره موضوعات 
الحب والخمر ومناجاة الآلهة والثناء على بعض الرجال وهجاء بعضهم 
الآخر ورثاء بعض الأصدقاء ممن سقطوا في ميدان الوغى. وتشبه بعض 
قصائد اناكريون «أغاني الولائم (هناهة) وهي أغان كانت تؤدى بعد تناول 
وجينة لكام القملية |الكيوفه وعاقت الحيانا أغاني فردية وأحيانا جماعية. 
ونسبت إلى كل من أناكريون والكايوس بعض هذه الأغاني وهناك شاعر من 
نفس بلدة اناكريون-فاش قبله أو عاصره يدعى بيكيرموس (فمستغطارع) 
نظم أغاني شراب وبقي. لنا منه بيت واحد معناددكل الأشياء الأخرى فيما 
عدا الذهب لا تساوي شيكًا» (5ه5تتتطء مط دعام 12112 فته ده معكناه) ووصلتنا 
أغنية من «أغاني الولائم» عثر عليها في اتيكا وتقول: 

«بالنسبة للإنسان تأتي الصحة أولا فهي أفضل الممتلكات 

ويعدها ثانيا أن يولد جميل القسمات 

وثالثا الثروة التي يكسبها بشرف ورابعا أيام الشباب يقضيها في متعة 
مع اتسجايي لها 

وتعزى بعض هذه الأغاني إلى شاعرة مجهولة تدعى براكسيلا عاشت 
إناة ستتديف القوع اللخامس: 

ولقد فضل أناكريون وزنا خاصا أطلق عليه اسمه فيما بعد إذ نظمت به 
مجموعة من الأغاني في وقت لاحق وإن كنا لا نعرف تاريخها بالضبط 
ولكنها بلا شك تنتمي إلى ما قبل العصر السكندري وتعرف باسم 
«الأناكرونيات» (معدمعهلةسصم) وهي الأشعار التي جعلت الشاعر يكسب شهرة 
عالمية في عصورنا الحديثة. ولقد اصدر أريستارخوس أعماله في ستة 
كتب مقسمة إلى الآغانى الفردية (عاءم) والآيامبيات (زهطمةة) والإليجيات 
(متعوعاء) . 1 

واحتوت المجموعة الأولى على قصائد غنائية فردية في الغالب مثل 
أناشيد للربة أرتيميس ولإله الحب ايروس وكذا لديونيسوس إله الخمر 
وأغاني حب لكليوبولوس وأغاني غذاء وأخرى لحفلات الشراب وهي مكتوبة 
باللهجة الآيونية الدارجة مع تأثيرات هومرية أو أيولية. وفي الشذرة رقم 
١١‏ نجد قصيدة غنائية بعنوان «إلى ايروس» (5:002 وزه) ولو أنها اشتهرت 


1] 10 


الأغانى الفرديه 


روايته «عصفور من الشرق» عن اللغة الفرنسية كما تلخ 

ولقد زين لي «الحب» )2 ايروس) أن أحب 

فأبيت من جهلي أن أصغي إليه 

فقبض من فوره على قوس من ذهب ! 

ودعاني إلى القتال... لبست له الحديد... 

فأمسكت بالرمح والدرع ! 

ونهضت كأني أشيل (- أخيلليوس) 

أنازل «الحب» )2 ايروس) فسدد لي سهاما 

حدت عنها فطاشت:؛ ونفذت سهامه 

فتقدم إلى يتقد غضبا 

وهجم علي فاحرق جسمي 

ونفن إلى قلبي ....١‏ وانهزمت 

يا لها من حماقة أن أتقي بدروع ١‏ 

أي سلاح خارجي ينتصر على الحب (- ايروس) 

إذا كانت المعركة قائمة داخل نفسك 5700 

ولقد عاصر أناكريون الشاعر ايبكيوس-الذي سنتحدث عنه في إطار 
الأغاني الجماعية-إذ عاشا معا تحت رعاية طاغية ساموس بوليكراتيس. 
كما هاش يعطن الوك كن قينا ببالاط طقاكية أخن مورهبيا رخو بن 
بيسيسةراتوض وكارج ضبديخا تكبا لقبيرين والد بريقايين دولقل كرة اباكريوة 
فى أثينا إذ يقال أن تمثالا قد أقيم له فوق الاكرويوليس. المهم انه شاعر 
بلاط تقليدي ذو ألمحية ودفء لأنه عندما مات فى سن الخامسة والثمانين 
كان لا يزال محتفظا بحيويته. ويقال انه مات بسبب بذرة عنب توقفت فى 
حنجرته ! 

سئل أناكريون ذات مرة لماذا لم يكتب أناشيد طقوسية للآلهة كالشعراء 
القدامى بدلا من أن ينظم الأشعار متغنيا بجمال الغلمان فرد قائلا «أن 
هؤلاء هم الهتنا». وهو يقول عن ايروس «سيد الآلهة وسائس اليشر». لقد 
حاول أناكريون-مثل ايبيكوس .أن يعطي لأشعاره أهمية اكبر وأفقا أوسع 


14 


الشعر الاغريقى 


باستخدام الأسطورة والرمز. فهو يصور ايروس إله الحب كصبي يلعب 
ألعابا بهلوانية فوق الحبال مع العرائس وأفروديتي نفسها. وهو يتحداه 
عندما يلقي إليه بكرة ذهبية: أو يضربه ببلطة: أو يتحرش به للدخول في 
ملاكمة وجها لوجه أو يأخذه ليطير به فوق السحاب على أجنحة ذهبية. 
وهي رموز تزيد عن مجرد كونها تشبيهات ولا تصل إلى حد الأساطير. إنه 
ضرب من مسرحة المشاعر عندما يتخيل الشاعر نفسه في عدة مواقف 
وهمية وإن كانت تستند إلى قصص شائعة ومألوفة. فهو مثلا يتخيل نفسه 
وقد ألقى بجسده من فوق صخرة ليوكاس وهي الصخرة التي يلقى الشعراء 
المنكوبون في الحب بأنفسهم إلى البحر من فوقها كما فعلت سافو من قبل. 
وهو يقول إنه سبح في بحر الحب كقرار يائس. وهو يرغب في الاعتدال ولا 
يود أن يكون ثريا إلى حد الفحش ولا مسنا إلى حد العجز إذ يقول 
(شذرة 360): 

«أني لا أطلب قرن الكثرة 

من أما لثيا. لا ولا أرغب 

في أن أعيش قرنا ونصف 

مثل ملك تارتيسوس (11165505) 


1 2 


الأغاني الجماعية 


من الطبيعي أن يعرف الغناء الجماعي أي شعب 
تذوق فن الموسيقى بصفة عامة ومارس الغناء 
الفردي بصفة خاصة. ويذكر هوميروس الغناء 
الجماعي في «الإلياذة» (الكتاب الأول بيت 472) 
غل أنه شيء هألوف في عصره. ويما أن الغناء- 
كجزء من الموسيقى-قد شكل مبدأ مهما في برامج 
التربية ببلاد الإغريق واحتل مكانة لا تقل عن تعليم 
القراءة والككابة ظلقد نجع عن ذلك كوطر أعداد 
كبيرة من الفتيان والفتيات الذين يجيدون هذا الفن 
ويمثلون كوادر فنية يمكن أن يستغلها أي شاعر 
غنائي. والإغريق بطبعهم ميالون إلى ممارسة فن 
الرقص (وهذا آمر ملحوظ حتى في آيامنا هذه 
فلاذ اليونان التحديكة) ومن ثم توظرت العتاعسر 
الثلاث الرئيسية نتطوير فن الغناء الجماعي 
(الكورالي) أي الكلمات المنظومة نظما جيدا ومنغما 
والموسيقى المضاحبة والحركة التعبيرية الرشيقة: 
وصار من اليسير تشكيل الجوقات وتدرييها. كان 
يكفي لإنجاز عرض غنائي جماعي وجود أحد 
الفنانين المحترفين ليكون مسئولا عن نظم القصيدة 
الغنائية. وتأليف الموسيقى المناسبة لهاء وتدريب 
أفراد الجوقة على الرقصة المعبرة عنها والمواكبة 


| 0/5 


الشعر الاغريقى 


لها. كان هذا الفنان إذن هو قائد عملية العرض كلها من أولها إلى آخرها 
وقد يساعده أحد العازفين على آلة وترية وآخر على آلة نفخ ولكنه هو 
(المايسترو) الذي يحرك كل أعضاء الفرقة. ولقد تفوق الدوريون على غيرهم 
في هذا المضمار وبرز من بينهم أهل البلوبونيوس وجزيرة صقلية بصفة 
خاصة. بيد أن بويوتيا قد ساهمت بأعظم شاعر غنائي عرقته بلاد الإغريق 
ألا وهو بنداروس. 

كانت الأغنية الجماعية إذن مرتبطة بالرقص وهذا أمر أثر على طبيعتها . 
إذ كانت الرقصات في الغالب ثابتة وشكلية بل كانت تعاد نفس الحركات إذا 
تكرر النغم. ولقد انسحب ذلك على كلمات الأغنية التي اتسمت أيضا 
بالشكلية وظل الأمر كذلك حتى تطور الشعر الغنائي الإغريقي فيما بعد 
منفصلا عن فن الرقص قبيل القرن الرابع. وينظم الشعر الغنائي الإغريقي 
في «استر وفات» أو «مقطوعات». ففي كل أغنية كانت الإستروفة: أو 
المقطوعة من الناحية العروضية تتكون من جزأين مختلفين هذا منظوم 
بأسلوب وذلك بأسلوب آخر ثم تأتى الإستروفة الثانية (أو المقطوعة الثانية) 
وهي بدورها مكونة من جزأين (الثالث والرابع هنا) فالثالث يماثل الجزء 
الأول في الإستروفة الأولى والرابع يماثل الجزء الثاني بها وهكذا. 

ولما شعر الإغريق بان هذا الشكل العروضي للأغاني الجماعية يحتاج 
إلى بعض التعديل اتبعوا البنية الثلاثية أي أن الأغنية صارت تتكون من 
تلاثة أجزاء رئيسية هي: استروفة (عامهن9) وأنتيستروفة (عطممنمتاصة) 
وابودوس (00005ع) والكلمات الثلاث تعنى على التوالى :-دورة. دورة مضادة, 
ما بعد الأغنية وصارت هذه البنية الثلاتية هن الوحدة المتكررة (مع التنويع 
والتغيير في الترتيب) بدلا من الإستروفات (المقطوعات) الصغيرة في الشكل 
العروضي الأقدم. 

ومع ذلك فلا بد من التنويه إلى أن هناك فروقا شتى بين كل قصيدة 
وأخرى من حيث البنية العروضية بحيث يمكن القول انه من بين كل قصائد 
الشعر الإغريقي الغنائي التي وصلتنا لا توجد قصيدة ممائلة للثانية ولو 
أننا يمكن أن نقسمها إلى مجموعات متجانسة من حيث الأوزان. وان دل 
ذلك على شيء فإنما يدل على أن الشكلية الخارجية هذه المتمثلة في البنية 
الثلاثية أو غيرها لم تضع الغناء الإغريقي في قالب متجمد إذ لا زالت أمام 


14 


الأغانى الجماعيه 


الشاعر الغنائي فرصة واسعة ومجال رحب للاختيار والمفاضلة بين الأوزان 
المختلفة. ولآن اللغة الإغريقية بطبعها لغة تركيبية لا تحليلية؛ بمعنى أن 
وظيفة ومعنى كل كلمة يتحددان من نهايتهاء فان ذلك سهل على الشعراء 
وضع الكلمة في أي مكان بالبيت وهذا ما يجعل الشاعر يهيمن على كلماته 
وأوزانه على نحو لا تعرفه بعض اللغات الحديثة. 

وليس هناك ما يستوجب أن تكون الأغنية الجماعية قصيرة بل هي 
بالفعل ليست كذلك عند الإغريق. فالكمان منذ القرن السابع كان قد نظم 
بعض الأغاني في مائة بيت أو تزيد ولم تجد الجوقات عناء في غنائها. 
وذهب ستسيخوروس إلى أبعد من ذلك حيث نظم أغاني بلغ طولها عدة 
مئات من الأبيات كقصيدة «الأوريستيا» التي طبعها القدامى في كتابين 
ولكنها للأسف لم تصلنا. ولعل أطول القصائد الغناتية التي وصلتنا هي 
«البيثية الرابعة» لبنداروس حيث تبلغ أربعمائة بيت ونظمت عام 462. وهنا 
ينبغي أن نتذكر أن أطول الأغنية الإغريقية الجماعية هو ملمح ملحمي 
موروث. بيد أنه بعد ستسيخوروس على أية حال وبصفة عامة صارت 
الأغنية لا تزيد كثيرا عل مائة بيت. ومع ذلك فهي بصورتها هذه لا تزال 
طويلة بالنسبة للشعر الغنائي في عصرنا الحديث. 

وتلعب المناسبة العامة العي تغال فيها الأغنية الجماعية دورا حيويا في 
تشكيلها اكثر مما يحدث في الأغنية الفردية التي في الأغلب يتغنى بها 
الاعر تروامويذافية معن فالاخنية الجماعية إذن عن أغتية الناسيات 
العامة التي يستدعي فيها الشاعر لكي يؤدي واجبه إزاء مجموع الناس. 
ولقد بدأ الشعر الغنائي الجماعي أصلا من أناشيد يتوجه بها المتعبدون 
للآلهة في تضرعاتهم وصلواتهم. ولذا فان الآلهة موجودون في أغراض 
الشعر الغنائي الجماعي بما في ذلك المرثيات وأغاني العذارى وغيرها. 

وأهم أنواع الأغاني الجماعية هي كما يلي- 


اغنية النصريايان 5 
الهيبورخيما ع اع 01م قط 
أغنية العذارى 1 
النشيد البطولى معط وممصسصوط 
قصيدة المدح 1 الثناء عم 


1 75 


الشعر الاغريقى 


الديثوراميوس 1 

ولقد سبق أن تعرضنا بالحديث لبعض هذه الأنواع وغيرها في الصفحات 
السابقة وسنتعرف على مزيد من التفاصيل في ثنايا حديثنا عن شعراء 
هذه الأغاني الجماعية الذين سنتناولهم الآن.. 

ازدهر ألكمان (أوالكيمون أوالكمايون) حوالي عام ١-654‏ |6. وهناك رواية 
تقول انه كان في الأصل من سارديس عاصمة مملكة ليديا بآسيا الصغرى 
جيء به إلى إسبرطة كعبد ثم حرره سيده عندما اكتشف موهبته الغنائية, 
ويقال أيضا أنه أول من اخترع شعر الحب. نظم ١‏ بعض الأناشيد وأغاني 
الزواج وأغاني تؤديها الجوقة في الاحتفالات العامة والمهرجانات. 

وتضم أطول شذرة وصلتنا من أغاني الكمان «أغنية عذرية» (دمنمعطاهدم) 
أي أغنية تؤديها جوقة من العذارى ويبدو أنها كانت تكريما للالهة الإسبرطية 
المحلية «أورثيا» (01512:ه) . وتكونت هذه الجوقة من إحدى عشرة فتاة تقودهن 
من حملت اسم هاجيسيخورا (2:مطعزوعع113) الذي يعني «قائدة الجوقة». 
وبعد سرد أسطورة بطولية عن معركة هرقل مع أبناء هيبوكؤٌ ون تدخل 
فتيات الجوقة في حوار فكاهي بعضهن مع البعض الأخر إذ تتبادلن النكات 
ويقارن جمال هاجيسيخورا بجمال فتاة أخرى هي أجيدو (488100). ويتميز 
الجو العام للأغنية بما يوحي بأنها تؤدي في وسط عائلي لا في حفل عام. 
بل اكثر من ذلك ترد في الأغنية إشارة إلى هاجيسيخورا على أنها «ابنة 
عم» الشاعر. ولا بد أن جزءا كبيرا من الأغنية كان يضم مقطوعات فردية 
قصيرة أو على الأقل كانت تؤديها بعض-لا كل-بنات الجوقة. وتعد هذه 
الأغنية أول مثل يصلنا من الأغاني الجماعية الإغريقية وهي على ما يبدو 
مثل جزءا من طقس ديني «يؤدى قبل شروق الشمس. وفيها تقدم العذارى 
محراثا إلى الإلهة المرتبطة بالفجر. أما معنى أسطورة صراع هرقل مع 
أبقاء 'فيبوكة ون كز يمقة خافة أن الكبرياء ان الضلت هلك ساحيه في 
النهاية لا محالةويضوغ الكمان هذه القكرة باسلوب فيه الكثي ومن الخيال 
والإبهار حيث يقول (شذرة ١‏ أبيات 17-16): 

«لا تدع أحدا يحاول الصعود إلى السماء على أجنحة الهروب 

ولا تدع أحدا يحلم بان ينال أفروديتي على فراش الزوجية» 

إنهما بيتان يوجزان فكرة الاعتدال الإغريقية ويوصيان بالاكتفاء بالوسط 


1 06 


الأغانى الجماعيه 


الذهبي ويقدمان خاتمة مناسبة للأسطورة. وفي حديث العذارى عن قائدتهن 
هاجيسيخورا يشبهنها بالشمس الطالعة أو بحصان السباق «من سلالة 
الأحلام المجنحة» أما شعرها «فكالذهب الصافي غير المخلوط». تشكو 
العذارى من قلة زينتهن إلا أنهن واثقات من فوزهن وكسب قصب السباق 
في هذه المناسبة التي يحتفلن بها. وربما لا يقوم ألكمان نفسه بالرقص 
والغناء معهن إلا أنه قد نجح في تقمص شخصيتهن وعبر خير تعبير عنهن 
وعن المجتمع الإسبرطي وبعبارة أخرى لقد وجد الشاعر في أغنية العذارى 
هذه امتدادا لنفسه وأحاسيسه. 

وفي شذرات أخرى نجد ألكمان يتغنى بالحب. ويقال أن الشاعر أحب 
امرأة تدغى ميجالوستراتا (هئهتنادهلدعء31) التي يحكى أيضا أنها كانت شاعرة. 
وتدور قصائد غنائية أخرى لألكمان حول الطعام والشراب وحب الطبيعة 
وسكون الليل وما إلى ذلك. وفي إحدى القصائد يعبر عن أمنيته الذاتية في 
أن يصبح طائرا أو بالتحديد «طائر الربيع المقدسء المصبوغ بقرمزية البحر» 
(ه1910ةط) . ووصلتنا شذرة من أغنية له يقول فيها أن «القيثارة الجميلة 
تلعب دورا لا يقل أهمية عن السيف» (شذرة رقم 41). وفي شذرة أخرى 
(رقم 56) يصف مهرجانا ليليا لديونيسوس إله الخمر. 

وجمعت قصائد ألكمان قديما في ستة كتب وشاعت أشعاره وتغنت بها 
الجوقات في احتفالات أرتميس وديونيسوس وأفروديتي وأثينة وغيرهم. 
وكانت لغته تجمع بين اللهجة الدورية والأيولية وبها أصداء من الموروث 
الهومري بل إنه يستخدم الوزن السداسي في أناشيده ولكنه يتحدث فيها 
عن نفسه ولا يلتزم ألكمان في أغانيه بالبنية الثلاثية. 

ويقول هيرودوتوس (الكتاب الأول 23)-إن أريون اخترع الديثورامبوس 
كفن أدبي في بلاط برياندروس . والديثورامبوس أغنية جماعية تؤدى تمجيدا 
لديونيسوس وورد أول ذكر لها عند أرخيلوخوس الذي يقول «إني أعرف 
كيف أقود رقصة الأغنية الجماعية الجميلة: أغنية ديونيسوس الديثورامبية 
عندما تكون الخمر قد لعبت بفؤّادي» (شذرة 77). وفي المرحلة التي يتحدث 
عمها أرخيلوخوس يبدو أن الديثورامبوس كان لا يزال أغنية مرتجلة يقودها 
أحد المجتمعين على مائدة الطعام أو ربما كان قائد الجوقة «الاكسارخوس» 
(5مطعمة»ه) يرتجل بعض العبارات التقليدية بينما يردد الباقون عبارات 


17 


الشعر الاغريقى 


مكررة (اللازمة). وبناء على ما يرد عند هيرودوتوس يبدو أنه كلما تدعمت 
عبادة ديونيسوس برز دور الديثورامبوس كجزء رئيسي في طقوس عبادته. 
ودخل هذا الفن أثينا إبان عصر الطغاة حيث كانت المسابقات الديثورامبية 
تمثل ملمحا مهما من ملامح أعياد الديونيسيا الكبرى؛ بعد إعادة تنظيمها . 
وكانت الجوقات الدائرية المكونة من الرجال والصبية هي اكثر أشكال الشعر 
الغنائي شيوعا وأطولها بقاء إذ كانت لا تزال قائمة حتى القرن الثاني 
الميلادي. 

يحتل الديثورامبوس ضي الشعر الغنائي الجماعي مكانة خاصة ويستحوذ 
على انتباه الباحثين لأن أرسطو قال بان التراجيديا نشأت من تطوير في 
هذه الأغنية الجماعية. ولعل في ارتفاع نسبة الأجزاء الغنائية في 
التراجيديات الأولى ما يؤيد رأيه فى تشكل ما بين الشك والنصف فى 
«الستجيراكوووالفرس» وواجاممتوة لايس كولوين وتسترى ان أغاني 
الجوقة ظلت تشكل جزءا عضويا في التراجيديا الإغريقية حتى أواخر 
أعمال يوريبيديس حيث قل فيها دور الجوقة كثيرا . وتظهر أغاني الجوقة 
في التراجيديا نفس ملامح الأغاني التي نتحدث عنها في إطار الشعر 
الغنائي فهي مثلها تقوم على أسطورة ذات هدف أخلاقي. وتحفل بصور 
شعرية غزيرة ومكثفة. وتسودها صبغة دورية واضحة. وهكذا يمكننا القول 
بأن الجوقة في التراجيديا الإغريقية تعتبر قمة من قمم الشعر الغناكي 
الجماعي. هذا وسنعود إلى الربط بين الدراما في نشأتها والشعر الغنائي 
في مطلع الباب الثالث. 

ازدهر آريون ني بين عامي 628 و 625 وعرف بأنه ابن رجل يسمى 
كيكليوس مع أن هذا الاسم الذي يعنى «الدائري» قد يكون من نسج الخيال 
فهو مشتق من الرقصة الديثورامبة الدائرية. قيل كذلك إنه ولد في ميثيمنا 
(اسمها الحديث مولينوس) في ليسبوس وريما تتلمذ على يد ألكمان. وذاع 
صيت آريون لعدة أسباب منها ارتباطه بالقصة الأسطورية الواردة عند 
هيرودوتوس التي تقول انه في إحدى رحلاته-المتعددة ذهب إلى صقلية 
وإيطاليا وجمع ثروة طائلة عاد بها إلى بلاد الإغريق في سفينة كورنثية. 
وهناك اعترض. طريقه بعض القراصنة وسمحوا له بان يغني أغنية الوداع 
مرتديا ملابس عازف القيثارة قبل أن يلقى بنفسه في البحر. فلما فعل 


1 8 


الأغانى الجماعيه 


تلقفه دولفين. كانت موسيقى آريون قد اجتذبته إلى المكان فأآنقذه من 
الغرق وحمله على ظهره حتى رأس تاينارون في جنوب شبه جزيرة 
البلوبونيسوس وأقام آريون معظم حياته في كورنثة أي في بلاط الطاغية 
بيرياندروس. 

احتل آريون مكانة بالغة الأهمية في التاريخ الأدبي رغم أنه لم يصلنا 
بيت واحد من أشعاره ورغم أن هناك بعض الدارسين لا يقبلون قول 
هيرودوتوس سالف الذكر أي أنه مخترع أغنية الديثورامبيوس, 
فالديثورامبوس برأيهم-وهو أحد ألقاب ديونيسوس للا بد أن يكون أقدم من 
آريون بكثير. بيد أنه يعزى الى آريرن أنه هو الذي جعل الجوقة تتحلق قي 
شكل دائرة حول مذبح ديونيسوس لرقص وتغني أغنيتها التي تمجد هذا 
الإله. وهذه الدائرة هي التي ستشكل ما يعرف باسم الأوركسترا في المسرح 
الإغريقي. كان آريون ينظم الأغاني الديثورامبية ويدرب جوقات كورنثية 
عل أدائها. ويبدو أنه هو بالفعل الذي أعطى لهذه الأغاني شكلها الثابت 
كما جعل لكل أغنية موضوعها الخاص وطبيعتها المميزة. 

ويعني اسم ستسيخورس «مؤسس الجوقة» مما يشي بأنه اسم خيالي 
أو على الأقل لقب اشتهر به الشاعر بدلا من اسمه الحقيقي «تيسياس» 
(115135) . ولد فى صقلية ويالتحديد فى ماتاوروس وعاش فى هيميرا 
والتواريخ التقريبية لمولده ومماته هي 2 553/5569 . جاء إلى أثينا عام 
5 عندما فاز أيسخولوس لأول مرة بالجائزة الأولى في التراجيديا. 
ويقول بعض العلماء بوجود شاعرين باسم ستسيخوروس الذي تعزى إليه 
من الأشعار الغناتية ما يزيد في مجموعه على حجم «الإلياذة» وجمعت 
أشعاره قديما وقيل أنها بلغت 26 كتابا. 

يتحدث ستسيخوروس في أشعاره كأحد الثقاة في الأساطير وكشاعر 
غنائي كبير له باع طويل ويتمتع باتساع في الأفق وهو ما يقربه من رحابة 
الشعر الملحمي. شملت موضوعات قصائده الألعاب الرياضية الجنائزية 
لبيلياس وأسطورة هرقل لا سيما حصوله على قطعان جيريون وإحضاره 
الكلب كيربيروس من العالم السفلي وصراعه مع كيكنوس. ونظم أيضا 
أشعارا عن أسطورة سكيلا وكذا خطف زيوس للفتاة يوروبا من مدينة صور 
الفينيقية» ومأساة اريفيلي؛ وأحداث كثيرة من الحرب الطروادية مثل قتل 


1] 0 


الشعر الاغريقى 


أجاممنون وانتقام أوريستيس وأسطورة دافنيس الذي أحبته إحدى عرائس 
الغابات وسلبته نعمة البصر عندما رأت عدم إخلاصه لها. أما أهم قصائده 
هي الآأناشيد (01ططنزط) التي كانت تنشد ضمن الطقوس وتتوجه بالخطاب 
لا للآلهة بل للأبطال وتؤديها جوقة على أنغام القيثارة ولكن دون أن يصحبها 
رقص. وفيها يتغنى بمغامرات أبطال الأساطير والملاحم. 

في فصيدته عن «هيليني» نجد أغنية تراجعية (006دنلهم) مشهورة لأنها 
أدت إلى نشأة رواية عجيبة حفظها لنا أفلاطون!'' وفحواها أن ستسيخوروس 
فقد بصره لأنه ذكر هيليني بالسوء. ولم يستطع مثل هوميروس الأعمى أن 
يشرح مأساته في أشعاره ولكنه بوحي من ربات الفنون أدرك سبب المصيبة 
مما دفعه للإسراع بنظم الأبيات التالية (شذرة 192): 

«لا...لا أساس من الصحة في هذه القصة 

فلا أنت أبحرت على السفن ذات الحمولة الكبيرة 

لا...ولم تدخلي أسوار طروادة قط (» 

فهو هنا يقول إنها لم تذهب مع باريس إلى طروادة بكنوز الذهب بسبب 
الحب الذي طغى على قلبها . وهو يعتب على هوميروس لشيوع القصة 
الأخرى (شذرة 193) ويعود في نفس القصيدة ليلقى اللوم على هيسيودوس 
أيضا لأنه جعل لهيليني عشاقا كثيرين؛ وتمضي الرواية إلى القول بان 
ستسيخوروس ما أن أنهى نظم هذه القصيدة حتى أستبعد بصره ! والجدير 
بالذكر أن الأسطورة التي يتحدث عنها ستسيخوروس في هذه الآبيات عن 
عدم ذهاب هيليني الى طروادة كان لها أثر كبير في الشعر الإغريقي فنحن 
على سبيل المثال نجد لها صدى في مسرحية يوريبيديس عن «هيليني». 
فالشاعر يورد هذه الأسطورة ويقول إن هيلينى لم تذهب إلى طروادة وأن 
مسحة لها هي التي أرسلت إلى هناك أما البطلة نفسها فقد ذهبت إلى 
مصر ! وهذا يعني أن الحرب الطروادية لم تقم بسبب هيليني وإنما بسبب 
فسيخة لها كين إذن حر ضيفي ْ 

ويقال الآن ستسيخوروس هو أول من عالج عاطفة الحب معالجة 
سيكولوجية في الشعر الإغريقي. ومع أننا لسنا على يقين من الشكل 
الذي اتخذته أشعاره إلا أنه من المرجح أن بعضها أخذ شكل الديثورامبوس. 
ولا سيما تلك القصائد التي تتبع الأسلوب السردي المميز لهذا النوع من 


الأغانى الجماعيه 


الأغاني الجماعية. وهناك بعض الدارسين يرون أن ستسيخوروس قد تأثر 
برحلة آريون إلى صقلية وإيطاليا. هذا وقد أصبح ستسيخوروس مرجعا 
مهما في الأساطير لأن كل قصائده تقوم على أساسها . فهو في القصيدة 
التي نظمها للألعاب الجنائزية لبيلياس (شذرة 180-178) يتحدث عن رحلة 
السفينة أرجو. وفي «الحيريونية؛ أي قصة إحضار هرقل لقطعان جيريون 
بذكر مناجم الفضة في تارتيسوس كما يشير الى حب هرقل الشديد للخمر 
(شذرة .)18١‏ وفي قصيدة «حصار طروادة» (515ء2 ناه111) يتحدث عن إبيوس 
صانع الحصان الخشبي في طروادة (شذرة 200). وفي «الاوريستيا» التي 
يبدو أنها ألقيت في إسبرطة أثناء احتفال للربيع خالف هوميروس إذ جعل 
أجاممنون يموت في لاكيدايمون أي إسبرطة (شذرة .)212-21١‏ وضمت 
نفس هذه القصيدة حلم كليتمنسترا (شذرة 219) الذي ورد بعد ذلك في 
مسرحية «أجاممنون» لأيسخولوس. وقد أعطى ستسيخوروس أيضا في 
قصيدته دورا لمربية أوريستيس (شذرة 218). وكان ستسيخوروس هو أول 
من جعل هرقل يرتدي جلد الأسد ويتسلح بالهراوة بدلا من الأسلحة الأخرى 
وكان أول من قال أن الربة أثينة ولدت من رأس أبيها زيوس مدججة بكامل 
السلاح وكان أول من جعل جيريون مجنحا وله رءوس ثلاثة وأجساد ثلاث. 
ومارس ستسيخوروس بسبب هذه الأساطير تأثيرا ضخما على فنون النحت 
والرسم. ولأنه جعل أغانيه تقترب من الملحمة هجره شعراء الجيل التالي 
الذين أرادوا مجاراة العصر ونزوع الناس إلى القصائد القصيرة. 

جاء ايبيكوس (151105) بن فيتيوس من ريجيون في جنوب صقلية إلى 
ساموس حيث عاش في بلاط الطاغية بوليكراتيس معاصر كرويسوس 
(قارن)؟ ملك ليديا. حدث ذلك في أواسط القرن السادس وعندما شرع 
ينظم الشعر قلد مواطنه الشاعر الصقلي الآخر ستسيخوروس أي كانت 
قصائده سردية فكتب عن حصار طروادة (شذرة 22) وعن صيد الدب 
الكاليدونى (شذرة 9) ومولد الربة أثينة (شذرة 17) وكتب أيضا عن أورتيجيا 
(شذرة 40) وضمن أشعاره أيضا بعض الحكايات الصقلية الشعبية. وجمع 
القدامى أعماله في سبعة كتب احتوت عل قصائد من الشعر الغنائي 
الجماعي المتطور وقصائد المديح (متسوعمع) وأغان فردية في موضوع الحب. 
ولقد استخدم ايبيكوس عدة أوزان وامتاز أسلوبه بالخيال الواسع والقدرة 


الشعر الاغريقى 


الفائقة على الوصف وبمعالجة مشاعر الحب وجمال الطبيعة (انظر شذرات 
3 36).. 

ويلتزم ايبيكوس البنية الثلاثية للأغنية كما انه يتحاشى الأساطير 
الملحمية ويرى أن الحب هو الموضوع الأنسب للشعر الغنائي. وفي إحدى 
الشذرات (286) يقول إن عاطفته عنيفة كالعاصفة التي تهب مع الرياح 
الشمالية. وهو لا يتحدث عن الحب بصراحة ووضوح سافو ولا ببساطة 
وإنما بفخامة ملكية تناسب حياة البلاط الذي عاش فيه بساموس بالقرب 
من الطاغية بوليكراتيس كما سيق أن المحنا. وأطول شذرة وصلتنا منه 
يخاطب فيها الشاعر ابن هذا الطاغية الذي يحمل نفس اسم أبيه وتنتهي 
بإشارة لجمال هذا الغام الساحر. وفيها يقول ايبيكوس عن الأبطال الملحميين 
(شذرة 282 أبيات 26-23): 


«تستطيع ربات الفنون 

بنات الهيليكون اللائي طالما تغنين بهم 
أن يتحدثن عنهم بطلاقة 

أما أي شاعر من البشر فليس بوسعه 
أن يسرد كل قصصهم» 


وتحكي رواية أسطورية عن موت ايبيكوس إذ جاءت نهايته على أيدي 
بعض اللصوص قطاع الطرق الذين هاجموه وقبل أن يقتلوه كانت بعض 
طيور الغر نوق تحلق فوق رأسه فنظر إليها وقال«هذه الطيور ستنتقم لي 
وبعد موته دفن في ريجيون وعندما كان أحد هؤلاء اللصوص يتجول في 
المدينة ورأى بعض هذه الطيور ثانية قال لأحد رفاقه» هذه هي الطيور التي 
ستنتقم لايبيكوس» فما أن سمعه المارة حتى ألقى القبض عليه وعلى جميع 
رفاقه وقادهم إلى السلطات لمقاضاتهم. ولقد أهاجت هذه الحكاية 
الأسطورية قريحة الشاعر الألماني الرومانى شيللر فنظم قصيدة حولها. 

ولد سيمونيديس (وع0تصممذ5) حوالي عام 6 في كيوس-جزيرة صغيرة 
فقيرة الموارد كثيرة السكان في شرق أتيكا-لأب يدعى ليوبريبيس (1.60:05]) 
هاجر إلى أثينا حيث حظي مثل اناكريون بحماية ورعاية هيبارخوس الطاغية 
ابن بيسيستراتوس. وبعد موت هيبارخوس رحل سيمونيديس إلى تساليا. 
وابان الحروب الفارسية وفي الثمانينات من عمره استقر سيمونيديس 


الأغانى الجماعيه 


أخيرا في صقلية ببلاط هيرون طاغية سيراكيوز. وهناك التقى بابن أخته 
الشاعر باكخيليديس وببنداروس أيضا. ومات عام 468 في سن التاسعة 
والثمانين. وأثناء أقامته في أثينا كان قد فاز على أيسخولوس عام 489 
بالحصول على الجائزة المرصودة لأحسن قبرية نظمت لقتل معركة ماراثون 
عام 490 دفاعا عن الوطن. وبذلك اعتبر سيمونيديس شاعر الحروب 
الفارسية المتوج؛ واكثر من ذلك فانه قد بلغ قمة المجد عندما فاز بالجائزة 
السادسة والخمسين بنشيد ديثورامبى نظمه. 

يقال أن سيمونيديس هو أول من اتخذ من الشعر حرقة إذ تكسب بهذا 
الفن. فيحكي أن طاغية ريجيون أنكسيلاس بعد أن قاز في الألعاب بفريق 
من البغال طلب من سيمونيديس أن يكتب له أغنية نصر(دهك]تهزمء) . فلما 
تبين سيمونيديس أن ثمن القصيدة المعروض صغير لم يستحق الجهد رفض 
نظم القصيدة بحجة أن بغال الطاغية من نسل الحمير وليست جديرة 
بقريحته الشعرية. وفطن الطاغية للسبب الحقيقي فرفع الثمن إلى درجة 
أن سيمونيديس نظم على الفور أغنية يصف فيها البغال بأنها «سليلة خيول 
سريعة» 1 
البايانية والهيبورخيما وأغانى النصر وكذا المراقى (01مع+0)) وبقيت لنا منه 
بضع شذرات. وأهم ما يميز شعره العذوبة والصقل ولكنه من حيث الأصالة 
كان أقل مستوى ليس فقط ممن سبقوه من الشعراء الغنائيين ولكن أيضا 
من معاصره الأصغر بنداروس. اتبع سيمونيديس البنية الثلاثية وأضاف 
شيئًا من الوضوح الدرامي إلى الأغنية الجماعية؛ إذ جعل الكلمات والموسيقى 
تواكب وتؤكد حركات الجوقة ورقصاتها اكثر من ذي قبل. ويقال إن أول 
قصيدة من نظمه كانت في الاحتفال بانتصار الملاكم المشهور جلاوكوس من 
كاريستوس (عام 520 6. وأشهر مرثياته هي تلك التي تغنى فيها بأسطورة 
دانائى التى عندما ولدت بيرسيوس وضعته فى صندوق وألقت يه فى 
البحر (شذرة 543 أو ١3‏ 1طءز0) وتعتبر هذه القصيدة من أفضل مقطوعات 
الشعر الغنائي الإغريقي كله ويقول فيها:- 

«عندما هبت الرياح عاصفة 

على الصندوق المنحوت 


الشعر الاغريقى 


ألقى البحر في قلبها (دانائي) الخوف والاضطراب 

حيث وجناتها مبللة لم تجف بعد. 

لفت بيد الحنان طفلها بيرسيوس 

وقالت له: يا بني... يا له من ألم! 

نعم الألم الذي يعتصر ني... أما أنت فنم 

بقلبك... نبع الطفولة نم في هذا الصندوق-القارب 

الموصول بعروق البرنز... ثم على هذا الفراش الخشن 

الذي يلمع في الظلام بينما تتمدد أنت في الشفق الأزرق. 

إنك لا تعبأ بهذه المياه المالحة ولا بأعماقها الداكنة, 

ولا بالأمواج تقفز من فوق رأسك, 

ولا بصفير الريح» 

بينما ترقد في قماط مهدك القرمزي 

وتحملق بعينيك الجميلتين إلى أعلى. 

وإذا كان الهول فعلذ لا يرعبك 

فانك ستعطي لكلماتي آذانا صغيرة... وصاغية. 

إني آمرك أن تنام يا بني 

وأن تدخل النعاس إلى جفون اليم نفسه 

وإلى جنون الألم الذي لأحد له. 

وقد يأتي منك أنت يا زيوس الأب 

ما ينم عن أنك قد عدلت عن رأيك» 

فاغفر لي 

أية كلمة قد تكون بدرت عني في جرأة 

أوبدون وجه حق وأنا أتضرع إليك» 

ومن الملاحظ أن موقف دانائي وعواطفها تجاه طفلها وخوفها وتواضعها 
وجرأتها كل ذلك يجعل من هذه القصيدة الغنائية شعرا دراميا. فهي أقرب 
ما تكون إلى تصوير موقف تراجيدي مؤّثر. وهذه القصيدة تبدو اكثر تعقيدا 
من قصائد الشعر الملحمي وتتمتع باستقلال درامي عن الأسطورة التي 
تدور حولها. 

ولقد أصبحت الأغنية الجماعية الإغريقية في عصر سيمونيديس اكثر 


54 


الأغانى الجماعيه 


شعبية وأوسع ثراء من ذي قبل. فإذا كانت هذه الأغنية في الأصل ذات 
نشأة دينية: أي إنها كانت عبارة عن نشيد ديني يكرم الآلهة في إطار 
طقوس المعابد؛ فإنها مع تعدد أغراضها وتطورها لم تفقد هذه الصبغة 
الدينية. يتحدث سيمونيديس عن مدينة تعاني من اعتداء خارجي أو من 
اضطراب داخلي فيقول© ١‏ ْ ْ 

#أضغين إكن يا ريات القدرأيتها الجالسات في أقرب 

مكان من عرش زيوس 

وتغزلن بمنازلكن وسائل صلبة 

وخططا أو خيوطا من كل نوع وفوق كل تصور. 

أنت يا آيسا وكلوثو ولا خيسيس 

يا بنات ربة الليل ذرات الأذرع الجميلة! 

أصغين لتضرعاتنا أيتها الريات شديدات البأس في السماء والأرض. 

ابعثن إلينا بروح القوانين ذات الصدر الوردي 

وأخواتها الجالسات على عروش ناصعة 

وربة السلام العادلة... ذات التاج. 

أنعمن على هذه المدينة بنسيان النكبات التي تثقل صدرها» 

تظهر براعة سيمونيديس اكثر ما تظهر في القبريات فهو في هذا 
المضمار لا ينازعه منازع في احتلال مركز الصدارة حتى أن الكثير من 
القبريات تنسب إليه مع أنها منظومة قبل مجيئه إلى الدنيا أو بعد رحيله 
عنها. وهو في هذه القبريات يقول في كلمات قليلة ما يمكن أن يقال في 
كتب ومجلدات بأكملها . وهو أيضا في هذه القبريات لا يحفل كثيرا بالمجد 
الفردي فيما عدا القليل من الحالات كما فعل عندما نظم قبرية العراف 
الإسبرطي ميجيستياس (15]085ع316) الذي رفض أن يترك رفاقه في ممر 
ثرموبيلاي وقتل معهم في المعركة. إنه إذن يضع المزايا الشخصية والبطولات 
الفردية في إطارها الاجتماعي والسياسي وأبرز مثل على ذلك. فبريته 
التي خلد فيها موت الإسبرطيين الثلاثمائة الذين استبسلوا في الدفاع عن 
ممر ثرموبيلاي حتى ماتوا جميعا وتقول هذه القبرية: 

«أيها الغريب قل للإسبرطيين إننا نرقد هنا طاعة لأوامرهم» 

وبالرغم من شهرة سيمونيديس في كتابة القبريات نجده يسخر ممن 


الشعر الاغريقى 


يحاولون تخليد أنفسهم ببناء التماثيل الضخمة أو شواهد القبور الفخمة 
(شذرة )58١‏ إذ يقول: 

«من من أولتك الذين يثقون في قدرتهم الذهنية 

سيمدح كيوبولوس من ليندوس 

عندما يتحدى الأنهار الخالدة والزهور الربيعية اليانعة 

ووهج الشمس الساطعة؛ وأشعة القمر الذهبية 

ودوامات البحر العاصفة... 

يتحدى كل ذلك بشاهد قبر حجري ؟ 

كل الأشياء أقل قدرا وقدرة من الآلهة 

فهدا الحجر نفسه يمكن أن تسحقه أيد بشرية 

وأحمق من ظن أن مثل هذا الحجر يمكن أن يخلد ذكراه» 

تعود شهرة سيمونيديس إلى حكمته أكثر من طلاوة شعره لآن بنداروس 
تفوق عليه بعذوبة أغاني النصر التي صاغها وشعبيته التي تمتع بها . يحس 
سيمونيديس إحساسا عميقا بالضعف البشري إذ يقول (شذرة 521): 

«لأنك إنسان لا تقل قط أنك فاعل كذا غدا 

وعندما ترى إنسانا سعيدا لا تقل قط 

كم من الوقت سيدوم ذلك 

فحتى الذيابة طويلة الجناح ليست أسرع 

في دورانها من تقلبات الحظوظ» 

ولقد قال سيمونيديس أن الشعر «رسم ناطق». وفي قصائده الغنائية 
نجده يرسم مشاهد تخاطب جميع الحواس. فهو يجعل أورفيوس بموسيقاه 
يسخر الأحياء والأشياء. فطيور عديدة تنجذب إلى أنغامه وتسبح حول 
رأسه والأسماك تتراقص وهي تقفز من أعماق البحر (شذرة 567). فالشاعر 
بهذا يخاطب حاسة البصر والسمع؛ وجاء في وصفه أن صوتا مفاجنًا كسر 
حدة الصمت والسكون عندما ذهبت الريح لتهز أوراق الشجر (شذرة 594) . 

ومع أن سيمونيديس قد أمضى عدة سنوات في قصور الطفاة من 
الطبقة الأرستقراطية فان ذلك لم يصل به إلى حد النفاق أو الجبن إذ 
تحدث بقدر كبير من الشجاعة. قيل أن سكوباس ملك شاليا سأله عن 
القول القديم المأثور عن بيتاكوس«من العسير أن تكون فاضلا». وبالطبع 


56 


الأغانى الجماعيه 


كان الملك يتوقع من سيمونيديس أن يقول «نعم من العسير أن يكون المرء 
فاضلا ولكنك أنت يا صاحب الجلالة قد حققت العسير». بيد أن الذي 
حدث هو أن سيمونيديس أعطاه درسا في الفضيلة. إذ قال له إن ألوان 
الخير متعددة فالبعض يراها في الصحة وآخرون يرونها في المال وهكذا . 
ومن ثم فالخير ليس قمة ثابتة أي لا يوجد إنسان قط خير على الدوام وإلى 
الأبد. أما الرجل الفاضل فهو من يبذل أقصى ما في وسعه من أجل صالح 
المدينة ويعرف ماذا يفعل بالضبط أي إنه المواطن الذي يحقق ذاته في 
العمل المشترك مع أقرانه من المواطنين (شذرة 542 40-34): 
«ئيس قط وضيعا أو ذا عقلية فارغة 


من سكنت العدالة قلبه؛ 
العدالة التي تنفع المدينة. 

إنه رجل فاضل 

ولا لوم عليه أن أجيال الحمقى تتزايد 
فكل الأشياء غاية في الجمال 


ما لم تخالطها الخسة» 

ولدت الشاعرة كورينا في تاناجرا بإقليم بويوتيا. وهناك رأيان في 
تاريخ حياتها أحدهما يقول بأنها معاصرة لبنداروس والثاني يعتبرها من 
أهل العصر الهيللنستي أي عاشت بعد عام 300. ووفقا للرأي الآول أبدت 
كورينا لبنداروس الشاعر الشاب بعض إشارات التودد والحب. ويقول أصحاب 
هذا الرأي إنها ولدت في منتصف القرن السادس فهي تكبر بنداروس سنا 
وكانت تنظم قصائد تروى فيها أساطير بويوتيا في أسلوب بسيط وواضح 
فكتبت فقصيدة عن حرب السبعة ضد طيبة (شذرة :قطامء1ذ) . وتمتعت بشهرة 
محلية كبيرة. وإذا كان لنا أن نصدق بلوتا رخوس فان كورينا أخذت على 
بنداروس في شبابه أنه لا يهتم بسرد القصص الأسطوري في قصائده 
وركز جهوده على الزخرف اللفظي في حين أنها ترى أن أسمى وظيفة 
للشعر هي صياغة الأسطورة. ولقد اخذ بنداروس نقدها هذا مأخذ الجد 
ونظم أغنية ضمت عدة أساطير دفعة واحدة. فضحكت كورينا وقالت «على 
المرء أن يبذر البذور بيده لا أن يفرغ كيس حبات البذور دفعة واحدة,. 
أما أصحاب الرأي الثاني فيرى أن كورينا التي عاشت إبان العصر 


]57 


الشعر الاغريقى 


بها الشعر إذ عثر على إحدى البرديات في الأشمونين بمصر-وهي محفوظة 
الآن بمتحف يرلين-وعلى هذه البردية قصيدتان إحداهما (شذرة 4) تصف 
مسابقة في الغناء بين جبلي كيثايرون وهيليكون. ولقد هزم جبل هيليكون 
في هذه المسابقة مما يعني أن السباق في الواقع كان بين فن الشاعرة وفن 
هيسيودوس. ولوحظ أن نص هذه الشذرة يمثل فن الهجاء المعروف في 
بويوتيا والذي طرأ عليه تعديل في القرن الثالث. ولذلك فإن أصحاب هذا 
الرأي يقولون بأنه لو سلمنا بأن كورينا عاشت أبان القرن السادس فان 
الشذرات المتبقية منها قد تعرضت للتعديل والتبديل أبان القرن الثالث. 

انحدر بنداروس من أسرة نبيلة في بويوتيا واحتفظ دوما بميوله 
الأرستقراطية إذ ظل يتفاخر بنسبه الحقيقي أو الوهمي للأسر النبيلة في 
إسبرطة وثيرا (سانتوريني) وقورينة (بليبيا). ولد حوالي عام 522 أو 5١18‏ في 
قرية صغيرة بالقرب من طيبة تسمى كينوسكيفا لاي (2151امع!ادهم3؟1): تعلم 
فن الشعر على يد عمه (أو خاله) سكوبيلينوس ثم ذهب بعد أن تعدى سن 
العاشرة إلى أثينا حيث تلقى العلم على أيدي لاسوس من هيرميوني وأبو 
للودوروس وأجاثو كليس والتقى بايسخولوس. 

ظل طول حياته مخلصا لعبادة أبوللون وآلهة بويوتيا المحليين. ذهب إلى 
صقلية عام 476 بدعوة من طاغية سيراكيوز هيرون. كان بنداروس يعشق 
الحياة الدورية وربطت بينه وبين أهل جزيرة أيجينا أوثق روابط الصدافة 
والحب. مات فجأة وهو يناهز الثمانين في مسرح ارجوس عندما وضع 

في عام 480 وإبان معركة سلاميس عندما غزا الملك الفارسي اكسركسيس 
البلاد كان بنداروس في الأربعينات ويقال إنه تعاون مع الفرس الغزاة لأن 
مدينته-لسوء حظه-كانت قد اتخذت نفس هذا الموقف. ويستشهد بعض 
الدارسين على ذلك بفقرة من الشذرات المتبقية لنا منه (رقم 3 طععدط) 
والتي يقول فيها: 

«أن الحرب شيء ممتع لمن لم يعرفوا عنها شيئا 

أما الذين خبروها حقا فيشعرون برجفة في القلوب 

عند اقترابها» 


الأغانى الجماعيه 


وهذا القول يذكرنا بالقول المأثور الذي حفظه لنا الفقيه الألماني المشهور 

ديزيديريوس” ارازموس في كتابه «المأثورات» (802812) أي «الحرب 
لذيذة لمن لم يذقها» (باللاتينية 5210 تمسطاءط ععاسل) . ومهما يكن من أمر 
هذه الرواية فإن الشاعر بعد انحسار الغزوة الفارسية أشاد بشجاعة الإغريق 
وتغنى متباهيا بتحرير البلاد على يد أبطال الحرب ولا سيما في البيثية 
الأولى والاسقية النخاسية والسايمة:وعلينا آلا تكمجب فح سوقف يند اروس 
لآن كهنة معبد أبوللون في دلفي فعلوا نفس الشيء ونصحوا بقية الإغريق 
أيام الحرب بالخضوع للنير الفارسي الذي لا يمكن إتقاء شره ولكنهم كذلك 
بعد تحقيق النصر الساحق لالإغريق تغنوا بأمجاد فرسان المقاومة وبطولاتهم. 

وأول قصائد بنداروس المعروفة بالنسبة لنا هي البيثية العاشرة المنظومة 
عام 498 وكان الشاعر في سن تناهز الخامسة والعشرين تقريبا. حقا إنها 
ليست من روائعه إلا أنها-برأي بونارد-تستحق العناية من جانب الدارسين 
لأنها تكشف عن كل خصائص مؤلفها فكرفا وديتا ولا سيما تكريسه نفسه 
وفنه لابوللون وكذا إعجابه بإسبرطة وامتداحه للفضيلة المكتسبة9). وضي 
عام 486 نظم بنداروس البيثية السابعة تمجيدا لميجاكليس من أسرة الكمايون 
والذي كان محكوما عليه بالنفي. وفي عام 476 ذهب إلى صقلية حيث نظم 
الأوليمبية الأولى والثانية والثالثة. وفي الأوليمبية الثانية تظهر تأثيرات 
العقيدة الأورفية السائدة في صقلية. وهناك ربما نظم أيضا النيمية الأولى 
والتاسعة. وبعد عودته من صقلية نظم بنداروس الديثورامبوس المشهور 
تكريما لمدينة أثينا (شذرات 65-64). ثم نظم قصيدة يمدح فيها أحد ملوك 
مقدونيا (شذرة 106). أما البيثية الرابعة والخامسة فقد نظمتا من أجل 
ملك قورينة عام 461-462. وآخر أشعار بنداروس المعروفة بالنسبة لنا هي 
البيثية الثامنة وتؤرخ بعام 446 والنيمية الحادية عشرة وشذرة رقم 108. 
وفي أشعاره كان نجداروس لا يلتزم دوما البنية الثلاثية. 

عرف علماء الإسكندرية أشعار بنداروس وجمعوها في سبعة عشر 
كتابا ووصل إلينا ما يقرب من ربع هذه الأشعار أي أربعة كتب عبارة عن 44 
أغنية نصر في الآلعاب الآوليمبية والبيثية والاسثمية والنيمية و ١١‏ أغنية 
لأهل جزيرة أيجينا المكان الذي شعر فيه بالراحة أكثر من غيره. أما أهل 
صقلية فقد فازوا من بنداروس ب 25 أغنية. ووصلتنا أيضا بعض أغاني 


؟56| 


الشعر الاغريقى 


النصر البايانية وشذرات من قصائد أخرى. وتعود شهرة وعظمة بنداروس 
إلى أغاني النصر التي صاغها للأبطال الفائزين في الألعاب الرياضية. 
ومع أن هذه الأغاني في حد ذاتها لا تهطي فرصة كبيرة للتنويع والتجديد 
بسبب تكرار المعاني نفسها في كل القصائد تقريبا بيد أن عبقرية بنداروس 
الفذة هي التي جعلت من هذا المضمون المتكرر أشعارا رائعة لأنه نجح في 
إدخال موضوعات أسطورية متجددة ومتنوعة وربما فعل بنداروس هذا 
بإيحاء من كورينا كما سبق أن ألمحنا. 

صارت الأغنية على يد بنداروس لا تتحرك نحو هدفها مباشرة وإنما 
تدور حول الموضوع وتطور جوانب مختلفة فيه على نحو متتابع ومطرد. 
وقد يرسم الشاعر مجموعة من الصور الشعرية المتنامية في وقت واحد. 
على أن أية أغنية بندارية لا تمجد البطل الذي انتصر في الألعاب-كسباق 
الجري أو الملاكمة-فحسب بل يمتد التمجيد إلى أغفراد أسرته جميعا وكذا 
موطنه. فهو يمدح المدينة التي أنجبت مثل هذا البطل ثم يورد قائمة 
بالانتصارات الرياضية وغير الرياضية التي سبق لهذه المدينة أن حققتها. 
ثم يعبر بنداروس عن مشاعره الخاصة ويورد قولا سائرا أو حكمة مأثورة 
مناسبة ليختم بها القصيدة. 

يضاف إلى ذلك أن نغمة دينية تسود أغاني بنداروس فهي إذن ليست 
قصيدة مدح وثناء على المنتصر فحسب بل لها جانبها الديني. ولا يقتصر 
شعور الشاعر الديني على الاستهلال بالابتهال إلى أبوللون أوزيوس وإنما 
تحاول كل قصيدة بندارية أن تعطي تفسيرا دينيا للحياة. وينزع تعدد الآلهة 
في نظام بنداروس الديني إلى نوع من الوحدانية حيث يبرز زيوس ربا 
للأرباب بلا منازع فهو يسود ويسوس جميع الآلهة دون أي اعتراض منهم. 
وهناك ملمحان مهمان في شعر بنداروس: الأول يتمثل في عظمة وعدل 
أبوللون الذي كان الشاعر نفسه خادما في معبده. والثاني هو إصرار بنداروس 
على إظهار استقامة الآلهة. فهو يرفض رفضا قاطعا وينفي نفيا مؤكدا أية 
أسطورة تسيء للآلهة (راجع الأوليمبية الأولى بيت 52 وما يليه؛ والأوليمبية 
التاسعة بيت 35 وما يليه). فآلهة بنداروس لا يخضعون لقواعد السلوك 
الآدمي أو للقوانين الوضعية التي يخضع لها البشر. ومن ثم ينبغي ألا 
تضايقنا أساطير مغامرات الآلهة الغرامية. إن الخضوع لقوة أفروديتي-ربة 


00 


الأغانى الجماعيه 


الجمال والحب والتناسل الجبارة-حتى من قبل الآلهة ليس عارا. كما أن 
النساء اللائي يخضعن أو يستجبن لإغراء من يطارحهن الغرام من الآلهة 
لسن ملومات. 

واذا أردنا أن نعطي مثلا على تقنية بنداروس7 ونظام عمله علينا أن 
نحلل النيمية الأولى. إنها قصيدة موجهة إلى خروميوس من آيتنا الذي فاز 
في سباق العربات في مهرجان الألعاب النيمية عام 473 تقريبا. ويبدأ 
الشاعر الأغنية يمدح مسيراكيوز (سراقوصة) لأن طاغيتها هيرون هو 
الذي كان قد أسس مدينة آيتنا ثم يشرع في مدح خروميوس في إطار 
أسطوري إذ يقول الشاعر إن هذا البطل «سينثر المجد» على أرض صقلية 
التي كان زيوس قد أهداها إلى بيرسيفوني واعدا بان تكون هذه الجزيرة 
شديدة الخصب والعطاء لا من حيث الزرع والفرع فقط بل من حيث الرجال 
الأبطال كذتك. ثم يعود الشاعر من هذا الاستطراد الأسطوري إلى 
خروميوس ثانية فيقول إنه ليس شجاعا مقداما فحسب بل هو كريم بطبعه؛ 
حكيم في رأيه وينفق ثروته كما ينبغي بتعقل وتبصرء وهو بذلك يكسب 
الشهرة ويحظى بالصداقة ويفيد من يصادقهم. ذلك أن «في الصداقة 
تكمن آمال كثيري الأعباء». ثم يحدث انتقال مفاجئ-وان كان مميزا 
لبنداروس-فهو يستغل فرصة وجود أو ورود كلمة «كثيري الأعباء» («ههدمرراهم) 
ليتطرق إلى أشهر أبطال الإغريق من حيث الأثقال التي ألقيت على ظهره 
والأعباء التي نهض بها ونعني هرقل الذي قام بالأعمال الاثني عشر المشهورة. 
ويجعل بنداروس بقية القصيدة في لم سرد بعض تفاصيل هذه الأسطورة 
مبتدئا من مهد هرقل حيث قتل الثعبانين اللذين أرسلتهما هيرا ليقتلاه 
طفلا رضيها. وتصضف لنا'كيت' أن الوالدين استشارا العراف تيرمسياسن 
الأعمى الذي تنبأ له بمستقبل زاهر ينتهي بالتالة الباهر .7 ومن المعتاد أن 
ينهي بنداروس قصيدته بالحكمة المستفادة من مغزى الأسطورة التي يرويها 
ولكنه هذه المرة رأى أن أسطورة هرقل كما سردها كافية لتوصيل الحكمة 
التى أراد أن ينقلها لمستمعيه. 

وضي كثير من الحالات تكون الأسطورة نفسها ذات صلة وثيقة بأسرة 
البطل المحتفى به أو بمدينته. فمثلا عندما يتغنى ببطل من جزيرة أيجينا 
لا بد أن تكون الأسطورة التي يتطرق إليها الشاعر متعلقة باياكوس وسلالته. 


6١‏ ا 


الشعر الاغريقى 


وفي بعض الأحيان تكون للأسطورة صلة واهية بالبطل ومدينته. وفي أحيان 
أخرى ولا سيما في الآأغاني القصيرة لا توجد أسطورة على الإطلاق ومثال 
ذلك الأوليمبية الثانية ع 

حقا إن استخدام الأساطير في الشعر الغنائي تقليد قديم عرف منن 
ألكمان وقد يكون من الموروث الملحمي أو ما قبل الملحمي ولكن بنداروس له 
طريقته الخاصة والمميزة في توظيف الأساطيرء فهو يربط الحاضر بالماضي. 
في البيثية الرابعة يحكي قصة السفينة [رحو لآن راعيه وولي تعمتة بلك 
قورينه أركيسيلاس الرابع كان يزعم أنه سليل أحد أبطال هذه المغامرة 
البحرية. وفي البيثية الحادية عشرة المنظومة عام 454 يتحدث بنداروس 
عن قتل أوريستيس لأمه كليتمنسترا انتقاما لآبيه أجاممنون. وكان في ذهن 
الشاعر أن أثينا التي خرك طنية و البفلك عاديا بيغتال لكات يوما قنك 
وفي الاسمية الثامنة المكتوبة عقب الغزو الفارسي مباشرة أي عام 478 
يتحدث بنداروس عن الخطر الذي قد يتهدد الأوليمبوس لو أن زيوس أو 
بورسيدون تزوج من ثيتيس وأنجب ولدا يفضله قوة وعظمة. إنه إذن بهذه 
الأسطورة يصور الخطر الداهم الذي تخلصت منه بلاد الإغريق أي الغزو 
الفارسي. 

وفي لحظات النشوة التي تعتور البطل الرياضي بعد انتصاره يقترب 
هذا الإنسان من الألوهية. 7 الأغنية البندارية الي تمجد هذا البطل 
فيكتنفها جو إلهي عام أيضا . يتحدث بنداروس في أغانيه بشيء من التلهف 
أو التشوف للماضي الأسطوري عندما حضر الآلهة حفل زفاف بيلليوس 
على ثيتيس أو زفاف كادموس على هارمونيا فعندئذ أمسك أبوللون نفسه 
بالقيثارة ليعزف الألحان ويغني أغاني الزفاف. ويعني بنداروس بهذا انه 
من خلال أغاني النصر التي ينظمها للأبطال الرياضيين يقربهم من الألوهية 
فيجعلهم يحسون بأنهم ذوو قربى مع أرباب السماءء أي إنه يؤله أبطاله. 
في استهلال البيثية الآولى (أبيات -١‏ 12) المنظومة عام 470 من أجل هيرون 
طاغية سيراكيوز (سرافقوصة) يخاطب بنداروس فيثارته ويقول إن الموسيقى 
والغناء يدمجان الأرض بالسماء: 

«أيتها القيثارة الذهبية 

يا كنز أبوللون وريات الفنون شريكاته 


162 


الأغانى الجماعيه 


المتوجات بالبنفسج 

تتجاوب مع أصدائك القدم الخفيفة؛ وتشيع البهجة 
من ألحانك التي تشهد المغنى قائد رقصتنا 

فيصدح بالاستهلال على أوتارك المهتزة 

بوسعك أن تخمدي أوار شعلة الصاعقة الخالدة 
وبوسعك أن تجعلي الصقر ينام على صولجان زيوس 
وقد أرخى جناحيه السريعين على جانبيه 

لقد أسدلت غلالة سحرية 

على ملك الطيور؛ على منقاره ورأسه 


ووضعت على مقلتيه المغلقتين خانما لذيذا 


إقه وقحك فى سباة صميق يلع ويةتشكن 
ظهره الرشيق في إيقاع رخيم 

لقد قهرته أغنيتك_-السايحة 

وحتى آريس العنيف 

قد ألقى سهامه الصلبة المديبة جانيا 

أن سهامك أيتها القيثارة تسحر حتى أرواح الآلهة 

بفضل سلطان ابن لاتو أبوللون 

وربيات الفئون ذوات الصدر الفسيح» 

فبنداروس ابن الأرستقراطية البار لا بد أن يرى أن الشعر الهام من قبل 


الآلهة. إنه هدية السماء له. فضلته به على غيره. ولكنه كان يرى أيضا أن 
عليه أن يكثف جهوده ويحسن استغلال ما وهبته ربات الفنون. إنه يطلق 
على نفسه لقب «نبي ربات الفنون» أي المتحدث باسمهن. لقد وهبنه شيئًا 
وعليه أن ينميه ويرتبه ويحافظ عليه تماما كما تفعل كاهنة معبد دلفي 
بالنسبة لنبوءات أبوللون. هذا ويشبه بنداروس الشاعرين سيونيديس 
وباكخيلديس بغرابين ينعقان أما هو فمثل طائر زيوس الأسطوري والمقدس 
له صوت رنان: 


«إنه لحكيم ذلك الذي بالسليقة يعرف الكثير عن الطبيعة 


65 


الشعر الاغريقى 


أما الآخرون وإن حصلوا المعارف الواسعة فتظل ترثرتهم 

مضطربة وبلا جدوى 

مثل هنين الغرابين في مقابل طائر زيوس السماوي» 

ينادي بنداروس بضرورة تزيين القصيدة الغنائية لكي تكون جميلة الشكل 
ويقارنها بالمدخل المسقوف لمعبد له بريق لامع أو بقطعة من الحلي صنعت 
من الذهب والمرجان والفضة أو بثوب منسوج أو بتاج من زهور. والأغنية 
عند بنداروس كائن حي يتحرك كعربات السباق أو كالسفن أو كالصقرء أو 
كالنحلة التي تجمع العسل من رحيق الأزهار. والأغنية أحيانا كالسهم الذي 
يصيب هدفه إصابة محققة. وهي أحيانا كالنور أو كالنار أو كإعصار أو 
كنهر جارف التيار. وما من شاعر تحدث بمثل هذا التحديد عن شعره مثل 
بنداروس. وما من-شاعر عول كثيرا على أن يفهمه جمهوره من 
الأرستقراطيين أي الملوك والأمراء مثل بنداروس. 

ولقد حدد بنداروس بوضوح شديد وظيفة الشعر. فهي عنده أن يخلد 
أعمال الأبطال للأجيال القادمة. وهو بذلك يعيد إحياء المفهوم الهومري 
القديم إذ يعتقد بنداروس أنه بدون الأغنية ستظل الأعمال الجليلة منسية 
في غياهب الظلام وطيات الزمان وستضيع. لقد بقيت لنا أمجاد الماضي 
وعرفناها بفضل تغني الشعراء بها. فالأغاني قادرة على أن تمنح الشهرة 
للأموات. فيحيون بعد الموت؛ إنهم على الآقل يعيشون على ألسنة الناس 
وفي ذاكرتهم. ويظن بنداروس أن إخو(ه8»00 الصدى) تحمل صوت الأغاني 
إلى القبور وإلى العالم السفلي فيسمع الموتى هناك أخبار أمجادهم ويتمتعون 
بخلودهم. يتحدث عن الألعاب الرياضية فيقول في افتتاحية الأوليمبية 
الآولى (أبيات!- 6): 

«الماء هو أفضل الأشياء 

والذهب يلمع كشعلة النار في الظلماء 

وبالنسبة للإنسان قد يكون أفضل من أي شيء آخر الثراء 

ولكن إن كان عليك يا فؤادي أن تتحدث عن الألعاب الرياضية 

فلا تبحث عن شيء آخر ولا حتى عن النجوم في السماء الصافية 

إذ لا شيء يفوق الشمس دفئا 

والنصر الرياضي في دوامة الخالد كا ماء 


1 4 


الأغانى الجماعيه 


وكالدذهب في بريقه اللامع وكالشمس 

في مجدها الغالب ودفتها الأبدي» 

فلا غرو إذن-ما دامت هذه نظرة بنداروس للألعاب الرياضية والانتصار 
فيها-أن تكون القصائد الباقية الكاملة من أشعاره هي كلها أغاني نصر في 
هذه الألعاب. ولا بد من التنويه إلى أنه لا يهتم يده الألعات 2 خد انا 
ولأاحك بالهارة التي يظاهرها اليظل في اققاتها الانضلى انا طرصة مقاحة 
لاختبار القدرة الإنسانية وقوة الشخصية. ولا يفوتنا ما يبذله بنداروس من 
جهدء فهو يضع كل قواه في هذه القصائد ويحاول أن يوسع في أفقها 
ويعمقها لكي تغطي أوسع رقعة ممكنة من الفكر والخيال. ويتخذ من هرقل 
يطله الأعلى لآنه كنبب التظرة والقالية بعد جنيا 3 تليكة بالتفاع و العمل 
النشط. ويعتقد بنداروس أن لحظة انتصار البطل الرياضي تقترب كثيرا 
من التأليه أما أغانيه فهي التي تكمل المسافة. 1 

ويؤكد بنداروس أنه لا يقول إلا الصدق لأنه يرى أن هذا هو واجب 
الشاعر ووظيفته في الحياة. وهكذا يبدو بنداروس وكأنه يأخذ على كل من 
هوميروس وهيسيودوس أنهما في أشعارهما يسردان عن الآلهة أمورا غير 
لاتقة, إنه مستشكن قرل هزسيودوسس باغربات القفون ا/لايرنات بالشسن يتك 
أن تقول أكاذيب. وأنكر بنداروس الأسطورة التي تحكي أن تانتالوس قدم 
ايه بيليينى طفافا تاقلية: وانوسيض اكلس هوا كتف هذا الطفل كنا 
نكيا لدتعم عورا نقد كقريا و بول اكدوكر اديكر هرذ كاله تسيل 
قد حارب أبوللون وبوسيدون وآريسء يقول (الأوليمبية الأولى أبيات 52- 
3): 

«لا... لست أنا من يقول 

أن لأي إله من الآلهة المباركين معدة شرهة: أنا أتحاشى مثل هذا القول 

فمن يتحدثون عنهم بالسوء لهم عذاب أليم» 

وبندراوس عن طريق الرمز الأسطوري يوضح أن البهجة الآدمية شبه 
الألهيةعناعة التضر الرياشي لا يعوقها ماقق إلا مق دن الأنمان كوو إن 
يسن استخدام قدراته أو يثير حسد الآخرين. ويؤكد بنداروس الضعف 
الإنساني أمام جبروت المجد الإلهي فالإنسان قصير العمر وهو بعد الموت 
لا أمل له في ثواب أو خلود مثل الآلهة. يقول بنداروس (البيثية الثامنة 


165 


الشعر الاغريقى 


أبيات 97-95): 
«حياة الإنسان يوم زائل» ماذا يكون ؟ 
أو ماذا لا يكون ؟ إنه طيف في الحلم 
إنه إنسان» ولكن عندما يهديه زيوس البهجة تلمع الأرض 


بالضياء وتصبح الحياة حلوة كالعسل» 

وعن الفرق بين البشر والآلهة يقول بنداروس (النيمية السادسة أبيات 
|- 5): 

«البشر والآلهة من سلالة واحدة 


كلاهما من نفس الأم التي منها نأخن أنفاس الحياة 

ولكن الفرق في القوة بيننا لا حدود له 

فأحد الطرفين لا شيء 

والطوف الآخر أبدي الصلابة 

يسكن سمكنا ثابتاء لا يهتزولا يفنى» 

ويتميز بنداروس بتشبيهاته القوية فهو يقول عن الأغاني إنها «سيدة 
القيثارة» (وءوهندنوطم مدمه الأوليمبية الثانية بيت١)‏ ويصف خيول السباق 
بأنها «العواصف ذات الأقدام» (دهكمم و1اعه النيمية الأولى بيت 6) واللهجة 
الغالبة في شعره هي الدورية مع تأثيرات من الموروث الملحمي وأصداء 
للهجة البويوتية المحلية والتي تعد تنويعا للأيولية. وبالنسبة لبنداروس؛ 
الفلاسفة هم «من يقطفون ثمرة الحكمة قبل أن تنضج (شذرة 209). وبالنسبة 
له أيضا كان كسوف الشمس نذير شوم (شذرة 107) ومن هاتين المقولتين 
نرى أنه أبعد من أن يكون فيلسوفا. 

وباكخيليديس بن ميديلوس (1071059<) هو ابن أخت سيمونيديس ولد 
في يوليس بجزيرة كيوسء وربما تتلمذ على خاله هناك. يصغر باكخيلديس 
بنداروس بحوالي عشر أو اثنتي عشرة سنة إذ ريما ولد عام 524 أو521 
ونفى باكخيليديس من كيوس ربما على إثر ثورة ديموقراطية قام بها الحزب 
المؤيد لأثينا . المهم أن الشاعر استقر في البلوبونيسوس ولكنه كان قد أرسل 
أغنية نصر إلى هيرون طاغية سيراكيوز الذي أحب أن يحيط نفسه بالشعراء 
الغنائيين فاستدعى باكخيليديس .-وهناك وجد الشاعر نفسه جنبا إلى جنب 
مع خاله سيمونيديس ومع بنداروس مما أدى إلى إشعال نار التنافس الشعري 


| 6 


الأغانى الجماعيه 


بينهم وبالفعل تعكس بعض قصائد باكخيليديس وبنداروس هذه الروح ولا 
سيما البيثية الثانية (أبيات 72- 73) والنيمية الثالثة أبيات (85- 82) والأوليمبية 
الثانية (أبيات 86- 88) لبنداروس. 

وفي الحقيقة فانه حتى عام 1897 م كان باكخيليديس مجهولا قلا يعرفه 
دارسو الأدب الإغريقي سوى بالاسم. وفي السنة المذكورة نشر العلامة 
فريدريك كينيون (00(زمء] .1) بردية كبيرة كانت قد أرسلت إلى المتحف 
البريطاني بعد أن تم العثور عليها في مصر في أواخر عام 1896 في القوصية. 
وكانت تضم ثلاث عشرة أغنية من أغاني النصر وستة أناشيد ديثورامبية. 
وهكدا أصبح باكخيليديس شاعرا معروفا لنا من خلال أشعاره نفسها-ولو 
الغنائى الجماعى. ومن سوء حظ باكخيليديس أنه دائما يتعرض فى دراسات 
النقاد للمقارنة ببنداروس حتى أن البعض يعتبره»بنداروس من الدرجة 
الثانية. وهذا يعنى أنه لم يلق يعد التقدير المناسب. ولقد عزى إلى 
باكخيليويس نفسه أنه قال عن بنداروس بأنه «نسر» أو «صقر» أما هو 
هي نفس موضوعات بنداروس بيد أن لغته أسهل وأوضح. أما أفكاره فهي 
على نحو افكر إكارة للبهسة والمتعة كما انهيسرد الأساطين بأسلوب يبسيل 
ومباشر مثلما فعل عندما قص أسطورة اللقاء بين هرقل وشبح ملياجروس 
في العالم السفلي (الأغنية الخامسة أبيات 50 وما يليه). ويبدو أنه كان 
يعلد ينذا روسس: أو روما يرت التشابه بيتهما إلى أنهما قبلا مح تقس النبع 
وتناولا نفس الموضوعات. 

لا ينزل المديح في أشعار باكشيليديس إلى حد الثفاق ولكنه يقف عدن 
مستوى الكياسة وفواعد السلوك المتمدين. وهو يتمتع بروح السخرية التي 
يفتقدها بنداروس ونجد ذلك في أحد أغانيه للولائم (هناماة) الموجهة 

: 3 0 .سا (9 ِ 0000 

لالكساندروس الأمير المقدوني بن أمينتاس. وهي تصور حالة الزهو 
والنشوة التي يمر بها إنسان مخمور. واستوحى باكخيليديس قصيدتين من 
أسطورة ثيسيوس . الأولى هى الأغنية السابعة عشرة بعنوان «الغلمان» وربما 


167 


الشعر الاغريقى 


تكون أغنية نصر بايانية وتدور حول رحلة ثيسيوس إلى كريت. أما الثانية 
فهي الأغنية الثامنة عشر وهي على الأرجح ديثورامبوس بعنوان «ثيسيوس» 
لأنها عبارة عن حوار غنائي بين الجوقة وأيجيوس أبي ثيسيوس. ويضع 
هذا الديثورامبوس أقدامنا على أعتاب التراجيديا ويبدو أن باكخيليديس 
قد نظم مثل خاله سيمونيديس أغاني ديثورامبية للمسابقات التي كانت 
تقام في أثينا. وفي الديثورامبوس المشار إليه توا يبدو أن أيجيوس كان 
يقوم بدور قائد الجوفة. 

ويرى بعض النقاد أن باكخيليديس هو أحسن من يروي الأساطير بين 
الشعراء الغنائيين. فهو يحكي للطاغية السيراكيوزي هيرون قصة كرويسوس 
(قارون 5) ولا سيما نهايتها عندما هزمه قورش إمبراطور الفرس فبنى 
لنفسه كومة حرق نام فوقها ومات. يقول باكخيليديس (الاغنية الثالثة أبيات 
56-3): 

«ولكن ما أن اندلعت النيران 

وشبت في المحرقه بنهم عنيف 

حتى أرسل زيوس سحابة داكنة محملة بالأمطار 

فأطفأ الشعلة الصغراء» 

وهنا نرى باكخيليديس شاعرا يحب الإثارة ويعرف كيف يحققها وهو لا 
يعتبر نفسه-مثل بنداروس-صاحب أفكار علوية أو معلما أو نبيا يتحدث 
باسم ربات الفنون. 

ولقد استبق باكخيليديس سوفوكليس ومسرحيته «بنات تراخيس» عندما 
تحدث عن ديانيرا التي أرسلت لزوجها هرقل ثوبا مغموسا في دواء سحري 
اتضح فيما بعد أنه سم قاتل وحارق ويقول عنها (الأغنية السادسة عشرة 
أبيات 34-30): 

«ديا لحظها المنكود» ذات المصير السيي ! ماذا ديرت ؟ 

لقد حطمتها الغيرة العنيفة 

والغطاء الكثيف الذي يحجب أحداث المستقبل» 

لقد نظم باكخيليديس أغاني نصر بايانية وأغاني مواكب وعذريات 
وهيبورخماتا وقصائد مديح. وبموته انتهى العصر الذهبي للشعر الغنائي 
ولكنه كان بمثابة همزة وصل بين الشعر والراما. 


1 68 


الاب الثالث 
الدواها 
قمة النضج العابي 


«الألم درس» 


«والجمال ألم» 


أيسخولوس 


سوفوكليس 


الولادة الطبيعية للدراما 


١-أسطورة‏ ديونيسوس والجدور الدرامية 
في العقلية الاغر يقية: 

بادئ ذي بدء لا بد أن نقر بوضوح الحقيقة 
القائلة بان الإغريق وحدهم-من بين الشعوب 
القديمة-هم الذين عرفوا الدراما في اكمل صورها 
وآن أى مسرح عند غيرهم من القدامى أو المحدثين- 
وصل إلى مرحلة من النضج يدين لهم بالوجود. 
حقا إن شعوبا أخرى كثيرة عرفت ما قد يعده بعض 
الدارسين قين الدققين مسرحاء وما لا يعدو فكي 
الحقيقة عن كونه بذورا درامية صالحة للاستنبات 
والتطوير ولكنها قط لم تصل إلى ذلك لسبب أو 
لآخر. وفي الواقع فإن كافة الفنون الشعبية لدى 
جميع الحضارات القديمة دون استثناء تقريبا 
تتضمن نواة الدراما ولكن المهم أن تتطور هذه النواة 
وأن تتبرعم البذور وتنمو حتى تأتى بالثمار. وهذا 
ما لم يحدث لدى الشعوب القديمة سوى بلاد 
الإغريق: أما لماذا بلاد الإغريق بالذات 5 فإننا في 
هذه السطور تجيب يبسساطة شديذة على هنذا 
السؤال المعقد كتمهيد لهذا الباب الذي قد يعد 
برمته الإجابة المقترحة على نفس هذا السؤال 
المطروح أما الإجابة البسيطة فهي أن العقلية 


17 


الشعر الاغريقى 


الإغريقية منذ أن بدأت تتجلى عبر أطوار حضارتهم عقلية درامية بالدرجة 
الأولى. وهذا يعني أن بذور الدراما موجودة في طريقة تفكيرهم وأسلوب 
حياتهم ورؤيتهم للأشياء. وهذا ما يظهر واضحا في أساطير وملاحمهم 
التعليمية والغنائية بحيث يمكن القول بان الشعر الدرامي جاء تكثيفا مركزا 
لكل ما سبق أن أنجزوه في هذه المجالات جميعا. 

وإذا كان الفن والأدب ينبعان عند الشعوب القديمة بصفة عامة من 
الشعور الديني الوجداني فإن الدراما الإغريقية لا تمثل استثناء من هذه 
القاعدة بل تؤكدها . فمن المعروف أنها نشأت من عبادة ديونيسوس إله 
الخمر. ومع أن هذا الإله قد أصبح من أهم القوى الإلهية وأشرها في 
الحياة الإغريقية إلا أنه لا يعد من أقدمها بل من أحدتها بدليل أنه لم يذكر 
سوى أربع مرات في ملحمتي هوميروس"') حيث لا يلعب دورا مهما ولا 
بارزا فيها بل ولا يدخل في دائرة آلهة الأوليمبوس الضيقة. ويقول 
هيرودوتوس إن الإغريق تعلموا اسم «ديونيسوس» في وقت لاحق للفترة 
التي عرفوا فيها أسماء الآلهة الآخرين.9' وتدل طقوس عبادته على أنه 
جاء إلى بلاد الإغريق عن طريق القبائل نصف الإغريقية بآسيا الصغرى 
أي الفريجيين والليديين. فالأغنية الديثورامبية التي كانت تلقى تكريما له 
كانت في الأصل تنظم لتؤدى على أنغام المسويقى الفريجية!" كما أن الطابع 
الوجداني الجزلي (مناقهزع:0) لطقوس ديونيسوس يشير إلى هذا الأصل 
الآسيوي. ويبدو أن ديونيسوس قد دخل بلاد الإغريق من الشمال مرورا 
بطراقيا وبويوتيا بدليل أن هذه العبادة الجديدة واجهت مقاومة شديدة في 
مدينة مثل طيبة وهذا ما يتضح من مسرحية يوريبيديس«عابدات باكخوس»- 
وهو اسم آخر لديونيسو س كما سنرى. 

والطابع الرئيسي لديونيسوس أنه إله ريفي؛ يرعى الخضرة ويحمل 
لقب «حامي الأشجار» (315تله1) كما يحمي كافة المزروعات وكل 
الخضراوات ولا سيما الفاكهة. وهذا يعني أن الكروم التي ارتبط بها 
ديونيسوس أكثر من غيره لم يكن الهدية النباتية الوحيدة التي جلبها هذا 
الإله نصالح البشر. فهو يعتني بكل الفواكه ولا سيما ذات الطبيعة الناعمة 
الطرية والتي تعتمد في بقائها على الرطوبة ولذلك حمل ديونيسوس لقب 
«المزهر» (5مطاصدن8) و «المثمر» (05متهعان8) و «المورق» (1105القهط) و«اليانع» 


172 


الولادة الطبيعيه للدراما 


(ومتطاصة) . وهو أيضا الإله «الخير» (وعاءعنءدا) «طيب النصيحة» (دنءاناهطنا8) 
الاو لع الانسان إراعة الكروم ويعاية اليسانية» وكيا لا لتك فيه أن 
فصل الربيع-من بين الفصول الأربعة-هو أزهى الأوقات وأنسب المواسم 
لظهور أفصال هذا الإله. ففي الربيع يوقظ هذا الإله الآأرض من سباتها 
الشترى العدوق [ث يزعت القوة ودشم السركهنها ذيكنيوه] بالكهوة ويقلم 
عليها حلة زاهية من الزهور والفواكه. ومن ثم فديونيسوس يمثل كافة قوى 
الإخصاب في الطبيعة. ولذلك كان عضو الذكر (2021105) رمزا مهما في 
طقوس عباداته. 

وديونيسوس هو في المقام الأول إله الكروم ومخترع النبيذ: ولهذا قدسه 
البشر ووضعوه في مصاف أكبر القوى الخيرة لأنه بفضل هذا الاختراع 
الجليل خلصيم هن الكثبر هن الاق والعاهي وجلب لهم الحقة والببوور 
وألوان المرح فخلعوا عليه لقب «المخلص من كل الهموم» (10105(:505 مط «ماصدم 
95 أو ببساطة «المخلص» (1/3:05آ) و «المحرر» (5ناء:عطاداء81) . واعتقد 
الأقروق اتوم ومسا عادة ديو سوس اله لكرج اظيهوة اتابن قرف 
الطبيعة المتوحشة وأن يطردوا العنف والبغضاء ويستبدلونهما بالآمن والوفاق. 
ذلك أن الأسطورة تقول إن الأسود والنمور هي التي كانت تجر عربة 
ديونيسوس في وداعة وسلامه. وكانت كل وحوش الغابة تسير خلفها في 
استسلام . وتحت إمرة ديونيسوس ويقوة سلطانه خضع الهنود البرابرة 
لسيادة النظام والقانون. 

ولاكانت الشبر هي القى مغ الدشوة هي القفويس وتجهل الإتينان 
بحن اتركين وف تايمه نكم اشير كان دير بسوين كنا مكل ابوللون: 
راعية للموسيقى والشعر وحمل لقب «المغني» (6205تموماء21) . وأدى ذلك 
إلى كترورة التتريق ين شين ونوشيقى كل من الإلفيق و #اناشيد واغاني 
التعدو الا ءا امن زيكى ازورال تتح جهن فزن نابم من سيقي القتيفار . 
اق أن الطابع العالب على شعر وموسيقى أبوللون مو الأكساق الشعلي 
والزرانةاقى السقيم انا شمر دبرتيسرس ميل إلى حيرية موسيقى القارت 
ويسمح بحرية أكبر في الإيقاع وكذا التنويع في أساليب اللغة للتعبير عن 
شتى الأحاسيس. بل نجد في الآشعار الملهمة من لدن ديونيسوس انتقالا 
شزيدا كع الرجدوالتقوة إلن العاناةتوالشسيرة ومن التمون الميانفي إل 


|] 


الشعر الاغريقى 


الجزل الوجداني. وهذا كله يتمشى مع طبيعة الاحتفالات التي تقام تحت 
رعاية إله الخمر والنشوة. ومثل هذه الحرية والتنويع وكذا ميزة الخروج 
على كل القيود الصارمة هي العوامل أو العناصر التي جعلت من الأغنية 
الذبرئيسية الجماعية يذرة صالحة لاستنيات فن خديد رمقل .في الدراما 
بشروعها الثلاث: التراجيديا والكوميديا والسريحية السامرية ‏ 

وضمت حاشية ديونيسوس-التي تخيلها الإغريق مرافقة له في مغامراته 
ورساذةةسخليطا من الكاكنات الأسطورية الي فكل قري الظبيمة الفعالة 
وتجسد العواطف والانفعالات البشرية. إنها حاشية تناسب إله الثمار ومنضج 
الفواكه ومبدع الخمر وراعي الشعر والموسيقى. فمن أبرز أتباع ديونيسوس 
الساتيروي (5042:01) ونراهم في الرسوم الباقية على الأواني يحملون أسماء 
مثل كيسوس (1155053 اللبلاب) وأوينوس (01005 الخمر) وكوموس (205زهك1 
المجون) وخوروس (020:053© الرقص الدائري أو الجوقة) وجيلوس (66105© 
الضحك) وكروتوس (11005 دق القدم أو الكف في الرقص) وديثورامبوس 
(5هطصتدعط]ز) وهيبريس (2261:15 النشوة). هذا ويسكن الساتيروي الغابات 
والجبال لآنهم متوحشون ونصف الواحد منهم بشري الشكل والنصف الآخر 
حيواني: فلهم شعر طويل أشعث؛ وأذن مدببة؛ وأرجل حصان أو جدي. ومن 
طبع هذه الكائنات الجبن والحسية بالإضافة إلى الحيوية الزائدة والمرح 
الفكاهي والمتعة الماجنة وكذا الصخب. 

ومن أتباع ديونيسوس أيضا فئّة من النساء الباكخيات أو عابدات باكخوس 
(نهطععلةه8) أو المجذوبات (5ع20منهة]3 أو نهمع.]) . وهن فتيات عذارى ذوات 
شعر طويل أشعت يلبسن ملابس فضفاضة ويرقصن رقصات على أنغام 
ودقات الصفائح المدورة (ألصنج) ويلوحن بصولجان ديونيسوس السحري. 
ويحملن أسماء ترمز-مثل أسماء الساتيروي سالفة الذكر-إلى معان مناسبة 
لعبادة ديونيسوس وطقوسه مثل خوريا(020:615 الرقص) ومولبي (عم01ا 
الأغنية) وإيوثيميا(دنددرطادظ المرح) وميشي (19! السكر) وكوميديا (مندمسه»! 
الأغنية الماجنة). 

وهناك جماعة أخرى من أتباع ديونيسوس تحمل اسم السيلينوي (1ممء1ز5) 
وهم يظهرون في الرسوم بأجساد ضحمة كثيفة الشعرء لهم ملامح تنم عن 
حالة السكر وتشي بالفسق الذي يعيشون فيه. إنهم يشبهون الساتيروي 


174 


الولادة الطبيعيه للدراما 


المسنين ويمثلون فعلا فنّة «كبار السن» في حاشية ديونيسوس أي «شيوخ» 
الجماعة. ومن أتباع ديونئيسوس أيضا الكنتوروي (أمسسمامعك]) لأنهم يمثلون 
القوة الحيوانية وما تجسده من نشاط وخصوبة. ويظهر الإله بان نفسه 
أحيانا في زمرة الإله ديونيسوس ذلك أن بان إله ريفي. كما تظهر في عبادة 
ديوئيسوس يعض الشخصيات الرهؤية مخل «الخريف» الى يتجسد في 
هيئة امرأة وقور تقدم فواكه الأرض.أي بكورة الفواكه-في طبق إلى 
ديونيسوس. هذه هي الصورة التي يظهر بها «الخريف» في الرسوم. وتظهر 
ربة السلام ايريني (81:656) أحيانا أيضا بصحبة ديونيسوس وهي في هذه 
الحالة تحمل قرن الكثرة (35اء1)0دك 5هتع؟]) . وبالطبع كثيرا ما نجد إلى 
جانب إله الخمر العربيد إله الحب والرغبة ايروس جنبا إلى جنب مع ربات 
الفنون وربات الخير. 

وأقام الإغريق مهرجانات دينية عديدة تكريما لديونيسوس بيد أننا 
سنركز الحديث على تلك التي كانت تقام في إقليم أتيكا وذلك لأنها أكثر 
اتصالا بالدراما التي نقدم لها. وكانت المهرجانات الأتيكية من نوعين فكانت 
مهرجانات النوع الأول تقام أيام الربيع عندما يكون نبيت الموسم الماضي 
جاهزا للشرب وعندما تستيقظ الآرض من رقادها الشتوي لتستقبل حياة 
النشاط والحركة إذ تكسوها النباتات والأشجار بحلة خضراء من فضل إله 
الخضرة ديوئيسوس. وكانت مهرجانات النوع الثاني تقام شتاء بعد انتهاء 
أعمال الزراعة السنوية ويحل موسم الكروم وجني الفواكه. وكان الاحتفال 
في أثناء هذين النوعين من المهرجانات بسيطا فلا يعدو مجرد تجمهر 
ريفي من أجل تكريم ديونيسوس الذي يتضرعون إليه أن يطرح البكرة في 
جهودهم الزراعية بان يزيد من خصوبة أراضيهم وبساتينهم. ويسير موكب 
من هؤلاء الفلاحين إلى مذبح ديونيسوس لنحر ماعز هناك كأضحية أو 
قربان له. وتقود هذا الموكب المقدس عذراء زينت أحلى زينة فلبست 
المجوهرات الذهبية وحملت على رأسها السلة المقدسة التي تحوي قرابين 
من الفطائر وتيجانا من الزهور لتوضع فوق الأضحية . وتحوي السلة المقدسة 
أيضا سكينا ليذبح بها الماعز. ووراء الفتاة كان يسير الباقون بعضهم يحمل 
بعض الهدايا الريفية مثل عناقيد العنب أو حبات التين وأباريق النبيذ. 
والبعض الآخر يرفع عاليا مسخة تمثل عضو التذكير أي الفاللوس رمز 


1|715 


الشعر الاغريقى 


ديونيسوس إله الخصب. وأثناء عملية تقديم القرابين تقام الرقصات وتؤدى 
الأغاني تكريما للاله. ومن هذه الرقصات رقصة ريفية يقوم بها بعض 
الشبان فوق أوعية الخمر المصنوعة من جلد الحيوانات الذي لم يتخلص 
من شحمه بعد . وينتهي اليوم بتبادل أنخاب الشراب العام وبالمرح الصاخب. 

وكان مهرجان الربيع الأصلي الأثيني يسمى أنثيستيريا 618أوء421ى (عيد 
الزهور) ويقع في فبراير من كل عام وأب طقس فيه الافتتاح الرسمي 
لبرميل الخمر(510006813). بيد أنه في وقت لاحق أضيف احتفال ربيعي 
آخر هو مهرجانات ديونيسوس بالمدينة أو الديونيسيا المدنية الكبرى ها 
8 351110 وتقع في مارس وهي أكبر وأشهر المهرجانات 
جميعا. أما بالنسبة للمهرجانات الشتوية في أثينا فكانت تسمى «اللينايا» 
(دتممعة) أي «أعياد عصر النبيذ» وكانت تقام في يناير. وفي المقابل كان 
هناك احتفال شتوي ريفي آخر يقام بمناطق أتيكا الأخرى في غضون شهر 
ديسمبر وأطلق عليه اسم مهرجانات ديونيسوس الصغرىئ(2 انط ما 
وموم )!0 : 

ويبدو أن مهرجانات ديونيسوس الأتيكية قد تميزت بالبساطة الريفية 
وفقدت معظمء سماتها الشرقية. بيد أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لبقية 
أنحاء بلاد الإغريق. خفى كثير من الأماكن ظلت الطقوس كما هى مشبعة 
كاضر التخرل الريجداتى (4وضو ه008 الأسيوف كيرت يحباقة بخاصة 
الطقوس التي كانت تقام في إقليم فوكيس وبويوتيا على سفوح جبل 
البرناسوس وكيثايرون في إطار مهرجانات صاخبة تعقد كل عامين. إذ 
سادت قيها روح النشوة العنيفة والجزل والانجذاب أو الذوبان في شخص 
الإله المعبود. وكانت هذه اسقوس تعقد شتاء وفي أثناء الليل فوق قمم 
الجبال. وكانت النساء هي التي تقوم بهذه الطقوس العنيفة إذ يلبسن جلود 
الغزلان كباكخيات ويضعن الثعابين في شعرهن, والمشاعل المتوهجة في 
أيديهن ويندفعن إلى قمم الجبال في حالة من اللاوعي وهن يقرعن بقوة 
دقات عنيفة على الصنج وينفخن في المزمار ويمثلن اصطياد الوحوش 
وتمزيقها إربا إربا وابتلاع لحمها نيئا.!"' ومثل هذه العبادة بطقوسها العنيفة 
وجزلها الوجداني الأشبه بالجنون وأسرارها الملغزة وطابعها الشرقي العام 
لم ترق للأثينيين فاستعاضوا عنها بعبادة إلههم ديونيسوس على نحو فيه 


|] 


الولادة الطبيعيه للدراما 


الكثير من البساطة. من ثم يرى العلامة هيج أن هذه الطقوس العنيفة ذات 
الأصول الشرقية لا تهمنا كثيرا ونحن ندرس أصل الدراماء) وإن كنا نحن 
بدورنا نتحفظ على ذلك الرأي ونبرز ظهور هذه الطقوس في مسرحية 
يوريبيديس «عابدات باكخوس» مما يدل على أن هذه الطقوس-التي ربما 
ظهرت في مسرحيات أخرى كثيرة فقدت ولم تصل إلى أيدينا-قد لعبت 
دورا بارزا في ولادة الدراما. 


2- الديشورامبوس أو الجنين الدرامي 

تحدثنا في الباب السابق عن الديثورامبوس كأغنية جماعية تمثل آخر 
مراحل تطور الشعر الغنائي. وسنتناول الديثورامبوس الآن كنواة للشعر 
الدرامي. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الدراما قد ولدت ولادة 
طبيعية من الشعر الإغريقي نفسه بعد مروره في مراحل تطور قادته إلى 
هذا النوع المعقد من الشعر أي الشعر الدرامي الذي في الواقع يحتضن كل 
فنون الشعر ويكثف كل مراحل تطوره. 

ترتبط المهرجانات الأتيكية الشتوية بنشأة الكوميديا التي لهذا السبب 
كانت تسمى أحيانا «تريجوديا» (هنلهع15) أي «أغنية تفل أو حثالة العنب». 
وفي هذه الاحتفالات يسير موكب المعربدين (الكوموس) 1207205 وهم يحملون 
مسخة لعضو التذكير (الفاللوس) ويرددون أغنية لديونيسوس تسمى «الأغنية 
الفاللية» (311060م). وبين الحين والحين كان قائد الموكب يسلي المشاهدين 
بإلقاء بعض النكات البذيئّة التي يرتجلها ارتجالا سواء في هيئة مونولوج 
طويل أو ديالوج أي حوار مع بعض المغنين من رفاقه في الموكب. ومن هذا 
الخليط الذي يمزج بين الأغاني والنكات والمونولوج والديالوج نشأت 
«الكوميديا» ومع أن الفن الكوميدي قد تطور عن هذا الأصل البدائي الفج 
إلا أنه بالطبع قد تخلص من أغلب مظاهر البداوة والغلظة هذه وإن ظل 
يحتفظ ببعض سماتها حتى النهاية كما يبدو من مسرحيات أريستوفانئيس 
على سبيل المثال. 

أما التراجيديا فقد ولدت في مهرجانات ديونيسوس الربيعية عندما 
كان الريفيون يلتقون في حشد كبير لافتتاح براميل الخمر الجديدة ويرحبون 
بخصوبة الطبيعة المتجددة في هذه الآونة التي تزدان فيها الأرض بالأزهار 


177 


الشعر الاغريقى 


والثمار. ويستدل العلماء على نشأة التراجيديا من هذه المهرجانات بحقيقة 
أن العروض المسرحية التراجيدية كانت فيما بعد الملمح الرئيسي لأعياد 
ديونيسوس بالمدينة وهي المهرجانات الربيعية الكبرى بيتما لم تدخل 
التراجيديا في برنامج أعياد اللينايا الشتوية إلا في وقت متأخر نسبيا. كما 
أنها كانت في هذه الأعياد تحتل مركزا ثانويا بالنسبة للكوميديا. وهناك 
دليل آخر وهو أن الديثورامبوس الذي نشأت منه التراجيديا لم يكن له 
مكان قط في عروض أعياد اللينايا إبان الفترة الكلاسيكية في حين أنه كان 
يمثل عنصرا جوهريا ورئيسيا في أعياد ديونيسوس الربيعية بالمدينة في 
هذه الأعياد اعتاد الناس أن يحتشدوا ليمتدحوا إله القمر والقضيره 
ديونيسوس مانح الخيرات في أغنية تسمى الديثورامبوس التي نشأت منها 
التراجيدنا تفهاذة أريظو ثفسنة: 

ويبدو أن الديثورامبوس-كأشياء أخرى كثيرة في عبادة ديونيسوس-قد 
وفد أصلا من فريجيا بآسيا الصغرى إذ كان يغني بمصاحبة موسيقى 
مؤلفه على النمط الفريجي بواسطة الفلوت (المزمار) وهي آلة فريجية 
الآأصل على الأرجح. ولقد وردت أول إشارة للديثورامبوس في أشعار 
أرخيلوخوس (شذرة 77) بيد أنه أزدهر في طيبة وكورنثة وجزيرة ناكسوس 
مما يعنى أنها كانت مراكز مهمة فى العبادة الديونيسية. هذا وقد احتلت 
الأغاتي الفيفوزامبية معان باوزة فى عاد ديوتيسوس الربينية بانيكا: 

والديثورامبوسككما رأينا في الباب السابق-أغنية جماعية تؤديها جوفة 
وهي نقوم ببعض الحركات التعبيرية والرقصات التي تشرح وتؤكد معاني 
الكلمات. وكانت الرقصة الديثورامبية تسمى «تيرباسياء» (تنقةط:ر1). أما 
الموضوع الرئيسي لكلمات الأغنية الديثورامبية فهو أسطورة ديونيسوس أو 
بالتحديد عرض بعض مراحل من حياة هذا الإله في أسلوب غنائي وبوسيلة 
التنكر أو المحكاة بالكلمة والحركة. ذلك أن المغنين-الراقصين اغراد الجوقة 
كانوا يتنكرون على هيئة ساتيروي أو أية جماعة من أتباع ديونيسوس كما 
سبق أن المحنا-لكي يجعلوا الأحداث التي يسردونها أقرب إلى التصديق 
والحيوية. ولقد ظلت المسرحية الساتيرية تحتفظ بهذا العنصر التنكري 
إلى النهاية فهي تعد أكثر فروع الدراما الثلاث-أي بالمقارنة بالتراجيديا 
والكوميديا-قربا من أصلها الديثورامبي وبهذه الصورة من الهيئّة والملبس 


178 


الولادة الطبيعيه للدراما 


كان أفراد الجوقة يرقصون في دائرة حول مذبح ديونيسوس الذي ينبعث 
منه دخان القرابين. وانطلقت أصواتهم تتغنى بمغامرات هذا الإله وتؤكد 
كل معتى بهذه الحركة أو تلك من اليدين أو القدمين أو سائر أعضاء 
الجسم بهدف إقناع المتفرجين بان ما يرونه ليس مجرد حكاية أسطورية 
قديمة بل هو أمر أقرب ما يكون إلى الحقيقة والواقع. 

حقا كانت هناك طقوس مماثلة لطقوس ديونيسوس في بلاد الإغريق- 
بل وخارجها-مثل تلك الرقصة التي كانت معروفة في جزيرة ديلوس وتسمى 
كراني (1:306) وتحكي قصة هروب ثيسوس من قصور التيه (اللابيرينثوس) 
حيث كان الراقصون ينتظمون في صف طويل ويتحركون إلى الأمام وإلى 
الخلف أو إلى الداخل والخارج ليصوروا بذلك متاهات اللابيرينثوس. وضي 
دلفى أيضا كان الصراع بين أبوللون وبيثون يقدم في صورة تمثيلية ممائلة. 
بيد أن أقرب الرقصات الإغريقية جميعا إلى الديثورامبوس ير تلك التي 
كانت تمارس في كريت وهي تتصل بمولد زيوس رب الأرباب. فالجوقة 
هناك كانت ترتدي ملابس جماعة الكوريتيس وهم في الأسطورة الذين 
كانوا قد أنقذوا زيوس طفلا رضيعا. وهم بهذه الملابس التنكرية يغنون 
ويرقصون ويمثلون مراحل القصة كلها . فكرونوس والدزيوس يبتلع كل أطفاله. 
ريا زوجته تعاني آلام حمل الجنين-زيوس.ثم تلد الكوريتيس يحاولون إخفاء 
صرخاتها وبكاء وليدها زيوس الرضيع بدقات قوية على الصنج وبالفعل 
ينجحون في إنقاذ الطفل تحت ستار هذه الضوضاء الصاخبة.7) 

بيد أن أسطورة ديونيسوس هي التي-اكثر من غيرها-حفلت بأحداث 
صالحة للتمثيل في إطار الديثورامبوس: ميلاده العجيب. تربيته فوق جبل 
نيساء غزوه للهند. صراعه مع ملوك طراقيا وطيبة وهذا هو موضوع «عابدات 
باكخوس» ليوريبيديس). رحلته الخطرة إلى جزيرة ناكسوسء زواجه من 
الزوجة المهجورة أريادني.... الخ. 

هذا مع أن بعض الدارسين يرون أن الديثورامبوس كان يقتصر على 
قصة ميلاد ديونيسوس بدليل أن هذا الديثورامبرس كان يؤدي في أيام 
الربيع فقط حيث تولد الحياة والخضرة من جديد. وبلغ الآمر ببعض 
الدارسين إلى حد أنهم فسروا كلمة «ديثورامبوس» عل أنها تعني «البابان» 
أو «المدخلان» على أساس أن الأسطورة تجعل مولد ديونيسوس مزدوجا أي 


170 


الشعر الاغريقى 


من رحم سيميلي وفخن زيوس”"). وجدير بالتنويه أن الاشتقاق اللغوي لكلمة 
«ديثورامبوس» موضع خلاف حاد بين الفقهاء ولم يتفق عليه العلماء. فمنهم 
من يقول إنه متصل بكلمة «النصر» (7505ههنبط) وآخرون يرون أنه من أمل 
غريجي. المهم أن الديثورامبوس كان على الأرجح يتناول كل مراحل حياة 
ديونيسوس لا مولده مفحسب. 

ومن الطبيعي أن الديثورامبوس في بداية ظهوره كان مجرد أغنية 
فولكلورية تقليدية اكثر من كونه ضربا من ضروب الأدب الرسمي. ودليل 
ذلك أن القائمين بالغناء والرقص كانوا من الفلاحين؛ أي الأفراد العاديين 
الذين يفعلون ما يفعلون تطوعا وبصورة تلقائية في احتفالاتهم الدينية 
بالريف. وبتطوير الديثورامبوس وتهذيبه وتشذيبه على أيدي شعراء ماهرين 
ومغنين وراقصين محرفين دخل في الشعر الرسمي ذي القيمة الأدبية 
العالية وهذا ما يحدث عادة لسائر فنون الأدب الشعبي. ويرجع الفضل في 
تطوير الديثورامبوس إلى الدوريين بصفة عامة. ذلك أنهم-كما رأينا في 
الباب السابقكانوا قد بلغوا شأوا عظيما وتفوقا في كافة أنواع الشعر 
الغنائي ولا سيما الجماعي وهو شعر يجمع بين الغناء والرقص وفن السرد 
وهذا ما نلاحظه في أشعار الكمان وستسيخوروس وغيرهما. 

وكان آريون يعد أشهر عازفي المزمار (الهارب) في زمانه وهو أول من 
أعطى عناوين ثابتة ومحددة لأغانيه الديثورامبية؛ فهذا ما أخبرنا به 
هيرودوتوس (الكتاب الأول فقرة 23). ومع أن آريون من مواليد ليسبوس إلا 
أنه قضى معظم سنى حياته في قصر بيرياندروس طاغية كورنثة . وقيل إنه 
عاش إبان أواخر القرن السابع وأوائل السادس. ولا نجد ما يدعونا إلى 
تصديق الروايات القديمة المبالغ فيها والتي تعزو إلى آريون آخر 
الديثورامبوس ولكن من الأرجح أنه أدخل عليه تحسينات هائلة. فيقال إنه 
أول من ابتدع الشكل الدائري للرقصة الديثورامبية حتى أن الأساطير 
تسميه «ابن الدائري» (5منتتط ومع 21؟1) . بيد أن الشكل الدائري قد يكون 
أمرا بديهيا وطبيعيا في رقصات تؤدى حول مذبح ديونيسوس ولكن يبدو أن 
(*) تقول الأسطورة إن زيوس ذهب إلى معشوقته سيميلي في كامل هيثئته وألوهيته فأصابت 


صاعقته سيميلي وأهلكها فاخن من بطنها الجنين وزرعه في فخذه حتى اكتمل نموه وولد هكذا 
ديوديسوس. 





الولادة الطبيعيه للدراما 


آريون هو أول من أوجد النظام والنسق في مثل هذه الرقصات التلقائية. 
وريها كان هو أول من قنك عدد الراقضين طجعايم بخمشين وهو العدد الى 
ظل دون تغيير بعد ذلك. وربما يكون آريون هو الذي أدخل النظام 
الألتستدروض لالقسر الديقونا مب وهر نظام مق القع أنه كان ليسا تفن 
بقية أنواع الشعر الغنائي عند الدوريين وكان الهدف منه هو ترتيب حركات 
الراقسين التابعة والتبادلة ويقال ايكنا آن آريون الخدت عطريرا جوهرها 
ك موسيقن اللدياور العربى تجسله نظابا اكش بدن دي شرا »بو السقيدل 
اوعقي الفريسية الزثر#بالتعم الدورى الأقيل واستخدم اكزمار (الماري) 
جنبا إلى جنب مع الفلوت. ولو أثنا لا نملك دليلا قاطعا على أنه صاحب 
الفضل في هذه التعديلات. 

ولعل أب ما يعزى إلى آريون من تعديلات على الأغنية الديثورامبية هو 
أنه أوجد بعض الفقرات التي تلقى بين الحين والآخر أثناء الغناء أي أجزاء 
حوارية موزونة (5مأهمعع1 ماع صصمءع) كما يرد في موسوعة سودا «أو سويداس» 
تحت اسمه «آزيون». ولكن لا تشرح لنا الموسوعة المذكورة طبيعة هذه الأجزاء 
بدقة وإن كان بوسعنا أن نتعرف عليها من مصادر أخرى. فارسطو مثلا 
يقول لنا بان بذرة التراجيديا جاءت من «الأحاديث”*" التي يلقيها قائد 
أغنية الديثوراميوس :3 .لاه طمممتتوط تل جما ده مطعتمعة مه مجة) وفي هذه 
الفرة كان قد أصبح فى حكم اكمخاد أثناء عروض الديثوزامبوس أن يضعب 
قائد الجوقة منصة ما (22ءمدىت) ويتبادل الحوار من هناك مع بقية أفراد 
الجوقة. ولو أن البعض يرى أن هذا قد حدث بعد عصر آريون الذي لا 
تفسلة عن كبيس سوى #لأخين عاناء.وعلى آية بجاق فلس مع الشتعن 
أكون الأحاديت الث أمبكليا اروون صيارة فح حراريين شاك السرقة 
وبقية أفرادها. وقد يكون موضوع هذه الأحاديث الحوارية هو مغامرات 
ديونيسوس. وقد يكون الهدف من وضعها في صورة حوار هو شرح أو 
تعميق بعض المعاني الواردة في الأغنية الديثورامبية. ويبدو أن هذه الأجزاء 
الحوارية قد نظمت في الوزن الرباعي التروخي وصاحبتها رقصات صامتة 
من جانب الجوقة. وسواء أكانت هذه الأجزاء الحوارية من ابتداع ريون أو 
(*1) يترجم هاميلتون فايف كلمة «هاد0دك6»ه على أنها نعني المقدمة التي يلقيها قائد الحوقة. 
راجع طبعة لويب (000آ) لترجمة «فن الشعر» ص 17-16. 





الشعر الاغريقى 


أنه أخذها من شعراء سبقوه إليها واقتصر دوزه على مجرد التهذيب 
والتشذيب فان الأمر الذي لا يتطرق إليه الشك أن هذه الأجزاء الحوارية- 
التي قد تبدو أنها عنصر ثانوي بالنسبة للأغنية الديثورامبية-هي أكبر 
خطوة نحو ولادة التراجيديا الإغريقية فهي النواة الأولية في الفكرة الورافية 
ككل. 

وهناك سوال مهم ينبغي أن يشغلنا الآن. ونعني ما هو الطابع السائد 
على الديثورامبوس كما عرفه آريون والدوريون ؟ هل هو طابع مأساوي جاد 
أم كوميدي هزلي ؟ هذا ما تختلف فيه الآراء بشدة فبعض الدارسين يرون 
أن الطابع الحزين هو الأساس والأصل ذلك أن التراجيديا برأيهم نبعت من 
الديثورامبوس الذي كان موضوعه الرئيسي هو التعبير عن «آلام ديونيسوس» 
أما بالنسبة للساتيروي ودورهم في هذه الأغنية فانهم كانوا يقومون بالرقص 
والغناء تعبيرا عن تعاطفهم مع سيدهم هذا أي الإله ديونيسوس وعن 
استعدادهم لخوض الحرب من أجله أو على الأقل لمشاطرته آلامه. ويحمل 
الجانب الهزلي الوجداني في طقوس عبادة ديونيسيوس هذا الطابع الماساوي 
المتمثل في معاناة «عابدات باكخوس» المجذوبات كما يظهر من مسرحية 
يوريبيديس التي تحمل هذا العنوان. بيد أن وجود الساتروي في الأغنية 
الديثورامبية الدورية يجعل عملية المواءمة بينهم وبين الطابع الجاد أمرا 
عسيرا. وفي هذا المجال يمكن أن نسترشد برأي ارسطو الذي يقول إن 
طابع الجدية في التراجيديا كان أمرا مستحدثا أي نجم عن تطوير ادخل 
في فترة لاحقة على الديثورامبوس الذي غلب عليه الطابع الساتيري الهزلي 
والمقولة الكوميدية والأوزان المفعمة بالحركة المرحة والرقص الصامت”" . 

وهكذا فمن الصعب علينا الأخذ برأي من يقولون إن الديثورامبوس كان 
أغنية ذات طايع حزين. ومع ذلك فعلينا ألا نذهب بعيدا ونبالغ في تفسير 
أقوال أرسطو لآن الأغنية الديثورامبية في الواقع تعرضت لكثير من عمليات 
التطوير والتنويع. ونظرة واحدة على المسرحيات الساتيرية التي وصلتنا 
والتي تعد استمرارا للطابع الساتيري في الديثورامبوس كفيلة بان تظهر لنا 
أن الأغنية الديثورامبية لم تكن كوميدية خالصة ولا هزلية صافية بل حوت 
عناصر رفيعة المستوى من الشاعرية والقدرة على التخيل الرومانسي. ومن 
الممكن أن نصف الأغنية الديثورامبية بشيء قريب من هذا فهي قد جمعت 


الولادة الطبيعيه للدراما 


بين النكات الفجة والسخرية الماجنة جنبا إلى جنب مع العواطف الجادة 
وواءمت بين كلماتها ورقصاتها بطابعيها هذين المتناقضين من جهة وبين 
هذا الجزء أو ذاك من أسطورة ديونيسوس التي يقدمونها من جهة أخرى. 
من هنا كان سهلا عليهم أن يركزوا على العنصر الجاد لتطوير التراجيديا 
والإبقاء على الطابع المزدوج-الجاد والهزلي معا-ضي المسرحية الساتيرية. 

في هذه الفترة تقريبا بدأ الناس يستخدمون كلمة تراجيديا (10:2معه:1) 
لوصف الأغاني الديثورامبية التي نظمها آريون وخلفاؤه. وقالوا أن آريون 
هو مخترع «الأسلوب التراجيدي» (0005 105زعةنا) . وسميت أغانيه 
بالتراجيديات واعتبر هو وابيجينيس من سيكون وأيسخلوسء وفرونيخوس 
وغيرهم شعراء تراجيدين (تماندم أملزمعدى) .وتعني كلمة تراجيديا (هنلأمعهه) 
حرفيا أغنية الماعز«فلماذا تستخدم هذه الكلمة لوصف الأغنية الديثورامبية 
5 لم يتفق العلماء في الإجابة على هذا السؤال. وقد يكون السبب هو أن 
الديثورامبوس كان يؤدي أثناء عملية تقديم الماعز كأضحية لديونيسوس أو 
لأن الماعز كان الجائزة المرصودة للشاعر الفائز في المسابقة الديثورامبية. 
ولو أن الفائز الأول في هذه المسابقات-إبان القرن السادس كان يمنح ثورا 
والثاني إبريقا من الخمر والثالث ماعزا. بيد أنه في المسابقات الأثينية 
التراجيدية كانت الجائزة الأولى فعلا هي الماعز. على أية حال فان الرأي 
المرجح الآن هو أن الساتروي-أي أغراد جوقة الديثورامبوسكانوا يسمون 
«المعز» (زهعةنا) بسبب مظهرهم-أي ربما تنكروا في جلود الماعز وبسبب 
الحرية والتسيب اللذين اتسمت بهما تصرفاتهم وكلماتهم وهم يغنون 
ويرقصون. ومن مزايا هذا التفسير أنه يوفق بين اشتقاق كلمة 
تراجيديا««أغنية المعز» وبين اشتقاق كلمة «كوميديا» (120:01010) بمعنى 
أغنية جماعة المعربدين» (ومصره]) أو «الأغنية الماجنة». 

وعلى أية حال فلقد حافظت الأغنية الديثورامبية على تطورها في 
اتجاهين وإلى النهاية. الاتجاه الأول وهو الأقدم يتمثل غي استمرارها كاغنية 
جماعية تنتمي للشعر الغنائي. والاتجاه الثاني وهو الأحدث يتمثل في أنها 
شقت طريقها إلى الدراما التمثيلية. ومن ثم فلقد أصبح لكل كلمة من 
الكلمتين «ديثوراميوس» و «تراجيديا» معناها الخاص والمحدد . الأولى تعنى 
الأقنيه اانساضية الأصبلية والحانيه هن السريدية الى اوري متها واديقات 


الشعر الاغريقى 


بذاتها. 

ولغق تار اكور اموس وااقسيالة عن القراجوذيا كيين بعل بالشهلضن 
من الأجزاء الحوارية التى أدخلها اريون ويداً يوسع دائرة اهتمامه وأفق 
موضوعاته لتثمل أساطير أخرى غير أسطورة ديونيسوس وتغيرت الجوقة 
الساتيرية إلى جماعة أخرى عادية. وأقيمت المسابقات الديثورامبية فى 
أنحاء كثيرة من بلاد الإغريق وفي أثينا ابتداء من عام 508 (أي في حياة 
ايسخولوس». وبلغ الديثورامبوس فروته على أيدي بنداروس؛ وسيمونيديس- 
وهذا ما وضحناه فى الياب السابق-ثم تدهور يعد ذلك. ووصل سوء الحال 
والتيهوى بالديقررا درن واتعرد ان عير مال إقريقي وقول قمر قل 
الديثوراميوس» (52مئماء دتعناءة صنامه مهوطسمدرط تل )0197 8 

أما التيار الذي قاده آريون فظل يتطور حتى نشأت عنه المسرحية الساترية 
غلئ أيدي الأثنيين. وهكذا فيل أن بنداروس نظم «سيع عشرة مسرحية 
تراجيدية» كما نسبت إلى سيمونيديس بعض التراجيديات أيضا . وبالطبع 
فهي ليست تراجيديات من النوع الذي كتبه كل من فرونيخوس وأيسخولوس 
كما أنها ليست أغانى ديثورامبية على أحدث ما وصلت إليه من تطورء لأن 
قصائد بنداروس الديثورامبية تذكر صراحة وتميز بوضوح عن «دراماته 
التراجيدية» (28118:] ه)هصدمل) . وليس بوسعنا سوى أن نرجح أنها كانت 
أغاتى جماعية تراجيدية فين الظراز اللعديم ومفيها بعد الدارمنين 

تبنى الأثينيون التحسينات التي أدخلها الدوريون على الديثورامبوس 
ومن ههذا الاتدماء تبعت الندراما التراسيدية وعندما يزعم الدوريون كنا 
يرد عند أرسطو''""-أن التراجيديا من اختراعهم فهو زعم لم يأت من فراغ 
وإن كان بعض العلماء ينفون أن يكون الديثورامبوس الأتيكي قد تأثر 
بالتعسينات الدورية: وفى الواقم لا يمعن إنكان العاخين الدوري علن 
التراجيديا تقبس الدربية التي ليمك بها آيخنا إتكا نان اختراع الخراحيديا 
الحيدية أ تحويلاغنية الحوقة الدراوراميية إلى مسريعية تمثراية هو 
اختراع اثيني محض ندين به لثيسبيس. وفي النهاية فهناك نظرية تقول 
بان التراجيديا نشأت عن طقوس عبادة الأبطال2) كما أن هناك نظريات 
أخرى فى نشأة الدراماة". 


1 4 


الولادة الطبيعيه للدراما 


3- فيسبيس وبدايات فن التراجيديا 

ولد ثيسبيس في قرية ايكاريا بمنطقة ماراثون عند سفوح جبل بنتيليكوس 
وهى القرية التى اكتشفت المدرسة الأمريكية للآثار بأثينا موقعها فى نهاية 
القرن الماضي. إنها منطقة خضراء تطل عليها الجبال ومنها ترى جزيرة 
يوبويا على البعد . وكانت هذه المنطقة مركزا كبيرا من مراكز عبادة ديونيسوس 
أما اسم القرية نفسها ايكاريا فهو مشتق من ايكاروس البطل الأسطوري 
الذي حظي بشرف استقباله الإله الجديد ديونيسوس في أتيكا. أدخل 
ايكاروس زراعة الكروم وصناعة النبينذ في منطقته فقتله أهلها من الرعاة 
فى نوية من نويات السكر العنيف. وعندئن انتحرت ابنته اريجونى شنقا 
حزنا على أبيها وأدت هذه الحادثة المؤسفة إلى قيام شعائر وطقوس سنوية 
للتطهير اعتادت فيها العذارى أن يعلقن أنفسهن فوق الأشجار تخليدا لموت 
اريجوني أو تكفيرا عنه. وهناك أساطير أخرى وطقوس أخرى في قرية 
ايكاريا والقرى المجاورة. المهم أن المنطقة كانت تحتل مكانة خاصة في 
أسطورة ديونيسوس وكانت مهرجاناته بها ذات طابع خاص أيضا إذ تميزت 
بفخامتها وشهرتها حتى أن سوساريون (دمتنهون5) الشاعر الكوميدي هاجر 
من موطنه ميجارا ليقيم في ايكاريا ويقال إنه هناك وضع أسس فن 
الكوميديا. 

هناك ولد ثيسبيس فى بداية القرن السادس وهناك أمضى سنوات 
صباه وشبابه. وهناك شرع في تطوير الديثورامبوس. وكان أهم تعديل 
ادخله هو إيجاد «الممثل» لأول مرة فى مقابل «المغنى» و «الراقتص» 
(وعاناءع:هطن) . وكلمة «ممثل» (13]5هم03) باللغة اليونانية تعنى حرفيا «المجيب» 
الجوقة بان يجيب على أسئلتهم . ومن الواضح أن هذا التعديل يهدف أساسا 
إلى زيادة الأجزاء الحوارية التي كان قد أوجدها آريون-أو غيره-فيعد أن 
كانت من عمل أفراد الجوقة أو قائدهم صارت الآن من عمل شخص 
مستقل أوجد خصيصا لهذا الغرض. وقد يبدو هذا التعديل بسيطا ولكنه 
في الواقع يعد الخطوة الكبرى التي وضعت الأغنية الديثورامبية على طريق 
الدراما. فهي الخطوة التي حولت هذه الأغنية إلى تمثيلية حقيقية. كان 


الشعر الاغريقى 


الممثل يدخل ليأخذ دور هذه الشخصية أو تلك عن طريق الحديث الفردي 
(المونولوج) أو الحوار (الديالوج) فيسرد أحداث القصة. حقا أن هذه العناصر 
كانت موجودة من قبل في الأغنية الديثورامبية ولكن ثيسبيس أبرزها وجعلها 
المحور الرئيسي. وقد يكون تنكر أغراد الجوقة في هيئة الساتروي ضربا 
من التمثيل والتجسيد بيد أنهم لم يكونوا سوى شهود أو متفرجين عل قصة 
وأحداث لم يؤدوا فيها دورا فجاء الممثل وغير هذا المفهوم لأنه هو الذي 
يقوم بالحدث الرئيسي في القصة المعروضة. ومن ثم فانه في حين كان 
الحوار بين أغراد الجوقة وقائدها يدور-من قبل-حول أحداث وقعت لآخرين 
فان الأمر يختلف الآن كثيرا لأنه لأول مرة تدخل الشخصية الرئيسية أي 
بطل الأحداث ليروي ويمثل ما حدث له هو. فعلى يد ثيسبيس إذن ولأول 
مرة جاءت الشخصيات نفسها لتقف أمام الجمهور وتمثل وقائع الحدث 
التي تريد أن تطلع الناس عليها . وهذا هو أساس الفكرة الدرامية ككل وكما 
يرد عند أرسطو في تعريفه للتراجيديا وهو في نفس الوقت يمثل الخيط 
الرفيع الذي يفصل بين الشعر القصصي أو الملحمي والشعر التمثيلي. 
وكان الممثل الوحيد الذي استخدمه ثيسبيس رودي كافة الأدوار على التوالي 
سواء اكاتوا 'آلية اد فلوكا آم رسلاب الع 

وهو يتخذ هيئتهم بالتنكر ويقمص شخصيتهم بالحركة والكلمة ويعبر 
عن مشاعرهم. فلا غرو إذن أن يعتبر ثيسبيس لدى القدامى والمحدثين 
خالق فن التراجيديا. 

ولم يصلنا مما كتب وعرض ثيسبيس شيء يذكر ولكننا نستطيع أن 
نستقي بعض المعلومات المتفرقة من هنا وهناك أي من بعض الذين تحدثوا 
عنه من القدامى اللاحقين. فقيل إنه هو نفسه الذي كان يقوم بدور «الممثل» 
في مسرحياته إذ ظهر ليلعب أدوار الشخصيات العديدة التي قدمها على 
التوالي. واستطاع أن يفعل ذلك بفضل لجوثه إلى تغيير ملابسه كما كان 
يغطي وجهه إما بالرصاص الأبيض أو بنبات الرجلة. ولكنه لم يلبث أن 
اخترع القناع الكتاني. ومما يذكر أن أقنعة ثيسبيس كانت تصور وجوه 
الرجالء أما الأقنعة النسائية غلم تعرت إلا في وقت لاحق. ومن هنا يمكن 
أن نستنبط حقيقة أن مسرح ثيسبيس لم يتضمن أدوارا نسائية. والجدير 
بالملاحظة أن الأقنعة-وهي تقنية تناسب العرض في الهواء الطلق-ظلت 


نا 


الولادة الطبيعيه للدراما 


تستخدم بلا انقطاع حتى نهاية المسرح الإغريقي. 

واسكلوة اماق اتمثل ف مدرح لسري إكر ابن كابير قن اللنضية القن 
كان يقف عليها من قبل قائد الجوقة الديثورامبية ليتحدث إلى بقية أغرادها. 
إذ كان لا بد من أن تتواءم هذه المنصة مع وجود ممثل يلعب عدة أدوار. 
فأقيم في خلفية المنصة مكان صغير مغطى يمكن أن يتوارى خلفه الممثل 
لكي يغير ملابسه وقناعه. وسمي هذا المكان المستحدث «السقيفة» (عمعءاة) . 
فيبدو أن ثيسبيس استخدم مكانا مسقوها بين الحين والآخر ليغير ملابسه 
وقناهة. وهذه المنصة وسقيفتها هي ساس أو نواة «مخشبة المسرح» الحديث 
بما فى ذلك ما نسميه الخلفية أو «المشهد» ءأدءهه حتى أن هذه الكلمة 
الإنجليزية ومثيلاتها الأوربيات-اشتقت من الكلمة الإغريقية(عمعاة) أي من 
اسم السقيفة الى ادكلها فسبيس. ولكن الأخير اوجد.هذه السقيمة: 
الخلفية لا لكي يصور مشهدا معينا وإنما لمجرد إعطاء الفرصة لنفسه لكي 
يغير الملابس والقناع. أما رسم هذه الخلفية لتصوير المكان الذي يجري فيه 
الحدث الدرامي فهذا اختراع آخر سيتوصل إليه اللاحقون. 

وسكسن تقوادة قاور تيوس يعض التعناية مقا( | وقواق رم سين قود 
أن يتجول بعروضه المسرحية في عربات (5:2ه1ط بهتنادتتد[ط) وأن الممثلين 
كانوا يفطون وجوطهه بحثالة أو ل العتب 885 ) ولو أنه يعير عن اعفاد 
بان هذه العادة الآخرة نجمت عن خلط بين ممثلي التراجيديا وممثلي 
الكوفيد)) الذيج بالفهل كاتوا تسلو تقل العدت (تهنه) حت أن الكرميديا 
كانت تسمى.كما سبق أن المحنا«أغنية حثالة العنب)29'' (مندمعنه) أما 
مسالة عرض مسرحيات تيسبيس فوق عربات متجولة فمن العسر تفسيرها 
لآنيا الااتقى مم كل ما تعرظه عن أصل القرزا جيديا بوك تكون بالاحظة 
هوراقيوين قن نجيف فى يها عن خلط ائكر إذقانك النائة فى مهوجانات 
الاتئيستيريا والليثايا أن يمتطي الحتفلوخ عريات (متدسده) عبر الطرق 
ويعاطيون الكترنيع على الجا بين رركا لعية اما تلصو ها يدث كن 
الاحفالات الفرتفانية الأوووبية إلى يومتنا هذا: 

وكانك تر ديات عسي سنيظة الطابي إلا ياك البكل ظري بش ايكيا 
إلى المنصة ويلقي حديثا يحتوي على شرح تمهيدي للحبكة ويسمى هذا 
الحديث «برولوجوس» (02010805) . ثم يتلو ذلك الحديث الفردي (مونولوج) 


167 


الشعر الاغريقى 


بعض أغاني الجوقة التي تؤديها أمام المنصة مصحوبة بالرقصات المناسبة. 
وفيما بين الأغنية والأخرى يظهر الممثل من جديد بعد أن يكون قد غير 
ملابسه وقناعه بما يتلاءم مع الشخصية التي يؤدي دورها . وكانت أحاديث 
الممثل أما سردية فردية طويلة (ونزوع) حيث يروى ما وقع من أحداث في 
مكان ما أو في زمن ماض أو يدخل في حوار(ديالوج) مع قائد الجوقة. وكان 
سبب ذلك هو عدم وجود ممثل آخر. بيد أن هذه السمات العامة للمسرحية 
الثيسبية ظلت موجودة عل نحو أو آخر في المسرح الإغريقي وحتى النهاية 
وعد أن وضصلوا إلى جد المضمال مكل :كاليك (وريما وابه) هلا مهلو آية 
مسرحية إغريقية تقريبا من الحاديث غردية طويلة سردية-وهو ما قد يكون 
على الأرجح من موروث الشعر الملحمي الإنشادي-ومن أجزاء حوارية بين 
الممثل وقائد الجوقة. 

وليس مق السهل غلينا آن تحرف الوؤن الذي تظمت يه سيريحيات 
يسيس وما عن سويل امانها موي التحبيع نت إن ليسييسن كان لوز 
المستخدم في الحوار بالأغاني الديثورامبية هو الرباعي التروخي. وبعد 
ثلاثين أو أربعين سنة من موت تيسبيس نجد الوزن الايامبي الثلاثي هو 
لمتكم بميفة منظية ف الحوار بالسريحيات الكرالجيدية ومن المريج 
أن ثيسبيس كان يستخدم هذين الوزنين دون تفرقة. فليس من المتصور أن 
يكون قد هجر الوزن التروخي القديم كلية لأن هذا الوزن ظل يستخدم حتى 
بعد عصره. ومن ناحية أخرى فان الوزن الايامبي الذي ساد التراجيديا-لا 
سيما في الأجزاء الحوارية-بعد ثيسبيس مباشرة من الصعب أن يكون قد 
حقق هذه الغلبة والسيادة في مثل هذه المدة القصيرة. ومن المفيد هنا أن 
نتذكر أن سولون المشرع الأثيني-معاصر ثيسبي س كان قد استخدم هذا 
الوزن في أشعاره السياسية. وهذا يعني أنه كان وزنا شائعا في أيام ثيسبيس 
الذي كان بالقطع يستخدمه هو أيضا. 

ولا يفوتنا أن نربط اكتشاف الدراما على يد ثيسبيس با موروث الملحمي 
وبعبارة أخرى تريد القول أن الدراما تعد تطويرا في التقنية الملحمية 
الاإتادية نمميها 21!؟ إذيقال أن اللتشديخ الانسميين كانو] شد اصودوا الحم 
ليقيموا حفلا إنشاديا ومناقشات حول أشعار هوميروس فكان كل منشد 
ياخن .دور والحد| يؤديه ويذا يششركون جميعا فى آداء السفل» ويشال إن 


الولادة الطبيعيه للدراما 


هذه الطريقة المبتكرة فى الإنشاد الملحمى هى التى أوحت إلى ثيسبيس 
بفكرة الحوار الدرامي. بل إن تأثير الملحمة أوسع من ذلك بكثير لأنه يدخل 
في جوهر التراجيديا نفسها. فهي لا تخلو مثلا من عنصر السرد كما 
رأينا. وهذا العنصر هو السمة المميزة للملحمة كفن شعري. وقد لاحظنا أن 
الممثل في المسرحية الثيسبية إما أن يحكي على مسامع الجوقة شيئًا أو 
في الأغاني الديثورامبية. وكانت خاصيتها المميزة هي السرعة والإيجاز 
والتبادل الخاطف للسؤال والجواب. أما أسلوب هذه الأجزاء الحوارية فانه 
يحمل ملامح الحديث المتبادل بين أفراد الجوقة الساتيرية ولا يحمل إلا 
شبها ضئيلا بالحوار الموجود في ملاحم هوميروس. وقد تبدو الأحاديث 
السردية في المسرحية الثيسبية متشابهة مع ملاحم هوميروس بيد أن 
شيوع الوزن الايامبي والروحي في صياغتها يوحي بان أشعار أرخيلوخوس 
ولاحقيه من الغنائيين هي النماذج المباشرة للأحاديث السردية الطويلة في 
مسرح ثيسبيس. 

وبريادة ثيسبيس بدأت التراجيديا تخرج عن طوق الأسطورة الديونيسية 
إلى الأفاق الواسعة للأساطير الأخرى الإغريقية العديدة والمتنوعة. وهذا 
يعني أن الجوقة رويدا رويدا بدأت تتخلى عن الطابع الساتيري ولو أن 
بلوتارخوس يكاد يوحي لنا بان هذا التطوير كان من عمل فرونيخوس 
وأيسخولوس.9") وجدير بالذكر أن المثل الإغريقي «لا شيء عن ديونيسوس» 
502 (02] 1205م مع0ن0) الوارد فى موسوعة سواد (سويداس) يعود إلى 
تخلي شعراء التراجيديا عن أسطورة ديونيسوس التي هي منبع التراجيديا 
كما نعرف. إذ يقال أن الناس قد صاحوا بهذه العبارة فى دهش أو مستنكرين 
أن تعرض عليهم مسرحيات بعيدة عن أسطورة ديونيسوس. على أية حال 
هناك من الدارسين من يرى أن مسرحيات ثيسبيس كانت لا تزال تدور في 
فلك الأسطورة الديونيسية وأن جوقته احتفظت بالهيئة الساتيرية. ويعتقد 
بان فكرتنا عن مسرح ثيسبيس ستصبح أكثر وضوحا بعد أن نصل إلى 
من المسرح الإغريقي التراجيدي وبالتالي فهي الأقرب إلى مسرحيات 


٠. لسسييسن‎ 


١69 


الشعر الاغريقى 


وحظيت جهود ثيسبيس برعاية الطاغية بيسيستراتوس الذي بدأ حياته 
السياسية متبنيا المبادئٌ الديموقراطية. ولقد عرضت أولى تراجيديات 
ثيسبيس عام 560 تقريبا. في أثينا اكاك صروطه على الاجم تاو على 
جهود هواة لا تساعدهم الدولة ولا تعترف بهم. ويقال إن سولون شاهد 
بعض هذه العروض فاعترض على هذا الشكل الجديد للفن الشعري لأنه- 
برأيه-يزيف حقيقة الآلهة والأبطال. بل قيل إنه بعد أحد هذه العروض 
ذهب ليقابل ثيسبيس ويسأله كيف لا ينتابه الخجل من ممارساته تلك التي 
تذيع بها الناس»:ولجاب كيسشكئيس باته لا يرق خبرراء هي هنذا إذا كان 
الهدف هو مجرد المتعة والتسلية. فدق سولون الأرض بعنف وقال إنه قد 
فات أوان خداع الناس بمثل هذه الأشياء. وبعد ذلك بفترة وجيزة بدأ 
بيسيستراتوس محاولاته لإطلاق الحريات في أثينا. وحكي أنه جرح نفسه 
ليقنع شعبه بان حياته في خطر وبالفعل وضعوا له حرسا شخصيا استطاع 
به أن يقيم حكمه الفردي الطغياني. وفي الوقت نفسه كان سولون قد زاد 
إصرارا على رأيه بالنسبة للفن المسرحي الجديد لأنه اعتبر خدعة 
بيسيستراتوس نتيجة منطقية لشيوع الفن الذي يروج له ثيسبيس,17) 

وفي عام 535 تقريبا تأسست المسابقات التراجيدية بأثينا لآول مرة 
واشترك فيها ثيسبيس وكان بيسيستراتوس قد عاد من منفاه (الثاني) وبدأ 
حكمه الطغياني الكامل الذي لم ينته إلا يموته عام 527 ومع أن حكمه كان 
يمثل خروجا على الدستور إلا أنه أفاد أثينا كثيرا ولا سيما إبان الفترة 
الأخيرة من حياته التي اتسمت بالازدهار واقتربت من أن تكون عصرا 
ذهبيا برأي أر سطو.!؟') ففي هذه الفترة أقيمت المباني العامة الفخمة مثل 
معبد أبوللون وزيوس وتأسست المهرجانات الضخمة مثل الباناثينايا العظمى. 
وكان بيسيستراتوس أيضا راعية للآداب والفنون فاشرف على إعادة إحياء 
حفلات الإنشاد الملحمي الهومري وجمع نصوص «الإلياذة» و «الأوديسيا» 
المبعثرة في قلوب وأذهان المنشدين المنتشرين في أنحاء بلاد الإغريق. ومن 
ثم فمن المرجح أن الفضل يعود إلى بيسيسراتوس في ابتكار المسابقات 
التراجيدية بمهرجانات ديونيسوس بالمدينة أي في الاحتفالات الربيعية؛ بل 
من المحتمل أن يكون هو الذي أنشأً هذه المهرجانات التي لم تكن معروفة 
من قبل فأوجدها خصيصا للمسابقات التراجيدية.!' ومن ثم فان عام 


100 


الولادة الطبيعيه للدراما 


5 يعد عاما حاسما لا في حياة ثيسبيس وحده بل في تاريخ الفن الدرامي 
الذي حظي لأول مرة بالاعتراف الرسمي من الدولة ممثلة في أعلى سلطة 
ما وصار تقليد | سكويا أن تعام ليها العن متيايهات قن فى حيايتها 
الجواكقه ومن اللرج [ و السييس ليمير ظوياة ينه هذا لازي إذ بيات 
في الغالب حول عام 507 الذي مات قية ايا بنسيسيةراتوسن. 

وتمضي ثلاثون عاما ما بين موت ثيسبيس وظهور أيسخولوس كمؤلف 
تراجيدي فماذا حدث في هذه الفترة 5 لا شك أن عددا كبيرا من شعراء 
التراجيديا كان يشترك في المسابقات السنوية. بيد أننا لا نعلم عن هؤلاء 
الشعراء شيئًا يذكر بل لا نسمع إلا عن ثلاثة منهم هم خويريلوس (5ه1نهذه26) 
وبراتيناس (5تمناهة:2) وفرونيخوس (5ماعتموتطط) ويبدو أنهم اكتفوا بالسير 
غات طاوا ل اممسازيس تدا حت حي ا نوك بدا 300| والسبقم لها لاا بحس لديا 
أيسخولوسن وظهن عنده ذلك الاتجاه البداكي في «الستجيرات» ثم شرع 
يطور في هذا الفن بعد ذلك كما يظهر في بقية مسرحياته . ويصف أرسطو 
نفسه هؤلاء الشعراء بالميل إلى الغنائية(0101مم1عم 20 

ويزداد إعجابنا بفرونيخوس إذا لاحظنا انه عالج موضوعات أسطورية 
بعيدة هق أسظاور 7 دبوسوس بل إثم اول مين امكل |الرضومات القاريكي» 
المعاضرة على فن الدراما. فلقد كتب عن الكورة الأيونية التي لم يلغب 
الأتتيون فيها دوا مشرها ضقدها كبعها الخترين ضاء 294 وأسروا مديئة 
ميليتوس بعد تدميرها. لقد جعلت مسرحيته «فتح ميليتوس» الدموع تنهمر 
من كوون القيجيه الاقم ع إاتحكيوا غاية شراهة قديها ات 
دراخمة لآنه ذكرهم بمآسي أناس ينتمون إلى سلالتهم ومنعوا إعادة عرض 
هذه المسرحية. !21 بيد أن هذا لم يمنع فرونيخوس من إعادة المحاولة فكتب 
والفيتيعياسه عن موضوع الحرب الفارسية ولكمه هذه المرة خلك اتتصياز 
الافريق لااكؤيمتيه. كلذكف :تجا جا اكب دح نارهنها وقهيم هذه السرهيات 
الفاريهية الى كلبها هرونيخورى بظول هي الانجزاء العداكية الت حزدييا 
الحوفة وقصر في الأخراء الحرارية ومن كم فى مسوعيانغ نهد قبيصقة 
عامة-إلى التغني بالأحداث لا تصويرها تصويرا دراميا. وأكثر من ذلك فان 
فروفيخوي كان يركز نظي امعان رقميات الجوكة حت انه كان يتباهى فى 
أشعارة والتسميجات التحدينة الت مييءها ويذخاها على هن الرقص ونيو 


109 


الشعر الاغريقى 


أن رقصاته بالفعل كانت عديدة ومتنوعة تعدد وتنوع البحر المتلاطم على 
حد قوله (2©) 

كان فرونيخوس أول من استخدم القناع النسائي وأضفى على الفن 
التراجيدي وقار المعاناة المأساوية وجمال الشعر الرائع. مارس تأثرا ضخما 
على شعراء التراجيديا اللاحقين وعلى رأسهم أيسخولوس الذي بنى 
مسرحية «الفرس» غلى منوال «الفينيقيات» لفرونيخوس وى مسرحية 
«الضفادع» الأريستوفانية (أبيات 1298- 1300) يقول أيسخولوس إن سابقة 
العظيم في الشعر الغنائي الجماعي هو فرونيخوس وأعجب به أيضا وقلده 
سوفوكليس. وبينما يسخر اريستوفانيس فى «الطيور» (أبيات 751-748) من 
بعض مبالفات فرونيخوس في اللغة يثني على أغاني الجوقة عنده ويشبهها 
فرونيخوس مزدهرة ردحا طويلا من الزمن وحتى الحرب البلويونيسية, 
ومما لا شك فيه أن فقدان مسرحيات فرونيخوس يمثل خسارة كبيرة ليس 
فقط لأنها تمثل مرحلة مهمة في تطور الدراما الإغريقية بل من أجل 
قيمتها الأدبية الرائعة فى حد ذاتها. 

وهكذا ألقينا نظرة سريعة على بدايات المسرح الإغريقي7" ولا سيما 
التراجيديا وينبغي أن نضع في الاعتبار دائما ونحن ندرس تاريخ أي فن 
أدبى أن الخطوات الأولى مهما كانت صغيرة هى التى ندين لها بالفضل 
فيما يتلوها من إنجازات. ومع ذلك فلم تكن الخطوات التي قطعتها الدراما 
الإغريقية من آريون إلى فرونيخوس صغيرة ولا هينة ولعل خير ما يبرهن 
على ذلك هو نضوج هذا الفن تماما لدى الثالوث التراجيدي الخالد 
أيسخولوس وسوفوكليس ويوربيديس. ففي مسرحياتهم أينعت الزهور التي 
كان من سبقوهم قد بذروا بذورها وسهروا على رعايتها حتى تبرعمت. 


102 


التراجيديا رؤية ماساوية 
للخضايا الانسانبة 


-١‏ أيسخولوس محارب ماراثون وأبو 
التراجيديا 

ولد أيسخولوس فيما بين مارس وسبتمبر من عام 
5 ب يحمل اسم يوفوريون ومات عام 456 في 
سن السبعين. ينتمي إلى أسرة من اليوباتريداي 
(نكتطدماظ) أي الأسر الأتيكية العريقة النبيلة» وإذا 
كان سولون قد قضى على السلطة السياسية لهذه 
الأسر فإنها لا زالت تحتفظ ببعض النفوذ الكهنوتي 
وغير الكهنوتي بالإضافة إلى أنها تتمتع بالمهابة 
والوقار الأرستقراطي. أما مسقط رأس أيسخولوس 
فهو ضاحية اليوسيس مركز عبادة ديميتر الشهير 
حيث تمارس عبادات الأسرار. هناك قضى 
أيسخولوس معظم سنى صباه وشبابه. ومما لاشك 
فيه أن رؤيته للطقوس في هذا المعبد-ولا سما موكب 
المشاعل والسير على الطريق المقدس وإدخال 
المتعبدين الجدد إلى الأسرار-قد انطبعت في ذهن 
أيسخولوس منذ نعومة أظفاره فظل طول حياته 
رجلا متدينا. لقد أشار إلى ذلك أريستوفانئيس في 


«الضفادع» (بيت 887-886) حيث جعل أيسخوا سس 


]|]05 


الشعر الاغريقى 


وهو يتأهب للدخول في حوار تنافسي ساخن مع غريمه يوريبيديس يقسم 
بديميتر الربة التي «غذت روحه أيام الشباب وبالفعل حاول أيسخولوس 
طول حياته إثبات انه «جدير بأسرارها 6 

ومن حسن حظ أيسخولوس انه كمؤلف درامي وجد الجمهور الواعي 
الذي تجاوب معه. فلقد عاش أيسخولوس في عصر الأفكار العظيمة 
والأفعال المجيدة. في شبابه شاهد توسع أثينا وحماس أهلها لذلك التوسع 
ولطرد بيسيستراتوس وأسرته وتأسيس الديمقراطية بزعامة كليسثنئيس. 
أما في سن الرجولة والكهولة فقد عاصر أيسخولوس أعظم الأمجاد الأثينية- 
الإغريقية-إبان الحروب الفارسية التي اشترك فيها وكان له شرف الدفاع 
مع مواطنيه في مواجهة الحملتين الفارسيتين الغاشمتين. خفي ماراثون 
حارب هو وأخوه كينيجيروس (1:26801:05) بشجاعة لفتت أنظار الجميع 
إلى حد أنهما كرما بوضع رسمن لهما في النصب التذكاري للمعركة وأبطالها 
والذي أقيم فيما بعد. ومما يحكى فى هذا الصدد أنه عند محاولة الفرس 
الارتداد بأسطولهم أمسك كينيجيروس بمؤخرة إحدى السفن ولم يتركها 
إلا بقطع يده !. على أية حال غفي الغزوة الفارسية الثانية حارب أيسخولوس 
في كل مراحلها من أرتميسيون إلى سلاميس وحتى بلاتايا. وظلت هذه 
الأحداث المجيدة حية ومؤثرة فى ذهن وشخصية أيسخولوس مما انسحب 
على فنه التراجيدي ولقد فطن أريستوفانيس إلى ذلك عندما أطلق عليه 
لقب «محارب ماراثون» (وعطعةدههه00ه:ة31) الذى اتخذناه عنوانا لهذا 
الفصل. 

وهناك رواية حفظها لنا باوسانياس فحواها أن أيسخولوس زعم بأنه 
في صباه وعندما كان يمضى الليل في الحقول يراقب بساتين والده ظهر له 
ديونيسوس إله الخمر وراعية المسرح وأمره بان يكتب مسرحية تراجيدية. 
ومنذ ذلك الحين شرع أيسخولوس يؤلف تراجيدياته انصياعا لهذا الأمر 
الإلهي!'' ومن الطبيعي أن تذكرنا هذه الرواية بما قاله هيسيودوس عن 
نفسه وسبق أن أشرنا إليه-في الباب الآول-عن مقابلة ربات الفنون له فوق 
سفوح الهيليكون. ومن ثم فان ما يقال الآن عن أيسخولوس وديونيسوس قد 
وكلها روايات تهدف إلى الإيحاء بان هذا الشاعر أو ذاك ملهم ينطق بلسان 


14 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


الأرباب. وعلى أية حال فلقد بدأ أيسخولوس يعرض مسرحياته فعلا في 
سن مبكرة عام 499 وهو عام لا ينسى في تاريخ الدراما لآن المقاعد الخشبية 
التي كان المتفرجون يجلسون عليها انهارت بهم غبنى بدلا منها مسرح حجري. 

ومنذ عام 499 وحتى 458 أي ما يزيد على الأربعين عاما ظل ايسخولوس 
يؤلف ويعرض مسرحياته التراجيدية في أثينا. فإذا قلنا إنه كان يتقدم 
للمسابقات المسرحية مرة كل سنتين في المتوسط فانه بلا شك اشترك في 
أكثر من عشرين مسابقة ومن ثم فمن المرجح أن يكون قد عرض حوالي 
ثمانين مسرحية تراجيدية وساتيرية. وبالطبع فهذه أرقام تقريبية راعينا 
فيها أن تكون بلا مبالغة إذ تنسب لايسخولوس 90 مسرحية تقريبا . وجدير 
بالذكر أن ثلاثية «الاوريستيا» كانت آخر ما قدم ايسخولوس على المسرح 
الأثيني عام 458. ومما هو جدير بالملاحظة أيضا أن ايسخولوس لم يحرز 
أية شهرة حقيقية إلا بعد مضى حوالي خمسة عشر عاما من تاريخ أول 
عرض له أي عام 484 عندما فاز بالجائزة الأولى ولكنه ما أن تربع على 
عرش التراجيديا حق استمسك به ولم يتخل عنه إلا بموته وهذا يعني أنه 
ظل الشاعر الآول المفضل طيلة ما يزيد عل ربع قرن من عام 484 إلى 458. 
فاز بالجائزة الأولى ثلاث عشرة مرة على أقل تقدير أي انه كان الفائز 
الأول في معظم المسابقات التي تقدم لها. ومن المؤّكد انه فاز بالجائزة 
الآولى عندما عرضت مسرحياته التالية «الفرس» عام 472: «ثلاثية طيبة» 
عام 467: (الثلاثية الأوريستية) عام 458: بيد أن سوفوكليس الشاعر الشاب 
تفوق عليه وفاز بالجائزة الآولى عام 468: وإن كان ذلك يمثل استثناء لا 
غير. ولقد نظم أيسخولوس بعض الإليجيات ولدينا منها بعض الشذرات. 
ولكن أسلوبه فيها-في رأي النقاد القداس-لم يكن مناسبا لرقة ودقة فن 
الشعر الغنائي ولا سيما الوزن الاليجي. ولعل في ذلك ما يفسر أن إليجية 
ايسخولوس التي كتبها كقبرية للذين سقطوا في معركة ماراثون دفاعا عن 
الوطن فشلت أمام قصيدة سيمونيديس. 

ومن الغريب حقا أن أيسخولوس قد تعرض للمحكمة بسبب ما نسب 
إليه من خروج على أصول الدين الإغريقي. فبينما كان يعرض إحدى 
مسرحياته التي كان يشرك فيها هو بنفسه ورد ذكر لعبادة الربة ديميتر 
وظن الناس انه قد كشف النقاب عن أسرار هذه العبادة وهو أمر غير مباح. 


105 


الشعر الاغريقى 


فهاج الجمهور وماج وكادوا يفتكون بالشاعر لولا أنه نزل من فوق منصة 
التمثيل مندفعا نحو الأوركسترا ومعانئقا مدبح الإله ديوئيسوس ومستجيرا 
بحمايته. وبالفعل ما كان أيسخولوس لينجو من الموت لو لم يكن قد فعل 
ذلك. بيد أنه استدعى للمحكمة ومثل أمام مجلس الاريويااجوس ولم يكن 
ليحصل على البراءة لولا انه ادعى الجهل. ولولا أن القضاة استندوا فى 
حيثيات التبرئة على استبساله المجيد هو وأخيه في موقعة ماراثون دفاعا 
عن الوطن. وهناك رواية أخرى تقول إن الذين حضروا محكمة أيسخولوس 
من الأثينيين شرعوا يرجمونه بالحجارة ولم ينقذه سوى أخيه (ويدعى 
أمينياس في هذه الرواية) الذي كشف عن مكان ذراعه المبتورة إبان موقعة 
سلاميس التي انتصر فيها الإغريق على الفرس عام 2480. 

وقام أيسخولوس بزيارة صقلية ثلاث مرات: الأولى عام 476 بدعوة من 
هيرون طاغية سيراكيوز وبمناسبة تأسيس مستهمرة جديدة تسمى آيتنا 
وقدم أيسخولوس هناك مسرحية بعنوان «نساء آيتنا» وتقوم على موضوع 
محلي كما هو واضح من العنوان. وتمت الزيارة الثانية عام 472 حيث عرض 
أيسخولوس مسرحية «الفرس» في سيراكيوزء بناء على طلب من هيرون. 
وعندما مات الأخير لم تنته علاقة أيسخولوس بجزيرة صقلية إذ قضى 
هذا الشاعر الأثيني الأعوام الثلاث الأخيرة من حياته هناك وبالتحديد في 
مدينة جيلا (6615) التي دفن بها . وبلغت زيارات أيسخولوس المتكررة لصقلية 
وارتباطه بها إلى حد أن الفقيه ماكروبيوس يصفه بأنه «شاعر تراجيدي 
صقلى خالص» (5نادءز5 ودهزعه)27 . ولعل العبارة تعود إلى كثرة ما يرد 
عند أيسخولوس من كلمات وتعبيرات صقلية محلية . كما تعرض أيسخولوس 
لنقد ابيخارموس الشاعر الصقلي الذي سخر من عبارته الطنانة وإن دل 
ذلك على شي فإنما يدل على أن ايسخولوس كان مألوفا في صقلية. 
وهناك عدة قسيرات مطروحة للجوء أيسخولوس إلى صقلية منها أن 
الأثينيين نفوه إما لسقوط المقاعد الخشبية بالجمهور في المسرح عام 499 
وإما لإظهاره ريات العذاب في «الصافحات» عام 458 مما أثار الرعب في 
قلوب المتفرجين. ولكن ليس من السهل علينا أن نأخن بهذه التفسيرات لأن 
ايسخولوس في الواقع بدأ يتردد على صقلية منذ عام 476. ومن المرجح أن 
لجوءه إلى هناك في أواخر حياته كان اختياريا وإلا فكيف كان يسمح 


06 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


بعرض مسرحياته في المسابقات الأثينية ؟ ولا يمكن أن نصدق القول بأن 
ايسخولوس اختفى من أثينا عندما أصابه شعور بالخزى والغيرة والإحباط 
لفشله أمام سوفوكليس الشاعر الشاب في مجال المسرح وأمام سيمونيديس 
في الشعر الاليجي. ويؤيد رفضنا لهذا القول أن ايسخولوس بعد فشله 
أمام سوفوكليس قدم في العام التالي الرباعية «الأوديبية» التي بها نال 
الجائزة الأولى. وبعبارة أخرى لم تكن هزائمه في المسرح عائقا أمام مواصلة 
الإنتاج أو على الأقل العيش في أثينا. بل نستخلص من «ضفادع» 
أريستوفانيس-إذا كان لنا أن نعول على ما يقوله هذا الشاعر الكوميدي-أن 
ايسخولوس كان على علاقة ودية مع سوفوكليس. بيد أن بعض الدارسين 
المحدثين لا يكفون عن تذكيرنا بحادثة محكمة أيسخولوس لإفشائه أسرار 
العبادة الخاصة بديميتر في اليوسيس ويريدون الإيحاء بأن علاقته مع 
الجمهور لم تكن على ما يرام. ويتعارض هذا الزعم كلية مع الحماس الذي 
استقبل به الجمهور الآثيني مسرحيات أيسخولولس الأخيرة وكذا المديح 
الذي أسداه الشاعر للأثينيين في كافة مسرحياته ولا سيما في 
«الصافحات». ثم يأتي التكريم الذي لاقاه أيسخولوس بعد موته كخير دليل 
على حب الجماهير له. ولا نرى ما يدعونا إلى قبول الرأي القائل بأن 
ايسخولوس هجر أثينا إلى صقلية امتعاضا من التيار الديموقراطي القوى 
لآن الفترة التي وقعت فيها هجرته كانت فترة السيادة الأرستقراطية. ولم 
يحدث المد الديموقراطي القوي إلا عام 462 قبيل موت أيسخولوس. وبما 
أن بنداروس وسيمونيديس أقاما أيضا بعض الوقت في صقلية وبدعوة من 
طاغية سبراكيوز هيرون فإن ذلك يعني أن ايسخولوس لم يكن استثناء في 
إعجابه بهذه الجزيرة وإفامته بها. 

ومع أن أيسخولوس كان يتعاطف مع هيرون طاغية سيراكيوز إلا انه كان 
يظهر امتعاضا من الطغيان بصفة عامة. وأكبر دليل على ذلك مسرحيته 
«برومثيوس مقيدا» التي تصور ثورة ديموقراطية. وتصف الجوقة في 
مسرحية «الفرس» (بيت 242) الاثينيين بأنهم ليسوا «عبيدا أو رعايا لأحد». 
ويتحدث أيسخولوس عن الشعب في «المستجيرات» (بيت 699) على أنهم 
«حكام المدينة». كما أن الملك في نفس المسرحية لم يصل إلى قرار في 
المشكلة القائمة إلا بعد استطلاع رأى الشعب (أبيات 365 وما يليه 398). 


107 


الشعر الاغريقى 


هذه كلها دلائل د منها ما يفند رأى القائلين بأن ايسخولوس كان 
معاديا للديموقراطية. وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن أيسخولوس لم 
يظهر إمتعاضه من غلاة الديموقراطيين أولئك المتطرفين الذين ساد تيارهم 
في السياسة الأثينية في نهاية المطاف. ومما لاشك فيه أن ايسخولوس ذا 
الأصل الأرستقراطي كان متأثرا بفكر طبقته هذه مما جعله يقول-على 
سبيل المثال-إن «الأغنياء القدامى يعاملون خدمهم على نحو أفضل وبنبل 
أكثر مما يفعل الأغنياء المحدثون» («أجاممنون» أبيات 1045-1043). 
وأيسخولوس هذا هو الذي مجد «لأريوباجوس» خير تمجيد في «الصافحات» 
فإذا لاحظنا أن هذا المجلس يمثل قلعة عتيدة للأرستقراطية العتيقة حتى 
إنه حكم أثينا لمدة سبعة عشر عاما بعد انتهاء الحروب الفارسية حين 
انتزعت منه السلطة انتزاعا عام 462 لفهمنا اتجاه ايسخولوس الأرستقراطي. 
وبعد هذا العام صار الأريوباجوس مجرد محكمة جنائية تختص بجرائم 
قتل الإنسان والحرق المتعمد . ولكن أيسخولوس عام 458 يعرض «الصافحات» 
وفيها نرى الربة أثينة تؤفسس وترأس مجلس الاريوبااجوس وتصفه بأنه 
«إنجاز وطني» لأن هذا المجلس هو «حارس المدينة» و«المراقب اليقظ» 
للمواطنين النائمين فهو لا يغفل ليل نهار عن ملاحقة الظلم (أبيات ا68- 
6. ألا يدل كل ذلك على أن أيسخولوس يعترض على تقليص سلطة 
مجس الأريوباجوس الأرستقراطي ؟ فمع أن الشاعر كان محبا للحرية 
والديموقراطية إلا أنه كره أن يتسلم المواطنون العاديون سلطات مطلقة فهو 
يريد ديموقراطية معتدلة. إنه ضد الطغيان سواء مارسه فرد أو أقلية أو 
حتى أكثرية. المهم أن أيسخولوس-عن طريق الموضوعات الأسطورية 
التقليدية-قد باشر النقد السياسي للأوضاع المعاصرة. 

ولقد بذل العلماء جهدا كبيرا في البحث عن موقف ايسخولوس السياسي 
في ظل التنافس بين أريستيديس (مات عام 468 تقريبا) وثيميستوكليس 
(مات عام 459) اللذين قسما أثينا عقب الحروب الفارسية مباشرة إلى شيع 
وأحزاب. كان أريستيديس رجلا محافظا يعترض على سياسة التوسع الآثينية 
بينما كان ثيميستوكليس هو الذي جعل أثينا تتحول من قوة برية محدودة 
إلى قوة بحرية تسيطر على البحر الإيجي كله. على أية حال هناك من 
المؤرخين من يقول بان أريستيديس نفسه لم يكن معترضا على مبداً التوسع 





1١8 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


الأثيني. المهم أن بعض العلماء يرى أن ايسخولوس كان أميل إلى تأييد 
اريستيديس في حين يرى الآخرون عكس ذلك. فالفقرات التي يستشهد به 
أصحاب الرأي الأول من مسرحيات ايسخولوس «السبعة» أبيات 592- 594 
و«الفرس» أبيات 349-348) هي فقرات عامة-غير محددة-في رأي الفريق 
الأتحويل كانس بيات على لبان اثرية أفيقة ى «السا هات (بيت 3 وما 
يليه) تقول فيها «في المستقبل ستحقق أثينا مجدا أكثر مما تملكه الآن» 
وفوما يشير إلى فاسيسى ها ينمي #بالإغبر|ظورية الأقتيةالبصرية كيل 
يمكن أن يأتي مثل هذا القول من شاعر يعترض على سياسة ثيميستوكليس 
التوسعية ؟ 

وبالطبع نحن لا نقبل كثيرا من القصص التي حكيت عن ايسخولوس 
وكيف أنه كان ينظم مسرحياته مخمورا أو أنه مات لأن أحد الصقور أخطأ 
رأسه الصلعاء وحسبيها صخرة صماء بيضاء فألقى عليها سلحفاة كبيرة 
بهدف كسر قوقعتها الحجرية فمات أيسخولوس من فوره ! فهذه حكايات 
طريفة مختلقة اختلاقا . على أية حال دفن أيسخولوس في جيلا ونقش 
على قبره ما يلي: 

«يضم هذا القبر رماد أيسخولوس 

بن يوفوريون وفخر جيلا الخصيبهة ك 

م كان قوى البأس ! هذا ما تستطيع أن تخبرك 

به ماراثون وكذا الميديون طويلو الشعر فقد عرفوا ذلك جيدا». 

وقيل إن أبيات هذه القبرية من نظم أيسخولوس نفسه قبل موته؛ وهذا 
أمر مقبول لأننا نعتقد أن أي شاعر آخر يشرع في رثاء ايسخولوس ما كان 
ليغفل ذكره كمؤلف تراجيدي بارع. ولقد كرمت الأجيال التالية مثوى 
أيسخولوس وتعود الشعراء التراجيديون من بعده أن يزوروا قبره ويقدموا 
له القرابين وأصدر الأثينيون تشريعا خاصا يبيح إعادة عرض مسرحياته 
في المسابقات التراجيدية وفاز ببعض الجوائز بعد موته فهذا ما يفخر به 
في العالم السفلي كما يتصوره أريستوفانيس في مسرحية «الضفادع». 

ويعد أيسخولوس من العبقريات النادرة في التاريخ الأدبي بعامة 
والممسرحي بصفة خاصة من حيث قيمة إنتاجه وتنوعه. كما كان تأثيره على 
تطور الفن التراجيدي قويا وحاسما حتى إن الأثينيين أطلقوا عليه لقب 


100 


الشعر الاغريقى 


«أبو التراجيديا» (كدنههعدت دروندم)7' ويعتبره النقاد المحدثون بصفة عامة 
المؤسس الثاني للدراما التي لم تتعد طور الولادة أو حتى طور التخلق على 
أيدي ثيسبيس ولاحقيه. ولكنها على أيدي ايسخولوس حققت قدرا هائلا 
من النمو والتطور بحيث صارت مسرحياته أنموذجا يحتذى به في البنية 
الدرامية والشكل الخارجي والروح العامة. وكان أهم ما سي البقية الدراسة 
الأيسخولية عن سابقاته أنها ضمت أفكارا ومبادىء متناقضة أو بالأحرى 
أوجدت الصراع الدرامي. فكل شخصية من شخصياته تمثل نظاما أخلاقيا 
أو فكريا معينا تصطدم مع الميول والمبادىء المتمثلة في الشخصيات الأخرى. 
وكل ذلك يحدث أمامنا فيما نسميه الحدث الدرامي. ولعله من المعروف أن 
تشابك عناصر الصراع وتداخلها أو ما يطلق عليه رسم العقدة أو الحبكة 
الدرامية هو المحك الأول لنجاح المؤلف المسرحي. وفي مسرحيات كل من 
ثيسبيس وفرونيخوس كان من المحال تحقيق ذلك لأن كلا منهما لم يستخدم 
سوى ممثل واحد . فكانت الأحداث تسرد للجمهور في شكل مونولوج (أو 
حتى ديالوج) بدلا من أن تمثل أمامهم. أما أيسخولوس فكان أول من تنبه 
إلى إمكانية تمثيل الأحداث الجوهرية ذاتها ووصل إلى تحقيق ذلك باستخدام 
الممثل الثاني. وبذلك استطاع أن يقدم المتصارعين دراميا أي وجها لوجه 
وهو ما خلع على مسرحياته الدفء والحيوية. 

كان لهذه الخطوة من التأثير ما أدى إلى تحويل جذري في عملية الكتابة 
الدرامية ذاتها . فحتى الآن كانت الدراما تقوم على أساس الأغاني الجماعية 
للجوقة أو مقطوعات وصفية سردية يتوجه بها الممثل للجوقة أو حتى حوار 
بين الجوقة والممثل حول أحداث وقعت بالفعل في مضى. أي أن الجوقة 
كانت تحتل موقع المركز في دائرة العملية المسرحية برمتها . ذلك أن الدراما 
كانت لا تزال في جوهرها ملحمية غنائية لا تمثيلية درامية. ومن بعد 
التطوير الذي أدخله ايسخولوس انتقل مركز الثقل من الأوركسترا-مكان 
الجوقة-إلى منصة التمثيل. ولم تعد الجوقة هي العنصر الغالب فتقلصت 
مشاركتها في الحوار الدرامي ونقص حجم أغانيها ولم تعد تلعب دور 
البطولة الأولى(وع)كندمعمامءط) ولو أننا نتحفظ على رأي العلامة هيج من 
أنها تحولت إلى أن تلعب دور المتفرج السلبي.!"' وبالطبع لم يحدث هذا 
التطور فجأة أو في خطوة واحدة بل اتخذ مسارا مطردا في حياة ايسخولوس 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


من مسرحية الى أخرى حتى أننا نلاحظ أن العنصر الدرامي يطغى رويدا 
رويدا على العنصرين الآخرين أي الملحمي والغنائي في نفس المسرحيات 
التي وصلتنا من أيسخولوس. وهذا خط يتوازى مع اطراد تزايد أهمية 
الممثلين على حساب دور الجوقة الآخذ في النقصان. فمسرحيات 
أيسخولوس الأولى أقرب إلى الملحمية الغنائية منها إلى الدرامية بسبب 
اعتمادها على الممثل الواحد. وهذا ما يظهر جليا في «المستجيرات» أولى 
مسرحياته التي وصلت الينا. فمع أن هذه المسرحية تستخدم الممثل الثاني 
إلا أنه كاكتشاف جديد لا يحسن المؤلف استغلاله ولا يظهر كثيرا . ويمكن 
القول بأن هذه المسرحية لا تختلف في الكثير عن مسرحيات ثيسبيس- 
المفقودة-وليس بها سوى مشهد واحد يغلب عليه حقا الطابع الدرامي السليم 
فهو حوار بين الممثلين الاثنين (أبيات 965-91١‏ وقارن 501-490). يضاف إلى 
ذلك أن أبناء أجبيبيتوس وهم الذين يمثلون القضية الأخرى المضادة لقضية 
وآراء بنات داناءوس لا يظهرون على المسرح قط ولا يدخلون في صراع 
حقيقي مع الآخرين. وإذا كان هذا أمرا طبيعيا لأن عدد الأبناء خمسون ولا 
يمكن تقديمهم في مواجهة الجوقة المكونة من خمسين فتاة-افتراضا على 
الأقل-فان عدم حدوث المواجهة يعني أن الحدث الدرامي لا يقع كله أمامنا 
بل يرد علينا. وتستولي الجوفة في هذه المسرحية على كل الانتباه وتحتكر 
معظم وقت العرض مما يجعل فترات ظهور الممثلين وكأنها نوع من التغيير 
أو الفواصل بين أغاني الجوقة الطويلة. 

أما مسرحيتا «الفرس» و «سبعة ضد طيبة» فيمثلان مرحلة انتقالية 
بين المسرحية السابقة والمسرحيات الأخرى اللاحقة. ففي هاتين المسرحيتين 
لا زالت الجوقة تلعب دورا جوهريا في الحدث الدرامي. فجوقة «الفرس» 
أي شيوخ فارس مشغولون ومتورطون في مأساة تحطم الجيش والأسطول 
بنفس درجة انشغال وتورط ملك الفرس نفسه اكسركيس وأمه أتوسا. أما 
جوقة «السعبة» أي عذارى طيبة؛. فمصيرهن معلق بنتيجة الصراع بين 
الأخوين الشقيقين ولدي أوديب وبنتيجة المعركة الدائرة بين المتحاربين على 
أبواب طيبة. ومع ذلك فليس دور الجوقة في هاتين المسرحيتين كدورها في 
«المستجيرات» لآن موضوع المسرحية الآخيرة هو مصير هؤلاء البنات أنفسهن 
أي الجوقة. هن اللائي يلعبن دور البطولة الرئيسية. أما في مسرحيتي 


الشعر الاغريقى 


«الفرس» و«السبعة» فيقل دور الجوقة من حيث الأهمية وطول الأغاني 
ويزداد دور الممثلين من حيث طول الأجزاء الحوارية وثقل ما يقال فيها. 
ومع ذلك فلا يمكن القول بان أيسخولوس يقدم فيهما طرفي النزاع أمامنا 
مباشرة على المسرح. فلا يظهر بولينيكيس قط أمامنا. وفي «الفرس» كان 
الصراع بين الإغريق والفرس قد حسا وانتهى قبل بداية الأحداث الدرامية. 
كما أن المشهد الذي تدور فيه هذه الأحداث بعيد عن المشهد الحقيقي 
للأحداث الفعلية. ومن ثم كان من الطبيعي أن نتعرف على تطورات هذه 
الأحداث في أغلب الأحيان عن طريق الرسل الذين يقصون علينا ما قد 
جرى هنا أو هناك أو عن طريق أغاني الجوقة الوصفية أو السردية. 
صفوة القول أن العنصر الملحمي والغنائي لا زالا مسيطرين. 

ولعل الصورة تزداد وضوحا إذا قارنا هاتين المسرحيتين بمسرحية 
«بروميثيوس مقيدا» إحدى أعمال أيسخولوس اللاحقة. لقد انحصر دور 
الجوقة في هذه المسرحية في نطاق ضيق لا من حيث طول الأغاني فقط 
بل من حيث إن مضمونها أيضا قد أصبح أقل أهمية بالنسبة لتطوير 
الحدث الدرامي. وهذا ما سيكون عليه الحال في مسرح سوفوكليس 
ويوريبيديس بصفة عامة. والجوقة لا تتورط في الحدث بصفة شخصية 
وإنما تلعب دور المشارك المتعاطف الذي يقدم أما النصيحة السديدة أو 
العزاء القلبى للشخصية الرئيسية. كما تعلق الجوقة على الأحداث السابقة 
وتمهد للأحداث اللاحقة. وفي «بروميثيوس» نجد أنفسنا أمام الأزمة الفعلية 
فنشاهد أحداث الصراع بأعيننا لا عن طريق وسيط كالرسول أو الجوقة. 
فآمامنا بروميثيوس مقيد على ظهر صحرة: بل إن عملية التقييد نفسها 
تحدث أمامنا بكل تفاصيلها من دقات فوق الصخور إلى صرخات البطل 
وتأوهاته ونقاشه الحاد مع هرميس الذي يعلن فيه تمرده على الإله الطاغية 
زيوس رب الأرباب. ونسمع أيضا فرقعة الرعود في خاتمة المسرحية حيث 
تقترب نهاية بروميثيوس . ومع ذلك فلا تزال للطابع السردي الملحمي القديم- 
المتمثل في المرحلة الأولى لإنتاج ايسخولوس-بقية. ذلك أن الأجزاء السردية 
في «بروميثيوس» لا تزال من الطول بحيث تعطل تطور الحدث الدرامي أو 
تصيبه بالركود . ونضرب مثلا على ذلك بقص مغامرات والام ايو. 

أما ثلاثية «الأوريستا» في بحق رائعة أيسخولوس التي تمثل القمة من 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


حيث نضوجه الفني والفكري كما تمثل-على نحو أفضل-الرؤية الايسخولية 
المأساوية للحياة. فحبكات المسرحيات الثلاث تتكون من مشاهد درامية 
واضحة وحية؛ غنية برسم معالم الصراع وملامح الشخصيات. يقف 
أجاممنون في مواجهة كليتمنسترا في المسرحية الأولى التي تحمل اسمه 
عنوانا. أما كليتمنسترا فتواجه ابنها أوريستيس في (حاملات القرابين). ثم 
يأتي دور أوريستيس ليواجه-مع أبوللون-ربات الانتقام وجها لوجه في 
«الصافحات». والحوار-لا أغنية الجوقة؛ أو أحاديث الرسل-هو الوسيلة 
الرئيسية في يد المؤلف قبه يرسم الفكرة ويوضح الحركة. وفي الثلاثية 
يستخدم أيسخولوس ممثلا ثالثا وهو اكتشاف كان قد توصل اليه واستخدمه 
الشاعر الشاب سوفوكليس. ولا تحتل الجوقة مركز الثقل على الأقل في 
المسرحيتين الأوليين من الثلاثية أي «أجاممنون» و «حاملات القرابين». 
وحق في «الصافحات» حيث تلعب الجوقة دورا حيويا لأن عداوة أفرادها- 
ربات الانتقام-لأوريستيس تعتبر سبب وجود المسرحية كلها فان الحدث 
يجري أمامنا على المسرح ولا ترويه الجوقة أو أية شخصية أخرى على 
مسامعنا. يضاف إلى ذلك أن دور كل من اوريستيس وأبوللون والربة أثينة 
في هذه المسرحية ليس دورا ثانويا. ومع ذلك فبوسعنا-حتى في هذه الثلاثية 
الأيسخولية التي تمثل قمة فنه-أن نتلمس بعض بصمات الطابع المللحمي 
الغنائي القديم للمرحلة المبكرة من إنتاج الشاعر. فالجزء الأول من 
«أجاممنون» سردي ملحمي بالأساس ويحوي أغاني جوفة طويلة تتحدث 
عن الحرب الطروادية قبل أن تصف المشاعل التي تتوهج فوق الجبال معلنة 
عودة أجاممنون الظافرة. فالحدث الدرامي هنا يصاب بالتعطل ان لم يكن 
بالركود . وحي في المسرحيتين الآخرين «حاملات القرابين» و «الصافحات» 
يتكرر الحوار كثيرا بين الممثلين والجوقة. ومن ثم يمكن القول بصفة عامة 
إن أيسخولوس | إذا قورن بسوفوكليس ويوريبيديس-لا يزال بدائيا حتى في 
أروع مسرحياته. لكننا من ناحية أخرى إذا قارنا «المستجيرات» بالثلاثية 
الأوريستية تعجبنا كيف استطاع هذا المؤلف أن يقطع هذا الشوط الطويل 
من مرحلة بدائية للغاية إلى مرحلة نضوج درامي شبه كامل. 

يتميز مسرح أيسخولوس بالفخامة والسمو والقوة في العبارة وفي الطابع 
العام. فمسرحياته تتسم بأنها أعمال فنية ضخمة نظمت وعرضت في جو 


الشعر الاغريقى 


من العظمة والأبهة. كل شىء فيها من الحبكة الى الشخصيات ومن اللغة 
إلى الأوزان قد تمتع بقدر ما من الرزانة والوقار. والانطباع الكلي الذي 
يخرج به المرء من هذه المسرحيات هو الشعور بالتبجيل لهذه العبقرية. ولعل 
أبرز الزوايا في مسرح ايسخولوس من حيث الفخامة هي الزاوية الأخلاقية. 
فمع تنوع موضوعات مسرحياته التي وصلتنا نجد أن فحواها الرئيسي 
العام هو عدالة الآلهة والقوة الغلابة للقدر والعواقب الوخيمة لمن يعرض 
طريقه من البشر المجرمين فاعلي الشر. وتعد مثل هذه الأفكار مفتاحا 
مضمونا ليس فقط لفهم المسرحيات ككل بل لاستيعاب كل مشهد فيها على 
حدة. يبدو الإنسان في مسرح أيسخولوس محلوقا قليل الأهمية نسبيا إذا 
قيس بجبروت الآلهة وسلطان القدر. ولا يتعرض أيسخولوس لشخصية 
الإنسان ولا يحلل مشاعره كموضوع رئيسي لأنه يرى أن ذلك الأمربحد 
ذاته لا يستحق العناية وإنما يمكن أن نتخذه وسيلة فقط لطرح وشرح 
القوانين الإلهية الخالدة. لا يدخل أيسخولوس بقلمه عقلية الإنسان لكى 
يفسرها بل لكي يوضح العلاقة بين هذا الإنسان والكون الذي يعيش فيه 
وما يحيط به من أشياء وأحياء ولكي يوضح كذلك أهمية الاحتياط والتدير 
في مواجهة القدر وألغازه المستعصية على الفهم ولكي يقنع هذا الإنسان 
في النهاية بضرورة الوضوح لالآلهة. 

يعتقد ايسخولو سككما جاء في «ضفادع» أريستوفانيس (أبيات 1006- 
3) بان وظيفة الشاعر الدرامي سامية تتمثل في جعل المواطنين أكثر 
شجاعة ونبلا وكرماء وفي غرس الفضيلة فيهم: وزرع الأفكار العظيمة 
والطموحات السامية فى نفوسهم. وشاعر له مثل هذه المهمة الخطيرة لا 
بد أن تكون شخصياته عظيمة وبطولية لكي يخلق على الأقل لدى المواطنين 
نوعا من الحماس والطموح عند مشاهدتهم لهذه النماذج. وكان من الطبيعي 
أن يمتنع ايسخولوس عن تأليف مسرحيات حول موضوع فايدرا أو سثينيبويا. 
إذ يرى وجوب تحاشي الأساطير التي تدور حول شخصيات نسائية شريرة 
ونجده في الأساطير التي عالجها في مسرحياته قد احتفظ بسماتها 
الجوهرية ولكنه في نفس الوقت خلع عليها قدرا من الفخامة والقوة لم يكن 
لها من قبل. فقصة بروميثيوس على سبيل ال مثال لا تعدو عند هيسيودوس 
(أنساب الآلهة) أبيات 568-521) أن تكون قصة خداع واضح أو حتى مضحك- 


204 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


تورط فيها بروميثيوس وعاقبه على ذلك زيوس أشد العقاب. ولكن 
اسكولوس طاق شن هذه الأسظورة شبعة كرامية راكدة سارح كيها قون 
العلله والطفيان مع كيم القتشيصية والقداء من أجل البشن, مدان 
اسكولوين يفضتل تمقهالديني ووقارة يمذل تحذيا صبعيا امام الشعراء 
الذين أكوا سدم ويفكن آق قول يضفة صامة إن كل رااجل الخر يدها 
الثالية له تحمل هلامع واصداء قوية وملموسة لأظكاره وطته: 

كان اللسحوارسى كبقية زشعراه الفراجيديا االاتظروو سردل سرت الى 
المتعامل للكلمة أ إنه المؤلف والمخرج والمثل الركيسي في مسرحياكة 
واخة دون القياية فى عملي الخرض من بدايتها إتى توا توا ولهد اكتينر 
براعة قاكقة واحسانة ماموسة فى الجائب التطبيقى ينين الدرسة الى كان 
عليها في مجال التأليف. فلكي يخلع على شخصياته سمة العظمة والفخامة 
اخترع ملابس خاصة لمثلي التراجيديا تعطيهم وقازا يفوق الحالة الأدمية 
وذلك بالعمل هلح :وا ةظر نوع مسحدين سوام بامبشهداء كمال بخشبية 
مرتفعة أو باللجوء لوسائل الحشو أو بلبس الأردية الفضفاضة والمزركشة 
بألوان لامعة. ووضع على وجوه الممثلين أقنعة لها طابع يثير الحزن والخوف 
(5دأعل مأعمه5هم) . وبلغ من نجاح هذه الإضافات التي أدخلها أيسخولوس 
أنها ظلت تستخدم من بعد عصره وطيلة ثمانية قرون. ومن الطبيعي أن 
يوسع ايسخولوس منصة التمثيل لتسعة ممثلين بدلا من ممثل واحد. ومعهما 
الأباع والخدم بل والجوقة نفسها أحياناء ويسبب الكاتب الروماتي 
فيتروفيوس الى ايسخولوس اختراع خلقية المشاهد المرسومة (متطمهج ممع اة), 
هذا اللتكرام الذى ييه اونظو إلى نوش عابي 1 وغلى آية حال يبدو 
أن اسكرلوس كاد اول من امه يناف نجهم على الجبووو قزين بنجي 
السبق ا باد اصوا لتحا فال والقبور وما زاك ذللق مهنا بهدف إلى زيهاد الشافد: 
وان امسفر لوس يغزق أيطنا اختراع يعض .الآليات: |السريحيه مكل «العجلة 
الدوارة» (119116523©) التي تعرض على الجمهور ما تم حدوثه بالداخل 
(#متعاه) ولا سيما أعمال العنف والقتل. وان كان بعض هذه الآليات فيما 
يبدو من اختراع سوفوكليس وبعضها الآخر ينتمي الى فترة لاحقة. بيد أنه 
من المؤكد أن ايسخولوس ابتدع آلة «منصة الآلهة»(همنزءعم1مء) حيث 
استخدمها في مسرحية «النشور 5» لهذىمادمطء:زوط) ليظهر زيوس في السماء 


الشعر الاغريقى 


وهو يضع فوق الميزان أرواح كل من ممنون واخيلليوس وفي نفس المسرحية 
ترفع جثة اجاممنون من فوق الأرض بواسطة الآلهة الرافعة المسماة «المكينة» 
(ءمقطءع) والتي استخدمت أيضا في «بروميثيوس» لكي يسبح بها أوكيانوس 
في الهواء (أبيات 287-284 وتعليقات القدامى). 

وفي مسرحية «حاملات القرابين» عرض أيسخولوس جثتي أيجيسثوس 
وكليتمتشكرا بواسطة «والمجلة الدوازة:(أنيئات:373:وما يليها وتغلنقنات 
القدامى). ومن الممكن تتبع مسار هذا التغيير والتطوير في مسرح أيسخولوس 
بإلقاء نظرة على السريحيات التي وضلكنا: إذ تلاحظ في اللسرحيات, 
المبكرة أن وصف موقع الحدث وملابسات المكان غامض وغير محدد. أما 
في الثلاثية الأوريستية فان تكرار مثل هذا الوصف مع إضافة بعض 
التفاصيل يشير إلى تزايد في استخدام الآليات. وعلاوة على ذلك فإننا في 
حين لا نجد في المسرحيات المبكرة سوى القليل من المؤثرات السمعية 
والبضرية كن ديم المشهد فأئنا في المسرحيات اللاحقة لا سيما 
«بروميثيوس. والثلاثية الأوريستية-نالاحظ تزايدها . قفي «بروميثيوس» مثلا 
نرى أوكيانوس يطير على ظهر حيوان خرافي. وعرائس البحر يمتطين 
عربتهن المجنحة. ونسمع الرعود ونرى ومضات البرق فوق جبال القوفازء 
وتنزل الربة أثينة من السماء أمام ناظريناء وفي «الصافحات» نرى ربات 
الانتقام وهن يتحلقن حول المذبح في معبد دلفى ثم وهن يلاحقن أوريستيس. 

وكان أيسخولوس-المسؤول أيضا عن تدريب الجوقة-بارعا في ابتكار 
حركات وتصميمات لرقصات جديدة (معاوعطعنه منهسمعطء؟) . وكانت أغانى 
الحرظة فى مسرحياته غالبا جا تورات تارب تظلمهاة الع إحدات تاتر 
يتناسب مع الرقصة المصاحبة ومع موضوع المسرحية ككل. ونضرب مثلا 
على ذلك بكلمات وتصرفات فتيات الجوقة في «السبعة». فهن داخل مدينة 
محاصرة يصرخن في كل مرة تسمع فيها تحركات الجيوش وقرقعات 
السيوف ويرقصن الرقصة التي تعبر عن هذا الهلع والفزع. وهكذا تداخلت 
الكلمة مع الحركة وشكلتا لوحة درامية معبرة ومميزة لفن ايسخولوس. 
وبالمثل في «الاوريستيا» لا يمكن أن ندرك مدى ما يحدثه ظهور ربات 
الانتقام وهن يندفعن إلى داخل الأوركسترا صارخات ومتعقبات لاوريستيس 
ما لم نضع في الحسبان الحركات والرقصات التي كن يعبرن بها عن ذلك. 


200 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


لقد قدمت مثل هذه المشاهد فرصة ذهبية ليستعرض فيها ايسخلولوس 
قدراته الفنية في التصميم والإخراج. 

ولقد أفاد أيسخولوس إذن من مهنته وخبرته كممثل ورجل مسرح كما 
سيفعل كل من شكسبير وموليير فيما بعد . ففي الكثير من مشاهد مسرحيه 
له لا يمكن أن يحدت التأثر العميق المطلوب الا أثناء التمثيل. مثال ذلك 
المشهد الذي يوقظ فيه شبح كليتمنسترا ربات العذاب في «الصافحات» 
وكذا موكب هؤلاء الربات وهن في طريقهن إلى معبدهن تحت سفح 
الاريوباجوس وقد واكبهن الاثينيون بالمشاغل والهتافات. ويمكن لنا أن نضيف 
المشهد الذي يدخل فيه أجاممنون إلى أبهاء القصر بعد تحذيرات كاسندرا 
التنبئية في مسرحية «أجاممنون» إذ بعد لحظات من دخول الملك-وهي 
لحظات قصريرة وعليكة بالترقي والتوجبن شم صبيتاك لكوت التعشرجة 
صادرة عن أجاممنون الذي اغتاله أيجسثوس وكليتمنسترا. حقا إنه لمن 
النادر أن نجد عرضا يجمع بين فنون الشعر والموسيقى والرقص وبراعة 
الإدارة المسرحية بنفس هذه الدرجة العالية التي نجدها في مسرح 
أيسخولوس. 

ومع ذلك فهناك جرأة بالغة في تقديم مشهد تقييد بروميثيوس بالأغلال 
على صخرة القوقاز أمام الجمهور حيث ثبتت يداه وقدماه بالحديد ودق 
اسفين في صدره وظل هكذا على المسرح طول الوقت. وفي مسرحية مفقودة 
بعنوان «نيوبي» جعل أيسخولوس هذه البطلة تلقى نفسها فوق قبر أبنائتها 
وظلت هكذا ممددة طوال مشهدين كاملين ودون أن تنطق ببت شفة؛ ولعل 
مثل هذه المشاهد المعبرة عن الصمت اليائس كانت مفضلة لدى ايسخولوس 
مما أثار سخرية أريستوفانئيس في «الضفادع» (أبيات ١ا920-9).‏ بيد أن 
ايسخولوس استطاع بصمت الممثلين أن يعبر عن أعمق العواطف والانفعالات 
في قلوب شخصياته وأفضل مما لو أنطقهم في هذه المشاهد . وهكذا بينما 
كان بروميثيوس يقيد على الصخرة ولم ينطق بكلمة واحدة رغم الاآلام 
المبرحة. ولكن ما أن ترك وحيدا في الصحراء حتى أطلق العنان للسانه 
وانفعالاته. ومن ثم فان صمته كان تعبيرا عن احتقاره لمن يقيدونه وهو 
صمت يزداد تأثيره وضوحا وعمقا عندما يتبعه البطل بعد ذلك بانفجاره 
الصارخ. 


207 


الشعر الاغريقى 


ويفوت الكثيرين من الباحثين أن شعراء المسرح الإغريقي التراجيدي 
قد استمدوا موضوعاتهم من مصادر أقدم منهم ومؤلفات أخرى سبقتهم 
وهذا ما سنسلط عليه الضوء الآن بالنسبة لمسرح أيسخولوس. 

إذ تقوم كل مسرحيات أيسخولوس فيما عدا «الفرس» على الأسطورة. 
والنبع الأسطوري المفضل لديه ولدي كافة شعراء التراجيديا-كما سنرى-هو 
حلقة ملاحم الحرب الطروادية التي جاءت قصة أوديب ضمنها . من هذه 
الملاحم استقى أيسخولوس موضوعات نصف مسرحياته وله أربع مسرحيات 
مأخوذة من «الإلياذة» وثلاثة من «الأوديسيا». وتحتل أسطورة ديونيسوس 
ورحلة السفينة أرجو المرتبة الثانية. ومع ذلك فيمكننا أن نقول عن مصادر 
مسرحه ككل بأنها تغطى معظم التراث الأسطوري فهي متنوعة:؛ بل إن 
بعض مسرحياته مثل «جلاكوس البونطى» (05ا202 1105 0) تقوم على 
أسطورة بويوتية محلية مجهولة اكتشفها الشاعر نفسه عن طريق البحث 
والتقصى ومعايشة صيادي هذه المنطقة/”. 

ونظرة واحدة إلى غاوين مسرحيات أيسخولوس والشذرات المتبقية!8) 
منه كفيلة بأن تؤيد وتؤكد صدق المقولة في هذا الشاعر أي إن مسرحياته 
ليست سوى «فتات من ماكدة هوميروس الضحمة القخمة»'" .بيد أن آراء 
الدارسين في معنى هذه العبارة متباعدة. فمن قائل إنها تعني الروح العامة 
لمسرح ايسخولوس كانعكاس للعظمة البطولية الهومرية إلى آخر يقول بأن 
العبارة تشرح بنية مسرحيات أيسخولوس المبكرة حيث سادت التقنية السردية 
الملحمية كما لاحظنا. ونحن نرجح أن العبارة تستهدف مصادر أيسخولوس 
قبل أي شئ آخر وأنها لا تعني هوميروس وحده-حيث لم يأخذ منه 
ايسخولوس سوى سبع مسرحيات-وإنما تعني أيضا الحلقة الملحمية-والتي 
غالبا ما كانت تنسب إلى هوميروس لدي القدامى. 

والحبكة الدرامية الأيسخولوية بسيطة للغاية؛ فهي تشرح للجمهور منذ 
البداية القصة ونهايتها. يجري الحدث الدرامي في خط واضح ومرسوم 
بعناية فائقة. وبين الحين والحين تشرح أغاني الجوقة ما غمض من المعاني 
المطلوب إيصالها للجمهور. ومع النقص الملحوظ في التعقيد والتشابك 
بالحبكة الأيسخولوية لا نستطيع أن نصفها بأنها مملة أو راكدة. في عالم 
الدراما يمكن أن تحتفظ بانتباه الجمهور واهتمامه بالتنويع في النغم والتدرج 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


في الألوان وليس بالضرورة عن طريق تعقيد الأحداث. وفي ذلك كان 
أيسخولوس لا يشق له غبار فهو يجمع ويرتب مشاهده على نحو لا يرهق 
القارئ أو المشاهد. 

ووفقا لتنظيمات المسابقات المسرحية في إطار مهرجانات ديونيسوس 
بالمدينة-أثينا-كان على كل شاعر أن يعرض ثلاث تراجيديات ومسرحية 
ساتيرية واحدة. وكانت المسرحيات الأربع تعرض تباعا في نفس اليوم. 
وبينما اعتاد الشعراء السابقون أن تكون مسرحية من مسرحياتهم الأربعة 
مستقلة عن الأخرى بموضوعها ابتدع ايسخولوس نظاما فريدا ومميزا 
لعبقريته. لقد رأى أن يقدم المسرحيات الأربع كوحدة واحدة يطلق عليها 
اسم «الرباعية» (12ع210:ه:) بحيث تكون المسرحيات التراجيدية الثلاثة منها 
ممثلة لمراحل ثلاث متتالية من قصة مأساوية كبيرة وتسمى الثلاثية 
التراجيدية (2زعه1نها). أما المسرحية الرابعة فهي الساتيرية التى تختم 
الرباعية ككل بمشهد ساخ رمن نفس الأسطورة, وكافت الخلاقية التراجيدية 
بالنسبة لأيسخولوس هي الفرصة المناسبة للتعبير عن رؤيته المأساوية القائمة 
على فكرة اللعنة المتوارثة والإثم الذي يلاحق السلالة من جيل إلى جيل. 

ومن الرباعيات التي نظمها ايسخولوس نعرف ثلاثة منها فقط على 
نحو يقيني. الأولى هي «الأوديبية» وهي تتابع مصائب آل أوديب من الجريمة 
الأصلية التي تورط فيها لايوس حتى المعركة بين الأخوين ولدى أوديب على 
أسوار طيبة. والثانية هي الرباعية «الليكورجية» وقد اتخذت من دخول 
ديونيسوس إلى طراقيا موضوعاء حيث قاوم عبادته ليكورجوس وانتهى 
الأمر بتأسيس هذه العبادة. أما الرباعية الثالثة فهي «الأوريستييا» وتتناول 
اللعنة الموروثة في آل بيلوبس وسنعود إلى دراستها بالتفصيل لأنها قد 
وصلت إلينا كاملة. وفيما عدا هذه الرباعيات الثلاثة تختلف الآراء. فهناك 
من يقول بان ايسخولوس أعطى نفسه حرية أن ينظم الثلاثية التراجيدية 
على أساس أن تكون كل مسرحية بمثابة فصل من فصول القصة الكبرى 
أي أن تكون المراحل الثلاث مرتبطة ارتباطا وثيقا أو ألا تكون الصلة بمثل 
هذا الالتصاق. ويستدل النقاد على ذلك بأنه في حين يمكن للمرء أن يقرأ 
«أجاممنون» بمفردها ويستوعبها استيعابا كاملا لون أن يكمل بقية الثلاثية 


الأوريستية يجد أن «بروميثيوس مقيدا» قد استعصت على الفهم بسبب 


200 


الشعر الاغريقى 


فقدان بقية الثلاثية. هكذا يبدو رأيا مقبولا القول بان الصلة فيما بين 
مسرحيات الثلاثيات أو الرباعيات الأيسخولية لم تسر على وتيرة واحدة. 

ومع أن البنية الرباعية كانت مفضلة ومحببة إلى قلب ايسخولوس إلا 
انه من غير المحتمل أنه اتبعه في كل كتاباته. بل يرجح أن تكون مسرحياته 
المبكرة-مثل مسرحيات سابقيه-منظومة على شكل انفرادي أي لكل مسرحية 
بنيتها المستقلة. وربما عاد ايسخولوس بين الحين والآخر في مسرحياته 
المتأخرة إلى هذا النظام الأقدم فنظمء بعض المسرحيات الانفرادية مثلما 
فعل في «الفرس». وحتى في حالة كتابة رباعيات مرة أخرى فانه قد يختتم 
الواحدة منها بمسرحية ساتيرية لا ترتبط موضوعا أو أسطورة بالثلاثية 
التراجيدية. 

وندين ببقاء مسرحيات ايسخولوس السبع التي وصلت إلى أيدينا للفقهاء 
الذين حفظوها واتخذوا منها أمثلة للدراسة اللغوية والأدبية. فلقد كانت 
هناك مجموعات مختارة من المسرح الإغريقي شاعت إبان القرن الخامس 
الميلادي وعلق عليها الفقهاء. ومن بينها سبع مسرحيات لايسخولوس وسبع 
أخرى لسوفوكليس وتسع ليوريبيديس (ووصلت عشر مسرحيات أخرى له 
بدون تعليقات) وإحدى عشرة مسرحية لأريستوفانيس. وفي نهاية العصر 
البيزنطى قل عدد المسرحيات بهذه المجموعات المختارة لتدهور الأحوال 
السياسية وانحطاط المستوى الثقافي والأدبي حتى صار نصيب كل شاعر 
لا يتعدى ثلاث مسرحيات. وكانت «السبعة» ووالغرس و وسيروس اوس من 
المسرحيات الثلاث المختارة من أيسخولوس بيد أن «أجاممنون» و 
«الصافحات» كانتا تقرآن في أحيان نادرة» وأهملت كل من «حاملات القرابين» 
و «الستجيرات: ثماماء ومع أننا لا تستطيع أن تعرف على وجه اليقين 
المعايير التي كان يتم بها الاختيار والاحتفاظ بهذه المسرحيات. بيد أنه من 
الواضح أنه اختيار مدروس وأذ المسرحيات السبع تمثل تطور فن ايسخولوس 
«فالمستجيرات» هي بكورة إنتاج ايسخولوس المعروف لنا حيث كانت 
التراجيديا غنائية أكثر منها درامية. أما «الفرس» و«السبعة» فيمثلان المرحلة 
الوسطى. وتأتى «بروميثيوس» و «الأوريستيا» لتمثل قمة ما وصل إليه فن 
ايسخولوس من نضوج. كما أن «الاوريستيا» هي الثلاثية الوحيدة التي 
وصلتنا من هذا الشاعر الأثيني بل من المسرح التراجيدي الإغريقي برمته. 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


ولا ننسى أن الإشارات الواردة عند اريستوفانيس وأرسطو قد لعبت دورا 
ما في تدعيم شهرة هذه المسرحية أو تلك. 

ونحن نقبل الرأي القائل بان «المستجيرات» هي بكورة إنتاج أيسخولوس 
المعروف لأسباب كثيرة منها غلبة العنصر الغنائي في هذه المسرحية وكذا 
قلة الأجزاء الحوارية وعدم بروز الممثل الثاني. وتفاوتت آراء النقاد والدارسين 
حول تاريخ هذه المسرحية بشكل حاد فالبعض يؤرخونها بعام 49١‏ وآخرون 
يرون أنها لم تكتب أو تعرض قبل عام 46١‏ ويرجح أنها عرضت ضمن 
رباعية تعالج موضوع هرب بنات داناءوس الخمسين وملاحقة أبناء عمهن 
أيجيبتوس (مصر) لهن لإرغامهن على الزواج منهم: وقتل البنات لأزواجهن 
ليلة الزفاف فيما عدا هيبرمنيسترا التي أعفت زوجها من هذا المصير 
فحوكمت على ذلك. ويقطع بعض الدارسين بأن «بنات داناءوس» هي 
المسرحية الثانية في الثلاثية التراجيدية بعد «المستجيرات» وتعالج فترة 
الزواج. وأما المسرحية الثالثة فهي إما «المصريون» أو «صانعو الأسرة» أي 
فراش الزوجية. 

ويلاحظ أن أكثر من نصف «المستجيرات» غنائي. أي تؤديه الجوقة كما 
أن معظم الجزء الحواري المتبقي تشترك فيه الجوقة أيضا وبكثافة عندما 
تدخل في حوار مع الممثل ولا يظهر الممثل الثاني إلا في مناسبتين بل يمكن 
الاستغناء عنه فى عرض المسرحية كلها باستثناء حوالى سبعين بيتا (474- 
7, 888- 0 وتدور الأخرأت هن الحراء :قري اللشاماح عيك ف البثات 
الخمسون حول المذبح في استجداء واستنجاد ويقف داناءوس أبوهن 
بجوارهن. وتبدأ المسرحية بدعوات تتغنى بها البنات الخمسون أي الجوقة 
ويتلو ذلك حوار قصير بينهن وبين والدهن حول مصيرهن. ويظهر ملك 
أرجوس وتستجديه البنات الخمسون لحمايتهن وفي حوار دافىّ تطرح شكوك 
الملك المتذبذب الذي في النهاية يستسلم لتضرعات البنات الخمسين ويعد 
بحمايتهن. وظل داناءوس في تلك الأثناء صامتا ولكنه الآن يتحدث فيشكر 
الملك في إيجاز ويذهب إلى داخل مدينة أرجوس بهدف تقديم صلوات 
الشكر للآلهة. ولم يكن حضوره (كممثل ثان) ضروريا في هذا المشهد وكان 
بالإمكان الاستغناء عنه. على أية حال تترك الجوقة وحيدة في الأوركسترا 
فتنشد نشيدا تتضرع فيه لزيوس ويستمر غنائها حتى عودة داناءوس بأخبار 


الشعر الاغريقى 


سارة مؤداها أن شعب أرجوس قد صدق على قرار الملك بحماية البنات 
الخمسين وقبول لجوثهن إلى المدينة. وهنا تنخرط الجوقة في أغاني شكر 
للآلهة وتصل الأحداث إلى الدذروة عندما يخير داناءوس بناته أنه يلمح عن 
بعد سفينة تحمل الأبناء الخمسين لأخيه أيجيبتوس وتقترب من الشاطئ. 
وينسحب داناءوس إلى الداخل بحجة أنه سيحذر الأرجيين بشأن هؤلاء 
القادمين فيعطى بذلك الفرصة للجوقة كي تنهمك في أغنية حزينة وشكوى 
ويآمر البنات بأن يتبعنه إلى السفينة الراسية على الشاطىٌ ويطلق بعض 
التهديدات المخيفة فتتوسل البنات طالبات الرأفة والرحمة. ويظهر ملك 
أجوس فجأة: وهنا يدور حوار درامي بالمعنى السليم بين الممثلين الاثنين 
وهو حوار ساخر لاذع بين الملك الأرجى والرسول المصري وينتهي الحوار 
بطرد الأخير شر طردة مهزوما بعد أن خاب مسعاه. وبعد اختفاء هذين 
الممثلين تعلق الجوقة على حوارهما فتعبر عن سرورها بأغنية قصيرة ويعود 
داناءوس ليقودهن إلى أرجوس ثم ينسحب الجميع وهم يدعون بالخير 
والبركة للمدينة وأهلها. 

والموضوع الرئيسي في «المستجيرات»-يل في مسرح ايسخولوس ككل- 
هو عدالة الآلهة التى تعاقب كل متعجرف ظالم. ولا يصل هذا المعنى 
للجمهور إلا من خلال أغانى الجوقة فى الأغلب. ذلك أن المسرحية تبداً 
بالبنات الخمسين وهو يستنجدن بمذبح الآلهة وتنتهي المسرحية وهن يرفعن 
أيديهم بالدعاء والشكر لنفس الآلهة لأنهم أنقذوهن من أيدي المعتدين. 
هؤلاء البنات اللائي فررن ذعرا أمام الرسول المصري يشكرن في نهاية 
المسرحية الملك الأرجي الذي وقف معهن في وجه الظالمين. 

وعرضت مسرحية «الفرس» عام 2 وهيى المسرحية التاريخية الوحيدة 
التي وصلت إلى أيدينا من المسرح الإغريقي برمته. ويتغنى أيسخولوس في 
هده المسرحية بانتصار الإغريق الساحق فى معركة سلاميس عام 480. وما 
من مسرحية من مسرحيات أيسخولوس الباقية يمكن أن تظهر لنا عظمة 
مؤلفها وسعة أفقه اكثر من «الفرس» ذلك أن الشاعر الفن بدلا من أن ينهك 
قواه ويضيع جهوده في تضخيم وتفخيم الكبرياء الوطنية الإغريقية يعمل 
عقله وعبقريته في محاولة جادة لتفسير هزيمة الفرس. وهو بالطبع تفسير 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


كراجيدق لآن صنل القرين وعصويضو: اسعوجيا اققاب السنارن والمزيفة 
ا ا ا 
لامتتسريوياى الإشردة عدر داهن موجه الترماقهم الهزومين اتن شرن 
ودر كو ستكر نوب علي العذا لذ الآلبية انق يخا ط بها وطخ اللكيرياء الجرقاد 
والتعصب الأعمى للقومية والشعوبية. وهكذا يبدو لنا ولأول وهلة أن 
ايسخولوس قد جعل مجد وانتصار الإغريق موضوعا ثانويا في مسرحيته 
بيد أن أية محاولة للتعمق في معطيات هذه المسرحية ستظهر أنه بذلك 
استطاع أن يمجد هذا الانتصار الإغريقي أروع تمجيد . إنه التمجيد الدرامي 
غير المباشر فعندما جعل أيسخولوس الأحداث الدرامية تجري في القصر 
الفارسي قد مكن بذلك مواطنيه المنتصرين من مشاهدة أثر الهزيمة على 
تقوني اعداكيم ولا تنك اخ الأخريق هم يرون الازية الت وكوفيها الغريى 
القروروة يتتكرون بشغرورضا اعمال الخرب والمطردة الم كاذنا هم 
أنفسهم فرسانها الأشاوس في بر المعركة وبحرها. إنهم الآن يشاهدون 
العدو الفارسي ذليلا في عقر داره يتجرع كاس المرارة وهو يتلقى من ميدان 
الحرب أخبار هزائمه تثرى. وهم الآن يتحققون من أن العناية الإلهية هي 
التي قد أنقذتهم من هذا الشن الوبيل ومن مخل هذا الكصير. ذلك أتهم 
بالطع كأنوا سولاكون مصيرا متها لو أنيه رضي تح طاكلة الطعيان 
الفارسي الغاشم. صفوة القول أن أيسخولوس في هذه المسرحية قد أشبع 
مواطنيه-متفرجي المسرح الآثيني-ورغبتهم في الاحتفاء بانتصارهم دون أن 
يصل الأمر إلى حد التشفى أو الإسفاف أو حتى الدعاية الهزيلة كما يفعل 
كثير من الكتاب فى مثل د المناسبات الوطنية. 

ونظرة ها ينيد والغوبي كفيلة يان رطع لج انين عد رركا لا سانا 
للحبكة الدرامية البسيطة. فهي مسرحية تكاد تكون خالية من الحدث 
الدرامي لآن الحملة الغارسية قد انقهت بالفعل قبل أن كيدا المسرحية 
لفسهاء ركل ما يدض كانه هو متقبال الأخبار ف سرمي اتخبان المزيمة 
الفارسية؛ ثم عودة اكسركيس وأسى الفرس على هذه الكوارث. بيد أن 
كولوين يعرطن ذلك على قحو بورامى مشوق لإنغاية, إن لا يمان عق 
الكارثة منذ اللحظات الأولى بل يقودنا إليها خطوة خطوة وبمهارة فائقة. 
ومن كم فان شعورتا بالتعاطف مع أبطاله يزداد عمقا كلما مصينا جعه طى 


الشعر الاغريقى 


مسرحيته. فمنذ البداية هناك جوقة الشيوخ الفرس القلقين على أخبار 
الجيش ويضفون بشكوكهم وتوجساتهم هذه جوا غامضا من الترقب لحدوث 
مصيبة كبرى. ثم تظهر أتوسا وتحكي حلمها المزعج وبالتالي يتصاعد جو 
الترقب والتوجس. وعندما يصل هذا التصاعد إلى قمته يظهر الرسول 
ويعلن الحقيقة السافرة ثم يشرع في وصف تفصيلي لخسائر الفرس الذين 
هزموا في سلاميس ولمجزرة بسيتاليا(21612ز5م) والانسحاب المدمر. وهكذا 
تتوالى الأنباء وتتراكم الأحزان ومع ذلك فلا زالت هناك أشياء لم تظهر 
بعد . إذ ينهض شبح داريوس من قبره ويؤنب مواطنيه لا على الهزيمة بل 
على الصلف والغرور ويتتب بهزيمة أخرى لهم في بلاتايا. والآن فقط يظهر 
اكسركسيس منهكا مهلهل الثياب أشعث الشعر متربا وحوله اتباعه في 
حالة لا تقل سوءا وينخرط الجميع في صرخات الألم والحزن: الختامية. 
هكذا نعرف كيف استطاع إيسخولوس أن يخلع على موضوعه سمة التنوع 
وخصائص الدراما وذلك بالتقدم البطيء المتدرج والمؤثر نحو الذروة. ولقد 
نوع أيسخولوس أيضا في أسلوب الكشف عن الأمور فهو مرة ينتقل بنا من 
توجس وترقب خائفين إلى سردى طويل ومعبرء. وأخرى من الحث الجاد 
على الصبر والصمود إلى دعوة مباشرة إلى الحزن والألم القاتلين وهذه 
القدرة الدرامية والبراعة في رسم الحبكة تظهر في كل المسرحيات تقريبا 
مما يجعلنا نتشكك في القول النقدي المنسوب إلى سوفوكليس بأن 
أيسخولوس كان يكتب ما كتب بدافع غريزته فقط وكان يهتدي إلى ما هو 
صحيح وسليم دون وعي منه. أي إنه كان فنانا بالسليقة ينظم أشعاره دون 
تفكون أو :تن 1100 

ولوحظ أن أيسخولوس لا يذكر الأبطال الإغريق بالاسم في هذه 
المسرحية. وليس السبب الوحيد في ذلك أنه يتحاشى إثارة مشاعر الغيرة 
والفرقة بين محاربي بني قومه الإغريق. إذ يبدو لنا أن أيسخولوس بذلك 
كان ينشد السمو فوق كل ما هو مألوف وكان يرمي إلى أن يحيط مسرحيته 
بجو من الوقار وبعض الإبهار المتمثل في تقديم مشاهد عجيبة من بلاد 
أجنبية غريبة. كان المسرح قبل أيسخولوس لا يقدم سوى الآبطال الأسطوريين 
والآلهة. أما إذا نزل إلى مستوى تقديم أقراد من البشر فلا أقل من أن 
يحتفظ لهم بالعظمة والأبهة بتجنب ذكر الأماكن والأسماء الشائعة ومحاولة 


214 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


اختيار كل ما هو عجيب غير معروف أو مألوف. وهذا بالضبط ما حاول أن 
يفعله كل من راسين وشيللر وجوته وغيرهم إبان عصر النهضة وسار على 
نفس الدرب بريخت في القرن العشرين. ويدلل أيسخولوس نفسه على أنه 
يفعل ذلك عن عمد بأنه في مقابل تجاهل أسماء الأبطال الإغريق يذكر 
قواكم كاملة من اسماء الفرس» كما يجتعل الجوقةاللكونة من شيوخ فارس.» 
تخاطب الملكة أتوسا قائلة ديا زوج وام اله إبيت 157)..وعندها يظهر شبح 
داريوس لا تجرؤ الجوقة على النظر في عينيه ولا حتى مخاطبته وجها 
لوجه (أبيات 694- 696). وضي المشهد الختامي (بيت 908- 1076) ينخرط 
اكسركسيس-الملك العائد مهزوما مع الجوقة في صرخات ألم وندم وأسى 
تصاحبه-بالقطع-موسيقى بريرية وحشية. وقد يكون الهدف من هذا المشهد 
هو إظهار العف الفارسى. 

وقبل أن نختم حديثنا عن «الفرس» نود التنويه إلى أن أيسخولوس-مثل 
شكسبير فيما بعد-لا يحفل كثيرا بالدقة التاريخية الصارمة بل وقع في 
خطا الخلطة ا لمضارى والورنتي. لآنه يجدل العرس بتظير عون للآنية تحمل 
أسماء إغريقية. فهم يصلون لزيوس وهرميس وأبوللو (أبيات 
532.5 , 629, 915): بل إن تمثالا للاله الأخير-على نحو إغريقي قح-يقف 
أمام القصر الملكي الفارسي كما أن القرابين المقدمة لشبع كلك داريوسن 
(آبيات 285 807 وما يلبها) اغريقية واللسحدفارسية: 

عرضت مسرحية «السبعة ضد طيبة عام 467 وموضوع الثلاثية 
التراجيدية التي جاءت هذه المسرحية في إطارها هو اللعنة التي أصابت آل 
لايوس. وفي «لايوس» أولى مسرحيات هذه الثلاثية يشرح المؤلقا منيب 
اللعنة وان القساة» وقبينا تقر تجؤة دلفى هذا الندهالقول إنه وإذا مات 
بدون:خلف فسينقن المديئة» (راجع «السبعة» بيت 750:745) بيد أن لايوسن 
ضرب بهذا النذير عرض الحائط وأنجب ولدا (سيحمل اسم أوديب فيما 
بعد) وألقاه في العراء فوق جبل كيثايرون وهكذا حقت عليه اللعنة من 
أرباب السماء. وفي المسرحية الثانية «أوديب» بدأت اللعنة تحدث آثارها 
الوخيمة إذ قتل أوديب أباه واصبح ملكا على طيبة وتزوج أمه وفعل كل ذلك 
دون علم. قلما انكشفت له حقائق الآمور فقأ عينيه ولعن ولديه اتيوكليس 
ودواوتاكين مكرك اقيما بمعيير سي حيو قال ليما سته همان الشركة 


الشعر الاغريقى 


بحد السيف لكي يتساوى نصيب كل منكما مع الآخر («السبعة» أبيات 778- 
7١‏ 008). وهذه اللعنة هي التي تنشط في مسرحية «السبعة«فاتيوكليس 
الذي هو الآن ملك طيبة لم يتنازل لأخيه عن الحكم عندما جاء دوره مما 
اضطر الآخر لأن يهاجم المدينة مستعينا بستة قواد من أرجوس. ويقتل 
الأخوان كل منهما الآخر. وهذا النصيب المتساوي الموعود على لسان أبيهما 
لكل منهماء إنه الموت على أسوار طيبة في وقت واحد. 

وكان من الممكن أن تنتهي المسرحية بموت الأخوين بيد أن المؤلف يضيف 
مشهدا آخر تعلن فيه أنتيجوني عزمها على دفن أخيها بولينيكيس رغم 
صدور أمر رسمي عن شعب طيبة يمنع دفنه. ويرى بعض النقاد أن هذا 
المشهد مقحم على المسرحية وأن الذي أضافه يقلد مسرحية «انتيجوني» 
لسوفوكليس ويستند هؤلاء النقاد ليس فقط على أن هذا المشهد يفسد 
نهاية الثلاثية التراجيدية بل أيضا على حقيقة أنه قي حالة عرضه يحتاج 
إلى ثلاثة ممثلين. ويرد نقاد آخرون بان الدارس المدقق لا يجد بادرة إقحام 
في هذا المشهد كما أن مسالة أنه يحتاج إلى ممثل ثالث غير مستعصية 
على الحل. إذ لوحظ أن دور ايسميني (الممثل الثالث) في هذا المشهد 
صغير جدا ويمكن أن يقوم به واحد من الممثلين الإضافيين أو الاحتياطيين 
(8]ةتمعوء:مطعههوم) الذين كانوا تحت طلب شعراء التراجيديا. ويللاحظ أن 
الأمر بعدم دفن بولينيكيس ينسب إلى كريون عند سوفوكليس بينما هو 
صادر عن شعب طيبة عند ايسخولوس في «السبعة» (أبيات 1005- 1006) 
مما يتعارض مع أن يكون هذا المشهد تقليدا لمسرحية سوفوكليس. ويمكن 
الرد على الانتقادات الموجهة لهذا المشهد الإضافي بتبني أسس جمالية. 
حقا إنه يتعارض بعض الشيء مع اتساق البناء الثلاثي لأنه ينذر بمصائب 
لاحقة بدلا من التعليق أو تعميق المصائب السابقة غير أن هذا المشهد في 
نفس الوقت يقدم صورة مناقضة لما سبق. ومن ثم يضيف معنى جديدا 
للكوارث التي وقعت وبعبارة أخرى يقول لنا هذا المشهد إنه إذا كانت أحداث 
الثلاثية التراجيدية حتى الآن قد قامت على نظام الجريمة والعقاب بجريمة 
أخرى مما أدى إلى الحقد الأسود الموروث في قلب الأخوين المتحاربين غان 
شجاعة وحنان أنتيجوني على الأخوين يضيئان بعض الشيء هذه الصورة 
التاكية ووتتعان عصيما هن الأهل بجو فصيور ذه اند لوي اا 


2106 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وتعد مسرحية «السبعة» مثلا جيدا على المرحلة الانتقالية في مسرح 
ايسخولوس من الغنائية الملحمية إلى الدرامية الناضجة. ولو أثنا نتحفظ 
على رأي فيرال ((4.77/.76:211) في مقدمته لهذه المسرحية إذ يعتبرها من 
حيث إحكاء الشيكة الؤرامية افضل السريحيات الإغريقية ظرا فعا هذا 
«أوديب ملكا» لسوفوكليس27. فنحن من جانبنا نرى في هذا الرأي مغالاة 
لا داعي لها لأن الجزء الآكبر من المسرحية لا يزال غنائيا وصفيا أي سرديا 
ملحميا. يضعنا أيسخولوس منذ البداية في قلب مدينة محاصرة وفي جو 
ملي بالإشاعات والمحاذير وتأتى أغاني ورقصات الجوقة لتعبر عن الخوف 
الهستيري أو الهلع الجنوني الذي يستولي على قلب نساء المدينة. ثم تتوالى 
أحاديث وخطب مفعمة بروح البلاغات العسكرية المبالغ فيها حيث تصف 
استعدادات المهاجمين والمدافعين. وفجأة يتقدم الحدث نحو الذروة وتتوالى 
الأحداث بسرعة عندما يعلن ايتوكليس قراره بمواجهة أخيه ويندفع نحو 
المعركة وتصل الأخبار بعد ذلك من الميدان» وتظهر على المسرح جثتا الأخوين 
المقتتلين وتنتهي المسرحية ببكاء الأختين-انتيجوني وايسميني-وبمشهد 
البطولة الناشئة الذي تعلن فيه أنتيجوني الصبية قرارها بدفن أخيها. 

أنها إذن مسرحية حربية (مفعمة بآريس) إثة: الحرب («ماعنه حمضسم) 
على حد قول القدامى وفي مقدمتهم اريستوفانئيس”"". بيد أن المشهد 
الذي جذب انتباه النقاد اكثر من غيره هو الذي يرد فيه وصف الأبطال 
السبعة المهاجمين والمدافعين. فالرسول يصف كل قائد من القواد الأرجيين 
الستة القادمين مع بولينيكيس وفي كل مرة يجيبه اتيوكليس بحديث مساو 
في الطول لحديثه ويصف فيه البطل الطيبي المقابل. وتنتهي الثنائيات 
الحوارية هذه بأغنية للجوقة تأتى كختام موسيقي لبيان عسكري. وهكذا 
نجد هذا المشهد (5501052ءمه) مكونا من سبعة أجزاء متساوية ومتسقة 
ولكنه على أية حال ليس دراميا من حيث النغمة الأساسية. بدليل أنه كان 
موضيع التقاد شديد من قيل التداس والمحدكين على حد سواء. وكان أول 
المنتقدين هويوريربيديس الذي في مسرحية (الفينيقيات) (أبيات 752-749) 
تحاشى أن يورد وصفا مطولا ومماثلا وذلك في مشهد بمسرحيته يجرى 
بين أنتيجوني والحارس الذي يرى الجيوش الأرجية من فوق القلعة. لقد 
اعتبر يوريبيديس هذا الوصف الطويل عبثا أو منافيا للتوتر الدرامي المطلوب؛ 


217 


الشعر الاغريقى 


ولا سيما أن الأعداء على الأبواب. ومهما قيل عن وصف ايسخولوس للجيوش 
السبعة في الطرفين فان أحدا لا ينكر أنه وصف أخاذ ودقيق وأيعد ما 
يكون عن أن يثير الملل. ومما لا شك فيه أن الجوقة كانت تواكب هذا 
الوصف بالرقصات التعبيرية المناسبة مما أعطى لتيليستيس (وعاوءاء1)- 
راقص أيسخولوس-فرصة كبيرة لإبراز مواهبه وإحراز مزيد من الشعبية 
والشهرة لأنه في عرض صامت قد عبر عن صخب المعركة الملتهبة.9') 
وبالنسبة لمسرحية «بروميثيوس مقيدا» لا نعرف تاريخا محددا لعرضها 
بيد أن بعض النقاد وفي مقدمتهم هيج يأخذون-من الإشارة الواردة في 
المسرحية (بيت 372-366) إلى بركان آيتنا الذي وقع عام 475 بالإضافة إلى 
حقيقة أن المشهد الافتتاحي يستلزم وجود ثلاثة ممثلين-دليلا على أن عام 
8 هو التاريخ المرجح لعرض هذه المسرحية. ويقولون إن أسلوب المسرحية 
يوحي بأنها تالية لمسرحية «السبعة» وأنها من مسرحيات أيسخولوس المتأخرة 
بصفة عامة. ويقول هيج كذلك إنه لا تثار شكوك كثيرة حول أن هذه 
المسرحية كانت جزءا من ثلاثية تراجيدية ولا حول أنها كانت الأولى في 
شنم الثااقية رتعلوها تب روقيشيوسن طليك انهو وبرونيكونن ناز الثاو» ويضيك 
هيج القول بأن النقاد كانوا في السابق يظنون أن «بروميثيوس سارق النار» 
هي أولى الثلاثية على أساس أنها تضع البداية أي أسباب العداوة بين 
البطل وزيوس. ولكن هذه الأسباب-برأي هيج-تطرح في «بروميثيوس مقيدا» 
بحيث يصبح من العسير تصور وجود مسرحية سابقة لها. يضع هيج إذن 
«بروميثيوس سارق النار» على أنها المسرحية الثالثة لا الأولى في الثلاثية. 
وهو يرى أنها كانت مسرحية ذات طابع محلي ووفي بالنسبة لأثينا إذ إنها 
تخلد ذكري تأسيس عباده بروميثيوس سارق النار في هذه المدينة. ذلك أن 
بروميثيوس حامل لقب «سارق النار» (00:05م1:0م) كان يعبد في أثينا بشيء 
من التقدير الخاص. وتكريما له كان يعقد سباق لحاملي شعلات النار. 
وقيل كذلك إن آثرا لقدمه العملاقة كان لا يزال يرى فوق صخرة 
الاكروبوليس. بل كان هناك ما يخلد قصة تصالحه مع رب النار والبراكين 
هيفايستوس فوق مذبح المعبد المقام هناك للربة باللاس أثينة. وهذه الحقائق 
كلها-برأي هيج-يمكن أن تشكل في مجموعها المادة الخام لمسرحية ختامية 
بعنوان «بروميثيوس سارق النار» وتشبه إلى حد كبير«الصافحات» التي 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


تختم الثلاثية الأوريستية؛ حيث يقام في نهايتها معبد خاص لهؤلاء الربات 
عند سقح الاكروبوئيس159, 

بيد أن كلا من ويست 30عء11.1..77) وجريفيت (21.6:100) وتابلين 
(صنامة0.1) قد أعادوا إحياء الشكوك مؤخرا حول ترتيب مسرحية 
«بروميثيوس مقيدا» في الثلاثية بل وحول نسبة هذه المسرحية لايسخولوس 
أساسا. ويؤرخ ويست هذه المسرحية يما بعد عام 440 بقليل أي بعد موت 
أيسخولوس بحوالي ستة عشر عاما ويرى أن «بروميثيوس سارق النار»هي 
الآولى وتتلوها «بروميثيوس مقيدا» ثم «بروميثيوس طليقا» ويربط بين هذه 
الثلاثية ونظرية بروتاجوراس عن الحضارة ومعبد هيفايستوس الأثيني 
الذي شرع في بنائه عام 449 واكتمل عام كه حفييق مقتدت مم جانات 
ضخمة شملت طقوس عبادة النار الفخمة وحيث تم الصلح بين بروميثيوس 
وهيفايستوس9". 

وموضوع «بروميثيوس مقيدا» هو عقاب هذا البطل من سلالة المردة 
التيتانئيس لأنه أثار البشرية وأيقظها من سباتها وأغاثها من وحشيتها إذ 
علم الإنسان فنون النار متمردا بذلك على أوامر زيوس رب الأرباب. فبسبب 
هذه الجريمة يقيد بروميثيوس بالأصفاد ويربط إلى ظهر صخرة بجوار 
المحيط عند نهاية العالم ثم يلقى به إلى أعماق الجحيم تارتاروس فيما 
بعد . ولكن يفهم إلا مما يرد في المسرحية ما يبشر بأن هذا البطل سيطلق 
سراحه مرة أخرى على يد أحد أحفاد ابو. إذ سيضطر زيوس إلى الإفراج 
عنه في مقابل الكشف عن سر خطير يترتب عليه مستقبل عرش زيوس 
نفسه (أبيات 775-755). ومن ثم فالمرجح أن الإفراج عن البطل يقع في 
مسرحية «بروميثيوس طليقا» وفيها لا يزال المشهد فوق صخرة القوقاز 
حيث يظهر بروميثيوس مقيدا بعد أن أحضر ثانية من أعماق تارتاروس 
ويبدأ الحدث باقتراب الجوقة المكونة من أغراد سلالة التيتانيس الذين أتوا 
من كل حدب وصوب لكي يواسوا بروميثيوس. فيحكي لهم الأخير قصة 
آلامه والنسر الذي أحاله زيوس عليه ليتغذى على كبده إذ كان ينهشه نهارا 
حتى يأتي عليه ثم يعاد خلقه من جديد ليلا ليأتي النسر في اليوم التالي 
فيجد ما يلتهمه وهكذا ليظل عذاب بروميثيوس أبديا. ثم يظهر هرقل 
الذي بعد أن يسمع نبوءات تتحدث عن أعماله الخارقة ومغامراته المستقبلية 


210 


الشعر الاغريقى 


من بروميثيوس يصوب سهامه إلى النسر فيرديه قتيلا. ويحدر بروميثيوس 
زيوس من مغبة زواجه من ثيتيس ويهدىء من غضبه. ولقد استطعنا أن 
نجمع هذه المعلومات عن هذه المسرحية المفقودة من الشذرات المتبقية 
منها. حيث عرقنا كذلك أن بروميثيوس يلعب في هذه المسرحية-كما في 
«بروميثيوس مقيدا»-الدور الرئيسى كما أن الجوقة فى كليهما متعاطفة 
معهك. وأما وصف أعمال هرقل في «بروميثيوس طليقا» التي تفع معظمها 
في الغرب-فهي توازي وتقابل مغامرات ايوء التي تجري بالشرقء. في مسرحية 
«بروميثيوس مقيدا». 

وتبرز مشكلة مستعصية أمام دارسي ونقاد ايسخولوس وتتمثل في صعوبة 
تبرير سلوك زيوس الكريه في «بروميثيوس مقيدا» المسرحية الكاملة 
والوحيدة التي وصلتنا من هذه الثلاثية موضوع حديثنا. فرب الأرباب 
يعاقب بقسوة لا مثيل لها بطلا قدم خدمة جليلة للبشرية. وليس ضروريا 
أن يغال الأفراض على صورة زيوس هذه بالقول أثها تصظدم بمشاعر 
الجمهور الأثيني المتفرج. لأننا سنلاحظ أن آلهة الإغريق في الأسطورة 
والأدب-ومنذ هوميروس وبفضل اتجاهه الانثروبومورفي-يعانون من نفر 
الأهواء والأخطاء والانفعالات المتناقضة التى يخضع لها البشر. ومن ثم 
فان تصوير زيوس حكام السماء كطاغية يبطش ببطل خير لن يكون مفاجئًا 
أو مناقضا للضمير الدينى الأثينى. بيد أن المشكلة الحقيقية التى تواجهنا 
هى كيف نجعل هذه الصورة-مألوفة كانت أم غير مألوفة-تتسق وتنسجم مع 
الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مسرح ايسخولوس برمته أي أن زيوس 
يمثل ويجسد صورة العدالة المطلقة في الكون. والحل الذي لجا إليه معظم 
النقاد هو أنه لا حل لهذه المشكلة أي أن الحل الذي كان يمكن قبوله قد فقد 
مع المسرحيتين الأخريين. وبعض النقاد قال إن الحل المطروح فيهما كان 
يشبه الحل الموجود في «الصافحات» بالنسبة للثلاثية الأوريستية أي أن 
ايسخولوس في الثلاثية البروميثية يطرح فكرة انتصار مبادئّ جديدة على 
مبادئّ أقدم وهو يفعل ذلك بالتدريج وآخرون يقولون إن الثلاثية تصور 
انتصار آلهة الأوليمبوس المعتدلين على آلهة الأرض الوحشيين. وهذا رأى 
كل الصفات الحميدة تقع من نصيب بروميثيوس لا زيوس. وهناك من 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


يقولون بان الثلاثية الروميثية ترسم مراحل تطور شخصية زيوس نفسه. 
فالمسرحية الأولى التي وصلتنا تصوره حكما جديدا استولى على العرش 
مؤخرا ويفرض سلطانه بالقوة التي لا تخلو من قسوة وظلم. وفي المسرحيات 
التالية يمريمراحل تظهيرية أخرى ستاخن عضورا بأكملهاء ولكن مثل هذا 
التصور يستوجب وجود بعض التمهيد في المسرحية الأولى وهو ما لا نعثر 
له على أخر .217 

أفكاره العصرية ومعطيات الأسطورة التقليدية. وبعبارة أخرى يقولون أن 
ايسخولوس ركز انتباهه على بروميثيوس ورسم شخصيته الدرامية بعناية 
فائقة في حين ترك زيوس بمسرحيته يظهر بالصورة التقليدية البدائية في 
الأساطير. ولا ينفرد ايسخولوس بمثل هذا التفاوت المعيب بل هناك غيره 
من الأدب العالمي والإنساني قد شاركه في هذا فنذكر سوء المعاملة التي 
لاقتها ديدو الرفيقة على يد أينياس بطل ملحمة «الإينيادة» لفرجي يوس . 
وفي «الفردوس المفقود» لميلتون نجد الشيطان «ساتان»-وهو ما يقايل 
بروميثيوس هنا -يتمتع بإرادة لا تقهر وشجاعة لا تعرت الاستسلام مما دفع 
شيلي للقول بأنه أي هذا الشيطان هو البطل الحقيقي للملحمة. ومهما 
قيل عن مسرحية أيسخولوس «بروميثيوس مقيداء فهي بلا جدال تقدم 
فكرة البطل الذي يضحي بنفسه في سبيل تقدم البشرية وهي فكرة في 
حد ذاتها كفيلة بتخليد المسرحية ومؤلفها. علاوة على ذلك يمكن اعتبار 
هذه المسرحية معالجة درامية لصراع الإنسان مع قدره أو كفاح المضطهد 
في سبيل الحرية ضد الطغيان. أنها إذن مسرحية تستولي عل إعجابنا 
وتشد انتباهنا من أية زاوية نظرنا إليها. المهم | أن ندرك أن كل هذه الزوايا 
ل ١‏ تكن غائبة عن ذهن مبدعها كما قد يظن البعض. بل إن هذه المسرحية 
هي أكثر مسرحيات ايسخولوس شهرة بين المحدثين. وفي هذا الصدد 
نذكر أن شيللي كتب مسرحية تكمل قصتها وأعطاها عنوان»بروميثيوس 
طليقا«وكأنه يتخيل المسرحية الثالثة في الثلاثية. ونظم اللورد بايرون قصيدة 
عن موضوعها واعترف بان هذه المسرحية الايسخولوية قد أثرت في كل ما 
كتبه. ولقد شرع جوته في نظم مسرحية يعارض بها مسرحية ايسخولوس 
ولكنه تركها ناقصة وهناك العديد من المسرحيات التي يحاول مؤلفوها 


الشعر الاغريقى 


تقليد ايسخولوس ولكنهم أقل أهمية وأكثر عددا من أن نرصدهم هنا (19) 

وقبل وفاته بعامين أي عام 458 عرض ايسخولوس الثلاثية الأوريستية 
«أجاممنون» و «حاملات القرابين» و «الصافحات» أو «ربات الصفح» مع 
المسرحية الساتيرية «بروتيوس» وكانت الرباعية كلها تسمى «الاوريستيا» 
ولا ندري ما إذا كانت هذه التسمية من قريحة ايسخولوس أم لا ولكن 
اريستوفانيس يعرفها على أية حال ويذكرها في «الضفادع» (بيت .)1١١!19‏ 
ولآن المسرحية الساتيرية «بروتيوس» لم تصلنا فإننا لا نعرف محتواها ولا 
علاقتها بالثلاثية التراجيدية وإن كان من المحتمل أنها تتناول موضوع 
مينيلاوس أخي أجاممنون وكيف أنه ألقى القبض عليه عندما ذهب إلى 
الشاطئ المصري فتتم إنقاذه بعون اله البحر بروتيوس. 

وموضوع الثلاثية الأوريستية-مثل الثلاثية الأوديبية-هو تراث اللعنة. 
لقد بذر أتريوس بذور اللعنة الآولى عندما قتل أبناء أخيه نيستيس وزاد 
أجاممنون الطين بلة عندما ذبح ابنته أفيجينيا مضحيا بها كقربان للآلهة 
في سبيل مجده الحربي. و ها هي الثلاثية الأوريستية تعالج نتائج تراكم 
اللعنة فكليتمنسترا تستغل غياب زوجها وتعشق ابن عمه العدو اللدود 
أيجيسثوس. وبالتعاون مع الأخير تقتل هذا الزوج لدي عودته من طروادة 
منتصرا وجالبا السبايا وعلى رأسهن كاسندرا بنت ملك طروادة باياموس 
وعشيقة أبوللون. ويقتل اوريستيس الزانيين القاتلين أي أمه وايجسثوس 
انتقاما لأبيه اجاممنون. وبذلك تتلوث يده بدم أمه ويعرض نفسه لانتقام 
الايرينيات وهن الربات المتخصصات في تعذيب من يسفك دم ذو القربى. 
يتحلقن حوله ويطاردنه في كل مكان حتى في معبد دلفي وينتهي المطاف 
بأوريستيس في أثينا حيث تعقد له محكمة في الآريوباجوس برئاسة الربة 
أثينة وهناك تبراً ساحته. 1 

وجاءت أول إشارة لهذه الأسطورة في «الأوديسيا» (الكتاب الأول بيت 
5 وما يليه؛ والثالث 263 وما يليه, الرائع 52 وما يليه والحادي عشر 409 
وما يليه). ولكنها في إطار الهومرية ليست سوى قصة شهوة وقتل وانتقام 
لا أكثر. ولقد عالج ستيسخوروس الآسطورة بالتفصيل في قصيدته الغنائية 
الطويلة «الآوريستيا» التي سبق أن تناولناها في الباب الآول. وتطرق إلى 
تن الأنيطوزة اللشا قر | حياس ادنوه قن ارغردة لبطال و3 9041410 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وهي إحدى ملاحم الحلقة الملحمية. بيد أننا لا نعرف تفاصيل كافية عن 
هاتين الروايتين فيما عدا أن موضوع ندم أوريستيس اصبح بارزا وأن روح 
أمه المقتولة صارت تطارده وتلاحقه أينما حل أو رحل. وفى البيثية الحادية 
مشرة لبنداروس (نيت 35 وما مليه) وردت إشارة غايرة لرضوع الانتطاد لا 
فيجينيا التي ذبحت كقربان: على انه الدافع الرئيسي للجريمة التي اقرفتها 
كلتمنسترا وهذا يعني أن الشهوة لم تكن دافعها الوحيد برواية ورأي بنداروس. 
ومع أننا لا نعرف اكثر من ذلك عن الأسطورة إلا أن هذا القليل الذي نعرفه 
يكفي لتوضيح أنها كانت أسطورة ذائعة ومتداولة في الأدب قبل أن يصوغ 
ايسخولوس ثلاثيته الخالدة. 

ولكن المفزى الأخلاقي للأسطورة هو بلا أدنى شك من ابتداء 
ايسخولوس. فعلى يديه أصبحت قضية الجريمة والعقاب هي العنصر 
البارز والركيزة الأساسية. غفكرة الثلاثية الأوريستية تتلخص في أن جريمة 
وقعت في الماضي البعيد ولا بد من عقاب المجرمين الآن ولو بتعذيب أبنائهم 
وأحفادهم. وبعبارة أخرى لقد أسيل دم منذ زمن بعيد وهو يستيقظ الآن 
ويطالب بالانتقام لنفسه دون هوادة. ويلاحظ أن الحدث الدرامي في 
«أجاممنون» بسيط لا تعقيد فيه. فالمشاهد تتوالى وتصعد بالمأساة إلى 
الذروة دون عوائق. ها هو الحارس في مطلع المسرحية يزرع الشكوك حول 
سكان قصر أجاممنون وبعده تأتي الجوقة لتعبر عن مخاوفها وترفض 
تصديق أنباء الرسول عن مقدم أجاممنون منتصرا. وعندما يصل الأخير 
تستقبله زوجته بترحاب الخداع ونفاق الخيانة وبذلك تنمو الشكوك وتزداد 
المخاوف من وقوع الكارثة. ثم يأتي هذيان كاسندرا وتنبؤاتها التحذيرية 
بمثابة الزيت الذي يصب على جمرات النار فيوقظها لتشتعل ويتوهج أوارها . 
ذلك أن أجاممنون يضيف إلى جرائمه السابقة-ذبح أفيجينيا وهجر الزوجة 
لمدة عشر سنوات في طروادة-جريمة أخرى إذ يحضر إلى منزل الزوجية 
عشيقته الطروادية. ويهدف المؤلف بذلك إلى تقليل شعورنا بالغضب عندما 
يقتل أجاممنون. فتثبيت أنظارنا على ذنوب هذا الملك يمهد لقتله على يد 
كليتمنسترا زوجته وعشيقها . أما تنبؤات كاسندرا فتربط بين جرائم أتريوس 
في الماضي البعيد والجرائم التي على وشك أن تقع الآن. كما أن رد فعل 
شيوخ أرجوس-الجوقة-غير المتكافئ والطنان يعد عنصرا نصف كوميدي 


الشعر الاغريقى 


يهدف به ايسخولوس إلى تخفيف حدة التوتر ويشبه إلى حد ما حديث 
الحارس قبل اكتقباق 'مقكل ها كية غنل شكسبير: 

ويظهر الجزء الأخير من «حاملات القرابين» براعة ايسخولوس في 
استخدام الحيل الدرامية وإدارة الأحداث على نحو لم يسبق له ل 
والخداع الذي تمارسه المربية إزاء ايجيسثوس (أبيات 782-734) هر أول مثل 
قديم لما سيصبح فيا بعد عاديا ومألوفا في مسرحنا الحديث. بيد أن 
الجزء الأول من المسرحية نفسها يكاد يخلو من الحدث الدرامي ويكاد لا 
يتعدى مرثية (00205) أو بكائية يشترك فيها أوريستيس واليكترا والجوقة 
حول مقبرة أجاممنون. وبلغ من طول هذا الجزء أن شكك بعض النقاد في 
ضرورة وجوده. ولكن هؤلاء النقاد ينسون أن هذه المسرحية كتبت للعرض لا 
للقراءة وفي عرضها لا يمكن أن نخرج بنفس الإحساس الذي خرجوا به من 
قراءتها أي الملل. ذلك أن مشهد القمر وحوله الجوقة بملابس الحداد 
وبكاء أوريستيس واليكترا وتعرفهما على بعضهما وحدوث كل ذلك بمصاحبة 
الرقصات المناسبة والموسيقى لا يمكن أن يترك أي مجال للملل. 

ومن الرسوم على الآواني الأثرية يظهر أوريستيس وهو يطعن صدر 
إيجيسثوس بالبلطة بينما تحاول كليتمنسترا أن تطعن ابنها المهاجم ببلطة 
أخرى من الخلف. ويتكرر هذا المنظر كثيرا في رسوم الأواني مما يوحي 
بأنه يعكس الروايات القديمة المتداولة حول الأسطورة. وهذا يعني أن الزانيين 
القاتلين قد قتلا معا في صراع مختلط ومتشابك. ولقد غير ايسخولوس 
فى هذا المشهد بمسرحيته«حاملات القرابين: لأنه وان احتفظ بالبلطة 
كفده مك وقة) اكه مله #ليعشبيفر| إلا اند سل عماية شفل 
ايجيسثوس تتم أولا وذلك لكي يتسنى له أن يقدم مشهدا حواريا بين الابن 
وآمه هما يعمق ذراميا كاير جريمة قثل الآم. 

ويتجل أثر ذلك التعميق في «الصافحات» فرغم أن قتل اوريستيس لآمه 
قد تم بناء على أوامر من ابوللون ومع أنه محق في ذلك إلا أنه بهذا الفعل 
العنيف قد عرض نفسه للعقاب طبقا لفكرة العدالة الإغريقية التقليدية 
ومؤداها أن سفك دم الأم ليس بالذنب الذي يغتفر وهذا ما تصر عليه ربات 
الانتقام. وعندما يصل أوربستيس إلى دلفي يطهره أبوللون ومع ذلك تالاحقه 
ربات الانتقام حتى أثينا. وعند محاكمته أمام الاريوياجوس حيث تقف 


2214 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


ربات الانتقام موقف الادعاء ويقف أبوللون موقف الدفاع تتساوى أصوات 
أعضاء المحكمة ولكن أوريستيس يفوز بالبراءة بفضل كون الربة أثينة- 
رئيسة المحكمة-قد صوتت إلى جانبه فرجحت كفة البراءة على كفة الإدانة 
رغم تساوي الأصوات. وهو مبدأ تشريعي يؤخذن به إلى يومنا هذا . 

وفي هذه المسرحية «الصافحات» ينتقل اهتمام ايسخولوس من 
الشخصيات إلى الأفكار والمبادئ. إن تبرئة أوريستيس وتحول ربات الانتقام 
والعذاب إلى ربات رحمة وصفح يوحيان بالمفزى النهائي للمسرحية أي 
أفضلية الرحمة على تطبيق قوانين العدالة الصارمة ودون تأكد مما إذا 
كانت ستصيب بريئًا. ولما كان معبد ربات الصفح يقع فعلا على سفح 
الأريوباجوس فان خروج ربات الصفح-أي الجوقة-في نهاية المسرحية من 
الممر الغربي لمسرح ديرنيسوس يخلق تآثيرا بأنهن يتجهن فعلا إلى معبدهن . 
ولا ينكر أحد مبلغ تاثير هذا المشهد أو الموكب على نفوس الجمهور الآثيني 
فهو مشهد يربط الماضي الأسطوري بالحاضر الواقعي. 

ولقد بذل ايسخولوس أقصى ما في وسعه لكي يظهر ربات الانتقام في 
أبشع صورهء فألبسهن ملابس سوداء وجعل خصلات شعرهن أفاعي تتلوى 
وغطى الأقنعة على وجوههن بالدم.”'' وروى أن منظرهن كان من البشاعة 
بحيث إن الأطفال في صفوف المتفرجين قد أصابهم الذعر إلى حد الإغماء 
أو الغيبوبة. أما النساء الحوامل فقد وضعن حملهن قبل الأوان أي 
أجهضن .7" وقيل إن هذا هو السبب الذي حال دون أن يعاد عرض هذه 
المسرحية مرة أخرى. 

والأسطورة-كما نعرف-تمثل الجانب النطري في العقيدة الدينية 
الإغريقية. ولقد عالج أيسخولوس الآساطير في تراجيدياته بشيء من 
الورع. فهو يرى أن وظيفة الشاعر الدرامي هي أن يقدم هذه الأساطير 
على نحو لائق ومؤثر بهدف السمو بعقول المتفرجين عن طريق تقديم صورة 
مثالية للعالم البطولي. وانطلاقا من هذا المفهوم الايسخولي للتراجيديا لا 
يتوقع المرء أن يكون ايسخولوس مثل شكسبير في نظرته لرسم الشخصية 
غالأخير يرى أن رسم الشخصية هو بمثابة «أن تمسك المرآة للطبيعة». 
ولكن أيسخولوس فعل خلاف ذلك لأنه قدم على مسرحه مخلوقات بشرية 
تتميز بقوة مثالية وفخامة علوية. الأبطال والآلهة في المسرح الايسخولي 


الشعر الاغريقى 


مقتبسون من العالم البطولي الملحمي القديم: فلهم نفس السمات الرئيسية 
المتمثلة في القوة والشجاعة اللتين تفوقان كل المقاييس البشرية؛ ويتمتعون 
كذلك بإرادة صلبة لا تعرف اللين وبقدرة على التحمل بلا حدود . إنهم في 
مأمن من نقاط الضعف البشرى إلى درجة كبيرة فلا وجود لقوة أرضية 
تقدر على قهرهم. ولا تستطيع الإغراءات-مهما كانت-.أن تثنيهم عن المضي 
في طريقهم. ها هو بروميثيوس يعاني أشد ألوان العذاب طيلة ثلاثين ألفا 
من الأعوام ويفضل ذلك على الرضوخ لمشيئة زيوس رب الأرباب. ويرفض 
بروميثيوس بازدراء كل عروض ال ويواجه زبانية الانتقام والتعذيب 
بكبرياء وأنفة 0 عشيقة أيجيسثوس وقاتلة زوجها أجاممنون 
تلك المرأة الخئون تتمتع بقا 32 نشي وترف راسها شافيحة لحيف الجن 
ش نادو ااا تمضن دضكدا بره الزانيات: بل حلت محل هذه المشاعر 
أحاسيس الكراهية والتشفي ببرود ونشاط حذرين. إنها لا تشعر بأية بادرة 
للندم وتواجه قدرها دون وجل. وعندما تسمع بموت عشيقها ولشريكها في 
كل الجرائم تتسلح فورا بالبلطة لتواجه الأعداء. فلما اكتشفت أنه قد فات 
الآأوان وأن كل شيء قد انتهى لا تبدر عنها أية كلمة أسى أو صرخة حزن. 
وبعد حوار سريع وقصير ولكنه صارم وحاسم بينها وبين اوريستيس تستسلم 
للمقدور دون أية همسة أو غمغمة («حاملات القرابين/أبيات 887- 930). 
وب المشخصية كلرتيتسترا تتمتع بمواصفات تفوق البشر العاديين إلا أنها 
لا تترك انطباعا بأنها من الشخصيات التي من غير المحتمل تواجدهاء بل 
تبدو إنسانا طبيعيا دون أن تتناقض مع عالم الأساطير القديم الذي يصفه 
ايسخولوس. 

وكنوع من التلوين وحق لا تسير مسرحيا على وتيرة واحدة أدخل 
أيسخولوس بعض الشخصيات الثانوية الآأقل مستوى من حيث البطولة 
والفطية بل اقفيه اربيريب الجركا يضف خاصة-على أنها أكثر اقترابا 

من المستوى البشري فهي بتكوينها هذا لا تنتمي إلى عالم البطولة القديم. 
ومن هنا يأتي الضعف البشري اليائس الذي بريه عذارى طيبة في 
«السبعة» وكذا التعاطف الأنثوي الأحعى والجتان الرفيق موبحافي هراتس 
البحر تجاه «برونيقوس مع أنيق ذاث ظبيعة إلهية مخطلطة على الأفل. 
هاتان الجوقتان القريبتان من الطبع البشري يناقضان الحدة والعنف في 


22 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


شخصية اتيوكليس في «السبعة» وبروميفيوس في المسرحية التي تحمل 
اسمه عنوانا. ويأتي ايجيسثوس كالنقيض الشارح لشخصية كليتمنسترا 
بأقدامها «الرجولي» في مسرحية «حاملات القرابين». وكلمات حارس قصر 
«أجاممنون» في مطلع المسرحية مليئة بالشكوك من متاعب المهنة وهي 
تمائل شكوى المربية في «حاملات القرابين» وكلاهما يهدف إلى تخفيف 
حدة الجو البطولي الرصين. 

وتلعب المرأة دورا ثانويا في مسرح ايسخولوس بصفة عامة وباستثناء 
كليتمنسترا والجوقة في «الأوديستيا» والجوقة في «المستجيرات». ولذلك 
نجد هذا المؤلف لا يلمس العواطف الناعمة والأحاسيس الرقيقة إلا لمسا 
خفيفا وسريعا. وهذا أمر ينسجم تماما مع طبيعة مسرح ايسخولوس الذي 
وضع نصب عينيه هدفا ساميا وهو أن يرسم نماذج للفضيلة البطولية 
الصارمة وأن يكشف النقاب عن الحقائق الدينية. وعاب أريستوفانيس في 
«الضفادع» (بيت 1045) على أيسخولوس هذا الجفاف حين أورد على لسان 
يوريبيديس القول بان أيسخولوس لا يملك في مسرحياته سوى «أقل القليل 
من آلهة الحب»وبالطبع لا يعني هذا أن ايسخولوس كان عاجزا عن تصوير 
العواطف الرقيقة بدليل أنه حين أراد ذلك فعله. فليس هناك أدق ولا أرق 
من وصفه لمينيلاوس وهو يتجول في أسى عبر أبهاء القصر الذي هجرته 
زوجته هيليي إلى طروادة. فلقد صار يكره مجرد النظر إلى «تماثيل 
أفروديتي» التي تذكره بها («أجاممنون» أبيات 426-414): ولا أروع من وصف 
إِيو لمتاعبها وآلامها كعشيقة معذبة لزيوس رب الأرباب («بروميثيوس» أبيات 
657-5). 

بيد أن عبقرية ايسخولوس تتألق بحق عندما يصف كل ما هو عجيب 
غير طبيعيء بل إنه يخلع على الكائنات الوحشية حياة ودفء الإنسانية. 
فربات العذاب أو الأشباح وكل ما يظهر في الرؤى-مثل شياطين دانتي 
وأشباح أو ساحرات شكسبير-تعبر عن نفسها في نفمة واقعية تجعلنا نقول 
انه لو كان لهذه الكائنات وجود حقيقي لما قالت غير الذي قالته فعلا. ولا 
يقل عن ذلك روعة وصف أيسخولوس لنوبات الجنون أو لحظات الإلهام 
والنشوة. وهنا نتذكر جنون كاساندرا التي تكشف على نحو متقطع آل 
بيلوبس. وفي الحقيقة فان هذه الشخصية وما تقول تعد من الإنجازات 


227 


الشعر الاغريقى 


الضخمة في عالم الفن المسرحي. ويمكن القول بان التناقض بين ما تقوله 
في عنف وجنون ولون وعي من جهة وبين ردود الجوفة عليها في ذعر 
واستسلام من جهة أخرى يحدث أثرا لا يماثله سوى ما نجد في «مكبث» 
لشكسبير عندما تقع الليدي ماكبث فريسة للنده!!" وتأتى أقوالها في 
تناقض مرسوم مع تعليقات الدكتور وإحدى السيدات. 

يدور مضمون مسرحيات أيسخولوس بصفة عامة حول قضايا الدين 
والأخلاق ومصير الإنسان ونظام الكون ز وما إذا كانت أغاني الجوقة تمثل 
أفضل وسيلة في يد الشاعر للتعبير عن آرائه الخاصة في هذه القضايا 
المطروحة فان تحليل هذه الأغاني يعتبر خير مدخل لفهم مغزى هذه 
المسرحيات. ولو أن الحوار بين الشخصيات في كثيرة من الحالات ينقل 
أيضا آراء الشاعر. وفي أواخر القرن السادس إبان سنوات ايسخولوس 
الليكرة انتشرت جمعيات العقيدة الأورهية والإحوة البيةالجورية (الفيةاغورية) 
وهي مذاهب تدعو للتقشف وتقوم على تعاليم خاصة بفكرة الخلود . ولعل 
شيوع مثل هذه المذاهب ينهض دليلا على أن الديانة التقليدية الموروثة من 
هوميروس وهيسيودوس قد بدأت تفقد بعض سلطانها الشمولي. وفي هذه 
الفترة برزت أسماء مفكرين مثل فيريكيديس وكسينوفانيس وطاليس 
وأنكسيماندروس . وكان لمثل هذه الأفكار بالطبع بعض التأثر على أيسخولوس 
الذي يصفه شيشرون-مبالغا-يأنه بيثاجور(5ناءع:هعهطارط ماعمم)(22) 

ويبدو أن ايسخولوس كان يهدف إلى عقد مصالحة بين العقائد الشعبية 
القديمة وهذا الفكر الفلسفي المتطور. ولقد نجح في ذلك إلى حد بعيد 
لأنه أعاد صياغة الأساطير القديمة وخلع عليها ثويا فضفاضا من الفخامة 
وقوة التأثير. ومما لا شك فيه أن هذا العمل قد أخن منه جهدا جبارا لأن 
الأساطير الإغريقية البدائية مزجت بين عناصر شتى فيها القبيح والجميل 
والمهذب الصقيل جنبا إلى جنب مع الوحشي العنيف. فكيف الوصول بهذه 
العناصر المتضاربة إلى بناء متكامل ومتسق ؟ ولا يمكن أن نقبل التشكك أو 
التشكيك في أن الديانة الإغريقية قد ارتفعت على يد أيسخولوس إلى 
مستوى عال من الوقار والآبهة لم يسبق لها عهد بهما. 

و أول ما يصادفنا في مسرح ايسخولوس أنه يصور زيوس حكما أعلى 
للكون قما الآلهة الآخرون إلا وزراء تابعون لحكومته. حقا إن لكل منهم 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


سلطانه ونفوذه؛ قرته وهيلمانه إلا أنهم جميعا إلى جواره يبدون كائنات 
ثانوية وينزوون إلى منطقة الظل حيث تتركز جميع الأضواء عليه هو. وبهذا 
يبدو كما لو أن زيوس إله وحداني فهو ملك الملوك؛ رب الأرباب: وأفضل 
المباركين وأقدر الحكام العديرين اد فسصيراض أبيات 526-524) لا تعلو 
قوته قوة أخرى, فعله يسبق قوله (نفس المسرحية أبيات 599-595) . يدير كل 
شيء ويزن كل أمر بميزان حساس ولا شيء يصيب البشر بغير مشيئته 
(نفس المسرحية أبيات 824-822). إنه هو نفسه الآرض والسماء. هو كل 
شيء واكبر من كل الأشياء (شذرة 70 ربما من مسرحية (بنات هيليوس» . 

وهذه الصورة الوحدانية لزيوس تتعارض مع الصورة التقليدية بل ومع 
بعض معطيات مسرحيات ايسخولوس نفسه. ولذلك قال بعض الدارسين 
إن هناك رؤية مزدوجة لايسخولوس بالنسبة لزيوسء وجهها الأول وحداني 
أما الثاني فوثني تعددي. فزيوس الذي يوصف بأنه ملك الملوك ورب الآرياب 
وأقوى الحكام نجده في البيت التالي لهذا الوصف عاشقا متيما بإحدى 
نساء البشرأي إيو وجدا لبنات داناءوس اللائى يمثلن دليلا ماديا على هذا 
العشق («المستجيرات» أبيات 4537-524) . وقد كر هذا التتاقض أو التضارب 
وليد محاولة أيسخولوس مزاوجة الأسطورة القديمة مع الفكر الفلسفي 
العصري. إذ من الخطأ اعتبار ايسخولوس مفكرا تقليديا أو سلفيا بمعنى 
أنه قد قبل كل الموروث الديني. بل على العكس من ذلك فهو مثل بنداروس 
قد رفض كل ما هو بغيض أو غير محتمل لديه من التراث. وهذا لا يعني 
بالضرورة أنه قد بذر الشكوك في وجود الآلهة أو في قدراتهم . ولكن زيوس 
ليس كما هو عند هوميروس حاكما هوائيا له نزواته الخاصة بل هو إله لا 
يرتكب أفعال الظلم قط («حاملات القرابين» بيت 957). هناك قانون كوني 
للعدالة أو بعبارة أخرى ترتيب أخلاقي يحكم العالم وينظمه ويخضع له 
زيوس نفسه. لنسم هذا القانون «القدر» أو القسمة «تتزه21» أو المصير 
(ددنة) أو «العدالة» (علنط) أو حتى «الضرورة» (©281مه) وفي ظل هذا 
النظام الكوني للأشياء تأتي ربات الانتقام الايرينيات كأدوات في يد العدالة 
تستخدم لعقاب الآثمين الظالمين. وهن يرتكزون في سلطانهن على القدرء 
بل هن أخوات الآقدار. وعلى عاتق زيوس تقع مهمة إدارة قوانين العدالة 
والقدر. فهو الذي يكلف ربات الانتقام بمختلف المهام التأديبية كما أن ربة 


2120 


الشعر الاغريقى 


العدالة نفسها(»011) هي ابنة زيوس العذراء. تتوسل الجوقة في «حاملات 
القرابين» (أبيات 306- 308) إلى هؤلاء الربات أي الأقدار «أن تنفذ بعون 
زيوس أحكام العدالة». و إذا كانت مسرحية «بروميثيوس» تقدم صورة 
مغايرة لزيوس-الذي يجهل حتى معنى العدالة-فإن ذلك يمثل الاستثناء لا 
القاعدة. وجدير بالذكر أن ربات الانتقام وآلهة العالم السفلي يمثلون السلالة 
الأقدم من سلالة زيوس وآلهة الاوليمبوس الجدد. ومن هنا فان محاولة 
ايسخولوس رفع شأن زيوس هي خير دليل على أنه كان يفضل روح القانون 
ومبادئٌ الإنصاف عل حرفية تطبيق التشريعات والقوانين العتيقة. 

لقد تطرق كل من هوميروس وهيسيودوس لفكرة العدالة من قبل إلا أن 
أيسخولوس هو أول أديب يعطي لها الأولوية المطلقة فهي جوهر مسرحياته. 
فتطبيق العدالة الإلهية أمر لا مناص منه وستتحقق هذه العدالة آجلا أو 
عاجلا فعقاب الجريمة حتمي أو قدري لأنه يدخل ضمن نظام الكون نفسه 
و«طالما بقي زيوس على عرشه سيعاني المجرم الآثم» («أجاممنون» أبيات 
1564-3). بيد أن عقاب الظالمين قد يستوجب أن يلم ببعض الضحايا من 
الأبرياء شيء من آثاره الجانبية فالأبناء قد يتحملون وزر الآباء لأن الظالم 
يورث اللعنة لذريته والجريمة تولد جريمة أخرى. وهذا يعني أن توارث 
اللعنة-كجزء من نظام العدالة الكوني-هو منبع المأساوية عند ايسخولوس. 
ولا غرو في ذلك فنحن الآن أبناء القرن العشرين بما فيه من تقدم تكنولوجي 
هائل نركز الانتباه على العوامل الوراثية في طبيعة الإنسان وسلوكه وهو 
شيء يمكننا إلى درجة كبيرة من تفهم القدرية الايسخولية. بيد أن ايسخولوس 
ينبه إلى أن الإنسان يستطيع التخلص من القدر ويتجنب المصير المحتوم لو 
حفظ نفسه ويده خالصتين من الشر طاهرتين عفيفتين, لأن اللعنة الموروثة 
لا تثمر بذرتها المنكودة إلا في تربة صالحة أي في الميول البشرية الشريرة. 
ويوضح أيسخولوس فكرته هذه تمام الوضوح في الحوار بين كليتمنسترا 
والجوقة بعد مقتل أجاممنون («أجاممنون» أبيات 1497- 1507). وهذه نقطة 
خطيرة جدا لأنها تعني أن وراثية الإثم واللعنة عند ايسخولوس لا يعدم 
الإنسان حرية التصرف وبالتالي فهذا الإنسان مسئول عن مأساته وليس 
مجرد دمية تحركها الأقدار الوراثية. فولدا أوديب الملعونان اتيوكليس 
وبولينيكيس هما اللذان جعلا لعنة أبيهما عليهما تنشط فأحدهما ظلم 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


أخاه ولم يسلمه الحكم في الوقت المتفق عليه؛ والآخر شن حربا عدوانية 
على وطنه. وبالمثل نجد أن كليتمنسترا الزانية والتي قتلت زوجها وكذا 
أجاممنون الذي ضحى بابنته الصبية افيجيسنيا ليحقق طموحاته الحربية 
هما اللذان دفعا اللعنة المتوارثة في سلالة بيت اتريوس إلى العمل من 
جديد وأشعلا فيها جذوة النشاط. أما أوريستيس طاهر القلب وصافي 
النية والطوية فقد قتل أمه بيده ولم يعاقب لأن ربات الانتقام لا يعاقبن 
الطاهرين («الصافحات» أبيات 313- 23()315) 

ومن الواضح أن أيسخولوس هنا يرفض الفكرة الإغريقية التقليدية عن 
العدالة ومؤداها أن الآلهة تنظر بعين الحسد إلى حظ الإنسان المزدهر 
ويسعدون حين يصاب بالشقاء من كانوا قبلا يعيشون في الهناء التام؛ بغعض 
النظر عما إذا كانوا آثمين أم أبرياء. يقول أيسخولوس على لسان إحدى 
شخصياته «إنه لقول قديم أن السعادة الكبيرة تجلب الشقاء. أما أنا فأرى 
غير ذلك أي أن الفعل الشرير هو الذي يسبب الألم وكأنه الوالد الذي 
أنجبه من صلبه؛ أما المنزل الذي يحب العدالة فسيزدهر من جيل إلى جيل» 
(«أجاممنون» أبيات 950- 962). ومع ذلك يعترف أيسخولوس بان الثروة 
والنجاح يشكلان خطرا إذ قد يجران الإنسان إلى الكبرياء والعجرفة ومن 
ثم يغريانه بالشر ويجلبان عليه المصائب. وأفضل علاج لمثل هذا الإنسان- 
برأي أيسخولوس-هو تهذيبه وتأديبه بالتعذيب الذي قد يعيد إليه توازنه. 
فالألم درس (وهطئهص زوطنوط)229 والمصيبة قد تعلم الحكمة («أجاممنون» 
أبيات 176 , 249 و «الصافحات» بيت 520). 

وأيسخولوس هو مؤسس الأسلوب الرصين في التراجيدياء فهو أول من 
ارتفع بلغتها في شيد لها صرحا شاهقا كساه «بعبارات سامية» عل حد قول 
اريستوفانئيس (2صحصرءء؟ من2صسعط) في الضفادع (بيت 1004). واللغة الايسخولية 
الرفيعة تتناسب مع عالم البطولة الذي تدور فيه أحداث مسرحياته؛ في 
إذن لغة ترتفع عن مستوى اللغة اليومية العادية ارتفاع مستوى أجاممنون 
وبروميثيوس عن مستوى الإنسان العادي. ويستخدم ايسخولوس ألفاظا 
ضحمة من اللغة المعروفة فان لم تسعفه هذه بمفرداتها نحت الكلمات 
المناسبة نحتا. ولقد جمع الفقهاء حوالي ألف كلمة من مسرحياته الموجودة 
والشذرات أخرى المتبقية منه: وقالوا إن هذه الكلمات من اختراعه (حدمهط 


الشعر الاغريقى 


2 لأنها لا ترد عنده سوى مرة واحدة ولا ترد عند غيره قط. وهي 
عبارة عن صفات مركبة أو أسماء وأفعال ذات حجم ١‏ مميز ومؤثر. ويشبه 
ديونيسوس الهاليكارناسى-الناقد القديم-كلمات أيسخولوس بالأسرار 
الكيكلوبية أي الآسوار المبنية من الصخور الضخمة والتي بلغ من ضخامتها 
أن الناس نسبوها إلى السلالة الأسطورية المعروفة باسم الكيكلوبيس. 
ويضيف نفس الناقد قوله بأن هذه الصخور الضخمة بنتوءاتها غير المنتظمة 
تفوق ما بناه الآخرون وزينوه بمختلف وسائل التزيين.!*”) وهو يريد أن يقول 
بعبارة أخرى إن أسلوب ايسخولوس بكلماته الضخمة غير المصقولة بعض 
الشيء أفضل من الزخرف المصطنع في أساليب الأدباء الآخرين. 

أما التشبيهات والصور الشعرية والمجاز في مسرحيات أيسخولوس 
فهي تتدفق في سلاسة ويسر ولا يبدو من ورائها عناء المؤلف. بل تبدو 
كأنها تلقائية. يصف ايسخولوس غضب الإله فيقول«داس بقدمه الثقيلة 
أمم فارس» («الفرس» بيت 515). وعندما صوت شعب مدينة أرجوس على 
قرار يقبول بنات داناءوس كلاجئات «رفعت السماء يمناها» «المستجيرات» 
بيت 607). وأثناء العودة من طروادة هبت العاصفة على السفن الإغريقية 
التي» تلقت النطحات من كل جانب وفي شراسة» و«شدها إلى الأمام مرة و 
إلى الخلف مرة أخرى الراعي الشرير) وفي الصباح «عريد البحر الايجي 
فرحا بوافر الجثث»«(«أجاممنون» أبيات 659-655). بيد أن ايسخولوس يظهر 
مهارة خاصة في استخدام التشبيهات المركبة ها هي كاسندرا تمهد لنبوءتها 
فتقول «نبوءتي لن تطلع الآن من وراء الحجب كعروس حديثة الزفاف. بل 
ستبزغ واضحة جلية نحو مشرق الشمس لكي تجلب-وهي تهب في وضح 
النهار. كموجة البحر العارمة-متاعب تفوق متاعبها هي نفسها» («أجاممنون» 
أبيات .)١١85-1177‏ وهذا الميل الارسكراى تحن اليد وتداخل التشبيهات 
نجد له صدى مسموعا في أسلوب شكسبير الذي ريما ورثه عن سلفه 
الإغريقي بطريق غير مباشر .©" ويقترب الشاعران من بعضهما أيضا في 
استخدام بعض العناصر المتناقضة في التشبيه الواحد كقول ايسخولوس 
«لا أمل لهم في انتزاع أي شيء مفيد من شرارة عقلهم المتوهجة» («أجاممنون» 
بيت 1031) وقوله «ابذري القصة في أذنها بالوقع الصامت لصوت العقل» 
(«حاملات القرابين» بيت .)45١‏ وهو يخلع على الأشياء الحياة والحركة 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


فيصف السيوف بغلظة القلوب «السبعة» بيت 720): وسرعة الإقدام 
(«حاملات القرابين» بيت 576) أما أمواج البحر فهي في التشبيه 
الايسخولي«لا ينتهي لها ضحك» «بروميثيوس» بيت 89): ومقدمة السفينة 
«تثبت عينيها على المياه أمامها. وتنصت إلى صوت الدفة من خلفها» 
(«المستجيرات» أبيات 718-716): أما شعلات النار التي تعلن أنباء عودة 
أجاممنون فهي في لغة المجاز الأيسخولية «تطير فوق سطح البحر في فرح 
ومرح» و«تسلم رسالتها إلى قمم الجبال» و «تقفز فوق الوديان وتحث الحرس 
على الإسراع وتفيض لحيتها النارية عبر الخليج الساروني وتظل هكذا 
سابحة من قمة إلى قمة حتى تهبط فوق قصر آل أتريوس» («أجاممنون» 
أبيات ا28- .)31١‏ ومن البديهي أن يستعير أيسخولوس من هوميروس الكثير 
من الأوضاف المركية إلا أن شاعر التراجيديا يليسها ثويا جديدا . ويكنيز 
ايسخولوس كذلك بتكرار بعض العبارات بهدف الشرح والتوضيح أو التفسير 
والتعميق وهذا أيضا من تأثير الموروث الملحمي. 

ومع كل ما تقدم يمكن القول بان التركيبة اللغوية عند أيسخولوس لا 
تزال بدائية وبسيطة. فهو ينتمي إلى طبقة الشعراء الآواثل الذين لم؛ 
يعرفوا بعد الحيل البلاغية المستحدثة إبان القرن الخامس. ولذلك جاءت 
جمله بسيطة ومستقيمة لا تكثرفيها الانحناءات أو التعرجات ونعني الجمل 
المساندة أو الإعتراضية. وحتى عندما يستخدم أيسخولوس جملا طويلة 
فإنه يسير فيها على النظام والترتيب الطبيعيين والمتوازيين مع الفكرة دون 
التحايل للوصول إلى تأثير مدروس ومقصود . ولكن لغة أيسخولوس تعرضت 
للانتقادات واتهمت بالغموض وكان أول المنتقدين أريستوفانيس في 
«الضفادع» (أبيات 1/22-926). وقد يكون هذا الغموض ناجما عن فظية 
العبقرية الايسخولية التي تدفع صاحبها دفعا إلى الأمام وبسرعة من فكرة 
إلى أخرى ومن صورة شعرية إلى مثيلتها على غير اهتمام بالربط أو بالتبرير 
ودون أن تكون لدى الشاعر الفرصة الكافية للتأني والمراجعة وإعادة الترتيب 
أو التنظيم. وهذا بالضبط ما يدهش قارئ ايسخولوس أو مشاهده. لأنه 
يعجز عن متابعة هذه السلسلة المطردة من الأخيلة والصور المتتابعة. فما 
بالنا بالأفكار المطروحة في إطار هذا المجاز المركب والتي تدور حول القدر 
والعناية الإلهية وما إلى ذلك من موضوعات شائكة متشايكة وغامضة 


الشعر الاغريقى 


مبهمة حتى في حد ذاتها. بيد أن هذا الفموض في أسلوب أيسخولوس- 
والتق ينالخ الدارسون هى تقده احياناءكيس بلا فخيل في الأذب العاكي 
والأننانى» إذ يشكرك عه فى ذلك شعراء ثرون نكن منحيي 5 #مسير 
وجوته في بعض مسرحياتهما. 

ومع أن أيسخولوس كان يتمتع بشعبية واسعة إبان حياته ولمدة طويلة 
بعد مماته إلا أنه رويدا رويدا بدأ يفقد هذه الشعبية لتغير الظروف وتبدل 
الأحوال السياسية والفكرية. ومع نهاية القرن الخامس وبداية الرابع ظهر 
بوضوح أن شعبيته قد تدهورت لصالح شهرة كل من سوفوكليس 
ويروريبيديس. وهذا ما نرى له انعكاسا في كتاب «فن الشعر» لآرسطوء 
حيث لا يرد ذكر ايسخولوس إلا لماما في مقابل تكرار اسم الشاعرين 
الآخرين كثيرا. والغريب أن أرسطو لا يذكر شيئا قط عن البنية الثلاثية 
الايسخولية. من المرجح أن أرسطو رأى في أيسخولوس شاعرا عظيما 
ومؤثرا في تطوير التراجيديا ولكنه قد أصبح اقدم من أن يحتفى به. 
وعندما يقارن ديون خريسوستوموس (فم الذهب) بين الشعراء الثلاثة يعطي 
لسوفوكليس قصب السبق وإن كان يفضل أيسخولوس على يوريبيديس. أما 
كوينتيليانوس فيصف مسرحيات أيسخولوس بالخشونة ويعتبره أقل قدرا و 
شأنا من سوفوكليس ويوريبيديس.07) 


2 - سوفو كليس واسطة العقد وقمة النضج 

ولد سوفوكليس في خريف عام 497 فهو إذن يصغر أيسخولوس بثمانية 
وعشرين عاما ويكبر يوريبيديس بحوالي خمسة عشر. ومات سوفوكليس 
في خريف عام 406 (أو أوائل 405) عن واحد وتسعين عاما. ومن الملاحظ 
أن حياته تبدأ ببداية القرن الخامس وتنتهي بنهايته وسنجد أن أعماله 
تمثل خير تمثيل أثينا القرن الخامس أي في عصرها الذهبي. كان ابو 
سوفوكليس ويدعى سوفيللوس رجلا ثريا رغم أنه لا ينتمي إلى 
الارستقراطية. ولقد جمع ثروته الطائلة من شراء الخدم والعبيد وتشغيلهم 
أو بالأآحرى تسخيرهم في مختلف الصناعات اليدوية. أما مسقط رأس 
سوفوكليس فهي قرية كولونوس شمال غرب مدينة أثينا وعلى مسافة ميل 
واحد منها. ولقد أمضى سوفوكليس في هذه القرية سني طفولته وصباه 


234 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وظل مرتبطا بها من المهد إلى اللحد. ذلك أن آخر مسرحياته تحمل اسم 
هذه القرية عنوانا ونعني «أوديب في كولونوس» وفيها يتحدث الشاعر عن 
قريته فيقول كولونوس البيضاء حيث تفرد البلابل في مروجها الخضراء 
بين أشجار اللبلاب والأعناب وحيث تنوع أزهار النرجس والزعفران الذهبية. 
وحيث تنبثق ينابيع كيفيسوس وتتجول في أحضان المزارع؛ («أوديب في 
كولونوس» أبيات 693-668) . 

وتلقى سوفوكليس تعليما متطورا ومكتملا شمل الموسيقى والرقص 
والتمرينات البدنية. بل كان أستاذه في الموسيقى هو لامبروس أشهر عازفي 
ومؤلفي عصره إذ كان هذا الأستاذ من أنصار الأسلوب الموسيقي القديم 
المتميز بالوقار في مواجهة موجة جديدة من الموسيقى الزخرقية الفضفاضة. 
ولقد برع سوفوكليس في كل هذه المجالات وبرز بين أقرانه. ولآنه كان 
جميل الوجه بديع الهيئة. رشيق الحركة في الرقصء. ساحر النغم في العزف 
الموسيقى اختير ليكون ضمن الجوقة التي أدت نشيد النصر على الفرس 
في موقعة ماراثون عام 490 بل كان هو قائد هذه الجوقة والعازف على 
القيثار ولم يتعد عمره آنذاك الثامنة. 

وقد نقل عن القدامى قولهم إن سوفوكليس تعلم التراجيديا على يد 
ايسخولوس ولكننا لا نعرف شيئًا محددا عن علاقة هذين الشاعرين 
بيعضهما وما إذا كانت قد جمعتهما روابط شخصية قوية أم لا. فمن 
المحتمل أن تكون مقولة القدامى التى نناقشها معنية فقط بتأثير ايسخولوس 
على سوفوكليس قنيا في مرحلته المبكرة عل الأقل. المهم أن سوفوكليس بدأ 
يتقدم للمسابقات المسرحية عام 8 في سن الثامنة والعشرين بينما كان 
منافسه ايسخولوس في قمة مجده وهذا ما يذكرنا ببداية حياة راسين في 
مثيرة إذ فاز فيها الشاعر الشاب سوفوكليس على زميله الأسن. وكان هذا 
النصر الأدبى نقطة انطلاق سوفوكليس الصاعد إلى آفاق المجد والشهرة. 
واستمرت قترة إنتاجه المسرحى طيلة حوالى ستين عاما دون كلل أو توقف. 
وفاز بالجائزة الأولى ثماني عشرة مرة في مهرجانات ديونيسوس بالمدينة 
كما فاز يمهرجانات اللينايا كذلك مرات عديدة. وحتى عندما لم يفز بالجائزة 
الأولى فانه على الأقل فاز بالجائزة الثانية ولكن الجائزة الثالثة-وهى فى 


الشعر الاغريقى 


الواقع تعني الفشل-لم تكن من نصيبه قط في حدود ما نعلم على الأقل. 
وإن روى أنه فشل في بعض المسابقات فعلا وأن من بين مرات الفشل 
القليلة فشله في عرض مسرحية «أوديب ملكا»حيث هزمه فيلوكليس الذي 
ريما يكون قد دخل المسابقة بتراجيديات عمه الراحل ايسخولوس. والمدهش 
في هذه الرواية أنها تعني أن أروع مسرحيات سوفوكليس-بشهادة أرسطو 
نفسه-لم تلق إلا الفشل في عصرها! 

وتغطى حياة سوفوكليس فترة نشوء وازدهار ثم انهيار الإمبراطورية 
الأثينية. اشترك صبيا كما ذكرنا في احتفالات النصر بعد موقعتي سلاميس 
وبلاتايا (عام 479) اللتين فتحتا الطريق أمام تعادا قوة أثينا وتوسعها. وبلغ 
سوفوكليس سن الرجولة مع بلوغ أثينا عصرها الذهبي تحت حكم بريكمليس 
وبزعامته. وعاش سوفوكليس طويلا ليشاهد بعينيه نكبة الحملة الصقلية 
وكارثة تحطم كل الآمال الأثينية. ومات قبل شهور من الهزيمة الساحقة 
التي لحقت بوطنه أثينا في ايجوس بوتاموي حيث انتهت الزعامة الأثينية 
للعالم الإغريقي تماما عام 404. وإذا كانت حياة سوفوكليس تغطى أهم 
أحداث القرن الخامس الذهبي فان الشاعر لم يكن بمنأى عن هذه الأحداث 
نفسها بل ساهم في صنع بعضها. إذ انتخب قائدا عاما مرتين وهو أعلى 
منصب يمكن أن يطمح المواطن الآثيني في الوصول إليه. ومع أن سوفوكليس 
لم يكن على أية جال منغمسا في الحياة السياسية انغماسا كاملا فانه 
انتخب قائدا عاما لأول مرة عام 440 عندما ذهب مع بريكليس لإخماد ثورة 
ساموس. وفي المرة الثانية انتخب قائدا مع نيكياس واحتل المرتبة الثانية 
في القيادة رغم أنه كان الأكبر سنا ذلك أن نيكساس كان أفضل خبرة 
وأوسع تجربة. وشغل سوفوكليس مناصب عامة أخرى أدنى منزلة بيد أثنا 
لا نجد أثرا لذلك في أعماله المسرحية. إذ كان وقورا رزينا إلى حد أنه لم 
يشأ أن يدس أية إشارة للأحداث المعاصرة أو لحياته العامة في تراجيدياته 
بل لعل ذلك يمثل ملمحا من ملامح تأثير الموروث الملحمي حيث لم يشر 
هوميروس قط إلى نفسه وملابسات حياته وهذا ما أشرنا إليه في الباب 
الأول. 1 

ومن المرجح أن سوفوكليس شغل بعض المناصب الدينية العامة وعلى 
وجه التحديد عمل كاهنا في معبد الإله اسكلبيوس إذ كان نشيد النصر 


230 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


الباياني الذي نظمه الشاعر لإله الطب هذا ذا شهرة ذائعة في العالم 
الإغريقي الروماني. وظل يغني حتى القرن الثالث الميلادي. وكان سوفوكليس 
أيضا كاهنا في معبد البطل الأتيكي ألكون (دمعللى) وهو من اتباع اسكلبيوس. 
ولعل سوفوكليس قد تقلد هذا المنصب بالوراثة لأن أبناءه بعد موت أبيهم 
أقاموا تمثالا لهذا البطل على قبره. وما يهمنا الآن أن الورع الديني عند 
سوفوكليس يبدو من طريقته في معالجته الأساطير التقليدية الموروثة حتى 
إن أنهة الستهنين التعداين معكقه ياه رعشي المشر خشسةه 
للآلهة»(52105ءء605)) . بل شاع الاعتقاد لدى الشعب الأثيني جيلا يعد 
جيل أن سوفوكليس إنسان مصطفى أو مختار من قبل الآلهة والسماء؛ بل 
قيل إنه استضاف إله الطب نفسه اسكلبيوس في منزله. وبعد موته قدسه 
الأثينيون ورضعوه إلى مرتبة البطولة الدينية وخلعوا عليه لقب «المضيف» 
(دهمنء«ء2) وينوا له محرابا يقدمون له القرابين على أساس انه يتمتع بقدرة 
إلهية على تهدئة الرياح الهوجاء. ونسجت أساطير أخرى كثيرة عن علاقة 
سوفوكليس الوثيقة بالآلهة. وعندما اختفى التاج الذهبي من معبد هرقل 
كشفت له الآلهة في الحلم عن مكان اختفائه. والجدير بالذكر أن الأثينيين 
لم يستطيعوا أن يدفنوا سوفوكليس بعد موته في مقبرة أجداده على الطريق 
إلى ديكيليا (06118) لان الجيش الإسبرطي بقيادة ليساندروس كان يحتل 
هذا الموقع فظهر ديونيسوس بنفسه كما يروى-لهذا القائد وأمره بالسماح 
للأثينيين بدفن الشاعر هناك حيث أقيم على قبره تمثال للسيرنية .(38) 
تزوج سوفوكليس من امرأة تدعى نيكوستراتي وأنجب منها ولدا سماه 
يوفون. وفي سن متقدمة كانت له عشيقة تدعى ثيوريس من سيكون انجب 
متها ولدا جاسم اروسغر. ولسوفركارين كلذكة اولان اخرون هم رسيس 
وستيفانوس ومينيكليديسء وإن كنا لا نعرف عنهم شيئًا يذكر. وعندما بلغ 
سوفوكليس أرذل العمر وقع في فخ الغانية ارخيبي (©مم:8:00) حتى قيل إنه 
ورثها كل ممتلكاته. وهذه رواية مشكوك في صحتها على أية حال لأن 
القانون الأثيني لا يسمح بحرمان الأبناء من الإرث. وبالطبع لا يفوتنا أن 
نشير إلى أشهر حوادث حياة سوفوكليس وأطرفها ونعني القضية التي 
رفعها ضده ابنه يوفون متهما إياه بالسفه ومطالبا بأن يكون هو نفسه قيما 
عليه لكي يحول بينه وبين تبديد أمواله على أبنائه غير الشرعيين. ولكي 


27 


الشعر الاغريقى 


يثبت سوفوكليس صحة قواه العقلية ألقى بعض الفقرات من «أوديب في 
كولونوس» التي كان قد انتهى من نظمها توا فبرأته المحكمة من تهمة السفه 
على القون معد أن سحرت أعضاءها طلاوة شعره وأدهشتهم حلاوة البيان 
فى نظمه. بيد أن هناك دلائل عدة نحول بيننا وبين قبول صحة هذه 
الرواية. فمعاصرو سوفوكليس كانوا يحسدونه على السكينة والسعادة التي 
أمضى فيها حياته من المهد إلى اللحد. ها هو الشاعر فرونيخوس يصنه 
بأنه «رجل محظوظ مات في سعادة وقبل أن يصيبه أي أذى»”” ويخبرنا 
أريستوفانيس في «الضفادع» (أبيات 73- 79) أنه ظل حق أواخر أيامه ينظم 
تراجيدياته بمساعدة ابنه يوفون. وهي رواية قد تكون نسجت من وحي 
المشهد بين بولينيكيس (ويقابل يوفون) وأوديب (ويقابل سوفوكليس) في 
مسرحية «أوديب في كولونوس». وعلى أية حال فقد أجمع معظم القدامى 
على أن سوفوكليس كان هادئىّ الطبع؛ رزيناء رصينا. يصفه أفلاطون بأنه 
إنسان يتمتع بشيخوخة رائعة متحررا من عبودية الشهوات الحسية22. 
وهذا أمريتفق فيه هذا الفيلسوف مع أريستوفانيس الذي وصف سوفوكليس 
في «الضفادع» (بيت 82) بأنه «عاش سعيدا ومات سعيدا» (105مكلناه) . وهذه 
الرزانة في طبع سوفوكليس هي التي جعلته لا يميل إلى التغيير ولا ينزع 
إلى الترحال فلم يغادر أثينا قط برغم تلقيه دعوات عدة من دويلات أخرى. 
كما تميز سوفوكليس برحابة الصدر وكرم الود فهو في «الضفادع» عند 
أريستوفانيس لا ينازع ايسخولوس عرش التراجيديا ويعترف له بالأولوية 
(أبيات 786- 790). هذا مع أن هناك روايات أخرى شبه أسطورية ولا يمكن 
قبولها تحكي عن وجود تنافس غير شريف وعداوة مستحكمة بين سوفوكليس 
ويوريبيديس فقيل إنهما تبادلا التهم بالسرقة الآدبية. وبالفعل نجد تشابها 
بين مسرحياتهما.!'" وإن دل كل ذلك على شيء فإنما يدل على التأثير 
والتأثر المتبادلين بين شعراء التراجيديا الثلاث ولا سيما بين سوفوكليس 
ويوريبيديس. فلقد كان الأول يكن ليوريبيديس كل إعجاب واحترام بدليل 
أنه بعد موته ظهر سوفوكليس على المسرح مع ممثليه وجوقته بلبس الحداد 
في «أوديب في كولونوس». صفوة القول أن سوفوكليس كان لطيف المعشر 
وجمع حوله كوكبة من رجال الفكر والساسة البارزين في عصره فيما يشبه 
النادي الثقافي. 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وفي مسرح سوفوكليس تتجسد المرحلة الثالثة من تطور الدراما الإغريقية 
مرورا بطور النشأة ومسرح ايسخولوس ويكون قد مر على بوادر نشأة 
الدراما قرن من الزمان. وكان دور سوفوكليس هو أن يصل بجهود السابقين 
ومحاولاتهم إلى حد النضج أو الكمال وأن يسد أوجه النقص في تجاربهم 
شكلا ومضمونا. فعظمته إذن لا تعود إلى أنه اكتشف شيئا جديدا بل إلى 
أنه طور القديم واكمل الطريق ومن ثم فانه من حيث القدرة على الخلق 
والابتكار قد يعتبر أفل شانا من ايسخولوس . بيد أن تعديلاته على التراجيديا 
تكتسب أهمية عظمى لأنها أعطت لهذا الفن طابيعا جديدا حتى أنه إذا 
قورنت إحدى مسرحياته ب «الفرس» أو «السيعة» لايسخولوس-وهما 
مسرحيتان قد عرضتا قبل ظهور تأثير سوفوكليس-لا تضح بما لا يسع 
مجالا للشك أن المسرحية السوفوكلية تنتمي إلى عالم آخر اكبر تطورا 
ونضجا من حيث الشكل وأعمق فلسفة وفكرا من حيث المضمون. 

ولعل أهم تجديد أدخله سوفوكليس على الشكل الدرامي للتراجيديا هو 
الممثل الثالث وهو تجديد اكمل الخطرة التي بدأها ايسخولوس ووضع حدا 
للصراع على الأولوية بين الممثلين من جهة والجوتة من جهة أخرى. ويؤيد 
رأينا هذا ما حدث فى مسرحيات ايسخولوس الأخيرة ونعنى تقلص دور 
الجوقة المطرد . بيد أنه نظر لأن ممثلين اثنين فقط هما اللذان كانا يشتركان 
في الحوار فانه كان من المحال أن يظلا على المسرح بصفة مستمرة وكان 
ما كان في مسرح ايسخولوس. وبإدخال الممثل الثالث على يد سوفوكليس 
أزيلت هذه العقبة وأصبح بوسع المؤلف أن يقصر معظم الحوار على الممثلين. 
بل أصبحت أغاني الجوقة نفسها أقل إسهاما في تطوير الحدث الدرامي 
مما كان عليه الأمرضي المسرح الايسخولي. وازداد حجم الحوار بين الممثلين 
وتشابكت الأحداث وتداخلت وتنوعت الشخصيات. وأصبحت هذه العناصر 
الدرامية أكثر جذبا بالنسبة للجمهور. حقا إن ايسخولوس قد تبنى هذا 
التجديد السوفوكلسي أي استعمل الممثل الثالث في مسرحياته الأخيرة 
ولكنه لم يستطع أن يصل بهذا المخترع الجديد إلى أقصى طاقاته فلم 


230 


الشعر الاغريقى 


يستغله استغلالا كاملا. وكان سوفوكليس صاحب الاختراع هو أول من 
استوعب واستغل ميزة أن يكون على المسرح ثلاثة ممثلين في وقت واحد. 
ويمكن أن نعقد مقارنة بين ذلك المشهد في «حاملات القرابين» (بيت 668 
وما يليه) لايسخولوس عندما أتت الأنباء الكاذبة عن موت أوريستيس إلى 
أمه كليتمنسترا بالمشهد المقابل في مسرحية سوفوكليس «اليكترا» (بيت 
0 وما يليه). وسنجد الفرق واضحا ومميزا لفن كل من الشاعرين. في 
حاملات القرابين لما لا يشترك في حوار هذا المشهد سوى الرسول حامل 
الأنباء وكليتمنسترا. وهو حوار مؤثر للغاية ويستمد قوة تأثيره من بساطته 
ولكنه يسير على نفس المنوال من أوله إلى آخره. أما في «اليكترا» فيصل 
الرسول عندما تكون اليكترا وكليتمنسترا واقفتين أمام أبواب القصر. مما 
يتيح فرصة ممتازة لإجراء حوار درامي رائع بينهما عندما يتلقيان الأنباء 
الكاذبة عن موت أوريستيس. فكل منهما تمثل موقفا متناقضا مع الآخر 
وكل منهما تعبر عن رد فعل يغاير الآخر فإليكترا يائسة حزينة إذ فقدت 
الأمل الأخير في الانتقام من أعدائها قاتلي أبيها. أما كليتمنسترا وإن 
تحسرت بعض الشيء على فقدان الابن فأنها تحس بالنشوة لأنها ستتخلص 
من انتقام الخوف منها. حقا إنه لمشهد راسم خيوطه سوفوكليس ببراعة 
درامية نادرة لم يسبق للتراجيديا عهد بها ولا سيما إذا وضعنا في الاعتبار 
المفارقة المأساوية العجيبة لأن رد فعل كل من اليكترا وكليتمنسترا على 
أنباء موت اوريستيس يقوم على غير أساس فهي ببساطة أنباء ملفقة. 
وهناك مشهد آخر مشابه تظهر فيه مقدرة سوفوكليس على استفلال 
وجود الممثل الثالث أفضل استغلال ونعني «أوديب ملكا» بيت 984 وما يليه 
حيث يستمع كل من أوديب ويوكاستي لقصة الرسول القادم من كورنثه 
بأنباء موت ملكها. فهنا يسمع أوديب لآول مرة حقيقة أنه كان قد ألقى في 
العراء فوق جبل كيثايرون طفلا رضيعا وبأمر من والده. ويسعد أوديب 
بذلك ظنا منه أنه على وشك أن يصل إلى معرفة حقيقة والديه وهو الأمر 
الذي طال سعيه إليه. بيد أن أمه يوكاستي التي تقف إلى جواره لها رد فعل 
مخالفء إذ كلما مضى الرسول في قصته ازدادت هي يقينا بأن أوديب هو 
ابنها الذي صار الآن زوجها. ومن ثم فنحن أمام مشهد درامي غاية في 
الإثارة والمأساوية لآن كل كلمة من الرسول-والراعي الطببي المسن بعد 


210 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


ذلك-تثير ردين متناقضين لدى سامعيه إذ يزداد أوديب في البداية على 
الأقل استغراقا في آماله ونشوته من ناحية وتتعمق الهوة بينه وبين أمه 
يوكاستي التي تزداد غوصا في الأحزان والآلام حتى إنها بعد أن تفشل في 
ثني أوديب عن المضي في استجواب الرجلين تتسحب صامتة من المشهد 
ومن الحياة للأبد لأنها تمضي لتنتحر على الفور. 

وتمثلت الخطوة الكبرى الثانية التى أصاب بها سوفوكليس هدف الأصالة 
والأبكار كى ]فده مخلى ناما فن البتية الكلاقية للبسرهيات الايسغولية 
وصار يقدم كل مسرحية قائمة بذاتها (هصقتل 05م 5سمل) . وهذا لا يعني 
أنه لم يفعل ما يستلزمه نظام المسابقات التراجيدية بمهرجانات ديونيسوس 
الكبرى بالمدينة أي أن يتقدم برباعية أو بالأحرى أربع مسرحيات متتالية 
(ثلاث تراجيديات ومسرحية ساتيرية واحدة). ولكنه فقط لم يجعل موضوع 
هذه المسرحيات الأربعة واحدا ومتصلا. بل وضع لكل مسرحية كيانها 
المستقل. ومن المحتمل أن يكون هذا التغيير الجذري في فن الكتابة الدرامية 
نتيجة من نتائج إدخال الممثل الثالث الذي أدى إلى تعقيد الأحداث الدرامية 
فى المسرحية السوضوكلية. ذلك أنه فى هذه الحالة لو امتدت هذه الأحداث 
اللعقدة إلى تخد تقطية خاذكة مسرحيات متالية الازدادت الأساظير غبوضنا 
ولضاق الناس بها لطولها غير المحتمل. 

وقد يكون ذلك صحيحا بيد أن السبب الرئيسي-في رأينا-هو اختلاف 
الرؤية المأساوية عند كل من الشاعرين. فسوفوكليس لم يعد يرى أن المأساة 
تنبع من لعنة موروثة عن الأجداد وتلاحق الأباء والأحفاد وهي الرؤية التي 
من وحيها نظم ايسخولوس مسرحياته الثلاثية متتبعا هذه اللعنة من جذورها 
في الماضي البعيد إلى فروعها في الحاضر والمستقبل القريب. ولعل من 
الأسباب المهمة لتخلي سوفوكليس عن البنية الثلاثية في الكتابة الدرامية 
هو ميله للبساطة والاكتمال في الشكل. إنه كفنان يرفض فكرة أن تعتمد 
مسرحية على أخرى سابقة أو لاحقة بهدف أن تكتمل صورتها أو يفهم 
منعناهاء ومن المحتمل أن سوظوكليس لو تبتى نظام البناء الخلافي المسريحي 
لتوفرت لديه فرصة أوسع من حيث الزمان والمكان لتطوير الشخصيات 
والأحداث بطريقته الخاصة ولكنه ضحى بذلك من أجل الجمال والكمال 
الفنيين. 


24 


الشعر الاغريقى 


ولقد مارس سوفوكليس التمثيل بعض الوقت شأنه في ذلك شأن بقية 
شعراء التراجيديا الإغريق. ولكنه بعد حين. كف عن ذلك لعيب في صوته 
على الأرجح وإن كان ذلك لا يعني أنه لم يكن يؤدي الأدوار الثانوية أو لم 
يظهر في عروضه كراقص أو عازف على القيثار. وهو بالطبع المستول عن 
العرض المسرحي ككل فهو الذي «أخرج» مسرحياته كبقية الشعراء. ويبدو 
أنه هو الذي أوعز بتطوير رسمء خلفية المشاهد ورفع عدد أفراد الجوقة 
من اثني عشر إلى خمسة عشر وهو أمر يترتب عليه بالطبع تطوير وتغيير 
في أسلوب الرقص ورسم لوحاته. وتبنى سوفوكليس الأسلوب الفريجي في 
الموسيقى وأدخل العصا التي تعلوها انحناءة ما ويحملها أكثر الشخصيات 
وقارا واستخدم الأحذية البيضاء التي ينتعلها الممثلون وكذا أغراد الجوقة 
في بعض الأحيان. وقد تبدو هذه التغييرات أمورا صغيرة أو ثانوية ولكنها 
تدل على اهتمام سوفوكليس بتفاصيل العرض المسرحي من حيث الشكل 
الخارجي. 

وتعزى إلى سوفوكليس ما بين 104 إلى30١‏ مسرحية لم تصلنا منها 
كاملة © سوى سبع مسرحيات فقط. 

ومن الملاحظ أن حوالي 53 مسرحية من مسرحيات سوفوكليس أخذت 
موضوعاتها من حلقة الملاحم الطروادية والطيبية. وبذلك يسير سوفوكليس 
على نفس الدرب الذي اتبعه أيسخولوس. ويكاد سوفوكليس أن يكون قد 
أهمل أسطورة ديونيسوس مع أنها المنبع الأصلي للدراما وهي التي استقى 
منها ايسخولوس بعض مسرحياته. وشق سوفوكليس طريقه الخاص حين 
احتقى احتفاء ملموسا بأساطير مسقظ رآسه كولونوس والمنطقة التي عاش 
بها أي اتيكا بصفة عامة في حين لم يفعل ذلك ايسخولوس إذ أهمل 
الأساطير التي تدور حول ثيسيوس وفايدرا وايون وتيريوس وبروكريس على 
سبيل المثال. ونهل سوفوكليس موضوعات بعض مسرحياته من أساطير 
مدينة ارجوس مثل مغامرات بيرسيوس والعداوة القاتلة بين اتريوس 
وثيستيس وتتاول كذلك أسطورة رحلة السفينة أرجو. وإذا عقدنا مقارنة 
بين ايسخولوس وسوفوكليس من حيث مصادرهما الملحمية والأسطورية 
لوجدنا أن سوفوكليس يتجنب كل ما هو فوق مستوى البشرية ويقترب من 
كل ما هو آدمي. لقد تحاشى الأساطير البدائية والغامضة وتلك التي تلعب 


242 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


فيها الآلهة الدور الرئيسي وكل تلك الأساطير هي التي ترعرعت فيها 
وتجلت عبقرية ايسخولوس. حقا إن بعض مسرحيات سوفوكليس مثل 
«نيوبي» و «ثاميراس» و «تريبستوليموس» تعالج مثل هذا النوع الأيسخولي 
من الأساطير ولكنها قد تكون مسرحيات مبكرة في إنتاج سوفوكليس الذي 
تخلص بعد ذلك من تأثير رائده الكبير ايسخولوس. 

وإذا كان بوسعنا بالنسبة لأيسخولوس أن نطلع على تطوره من بداية 
حياته المسرحية إلى نهايتهاء لأن مسرحياته الباقية تنتمي إلى مراحل حياته 
المختلفة؛ فإن موقفنا جد مختلف بالنسبة لسوفوكليس لأن المسرحيات 
السبع التي وصلتنا منه تعود إلى فترة نضوجه وتمثل جميعا نمطا واحدا 
من الكتابة الدرامية ذات المستوى الرفيع. ومن المؤكد أنه لو بقيت لنا بعض 
مسرحيات سوفوكليس المبكرة لوجدنا فيها الكثير من السمات الأيسخولية 
في التأليف المسرحي. أي قلة في تعقيد الحدث ووفرة في عنصر السرد 
وغرارة شن القناقية: وهنذا جاايكاهر دق سو الشدرات الثنقية من السرحيات 
التي لم تصلنا. أما في تلك التي وصلتنا كاملة فيبدو جليا التقدم الكبير 
الذي حققه الشاعر في فن عقد الحبكة الدرامية ذات البنية المكتملة 
والسليمة. وفي الواقع يمكننا أن نقول في شيء مم التعميم إن الحبكة 
الدرامية السوفوكلية تقف في منتصف المسافة بين بساطة ايسخولوس 
وتعقيد الحبكة المتشابكة شن بعضن اتجاهات مسرحنا الحديث والمعاصر. 
ذلك أنه إذا قورن الحدث الدرامي السوفوكلي بنظيره عند أيسخولوس بدا 
أكثر ثراء وتنوعاء. إذ توسعت الأساطير وتطورت بإضافة تفاصيل عديدة. 
وبينما بقيت الخطوط العريضة في هذه الأساطير كما هي عليه في الموروث 
الملحمي والأسطوري فإن الصورة الكلية قد تغيرت لأنها ملت بمجموعة 
من الأحداث الجديدة وكذا التقلبات غير المتوقعة كما نجد في التراجيديا 
الحديثة. بيد أن هناك فارقا رئيسيا هو أننا في المسرح الحديث ننجذب 
لتتبع الحبكة بفضل عنصر التشويق الذي يغذي فينا الفضول لمعرفة ما 
سيحدث لأن النتيجة مجهولة تماما ولا تعرف إلا بنهاية المسرحية. أما 
سوفوكليس فلا يتركنا نشك إلا قليلا يخما يتصل بالنهاية. ويبدو أنه يفضل 
كسب ثقة الجمهور من البداية ويعطيهم بعض المعلومات عن مجريات 
الأحداث ويساعدهم على معرفة الكثير عن النهاية قبل وقوعها . وإذا أضفنا 


215 


الشعر الاغريقى 


إلى ذلك أن مسرحياته-وكذا مسرحيات الشعراء التراجيديين الآخرين- 
تقوم على الأساطير الشعبية والمعروفة للجميع أدركنا كيف أن انتباه الجمهور 
لا ينصرف إلى محاولة تخمين النهاية وإنما ينصب منذ البداية على تطوير 
الشخصية واستتنباط المعنى الأخلاقي للحدث الدرامي. ولعلنا بذلك نرد 
بطريقة غير مباشرة على دعاة البريختية الذين يظنون أن جمهور المسرح 
الإغريقي كان ضحية الإبهام المسرحي بحيث بدا كأنه منوم تنويما 
مغناطيسيا”". المهم أن سوفوكليس بإدخاله بعض التحويلات المفاجتة 
وإضافة بعض الأحدات الفرعية الجديدة على الأساطير القديمة لم يكن 
يهدف أساسا إلى الإبهار بل لإحداث التنوع في رسم الشخصية بتعريضها 
لمختلف المواقف. 

ويمكننا أن نعقد مقارنة في ذلك بين الشاعرين ايسخولوس وسوفوكليس 
وهما يصوران عودة أوريستيس من منفاه للانتقام من أمه قاتلة أبيه. خفي 
«حاملات القرابين» لايسخولوس يعود اوريستيس إلى ارجوس ويكشف عن 
نفسه لاليكترا وصويحباتها وبعد ذلك لا يجد جديد حتى منتصف المسرحية 
تقريبا اللهم إلا التشجيع المتبادل بين اليكترا وأخيها . ثم ينسحب أوريستيس 
المتنتكر كأجنبي قادم من فوكيس ويخدع كليتمنسترا بقصة ملفقة عن موته 
فتستقبله في القصر. في هذه الأثناء ترسل المربية لإحضار ايجيسثوس 
الذي يقتله اوريستيس عند دخوله القصر فتندفع كليتمنسترا محاولة الهرب 
فيلاحقها أوريستيس ويدور بينهما حوار عصير ينتهي بقتلها . وتفتح أبواب 
القصر ليرى الجمهور أوريستيس واقفا أي جوار الجثتين. 

فلنر ماذا أضاف سوفوكليس في مسرحية «اليكترا» من أحداث فرعية 
تثري الحدث الدرامي وتضئ جوانب مختلفة من الشخصيات التي تقوم 
بهذا الحدث. والإضافة الأولى تتمثل في استحداث شخصيتي الخادم أي 
المربي المسن-حيث يتيح ذلك فرصة تقديم مشهد قصير يظهر فيه جانب 
مهم من شخصية اليكترا وهو جانب الحنان والود-وخريسوثيميس وهي 
فتاة عادية تخاف الأعمال الجريئة ولا تقوى على تحمل مسئوليتها. فهي 
إذن تأتي هنا كالنقيض الشارح والمؤكد لشخصية أختها اليكترا المتميزة 
بالشجاعة والإقدام. واستبدل سوفوكليس بالحيلة الايسخولوية البسيطة 
أي الأكذوبة الملفقة عن موت اوريستيس ثلاثة مشاهد فوية ومؤثرة. فأولا 


2141 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


هناك المشهد الذي تروى فيه قصة موت أوريستيس لكليتمنسترا واليكترا 
مما يحدث نوعين متناقضين من رد الفعل وهذا سبق أن تناولناه بالدراسة. 
وك ذلك يآكن اليب القاني الذى مير هيه كريس قسن عن آمالها 
لأختها وتكتشف أنها آمال بلا أساس. أما المشهد الثالث فيأتي عندما 
يدخل اوريستيس المتنكر ويسلم وعاء الرماد إلى اليكترا فتسلم نفسها 
لحزن بالغ ينقلب على الفور إلى فرح شديد عندما يتحرك اوريستيس 
متأآثرا بحزنها ويكشف لها عن حقيقته. 

وعنصر جديد إضافة سوفوكليس وهو الجدل الذي دار بين الآم وابنتها 
حيث وجدت فيه اليكترا فرصة للتنفيس عما في نفسها من مشاعر الحقد 
والازودراء إذاء خيانة كليتمسكر) وقدرها؛ ولعله مخ الواضع أن سوظوكليس 
بمثل هذه الإضافات قد استطاع أن يقرب أحداث المسرحية من مستوى 
البشرية بعواطفها المتضاربة ونوازعها المتناقضة والتي تتوالى في مشاهد 
متتابعة وسريعة وكل ذلك يحدث دون أن يخفى عنا سوفوكليس طبيعة 
النهاية المحتومة التي تتجه إليها الأحداث. 

بيد أن ثراء المسرحيات السوفوكلية لم يفقدها بساطتها فحبكة كل منها 
ذات هدف مرصود وتتمتع يوحدة درامية ملموسة. تجتمع كل العناصر على 
السير في نفس الاتجاه وتكثيف انتباه الجمهورء من البداية إلى النهاية, 
على الحدث الدرامي الذي يدور حول شخصية رئيسية ومبدأ أخلاقي 
واحل اماما عدا ذلك فياك فى الأرقية القانية فون واكافرى :سالخصديات 
الصغرى تدور في فلك الشخصية الرئيسية؛ بل إن وجودها أصلا يستهدف 
تعميق ملامح هذه الشخصية المحورية وبالتالي تأكيد المغزى المأساوي في 
معاناتها. ولا يسمح سوفوكليس بان تشغلنا أية أمور جانبية أو تعتم علينا 
رؤيتنا للنتيجة الآأساسية ولا حتى للدافع الرئيسي لكتابة المسرحية. قفي 
مسرحية «اليكترا» على سبيل المثال ومع كثرة الإضافات وغزارة التفاصيل 
التي أحدثها سوفوكليس تبقى وحدة الحدث الدرامي واضحة ويبقى الهدف 
الرئيسي بارزا وهو عدالة الانتقام من ايجيسثوس وكليتمنسترا وتبقى 
شخصية واحدة هي الأكثر ظهورا وتأثيرا أي اليكترا. حتى إن الشخصيات 
الأخرى تأتى وتذهب أو ندخل وتخرج بينما تظل اليكترا في معظم الوقت 
واقفة أمامنا على المسرح ونب هذا وتغطبب من ذلك: قيس وتحزن: تحب 


215 


الشعر الاغريقى 


وتفرح وبذا تظل هي المسيطرة على المشهد من أول المسرحية إلى آخرها. 
وتلك هي السمة الرئيسية في كل مسرحيات سوفوكليس مع تفاوت في 
الدرجة أحيانا. وبالإضافة إلى ذلك يبدو تطور الأحداث في مسرحه طبيعيا 
ومباشرا فلا شيء يحدث دون سبب منطقي أو تبرير درامي كاف. بل يبذل 
المؤلف مزيدا من العناية لتبرير دخول وخروج الممثلين» كما أنه يتجنب 
الأفعال العنيفة أو غير المحتملة. وعرف عن سوفوكليس وبراعته في التأليف 
أنه يعقد العقدة الدرامية ويحبكها حبكة جيدة بحيث إنها تحل نفسها 
بنفسها أي بصورة طبيعية دون تعسف فيما عدا مسرحية «فيلوكتيتيس» 
التي لجا فيها إلى تدخل إلهي خارجي لحل عقدتها وهذا ما سنعود إليه في 

يعتني سوفوكليس بالأحداث الأسطورية التي يعرضها على المشاهد في 
مسرحياته ويحاول جاهدا أن يجعلها مقبولة ومعقولة. أما ما يسبق بداية 
الحدث الدرامي ويقع خارج إطاره فلا يبذل الشاعر نفس العناية إزاءه بل 
يقبله حتى لو كانت بعض أحداثه غير معقولة. فمثلا أسطورة أوديب نتضمن 
بعض الأحداث التي لا يمكن تصديقهاء إن حكمنا العقل والمنطق ولا يحاول 
سوفوكليس نفسه أن يبررها أو يبسطهاء وإنما يقبلها دون أن بعد لها ما 
دامت تقع قبل بداية الحدث الدرامي في مسرحية «أوديب ملكا». ولكن ما 
أن تبدأ الممسرحية وتتوالى مشاهدها حتى يجد المتفرج نفسه متابعا لها 
بشغف دون أن يشغله التساؤل حول الأحداث غير المعقولة التي سبقت هذا 
الحدث الدرامي المعقول. وهكذا أفلح سوفوكليس فيما فشل فيه المحدثون 
والمعاصرون ممن قلدوه أو عارضوه في هذه المسرحية موضوع حديثناء 
ومنهم كورني وفولتير واندريه جيد وتوفيق الحكيم””) وغيرهم. لقد حاولوا 
أن يعطوا تبريرا عقلانيا لأحداث الأسطورة التي وقعت قبل بداية المسرحية 
غلم يحققوا شيئا سوى أنهم لفتوا أنظار الجمهور لمثل هذه الوقائع الأسطورية 
التي لا تقبل التصديق. 

وأعطى سوفوكليس لنفسه حرية واسعة في وصفه للأحداث التي تقع 
خارج نطاق المشهد المعروض بطريق السرد . فهذا ما فعله أيضا في مسرحية 
«بنات تراخيس» حيث يتحدث عن رحلة يومين على أنها وقعت في ظرف 
بضع ساعات. وفي مسرحية «انتيجوني» يذهب كريون لينهي مراسم دفن 


210 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


بولينيكس بدلا من الإسراع لإنقاذ حياة انتيجوني نفسها كما يستوجب 
المبدأ القائل بأن الحي أولى بالإسعاف من الميت. ولكن مثل هذا التسبب 
في ربط الأحداث التي لا نشاهدها على المسرح أمامنا أي تقع خارج نطاق 
الحدث الدرامي نفسه يعد أمرا عاديا في التراجيديا الإغريقية. 

وجدير بالإشارة أن سوفوكليس الذي أضاف الممثل الثالث ووسع حجم 
الحوار الدرامي لم يستغن تماما عن تقنية السرد الملحمي. ذلك أنه عنصر 
من عناصر الموروث الشعري الذي سيظل موجودا في المسرح وحتى نهاية 
تطوره. ولكن هذا الفنصر يتخد في مسرح سوفوكليس الشكل الثهاكي 
الذي سيثبت عليه ونعني انه سيقتصر على دور الرسول الذي يأتي دائما 
إن اللشهد ليضبق لقا الكاركة التى وقمف بخارسه والتي لا يمكق بالتطيع 
تقديمها على المسرح .هذا ما يحدث في «أوديب ملكا» و «أوديب في كولونوس» 
و«انتيجونى» و«بنات تراخيس». أما فى المسرحيات الثلاث الأخرى «اياس» 
و#فيلركنيتيسة و#اليككرا»طان ضتضر السرد ينكين الأسارب الايسخرلن 
القديم. المهم هو أن نعرف حقيقة أن تقنية السرد الملحمي كانت مفضلة 
لدى الجمهور بدليل أن بعض المسرحيات كان يمكن أن تستغني عنها-من 
حيث الحبكة الدرامية-ولكن المؤلف حرص على وجودها. 

ويقول معظم النقاد إن سوفوكليس لا يحفل كثيرا بالتأثير البصري لأنه 
يخاطب العقل لا العين ويفضل التجويد في رسم الشخصيات على عرض 
مشاهد مؤثرة أو بالأحرى تبهر الأآنظار. بيد أن هناك بعض المشاهد 
السوفوكلية تفوق في تأثيرها أية مشاهد أخرى لدى أي كاتب. ومثال ذلك 
اكتشاف ايجيسكون لسكة كايشرس كرا («اليكترا» أبيات 1748-1458). كما أن 
رسم الحركة المسرحية-كما يفهم من المشاهد-ينهض دليلا على تمتعه بقدرة 
تشكيلية فائقة. وأفضل ما يستشهد به هنا هو المشهد الختامي في 
مسرحية«أياس». ففي منتصف المكان يرقد البطل الهمام أياس مسجى 
وبجواره تركع الشخصيات الصامتة أي زوجته وابنه. وعن يمين وشمال 
يقف تيوكروس ومينيلاوس الغاضبان والمتجادلان في عنف حول قضية 
الدفن. إنه لمشهد رائع حقا تتوسطه مجموعة صامتة تلتف حول جثة هامدة 
ومن حولهم يتجادل المتجادلون في صوت عال وضوضاء صاخية. 

وإذا كنا قد لاحظنا تطويرا ملموسا في دور الجوقة عند ايسخولوس 


2427 


الشعر الاغريقى 


فيما بين «المستجيرات» و«الاوريستيا» فان الجوقة في مسرح سوفوكليس 
الناضج تتميز بعدم وجود مثل هذا التغير من مسرحية إلى أخرى. لقد 
أصبح دورها عند سوفوكليس_, أو على الآقل في مسرحياته الباقية-ثابتا 
ومحددا له معالمه الواضحة والمستديمة بحيث يمكن اعتبارها النموذج الأكمل 
للجوقة في المسرح التراجيدي الإغريقي برمته وهذا ما يعجب به أرسطو 
نفسه.!* لقد تقلص حجم الجوقة من حيث الطول ولم تعد تلعب دور 
البطولة. بل ولم يعد اشتراكها في الحدث الدرامي يؤدي إلى تغييرات 
جوهرية وإن كانت في «أوديب في كولونوس» قد حاولت منع قسوة كريون 
وساعدت في «فيلوكتيتيس» على إنجاح حيل أوديسيوس. ولكن أين هذا 
مما تفعله الجوقة في «المستجيرات» أو حتى في «الصافحات» ؟ 
لأيسخولوس5. ولقد ترتب على ذلك أن أغاني الجوقة عند سوفوكليس لا 
تعكس الانفعال الشخصي العنيف بل التفكير العميق. فهي لا تندفع في 
هلع هستيري قط كما حدث في «السبعة ضد طيبة» عند ايسخولوس. 
وهي لا تصل إلى حد الياس التام كما هو الحال في «الفرس» الايسخولية 
ولا تتورط في أعمال الانتقام كما في «الصافحات» لنفس هذا الشاعر 
الأقدم. لقد ابتعدت الجوقة السوفوكلية بعض الشيء عن بؤْرة العواصف 
والأزمات فى الحدث الدرامى واحتلت مركزا أقرب إلى الوسيط المحايد 
الذي يحافظل غلى القرازن مين مسخظف الاتجاهات والنزعات في هذا الحدث. 

وتبدو الجوقة السوفوكلية وكأنها تلعب دورا مزدوجا. فهي بطبيعتها 
وطبيعة الدور الذي تقوم به في الحوار تبدو كأحد الممثلين لأنها من هذا 
الجانب تؤدي دورا يختلف بعض الشيء عن الأغاني التي تغنيها والتي 
بالقطع لها وظيفة أخرى. ومثل هذا التباين بين شقي وظيفة الجوقة-أي 
الجزء الحواري والجزء الغنائي في دورها-يمكن أن يكون من تاثير ايسخولوس 
نفسه بيد أن سوفوكليس قد عمقه وأبرزه كشيء متعمد . فالجوقة السوفوكلية 
المشاركة في الحوار تمثل الإنسان العادي فى ابل الكائنات البطولية التي 
يلعب الممثلون الآخرون أدوارها. فهي إذن جوقة لا أثر للمثالية فيها إذ 
تجمع نقاط الضعف جنبا إلى د نقاط التألق في شخصية الإنسان 
الذي يظل مع ذلك مواطنا محترما. والجوقة السوفوكلية لا تحاول أن 
تظهر بمظهر من يتمتع بحكمة فائقة أو بعد النظر الخارق أو نفاذ البصرة. 


228 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


ومثل هذه الجوقة يمكن أن تقع في الأخطاء ومن السهل على الآخرين 
خداعها كما فعل «أياس» عندما تظاهر بالندم في المسرحية المسماة باسمه 
(بيت 693 وما يليه) وكما استطاعت ديانيرا أن تحصل على تأييد الجوقة 
لخطتها القاتلة في «بنات تراخيس» (أبيات 588- 589). وتتورط الجوقة 
نفسها أحيانا في بعض الحيل الخبيثة كما حدث في «فيلوكتيتيس» 
(أبيات517-507, 865-3) حيث تحث نيوبتوليموس على خداع البطل الذي 
تحمل المسرحية اسمه عنوانا. 

بيد أن الجوقة السوفوكلية بصفة عامة ورعة؛ مؤمنة بالآلهة وتخشى 
غضبهم وتحض على الاعتدال والتقوى فهي تستخلص الحكمة من كبرياء 
وعنجهية كريون في «انتيجوني» (أبيات 1348- 1353). وهي مخلصة للأصدقاء 
وتتعاطف معهم دون أن تتخلى عن الحذر والحيطة اللتين تتميز بهما. 
والجوقة السوفوكلية لا تكف عن تبجيل السلطة الحكمة حتى إنها تتردد 
في مواساة اليكترا في المسرحية التي أخذت عنانها من اسم هذه البطلة 
(أبيات 314-310) قبل أن تتأكد من غياب ايجيسثوس. ومع أن الجوقة في 
مسرحية «انتيجوني» تؤيد البطلة من أعماقها إلا أنها لا تقول ذلك علانية 
(أبيات 509-504) بل تنهى عن مخالفة القوانين حق ولو كان الهدف هو 
أسس الغايات. وتقول هذه الجوقة في نفس المسرحية (أبيات 874-872): 
«قد تكون مثل هذه البطولة جديرة بالثناء ولكن الحكام أحق بالطاعة والولاء». 
ومع ذلك فالجوقة السوفوكلية كثيرا ما تظهر مذبذبة تتأثر بسهولة وتغير 
مواقفها بناء على كلمات آخر المتحدثين. فهي لا تصر على موقف معين لها 
ولا تتخذ لنفسها رأبا ثابتا. وغاية ما تهدف إليه الجوقة السوفوكلية هي أن 
تهدئ المواقف العنيفة وأن تصل إلى حلول توفيقية . وكثيرا ما تقول ما معناه 
أبى كلا الجانبين على حق أو أن على كل جانب أن يتعلم من الأخر ويتنازل 
بعض الشيء. 

وعندما يترك الممثلون المسرح للجوقة تغرق في تأملاتها وتحلق في 
آفاق رفيعة المستوى وتتحدث بنغمة جد مختلفة عن نغمة الأجزاء الحوارية 
التي تشترك فيها مع الممثلين. وهي هنا تتعرض للمسائل الجوهرية وتتناول 
دقائق الآمور وتصدر أحكامها على الآشياء في ضوء القوانين الخالدة 
للعدالة والدين. إنها عندئذ تصبح كما لو كانت المتحدثة باسم. الشاعر 


210 


الشعر الاغريقى 


المؤلف فتطرح الدرس المستفاد من المسرحية برمتها. 

وإذا أردنا أن نضرب مثلا على الدور المزدوج للجوقة فلن نجد أفضل 
مما يحدث في مسرحية «اليكترا» فبعد أن يئست البطلة من عودة أخيها 
اوريستيس عرضت على أختها خويسوثيميس أن تتعاون معها على القيام 
بعملية الانتقام اعتمادا على نفسيهما. فترتعد خريسوثيميس لمجرد سماع 
هذا العرض الجريء لأنها تفضل العيش في تواضع وآمان على الطموح في 
تحقيق الأمجاد وتتوسل إلى اليكترا أن تخضع لحكم الضرورة. وفي البداية 
تنضم الجوقة لهذه التوسلات مؤكدة أن الحكمة والحذر هما خير ما يتمتع 
به الإنسان من مزايا (أبيات 1016-1015). ولكن ما إن تنصرف الآختان 
وتشرع الجوقة في الغناء حتى نكتشف أنها قد غيرت من نغمة الحديث 
وعدلت من موقفها فهي تنحى باللائمة على خريسوثيميس على أساس 
أنها تهمل ذكرى أبيها المقتول غدرا. وتثني الجوقة على اليكترا لإخلاصها 
واستعدادها للتضحية بنفسها في سبيل ما تقضي به عدالة السماء (أبيات 
1097-9). 

وقد يكون صحيحا القول بان الجوقة في المسرح الإغريقي تشكل عبئًا 
ثقيلا على كاهل الشعراء المؤلفين بصفة عامة. بيد إننا في هذه الحالة لن 
نجد شاعرا قد استطاع أن يتغلب على هذه العقبة بنجاح ومهارة مثل 
سوفوكليس . فالجوقة في مرحه تذوب في خضم العناصر الدرامية الأخرى 
على نحو لا يكون على حساب الجانب المأساوي للمسرحية بل يزيده جمالا 
وسحرا. فهي في الأجزاء الحوارية تلعب دور النقيض الشارح للأبطال 
فبضعفها تؤكد عظمتهم. وبتذبذبها تثبت حزمهم وحسمهم. أما أغانيها 
فهي نغمات جادة ووقورة تأتى كلوحات استعراضية جميلة بين مشاهد 
الانفعال والعنف. وهي بطولها المتقلص لا تعرقل سير الأحداث بل تضفي 
جوا غنائيا ممتعا على المسرحية كلها. ولا يسعنا في نهاية حديثنا عن 
الجوقة السوفوكلية إلا أن نشير إلى إعجاب أرسطو بها إذ قال «ينبغي على 
الجوقة أن تلعب دورا كدور أحد الممثلين وان تشكل جزءا من الكل؛ وتشترك 
في الحدث كما عند سوفوكليس لا كما عند يوريبيدس»!06©. 

لقد استهدف سوفوكليس بالأساس أن ينزل بالتراجيديا من علياء 
الألوهية والبطولة إلى المستوى البشري الذي يظل مع ذلك مثاليا وفخما. 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وتحقق هذا الهدف السوفوكلي على نحو ملموس في مسرحياته الباقية 
التي نجدها قد استبدلت بالعظمة الايسخولية الرهيبة رشافة جميلة وقريبة 
من قلوب الناس ومستواهم. 

ولم تعد القضايا العظمى حول الدين والأخلاقيات تعوق اهتمام الجمهور 
أو تشغلهم عن متابعة أحداث القصة الممثلة أمامهم. وهذا لا يعني أن 
جمهور سوفوكليس فاقد الوعي-كما يزعم البريختيون المحدثون7”"-إنما كل 
ما حدث هو أن القضايا التي احتلت مركز الصدارة في مسرح ايسخولوس 
انتقلت إلى خلفية الصورة عند سوفوكليس وتقدمت الشخصيات الآدمية 
لتشغل مركز الدائرة وهي واضحة المعالم محددة الملامح وحادة التأثير. 
ولأول مرة أصبحت الطبيعة البشرية بكل انفعالاتها وعواطفها ومراعاتها 
هي الهدف الرئيسي والموضوع الأساسي للكتابة الدرامية. حقا إن شخصيات 
سوفوكليس الدرامية قد احتفظت بالرشاقة والعظمة البطوليتين الهومرتين 
ولكنها في نفس الوقت اقتربت من العواطف الإنسانية ونقاط الضعف 
الآدمية. ولعل ذلك يبدو اكثر وضوحا لووضعنا هذه الشخصيات السوفوكلية 
في مقابل شخصيات ايسحخولوس الذين يشبهون سلالة العمالقة وينتمون 
إلى جنس بروميثيوس. وهذا أمر كان له انعكاسه الملحوظ في اللغة 
النتخدمة عند كل مخ الشاعرزين فلغة ايسخولوس كما رأينا “تميز بفتخامة 
علوية. أما لغة سوفوكليس-التي سنتعرض لها بعد قليل-فتجمع بين القوة 
والجمال. البساطة والسمو في آن واحد. 

وهكذا انتقل مركز الثقل في مسرح سوفوكليس من قضايا الدين 
والأخلاق التي شغلت ايسخولوس كثيرا إلى قضايا الطبيعة البشرية نفسها . 
ومن ثم فان بنية المسرحية السوفوكلية وحبكتها وترتيب مشاهدها أصبحت 
كلها في خدمة هدف رئيسي واحد هو رسم الشخصية (16515هم0طاء) . وهو 
مجال تفوق فيه سوفوكليس على غيره من شعراء التراجيديا. حقا إن 
سوفوكليس لم يفلح في تقديم شخصية يتملكها هذيان رباني كما في كاسندرا 
ايسخولوس ولا أخرى تسيطر عليها روح الغيرة الفتاكة كما في ميديا 
يوريبيديس. ولكنه برع في رسم الصورة البشرية بدقة متناهية محللا الدوافع 
الرئيسية لكل شخصية ومتعمقا في روح الإنسان وقلبه على نحو من الجمال 
لم يسبق له مثيل. وبلغ من براعة سوفوكليس في هذا الميدان أنه يستطيع 


الشعر الاغريقى 


تصوير شخصية ما تصويرا كاملا في بيت واحد من الشعر. ولذا نجد 
مسرحياته مليئة بعبارات موجزة بديعة ومفعمة بالكثير من المعاني والغزير 
من الصور التي عشى التغاب عن سكنون الشخصية منذ النظرة الأولى. 
وجدير بالذكر أن مثل هذه العبارات المحكمة والبليفة-كتلك التي يحفل بها 
مسرح سينيكا وشكسبير-تستعصى في كثير من الأحيان على الترجمة. 
وتعكس مسرحيات سوفوكليس السعة والعمق في خبرة المؤلف بالطبيعة 
الآدمية فهو يقدم نماذج بشرية كثيرة كما يخلق نماذج أخرى جديدة. حتى 
نكا مخ الغادئ'آن #الاحظ ككرارا هى شخصياته, حقا إن #خسيتي 
خريسوثيميس واسميني تكادان تكونان نموذجا واحدا ولكن ذلك لا يحدث 
مرة أخرى في مسرح سوفوكليس. فحتى عندما يقدم نفس الشخصية في 
مسرحيتين أو أكثر نجده يغير فيها ويعدل على نحو جذري. فكريون عنده 
يظهر في ثلاث مسرحيات وضي كل مرة يتمتع بشخصية مخالفة للأخرى. 


غفي «أوديب» في كولونوس نجد كريون هذا وغدا شريراء غليظ القلب إذ 
عندما يرفض أوديب مقترحاته يبدى مشاعر الحقد والخبث بحيث يحاول 
حرمان هذا الملك الأعمى الشريد من بنتيه. أما في «انتيجوني» فنجد 
كريون متعصبا دون أن يعدم بعض الصفات الطيبة فهو يقدس القوانين 
الصارمة للدولة؛ بل إنه يعتبر سجين مركزه الاجتماعي والسياسي كرجل 
دولة متزمت ولا يستوعب المغزى البطولي لموقف انتيجوني. إنه يخشى أن 
يظهر بمظهر الضعيف أمام امرأة. أما في «أوديب ملكا» فكريون إنسان 
كامل بمعنى الكلمة. حتى إنه يكسب تعاطفنا وعندما تقع الكارثة لا يشمت 
في غريمه ويبذل أقصى ما يستطيع في سبيل أن يخفف عنه وطأة ما 
حدتثت. 

يقع تركيز سوفوكليس على الإنسان ولكن الإنسان عنده يظهر في صورة 
محسنة ومثالية فبرغم أنه ابتعد عن الفخامة المبالغ فيها عند ايسخولوس 
لم ينزل إلى حد الواقعية التي سنجدها بعد ذلك عند يوريبيديس. 
فسوفوكليس مثل الفنانين التشكليين الإغريق قدم نسخة للانسان تشبه 
الأصل ولكنها أجمل. وشخصيات سوفوكليس شخصيات آدمية تعاني من 
الاتفعالات والمواظق العادية ولعنها لا زالت تمتفظل يستحة شفافة من 
عظمة البطولة الملحمية القديمة مما يبعدهم بالطبع عن كل ما هو وضيع 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وخسيس. قلما نجد وغدا في مسرح سوفوكليس فكريون في «أوديب في 
كولونوس» يمثل استثناء وحيدا ولم يتكرر. وحتى الشخصيات الخبيثة عند 
سوفوكليس تتمتع ببعض الملامح المضيئة. إذ إن رذائلهم لا تتعدى حدة 
الغضب أو الميل للانتقام أو الإسراف في الطموح ولكنها لا تصل قط إلى 
الدناءة أو الجين المرذول. ولقد أخبرنا أرسطو أنه نقل عن سوفوكليس 
نفسه القول بأنه (يرسم البشر كما ينبغي أن يكونواء أما يوريبيديس فيصورهم 
كما هم (في الواقع), .09 

لقد لاحظنا من قبل أن ايسخولوس الشاعر الدرامي يقف في ظل 
ايسخولوس المعلم الأخلاقي بمعنى أن الحقائق الدينية والحكم الأخلاقية 
المستخلصة من الأساطير تؤكد وتبرز على نحو يعوق تطور الحدث الدرامي 
نفسه في كثير من الأحيان. أما عند سوفوكليس فقد تبادل هذان الجانبان 
للمسرح المكانة والموقع فيما بينهما أي أن الأولوية صارت للحبكة الدرامية 
دون أن يؤدي ذلك إلى تعتيم المحتوى الفكري للعمل الفني أو يصيبه بالتسطيح 
والتعميم. فليست مسرحيات سوفوكليس مجرد لوحات مرسومة بعناية من 
حيث الشكل وخالية من حيث المغزى الأخلاقي. فانفعالات وآلام البشرية 
مجسدة في هذه اللوحات مقترنة بقوانين العدالة والنظام الإلهي الخالد. 
يكمن في خلفية الصورة السوفوكلية مسار الأقدار الغامض وطرقها الملتوية 
وتقلباتها الفجائية. وعندما توضع أعمال البشر بين عناصر هذه الصورة لا 
بد من أن تكتسب فخامة وتأثيرا غير عاديين. ومع أن الهدف الأخلاقي في 
مسرحيات سوفوكليس ليس عميقا ولا عريضا بنفس الدرجة التي هو 
عليها عند ايسخولوس إلا أنه لا يبدو طفيليا في إطار مسرح سوفوكليس. 
وإذا اعتبرناه ثانويا علينا أن نعرف أن ذلك مرسوم بعناية من قبل الشاعر 
الذي أراده أن يكون ضمنيا وليس ساغرا أو مؤكدا . صفوة القول أن المضمون 
الفكري والأخلاقي يصبغ المسرحية السوفوكلية ككل بتأثير غير مرئي ولكنه 
000000 

ولعله من المفهوم ضمنا أن الوصول إلى استخلاص موقف سوفوكليس 
الحقيقي من الدين والأخلاق ليس أمرا سهلا بل كان ولا يزال مثار جدال 
مستمر وخلاف حاد بين النقاد. ولكنه على أية حال لا يرى في الأساطير 
الإغريقية حقائق مسلما بهاء وإنما مجرد تراث قصصي تصويري وتقليدي. 


الشعر الاغريقى 


حقا إنه يعامل هذه الأساطير بكل احترام ويتحدث عن الآلهة بكل ورع فهذه 
الآلهة هي التي لا تزال تدير وتوجه مصائر البشر. فنبوءة أبوللو هي التي 
تنبأت بمصائب لايوس وأوديب وير التي حثت اوريستيس على الانتقام. 
والربة أثينة هي التي دبرت خطة سقوط اياس ولا يترك سوفوكليس أية 
فرصة تتاح له إلا أكد فيها طقوس العبادة التقليدية؛ بل يشيد بمدينة أثينا 
لأنها تعرف أكثر من غيرها كيف تكرم الآلهة بالطقوس الواجبة («أوديب 
في كولونوس» أبيات 1007-1006). ومع ذلك فإن الانطباع العام الذي نخرج 
به يختلف تماما عن انطباعنا بالنسبة لمسرح ايسخولوس. فسوفوكليس 
يبدو أنضج وأعمق عقيدة من الرجل العادي البسيط المتعبد بالطقوس 
والصلوات. ومع أن سوفوكليس يحترم مثل هذه العبادات والصلوات ولا 
يخدشها إلا أنه يتخطاها . ويشترك سوفوكليس مع ايسخولوس في الاعتقاد 
بان الكون يخضع لقوانين إلهية أيدية لم تخلق أمس ولا اليوم بل هي 
موجودة في كل زمان ومكان دون أن يعرف الإنسان متى جاءت بالضبط. 
(«انتيجوني,أبيات 457-453). إنها قوانين «مولودة في أعالي السماء ولم 
تضعها أية سلالة بشرية ولن يجرها النسيان قط إلى النوم» («أوديب ملكا» 
أبيات 870-865). وترادف هذه القوانين كلمات مثل العدالة والنظام وكذا 
«الطهارة الخاشعة قولا وفعلا» («انتيجوني» بيت ا45: «أوديب في كولونوس» 
بيت 1382). ودا تنقش هذه القوانين على صخر أو حجر بل على قلوب 
اليبشر وفي ضمائر الناس («انتيجوني» بيت 454 مستصامط دممعطا مأمميعة) . 
ولذلك فهي تكشف للبعض وتحجب عن الآخرين. انتيجوني مثلا تعرفها 
وتستوعبها أما كريون فهو أصم لا يسمع نصائحها . وغالبا ما تصطدم هذه 
القوانين السماوية غير المكتوبة بقوانين البشر الموضوعة وبالطبع تخرج 
الأولى دائما منتصرة. أما الذي يعصى أمرها مثل كريون فيعرف ولو بعد 
فوات الأوان أنه»من الأفضل السير على نهج القوانين التي وضعتها السماء 
إلى النهاية؛ («انتيجوني» بيت 114,1113]) .09 

وجنبا إلى جنب مع هذه القوانين غير المكتوبة توجد قوة أخرى علوية 
تدير الكون. إنه زيوس الذي يبدو أحيانا عند سوفوكليس في صورته التقليدية 
وأحيانا أخرى يكتسب عنده صفات جديدة. وفي كلتا الحالتين فانه هوزيوس 
الذي يشرف على تنفيذ قوانين السماء ويصرف العدالة؛ وينزل العقاب 


2514 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


بالمارقين. غالآلهة قد تمهل ولكنها لا تهمل قط إنزال أشد العقاب بالمجرمين 
الذين يهجرون ما هو إلهي إلى ما هو شرير («أوديب في كولونوس» 
أبيات536! , 1537). ويلتقي سوفوكليس في ذلك مع ايسخولوس وإن كان أقل 
منه تفاؤلا بشان مصير الإنسان. ذلك أن البريء عند سوفوكليس لا يعفي 
داكما من المأساة بل ولا يجد الثواب المناسب ولا تحميه براءته من المعاناة 
وسوء الحظ الذي كثيرا ما يصيب من لا ذنب له. هاهي انتيجوني تعاني مر 
المعاناة لأنها أطاعت قوانين السماء وخالفت قوانين الأرض. وأوديب دفع 
ثمنا باهظا لذنوب لم يكن هو المسئول عنها مسئولية كاملة. ويمكن أن 
نضيف إلى هذين المثلين أمثلة أخرى كفيلوكتيتيس وديانيرا . 

قد يبدو من حديثنا هذا وللوهلة الأولى أن سوفوكليس يؤكد ما سبق أن 
قال به ايسخولوس أي توارث اللعنة. بيد أن موقف سوفوكليس ليس كذلك 
قط. حقا إنه يعرف بوجود المعاناة بلا ذنب ولكنه لا يحاول التوفيق بين هذه 
الحقيقة المرة وفكرة العدالة السماوية وهذا ما شغل ايسخولوس بالدرجة 
الأولى. أما عند سوفوكليس فانه ينبغي القبول بفكرة المعاناة أحيانا بلا 
ذنب كجزء من نظام الكون الذي لا يمكن للانسان الوصول إلى كنه قوانينه. 
فضلا عن أن هذه القوانين غامضة بطبعها يجب ألا ننسى أن الإله إذا 
أخفى شيئًا لا يستطيع الإنسان مهما كان أن يكتشفه وإن بحث طول عمره 
(شدرة 833). فقدر الإنسان أن يواجه ما لا يعرفه أو ما هو غير مؤكد . وما 
الناس إلا أشباح وظلال؛ تنقضي ساعات ازدهارهم بسرعة هائلة وتتساقط 
أعمارهم بسهولة تساقط أوراق الشجر ومن الحمق التدبر للغد البعيد 
(«بنات تراخيس» بيت 493). ومع ذلك فعالم سوفوكليس تحكمه وتسيره 
قوانين إلهية ولو أنه من العسير على الإنسان تفسير هذه القوانين وما عليه 
إلا أن يقدسها فهذا أفضل ما يمكن أن يعمله («فيلوكتيتيس» بيت 1440). 
أي إن ما يفيد الإنسان بحق في عالم سوفوكليس هو الخشوع للآلهة, 
والاعتدال في العيشء؛ والتواضع. تقول الربة أثينة لاوديسيوس في مسرحية 
«أياس» (أبيات 133-127) «من الآن فصاعدا لأتفه بأية كلمة نابية تسيىّ 
للآلهة. ولا تزهو بنفسك, ولو بلغت من القوة شأوا عظيما أو جمعت من 
الثروة شيئًا كثيرا . فيوم واحد فقط يكفي لقلب السعادة الآدمية رأسا على 
عقب. والآلهة تحب المعتدلين وتبغض فاعلي الشر». 


الشعر الاغريقى 


يقول اياس سوفوكليس «كل يوم من أيام حياتنا لا يفعل شيئًا سوى أنه 
يقربنا من مماتنا» («اياس» بيت 473). وتقول الجوقة في «أوديب ملكا» 
(أبيات )١١92 -١186‏ «ليست الحياة سوى ظلال وما أن يدو الاتسلن سعيدا 
حتى يهوى (إلى الشقاء)». والجوقة هي التي تقول أيضا في «أوديب في 
كولوثوس» (آبيات 1215 وما يليه) «من الأفضل آلا يكون الإنسان قد ولد 
قطء أما إذا حدث وولد فلا خير يبقى له سوى أن يرحل بأقصى سرعة 
ممكنة عائدا إلى حيث كان قد جاء». ويتخذ بعض النقاد من هذه الأقوال 
دليلا على أن تشاؤم سوفوكليس كان كاملا وهو أمر لا يتفق مع ما عرف 
عن حياة سوفوكليس وطباعة ولا سيما تحليه بروح السكينة وتمتعه بالسعادة 
فى نحياقة ومماته كبا سيق أن اانا بق إن ابا نملاسيها اباس والتبجوت. 
يذهبون إلى الموت باختيارهم وبغض النظر عن الأسى والألم. سف الشديدين 
اللذين يصاحبان هذا الموت فان هؤلاء الأبطال يودعون الحياة والطبيعة من 
حولهم وداع العشاق. 

ولعل السخرية أو المفارقة-التراجيدية وسيلة شائعة في الأدب المسرحي 
بعامة. وهي في العادة تنجم عن أن كارثة ما على وشك الوقوع ويعرفها 
الجمهور أو يتنبا بها ويتوقعها في حين أن بعض شخصيات المسرحية أو 
كلهم لا يدركون شيئًا عنها . وفي مثل هذا الموقف يكتسب الحوار الدائر بين 
الممثلين ازدواجية مثيرة؛ إذ يصبح له معنيان أحدهما ظاهر أو خارجي 
يتعامل به الممثلون ويتصرفون على هديه وهو المعنى الخاطئ. أما الآخر 
فهو المعنى الخفي أو الداخلي الذي يفطن إليه النظارة ويستشفونه من بين 
السطور ومما وراء الكلمات. ولقد ازدهر هذا الأسلوب الساخر في المسرح 
الإغريقي التراجيدي وساعد على ذلك قيام هذا المسرح على موضوعات 
أسطورية معروفة لدي جمهور المتفرجين. إذ سهل ذلك على المؤلف أن 
سل الرفوز والايحاءاك اروع الال يرود أن موظوكليين كن بز جفيع 
شعراء التراجيديا الإغريق في روعة وطرافة السخرية أو المفارقة التراجيدية 
التي سادت مسرحه وأصبحا سمة مميزة له. 

وهناك نوع من السخرية المتعمدة والمكشوفة كان تستقبل كليتمنسترا 
اسخولوس زوجها العاستوة الفاكد :بع غياب :طول بالك رحاب زيتما هي 
في الواهم تقروه إلى حظته رن معنا له مى تفسها (يعوخ سن عشيقها تقول 


250 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


قادته إلى منزله بعد أن كان الأمل فى عودته مفقودا» (ايسخولوس 
«أجاممنون» أبيات 913-910). وهى بهذا القول قد أعطتنا الدرس المستفاد 
من الموقف كله وهو درس يشمل أيضا المفارقة التراجيدية المقصودة أو 
المستهدفة أصلا. وقد نجد مثل هذا النوع من المفارقات التراجيدية في 
مسرح سوفوكليس بيد أنه يضفي عليه مسحة من الغفموض والتعقيد بحيث 
لا يكون المشاهد-والممثل أحيانا-على يقين من المعنى المقصود . فعندما قتلت 
كليتمنسترا فى مسرحية «اليكترا» وعاد ايجيسئوس منتشيا يعد أن سمع 
أنباء موت اوريتيسوهي أنباء مافقةيدخل القمر ويرى جثة على الأرض 
فيفرح ظنا منه أنها جثة اوريستيس بينما في الواقع جثة عشيقته الحبيبة 
كليتمنسترا التي قتلها أوريستيس نفسه. وعلينا أن نتصور مدى السخرية 
في الحوار الذي يدور بينه وبين اليكترا. 

تميزت المفارقات التراجيدية السوضوكلية بالإثارة الناجمة عن أن المتحدث 
نفسه هو موضع السخرية فهو مثلا لا يرى ما يتهدده من خطر ولا يستوعب 
كل ما يقال أو يفهمه بطريقته الخاصة غير الصحيحة. ومن ثم فان كلمات 
مثل هذه الشخصية التي ربما تستهدف ظاهريا بث التفاؤل وتخفيف الآلام 
تغوص بنا في الجراح إلى الأعماق. ولا يقتصر الأمر على الكلمات بل يمتد 
إلى الموقف كله إذ يحدث تناقض حاد بين الشخصية ضحية المأساة والمفارقة 
التراجيدية من جهة والبهجة التي ينغمس فيها من جهة أخرى وهي بهجة 
قد تجعلنا نبتسم وقلينا ملي بالأسى والأسف أو الخوف والشفقة بسبب 
الجو الخانق والغموض المحيط بالموقف ككل. وفي مثل هذه الحالة يكون 
تأثر المفارقة التراجيدية أقوى من أية كلمات مباشرة وإن كانت مفعمة 
بالسخرية. ومثل هذا النوع السوفوكلي من المفارقات التراجيدية لا وجود 
له عند ايسخولوس وليس شائعا في المسرح الحديث ولكن يوريبيديس قد 
أتقنه ولا سيما فى «عايدات ياكخوس» كما سترى. 

ومن بين كافة مؤلفي المسرح القديم والحديث لا يوجد من يستطيع 
مجاراة سوفوكليس في براعة استخدام هذا الأسلوب الساخر في الكتابة 
التراجيدية. لم يفلح أحد من المؤلفين القدامى والمحدثين في تصوير عجز 


257 


الشعر الاغريقى 


الإنسان وقصر نظره كما فعل سوفوكليس معتمدا على مثل هذه المفارقات. 
ها هو اياس يقف وسط أشلاء الأغنام التي ذبحها توا ظنا منه أنها القواد 
الإغريق أعداؤه. إنه-وقد فقد الوعي-ينتشي بهذه المذبحة المشينة متخيلا 
أنه قد انتقم شر انتقام من غرمائه. ومثل هذه الحالة التي تردى فيها هذا 
البطل الهمام تزيد من إشفاقنا عليه رغم كلمات الزهو والنشوة التي ينطق 
بها ولا سيما عندما يخاطب الربة أثينة ويعدها بأنه «سيزين معبدها بأسلاب 
ذهبية في مقابل المجد الذي حققه (بهذه المذبحة المخزية)» («أياس» أبيات!9- 
7 بل تعتبر السخرية التراجيدية هي السمة الغالبة والمحور الرئيسي 
للحدث الدرامي في مسرحيتي «بنات تراخيس» و «أوديب ملكا». قفي 
المسرحية الأولى تبرز ملامح التناقض الحاد بين المظهر والجوهر وبين ما 
تتوقع ديانيرا وما يقع لها بالفعل. أما في «أوديب ملكا» فيبدو بطلها منذ 
بداية المسرحية متربعا على قمة المجد مزدهرا حظه؛ تحيط به جماهير 
شعبه راكعة متوسلة ويخاطبه الكاهن قائلا ديا أحكم الناس في التعامل مع 
صروف الدهر وما تأتي به أقدار السماء» («أوديب ملكاء أبيات 43-33). 
هذه هي حالة أوديب في المسرحية التي يشاهدها جمهور يعرف الأسطورة 
الأصلية التي تنتهي نهاية مؤلمة إذ بعد وقت قصير ستبطش السماء بهذا 
الملك الجبار وتهوى به إلى الحضيض. ومن ثم فان كل كلمة تتحدث عن 
السعادة والنشوة والملك والآبهة وما إلى ذلك سيكون لها صدى مخالف في 
نفوس المشاهدين إذ سيرون فيها مفارقة تراتجيدية مؤثرة لأنها تصور 
قصور الإدراك البشري. وتصل الأحداث وكذا المفارقة التراجيدية إلى 
الذروة عندما يصر أوديب على العثور على القاتل والانتقام منه لأن هذه 
المسالة «لا تشغله من أجل غرباء بل لأنها تهمه شخصيا»؛ فالجمهور يعرف 
أنه هو القاتل المطلوب العثور عليه. وناهيك عن السخرية المريرة المتمثلة 
في قول أوديب لأمه وزوجته يركاستى إنه طالما تعيش أمه-وهو يعنى زوجة 
ملك كورنثة التي يظن أنها أمه-فان خطر الزواج من الأم الذي تنبأت به 
نبوءة دلفى ليس أمرا مستبعدا. لقد بلغ من أمر أوديب أنه يلعن قاتل أبيه 
لايوس ويتوعده ويزيد على ذلك قوله «وإن كان يقطن بيتي فلتنزل كل تلك 
اللعنات على رأسي أنا» (أبيات 251-246) كل هذه الأقوال وغيرها الكثير 
تجعل من مسرحية «أوديب ملكا» آية في فن استخدام المفارقات التراجيدية. 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


وكما هو معروف فإننا ندين للنحاة ببقاء مسرحيات كل من ايسخولوس 
وسوفوكليس إن احتفظوا بها كنماذج صالحة للدرس. وفي مرحلة مبكرة 
كانت المسرحيات السبع الباقية من سوفوكليس هي التي حظيت بمثل هذا 
الاختبار والدرس. ولكن هذا العدد قل إلى ثلاث مسرحيات فقط إبان 
العصر البيزنطي وهي «اياس» و«اليكترا» و«أوديب ملكاء» إذ قرئت هذه 
الممسرحيات بعناية وكتبت تعليقات عليها بواسطة فقهاء بيزنطة (أو 
القسطنطينية). ولا يعني هذا أن المسرحيات الأربع الأخرى قد أهملت 
تماما كما حدث بالنسبة لمسرحيات ايسخولوس الأربع التي لم يقع عليها 
الاختيار كما سبق أن ألمحنا. وترتب على ذلك أن مسرحيات سوفوكليس 
السبع الباقية وصلتنا في حالة أفضل من مسرحيات ايسخولوس بل إنها 
وصلتنا في عدة مخطوطات.(*) لقد اختيرت هذه المسرحيات بعد دراسة 
دقيقة لنتاج سوفوكليس كله ومع ذلك فأنها لا تفيدنا كثيرا من حيث إلقاء 
الضوء على تطور سوفوكليس كمؤلف مسرحي. في حين أن مسرحيات 
ايسخولوس مفيدة للغاية في هذا الصدد . ويرجح أن اختيار مسرحيات 
سوفوكليين كان يستهدق انتفاء أفصل ما كتب الشاعر. فحن نعرف أن 
أرسو قد م ظهر إعجابه الشديد بمسرحية «أوديب ملكا» في كتابه «فن 
الشعر» حيث اعتبرها النموذج الكامل للتأليف الدرامي عند الإغريق. يضاف 
إلى ذلك أن جامعي لا المختارات | قد اعتبروا هذه المسرحية-جنبا إلى 
جنب-مع «أوديب في كولونوس» و«اليكترا» و«انتيجوني» روائع الفن 
السوفوكلي. وبالفعل كانت هذه المسرحيات الأربعة ذات شعبية واسعة لدي 
التغاد وفن أوساط القراء بثقة عامة إبان العصر السكندريء بل إنه أعيد 
عرضها أنذاف ومو ان المسرحيات الثلاثة الأخرى «اياس» و«بنات تراخيس» 
و«فيلوكتيتيس» لم تحظ بمثل هذا الاهتمام والحفاوة إلا أنها كانت تعتبر 
أيضا على نفس المستوى من الجودة مثل المسرحيات الأربعة سالفة الذكر. 

فعلق عليها واقتبس منها كتاب مثل ستوبايوس وديون خريسوستو موسى 
وشيشرون ولا زال سوفوكليس هو الشاعر المفضل في العصر الحديث!) 
من بين شعراء المسرح الإغريقي جميعا من حيث العروض المسرحية. 

وبالنسبة لتاريخ مسرحيات سوفوكليس السبع فأننا لا نملك دلائل كافية 
لكي نقطع بالزمن الدقيق والمحدد لعرض كل مسرحية. وكل الذي وصلنا 


250 


الشعر الاغريقى 


من معلومات يستقى منه أن «فيلوكتيتيس» عرضت عام 409 وأن «أوديب في 
كولونوس» نظمت قبيل وفاة المؤلف وعرضت لأول مرة عام 401. هذه هي 
كل النتائج التي يمكن استخلاصها من معلوماتنا الخارجية الضئيلة. ولكن 
النقاد قد حاولوا الوصول إلى نتائج أخرى من تحليل النصوص نفسها أي 
باستخلاص دلائل داخلية. فبدراسة الحوار في مسرحيات سوفوكليس 
وتطوره من مسرحية إلى أخرى يمكن الوصول إلى تواريخ تقريبية. وعلى 
سبيل المثال نجد أن سوفوكليس في المسرحيات المبكرة لم يكن يلجا إلى 
تقسيم البيت الإيامبي أو «التشطير» بين متحدثين أو اكثر فيما يعرف باسم 
(الانتيلابي:(0مدانادده)”” وهي وسيلة لم يلجا إليها ايسخولوس في كل 
مسرحياته الباقية سوى مرتين فقط («السبعة» بيت 217: «بروميثيوس» 
بيت 980). أما عند سوفوكليس فإننا نلاحظ تزايدا في عدد مرات اللجوء 
لهذه الوسيلة كلما تقدمنا للأمام زمنيا. في «انتيجوني» لا وجود لهذا التشطير 
البتة وفي «اياس» و «بنات تراخيس» لا يستخدم إلا في مرات قليلة. ولكنه 
في «فيلوكتيتيس» و «أوديب في كولونوس» يستخدم بكثرة ملحوظة مما 
يشي بان هاتين المسرحيتين من نتاج السنوات الأخيرة لسوفوكليس. ويمكن 
ترتيب مسرحيات سوفوكليس تصاعديا من حيث استخدام هذه الوسيلة 
كما يلى: 

«انتيجوني» - صفر 

«بنات تراخيس» -4 

«أياس» - 8 

«أوديب ملكا» - 2! 

«اليكترا» - 27 

«فيلوكتيبيتس» - 32 

«أوديب في كولونوس» - 50 

وبناء على هذه القائمة رتب النقاد المسرحيات من حيث تاريخ عرضها. 
بيد أن هناك دلائل داخلية أخرى كثيرة من بينها استخدام الممثل الثالث. 
وجدير بالملاحظة أن عدد المشاهد التي يشرك فيها أقل في «أنتيجوني» و 
الياسن وناك تراحس هنو السويديات اللخرن. وبكاء على كل كلت 
الدلائل يرى هيج أن مسرحيات سوفوكليس قد عرضت بالترتيب التالي: 


20 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


«انتيجوني». «أياس». «بنات تراخيس» «اليكترا»» «أوديب ملكا 
«فيلوكتيتيس»؛ «أوديب في كولونوس»./45) 

يربط بونارد بين مسرحية «انتيجوني» والبارثنون من جهة ويعتبر 
سوفوكليس وبريكليس وفيدياس تالوثا عبقريا أفرزته أثينا في قمة ازدهارها 
من جهة أخرى.! وهناك رواية تقول إن انتخاب سوفوكليس قائدا في 
حملة ساموس جاء نتيجة نجاحه في عرض مسرحية «انتيجوني». وعلى 
هذا الأساس فأنها فد تكون عرضت في ربيع 241/242. ومع ذلك ينبغي ألا 
نعول كثيرا على ذلك. وهناك رواية أخرى تقول بأنها كانت المسرحية رقم 
2 في إنتاج سوفوكليس ككل. وموضوع المسرحية هو القرار الذي أصدره 
كريون بمنع دفن بولينيكيس وتمرد انتيجوني على هذا القرار بالإصرار 
على دفن أخيها مضحية بنفسها في سبيل ذلك. ويبدو أن أحدا من الشعراء 
لم يعالج هذا الموضوع من قبل وإن كان يعتبر مكملا لقصة «السبعة» 
الايسخولية ووردت له إشارة عابرة هناك. وقد يكون الهدف من نظم مسرحية 
«انتيجوني» هو تمجيد مدينة أثينا والاثينيين الذين قاموا بدفن قوات الغزو 
الارجي لطيبة كما يفهم من المسرحية. كان سوفوكليس إذن أول من عالج 
هذا الموضوع في مسرحية كاملة وتبعه في ذلك يوريبيديس الذي كانت 
مسرحيته «انتيجوني» أكثر التصاقا بالحياة المنزلية على ما يبدو لآنها 
أعطت أهمية خاصة لموضوع خطبة البطلة وانتهت نهاية سعيدة بزواجها 
من هايمون ويإله ما يعلن نبوءة عن مستقبلها الزاهر. ولقد دارت مناقشات 
طويلة-لم تنته بعد-حول مغزى مسرحية سوفوكليس «انتيجوني» التي تقوم 
على الصراع بين القانون البشري والقوانين غير المكتوبة التي تترسب في 
ضمير الإنسان والزمان. وهناك أسئلة عديدة مطروحة لم تجد بعد الإجابات 
الشافية. هل انتيجوني بريئّة ذهبت ضحية الظروف 5 أم أن كريون وانتيجوني 
مذنبان لأن الأول اغفل القوانين الإلهية أما هي فقد تمردت على النظام 
القائم بالمدينة 5 ومن هو بطل المسرحية كريون أم انتيجوني ؟. 

ولعل سوفوكليس نفسه قد تعمد ألا يساعد مشاهديه أو قراءه على 
الوصول إلى إجابات محددة لهذه الأسئلة. بدليل أنه جعل الجوقة تتذبذب 
في مواقفها إزاء هذه القضايا. ففي حين لا توافق صراحة عل قرار كريون؛ 
تؤنب انتيجوني على العصيان. مع أن هذا التذبذب في الرأي ليس بالأمر 


20١ 


الشعر الاغريقى 


الجديد أو الفريد في مسرح سوفوكليس وجوقاته. وعلى أية حال تميل 
الجوقة في نهاية المسرحية إلى معرفة الحقيقة وتخبر كريون بأنه كان 
السبب في كل المصائب وأن الخشوع للآلهة ينبغي أن يكون مستديما (أبيات 
7- 1260, 1349- 1350). ويقول كريون نفسه»ءقد يكون من الأفضل 
الحفاظ على قوانين السماء (أبيات .)١١!!4 -١١!13‏ وكل ذلك قد يعتبر 
مؤشرا لموقف سوفوكليس النهائي في المعضلة الأساسية بالمسرحية. 
وشخصية انتيجوني نفسها تعد من أروع شخصيات المسرح الإغريقي فهي 
المذنبة بلا ذنب أو التي ارتكبت«جرائم مقدسة». فهي وان كانت تشبه 
اليكترا في صلابتها تتفوق عليها في حبها لذويها لا سيما أخيها ولا تتعطش 
للانتقام من أحد كما هو الحال بالنسبة لاليكترا. ويأخن بعض النقاد على 
انتيجوني سوفوكليس قولها إنها ما كانت لتقدم على التضحية بنفسها في 
سبيل دفن إنسان آخر سوى أخيها لآن الزوج والابن يمكن تعويضهما أما 
وقد مات والداها فأنى لها بتعويض أخيها (أبيات 904- 912). وذهب البعض 
إلى حد القول بان هذه الفقرة مقحمة على النص وإلا فأنها هفوة انزلق 
إليها سوفوكليس على غير توقع7. بيد أننا نرى هذا القول طبيعيا جدا 
ويستهدف تأكيد إصدار انتيجوني على دفن جثة أخيها وهو العنصر الرئيسي 
في شخصيتها بل وفي المسرحية ككل .(48) 

وتقوم مسرحية «أياس» على فكرة ضرورة الاعتدال وعدم الغرور بعز 
الازدهار وأوج الانتصار. فاياس بطل ذو قوة وبأس بلغ شأوا عظيما من 
المجد ولكنه يعاني من الزهو والصلف اللذين وصلا به إلى حد ازدراء العون 
الإلهي قائلا في تحد سافر وتعجب ساخر: هل يستطيع أي جبان أن يحقق 
الانتصارات بعون الآلهة مهما كان 5 وعندما أتت الربة أثينة تشجعه وتحضه 
على القتال أمرها بان تذهب إلى أي إنسان آخر أما هو فلا حاجة به إلى 
وقوفها بجواره (أبيات 767, 770- 775). وفي النهاية يقع أياس ضحية القوى 
التي احتقرها فتسحقه في لحظة انتصاره المزعوم. ويتعمق درس المسرحية 
بوجود شخصية أوديسيوس فيها فهو الذي يأتي كالنقيض الشارح لشخصية 
أياس لأنه معتدل وحذر إلى حد بعيد. وهو ينفر حتى من سقوط غريمه 
(أياس) وموته ويقول إنه هو نفسه سيحتاج يوما ما إلى الدفن مثله ومن ثم 
يرفض بشده أن يحرم حق الدفن. ومع ذلك فان برود أوديسيوس ونفعيته 


2062 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


تجعلنا نميل إلى اياس ونفضله عليه برغم ما به من نقائص لأنه الأكثر دفتا 
وحيوية وقربا منا. ولقد أخذ سوضوكليس مادته الخام من ملحمتي «الاثيوبية» 
و«الإلياذة الصغيرة» بيد أنه خالفهما في التفاصيل. فهو يعزو هزيمة أياس 
في الصراع على الفوز بأسلحة أخيلليوسء لا إلى شهادة الطروادين:؛ بل إلى 
دسائس ولدي اتريوس. وهو بذلك يوفر سببا قويا وتمهيدا دراميا مناسبا 
لعنف الانتقام الذي يزمع أياس تنفيذه في غرمائه. ولقد عالج ايسخولوس 
الموضوع نفسه في مسرحية «الأسيرات الطراقيات» حيث يتم فيها سرد 
ووصف حادثة انتحار أياس دون عرضها على المسرح. أما سوفوكليس فقد 
خالف العرف الإغريقي وعرض حادثة الانتحار العنيفة على الجمهور. وضفي 
المسرح الأقريقى كله لم يتكرر هذا قط سوى ما حوه فى وااستجيرات» 
ليوريبيديس حيث تلقى أفادني بنفسها من فوق صخرة على مقبرة زوجها. 
على أية حال فان المشهد السوفوكلى يعكس انفعالا قويا بهذه المعاناة(5ه20)0) 
المروعة7”*'. وقد جاء حديث ايان عبل الاكقحازغاية في الشزن العميق لأثه 
ينفن إلى قلب المشاهد مباشرة: إذ ليس به ما ينم عن حماس كاذب أو 
ضعف واهن. لقد عاد اياس إلى وعيه وذهب عنه جنونه وهو الآن يتحدث 
في قوة وهدوء وعظمة ساحرة. وقد يزداد فهمنا لمغزى هذا الحديث وتأثيره 
إذا تذكرنا أنه صادر عن بطل اتيكي قومي تدعى بعض الأسر أنها من نسله 
وصلبه كما أن موطنه الأصلي هو جزيرة سلاميس التي يمكن رؤيتها من 
مسرح ديونيسوس عند سفح الاكربوليس الذي كانت تعرض به هذه 
المسرحية: 

ولقد أثارت بنية مسرحية «أياس» جدلا عنيفا بين النقاد على أساس أن 
الجزء الأول منها يتمتع بتماسك الحبكة الدرامية صابة عقدتها التي تصل 
إلى الذروة عندما انخدعت تكميسا والجوقة فانخرطوا في فرح غامر على 
اثر ما ترامى إلى الأسماع من أنباء عن شفاء اياس من جنونه. ولكن ما أن 
تنتهي لحظات النشوة هذه حتى تقع الكارثة المروعة. هكذا يمهد سوفوكليس 
دائما للكارثة إذ يقدم لها بإشاعة جو من الفرح الكاذب والسرور الخادع 
مما يحدث مفارقة تراجيدية ساخرة ومميزة للفن السوفوكليسي. على أية 
حال فبعد أن مات اياس فترت الأحداث ولم يعد هناك جديد يحرك ركودها 
وندخل في الجزء الذي يمكن أن نسميه «ما بعد (أو حتى ما هو ضد) 


10 


الشعر الاغريقى 


الذروة» تمسناءنقمة) إذا أخذنا برأي النقاد. فهي مناقفشات مطولة وذهنية- 
بلغة نقاد مسرحنا العربي الحديث-(4غ2تمكتطم50) أي كما يقول أحد المعلقين 
القدامى أحاديث لا علاقة لها بالتراجيديا (050155عهها دأععاذه ع1ه0) . ولم تعدم 
هذه المسرحية المدافعين عن وحدتها الدرامية. ولن نخوض في تفاصيل 
آراء هؤلاء ونكتفي بالإشارة فقط إلى أن حياة المواطن الإغريقي لا تنتهي 
بالموت وأن متابعة مصيره فيما بعد الرحيل عن الدنيا تدخل في صميم 
التفكير الدرامي الإغريقي. فما بالنا ببطل قومي اتيكي مثل اياس الذي 
يصارع بطلين من البلوبونيسوس هما والدا اتريرس 5 وبناء على ما تقدم 
فان الجزء الآخير من «اياس» ينسجم مع الروح الإغريقية والرؤية المأساوية 
للحياة والموت والبطولة 50 

أما «بنات تراخيس» فتشكل لغزا محيرا أمام النقاد. إذ ذهب بعضهم 
إلى حد تمنى ألا تكون هذه المسرحية من تأليف سوفوكليس حتى لا تس 
إلى مكانته العظيمة في تاريخ الدراما وإلا فليتها قد ضاعت. في حين يرى 
آخرون أنها من روائع سوفوكليس جنبا إلى جنب مع «أوديب ملكا!1©. 
وربما يعود السبب في انتقاد هذه المسرحية إلى الإصرار على مقارنتها 
بمسرحيات يوريبيديس ذات الموضوع المشابه لموضوعها مثل «هيبوليوس» و 
«ميديا». وهذا الإصرار هو الذي قاد بعض النقاد إلى الخطأ إذ قالوا بان 
سوفوكليس أراد-وفشل فيما أراد-أن يصور بطلته ديانيرا وقد ركبها جنون 
2" وضي مسرحية 
سينيكا «هرقل فوق جبل أويتا»/”". والواقع أن سوضوكليس أراد أن يصور 
عذوبة وإخلاص الزوجة الوفية ديانئرا رغم ضعفها وسلبيتها واستسلامها 
لحب زوجها المتقلب. مما يزيدنا تعاطفا معها. ولم يقتصر الخلاف بين 
النقاد على مضمون المسرحية بل امتد إلى تاريخها”” فكل منهم يؤرخها 
حسب ما يتفق مع فهمه وتفسيره لها ولبنيتها الدرامية. إذ يعتقد بعض 
الدارسين أنها مسرحية مزدوجة البنية تقوم بالبطولة فيها شخصيتان 
رئيسيتان أي ديانيرا في نصفها الأول وهرقل في نصفها الثاني. كما يقولون 
أيضا: إن الشاعر لم يربط بين هاتين الشخصيتين ولا هذين الجزأين ربطا 
جيدا . وهم يعتبرون أن الجزء الذي يتلو موت ديانيرا ودخول هرقل نصف 
ميت إلى المشهد وحتى النهاية هو جزء زائد أي يمثل «ما بعد الذروة» 


الغيرة وهذا ما ستتحول أليه فيما بعد عند اوفيديوس 


204 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


(«ةتصناعناصة) . ونحن نرى أن سوء فهم بنية هذه المسرحية ومغزاها يعود 
بالأساس إلى إنكار أنها مسرحية تستهدف تأليه البطل هرقل تأليها مأساويا. 
وهذا موضوع قد سبق أن تناولناه بالتفصيل في مجال آخر !55) 

وإذا كانت (حاملات القرابين«لايسخولوس تتوسط ثلاثية «الأوريستيا» 
ومن ثم كانت وظيفتها الأساسية مواصلة ما قد ورد في «أجاممنون» والتمهيد 
لما سيحدث في «الصافحات» أي إيقاف سلسلة الانشاع المتواصلة التي 
تأتى من عقاب الجريمة بجريمة تستوجب العقاب بدورها وبعبارة أخرى 
إدخال عنصر الرأفة بالمجرمين المتورطين والذين لا ذنب لهم في حقيقة 
الآمر. فان «اليكترا» سوفوكليس مسرحية قائمة بذاتها وبحاجة إلى أن 
تنتهي نهاية مقنعة. ولذلك عاد سوفوكليس إلى الرواية الهومرية فصور 
مقتل كليتمتسكرا كعمل من أعمال القصاص العادل الذى لا يستدعي 
بالضرورة مزيدا من الشك والجدل. إذ جعل هذا الانتقام بكم دنا مدن 
أوامر صريحة من أبوللون. ومن هنا تنبع الاختلافات بين المسرحيتين. تبداً 
«حاملات القرابين» الايسخولية ببنات الجوقة يلبسن الحداد ويتحلقن حول 
قبر أجاممنون. أما عند سوفوكليس فلا وجود لهذا القبر على المسرح. 
وهذا أمر في حد ذاته كفيل بتغيير الجو العام الذي أصبح في مسرحية 
سوفوكليس اكثر انفتاحا وبهجة من جو «حاملات القرابين» المكفهر. بل إن 
الحدث السوفوكلي يبدأ مع إشراقة الشمس وزقزقة العصافير (أبيات 17- 
)١9‏ ويوحي كل شيء بأن يوم الخلاص على الآبواب. وتتركز المسرحية حول 
شخصية اليكتراء بيد أن هناك تساؤلات عدة حول كراهيتها لأمها التي 
ربما فاقت الحد المعقول وإن كان هناك ما يبررها . في التي رأت ايجسثوس 
عشيق أمها يحتل مكانة أبيها على العرش وفي فراش الزوجية: كما شهدت 
هذين العاشقين يحتفلان بالذكرى السنوية لموت الأب بفرح ومرح. واليكترا 
تعرف أن أمها أرادت أن تقتل أوريستيس لتقضي على سلالة أجاممنون من 
الذكور وأنها لا زالت تتمنى موته بل قد سرت فعلا عندما وصلت الأنباء 
الملفقة بذلك. غير أن بعض النقاد لا يزالون يرون في برود اليكترا إزاء 
صرخات أمها المقبلة على الموت أمرا غير طبيعي أو عنصرا منفرا. 

لقد سبق ايسخولوس وعالج موضوع «أوديب ملكا» في المسرحية الوسطى 
من ثلاثيته الطيبية ولو أننا لا نعرف عن مضمونها شيئًا يذكر. بيد أنه من 


205 


الشعر الاغريقى 


المرجح أنها كانت مغايرة لمسرحية سوفوكليس ولا سيما أن هدف أيسخولوس 
من الثلاثية هو بالطبع تتبع مسار اللعنة الموروثة عن الأجداد . أما سوفوكليس 
فقد فضل التركيز على مرحلة واحدة كما أعطى مغزى أخلاقيا جديدا 
للمأساة وجعلها تنبع من عجز البشر عن التبصر بالأشياء. بل إن الحدث 
الدرامي عنده يتمثل في عملية كشف واسعة النطاق عن حقيقة فاعل 
جريمتي قتل الأب والزواج من الأم أي أوديب وهو نفس الشخص الذي يقوم 
بعملية الكشف هذه. فهر إذن يكشف حقيقة نفسه بنفسه ويدمر نقسبه 
بنفسه ودون أن يدري. إنه هو نفسه الذي أصر على مواصلة البحث عن 
الحقيقة إصرارا لا يعرف اللين برغم كل التحذيرات. وكلما اكتشف أوديب 
شيئا صغيرا من الحقيقة ابتهج غاية الابتهاج وأغراه ذلك بالمضي قدما في 
الطريق إلى النهاية. فلما وصل إلى كشف الحقيقة كاملة عرف-بعد فوات 
الأوان-كم كان غبيا. والجدير بالذكر أن ليوربيديس مسرحية عن أوديب 
ربما 50 لاحق لعرض أوديب سوفوكليس ولقد أدخل يوريبيديس- 
فيما يقال-تعديلات عدة على القصة فجعل الكارثة تقع على أوديب في 
مرحلتين لا دفعة واحدة كما هو الحال عند سوفوكليس. وعند يوريبيديس 
فقد أوديب بصره-بعد أن قتل أباه-لا بيده هو ولكن بفعل أتباع الملك المقتول 
واثتفاها لهء خم جاءت الكاركة الكانية عتدما اكتشف اوديب أنه ؤوج أمه. 
وهذا كل ما أمكننا معرفته عن مسرحية أوديب ليوريبيديس وكما جاء في 
الشذيرات المتبقية منها ©5) 1 
ومن المعروف أن أسطورة «فيلوكتيتيس» قد وردت في ملحمة (الإلياذة 
الصغيرة). ومن المعروف أيضا أن شرا التراجيديا الثلاث قد كتبوا فى 
هذا الموضوع وفي حين فقدنا مسرحيتي ايسخولوس ويوريبيديس وطلباتها 
مسرحية سوفوكليس. وكانت الأسطورة بسيطة جدا في «الإلياذة الصغيرة» 
حيث ترك الإغريق فيلوكتيتيس فوق جزيرة ليمنوس لأنه أصيب بجرح 
متقيح ومتعفن. وبعد عشر سنين من الحرب في طروادة اكتشفوا إذا لن 
يستطيعوا الاستيلاء عليها لأن النبوءة تقول بان ذلك لن ييتم بدون أسلحة 
هرقل التي ورثها عنه فيلوكتيتيس. ومن ثم أرسلوا ديوميديس لإحضارها 
ووافق فيلوكتيتيس على اللحاق بالإغريق والإسهام في النصر وأسر طروادة 
وتم كل ذلك بسهولة ودون تردد. أما ايسخولوس فقد حول هذه الأسطورة 


20 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


البسيطة إلى دراما بان جعل فيلوكتيتيس يشعر بالمرارة إزاء هجران الإغريق 
له بسبب مرضه. ولقد ذهب إليه أوديسيوس-لاديوميديس-ليحضر الأسلحة 
مخاطرا بنفسه لأنه في حالة الفشل قد يلقى مصرعه بأسلحة هرقل 
الفتكة ولا سيما أنه ذهب متنكرا وخدع فيلوكتيتيس واختلق قصة كاذبة عن 
الحال المتردية للجيش الإغريقي. وبذا حصل على أسلحة هرقل فحرم 
فيلوكتيتيس أهم ما يعتز به في الحياة بل سبب الوجود ذاته لأن هذه 
الأسلحة ترمز إلى بطولته كوريث لهرقل. وفي النهاية يكشف أوديسيوس 
عن حقيقة نفسه ويقنع فيلوكتيتيس بالذهاب معه إلى طروادة. ومع أن 
ايسخولوس قد نجح في تحويل هذه الأسطورة الملحمية البسيطة إلى 
مسرحية معقدة إلا أن العنصر السردي الموروث من التراث الملحمي لا يزال 
هو الغالب كما يبدو. أما يوريبيديس فقد أضاف عنصرا جديدا عندما 
جعل الظرواذيية يرسلون وهنا يعمل على إفغال فهمة اوديسيوسن بالكفف 
عن دسائسه. وأتاح هذا العنصر الجديد ليوريبيديس فرصة أن يمارس 
هوايته المفضلة في صياغة الخطب البلاغية التي برع فيها. فمما لا شك 
فيه أن كل طرف سيحاول إقناع فيلوكيتيس. وعلى أية حال فإن الوطنية هي 
التي تنتصر في النهاية إذ سيذهب البطل إلى طروادة مع بني قومه. وضي 
هذه المسرحية اليوريبيدية لا زال أوديسيوس يحتل مركزا أكثر أهمية من 
بقية الشخصيات. 

وكان سوفوكليس على الأرجح هو آخر من نظم مسرحية في هذا الموضوع 
ونقل مركز الثقل من أوديسيوس إلى فيلوكتيتيس إذ جعل الأخير بطل 
المسرحية بلا منازع وحول بذلك القصة إلى حبكة درامية رائعة ومفعمة 
بمحاولات الغوص في أعماق النفس الإنسانية وقدم شخصية جديدة هي 
الشاب النبيل نيوبتوليموس بن أخيلليوس. فصار هذا الشاب هو المسؤول 
عن تنفيذ خطة خداع فيلوكتيتيس وذلك بإيعاز من الداهية أوديسيوس. 
وبالفعل استطاع هذا الشاب أن يكسب حب البطل المريض فحصل منه على 
الأسلحة. بيد أنه ما أن ظهر أوديسيوس حتى انكشفت حقيقة الموقف 
سافرة. فرفض فيلوكتيتيس-وهو يتألم-أن يستسلم . وأصاب الحياء والخجل 
قلب الشاب النبيل نيوبتوليموس لأنه اشترك في عملية خداع مخزية مما 
دفعه إلى إعادة الأسلحة إلى فيلوكتيتيس صاحبها. وبذا وصلت الأحداث 


207 


الشعر الاغريقى 


الدرامية إلى طريق مسدود . بيد أن هرقل يظهر قادما من السماء كاله من 
الآله (وعمهطءعم ممه ومعط أو باللاتينيةهمنطعددد عه <ناء0) فيحل العقدة الدرامية 
المستعصية وينقن البطل والمؤلف نفسه. وتتشابه هذه المسرحية مع «اليكترا» 
فى التركيز على الشخصية لا الحدث. ومن الجدير بالذكر أنه إذا كانت 
جزيرة ليمنوس عند كل من ايسخولوس ويوريبيديس عامرة وآهلة بالسكان 
بدليل أن الجوقة عندهما مكونة من أهل هذه الجزيرة فإن هذه الجوقة 
تركت الجتزيرة زم كز كراوكنيتيسن إلا عند بداية الأحدات الدرامية ولشن 
ترك ايسخولوس هذا الأمر غير المعقول دون تبرير أما يوريبيديس فقد 
غدل الحوظة يرك قبانها وتهدر هق إهمالها الطويل ولكنها بالمان لا صجع 
فى إقناعنا بهذا التبرير. أما سوفوكليس فقد تخلص من هذه المشكلة 
بنجاح وحذق إذ جعل الجزيرة مهجورة بلا سكان وبالتالي أصبحت الجوقة 
من أتباع أوديسيوس وبذلك حقق الشاعر هدفا رئيسيا في مسرحيته وهو 
التأكيد على عزلة فيلوكتيتيس بطل المسرحية. ذلك أن هذه العزلة تعد من 
خصائص البطل السوضوكلي/”©. 

ويصف شيشرون مسرحية «أوديب في كولونوس» بأنها «أعذب قصيدة 
(أغنية)» (معصعقء تمسحصندةا[مدم )587 وهىي مسرحية بالفعل تقدم صورة 
هادئة ونهاية مجيدة لحياة عاصفة. فأوديب المنفى الشريد يهيم على وجهه 
عدة سنوات من بلد لآخرء إنه أعمى لا حول له ولا طول؛ يحمل على كتفيه 
ذنوبا وآثاما لا طاقة لإنسان بحملها. ويصل إلى كولونوس ليستريح في ظل 
حظيرة مورقة قيل له إنها أيكة الربات المقدسات. وهنا يتذكر نبوءات 
أبوللون ويعرف أن نهايته قد أوشكت. ثم تأتى نبوءة جديدة فحواها أنه 
إنسان ذو قدسية في حياته وبعد مماته وأن جثمانه سيمنح البركة والخير 
للأرض التي ستضم رفاته. أخيرا إذن غفرت له الآلهة ذنوبه وتريد الآن أن 
تعوضه خيرا عن سني العذاب ومن ثم يصبح أوديب موضع حفاوة وترحيب 
بل وتقاقين حاد ون من يريدون امعاكميهيا أوميقا بعد ان كارن من كليل 
طريدا ذليلا ومنبوذا غير مرغوب حتى في رؤيته. ويرفض أوديب توسلات 
أهل طيبة أن يعود إلى مدينتهم لأنها هجرته في بؤسه ولا تستحق أن تنال 
فضله ويميل إلى تسليم نفسه للأثينيين. والمسرحية لا تضم سوى القليل 
مما يمكن أن نسميه حدثا دراميا. ويبدو للوهلة الأولى أنها لا تصلح أن 


208 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


تكون مسرحية متكاملة. ولكن سوفوكليس استطاع أن يثري هذا الحدث 
بإضافة شخصيتي كريون وبولينيكيس المتنافسين على سيادة طيبة واللذين 
جاءا يسعيان وراء مساعدة أوديب. وتحتل توسلاتهما وتهديداتهما لأوديب- 
وكذا رفض الأخير لهذه وتلك بكل إباء وشمم؛ بل وبيعنف أيضا-أواسط 
المسرحية مما قد يخدع البعض فيحسب أنها الموضوع الرئيسي. بيد أن 
المؤلف يدس أمرا جديدا في نهاية المسرحية فبعد أن كان أوديب ضعيفا 
وعاجزا عن الحركة بمفرده دون أن تقوده ابنته انتيجوني يصبح الآن البصير 
القدير الذي يرى طريقه بنفسه ولا سيما عندما يبرق ويرعد الرعد وهي 
علامات ربانية تنذر بقرب النهاية التي وصفتها النبوءات. وحيث يقع الجميع 
في ذهول نجد أوديب يتحول إلى إنسان آخر إنه الآن الأقوى بل القوي 
الوحيدء وهو الآن المطمئن المتماسك حتى إنه هو الذي يهدئ من روع 
الآخرين ويقودهم ويرشدهم ويتجه بنفسه إلى المكان الذي سيرحل منه عن 
الدنيا. إنها إذن أنشودة تأليه درامي لهذا البطل العظيم. وهنا لا يفوتنا 
التنويه إلى أن هذه المسرحية هي آخر ما نظم سوفوكليس وكان قد تعدى 
التسعين من مر 0 

ويقسم الناقد القديم ديونيسيوس الهاليكارناسي الأساليب الأدبية إلى 
ثلاثة أنواع: أولها الأسلوب الصارم (56©:2نة) وهو قوي خشن وبدائي بسيط 
أما الثاني فهو الآسلوب المزهر(2006:2) ويتميز بالجاذبية والانسيابية 
والسلانية, والأساوي ل فالتعسي الأساوت الوسيظ ويسميه (دنصهصصقط عصزه»1) 
ويجمع بين مزايا الأسلوبين الآخرين فبه شيء من النعومة والسلاسة جنبا 
إلى جنب مع القوة والوقار. ويعتر نفس الناقد أن هذا النوع الثالث هو 
أفضل الأساليب. وأن سوفوكليس هو خير من يمثله بين الشعراء 
التراجديين/؟. وبالفعل قد لا تجد بين الشعراء مثل سوفوكليس في القدرة 
على الجمع بين الجمال الشكلي والقوة والحيوية والدفءء حتى إن القدامى 
سموه «النحلة» (هاذاكص) وقال اريستوفانيس إن شفتيه تقطران عسلا (شذرة 
رقم 22). 

وينقل لنا بلوتارخوس ما ينسب إلى سوضوكليس نفسه أي قوله إنه في 
البداية كان يقلد فخامة أسلوب (0805) ايسخولوس غير أنه بعد ذلك بدأ 
يؤكد شخصيته ويتخذ لنفسه أسلوبه الخاص رغم أنه ظل يعاني من الجفاف 


200 


الشعر الاغريقى 


والتكلف«(دهمعطءع :ه12 نه[ دمس][زط) . وما لبث أن انتقل إلى مرحلة ثالثة 
بالوصول إلى أسلوب هو أفضل الأساليب جميعا وأقدرها على تصوير 
النفس الآدمية (دمغدىغاءط نا ١و‏ 61 .وتئنتمي مسرحيات سوفوكليس 
التي وصلتنا إلى هذه المرحلة الثالثة حيث كان قد توصل إلى الأسلوب الذي 
يطمئن اليه ويرتضيه لنفسه. ومن ثم لا نجد اختلافا كبيرا بين مسرحية 
وأخرى من حيث الأسلوب, اللهم إلا مسحة خفيفة من الخشونة والجفاف 
والفخامة الأيسخولية في المسرحيات المبكرة وهذا ما يتضح من مقارنة 
«أنتيجوني» و «اياس» بالمسرحيات الأخرى. 

وبصفة عامة يتميز أسلوب سوفوكليس قبل أي شيء آخر بالإيجاز 
والدقة والإحكام: فهو يقتصد في استخدام الصور الشعرية والمجاز والصفات 
وهو لا يطنب كثيرا. في حين يكثر الآخرون من كل ذلك. ولكنه بالطبع 
حريص على التميز بين أسلوبه في الأجزاء الحوارية من جهة وأسلوبه في 
المقطوعات الغنائية من جهة أخرى. وبعبارة أخرى نريد القول بأنه في 
أغاني الجوقة قد أطلق لنفسه العنان بحيث أصبحت هذه الأغاني أكثر 
بهاء وثراء. وهذا لا يعني أنه في هذه الأغاني لا يبدي سمته الأساسية أي 
الاعتدال والتحفظ. وإنما هو يعتبر الزخرف في الحوار أمرا مرغوب فيه 
ويقبله في الأغاني التي هي على أية حال سرد وتصوير لانفعال عاطفي 
بالآحداث. ومع ذلك لا يمكن أن نعتبر أسلوبه في الحوار هزيلا أو نحيلا أو 
خاليا من وسائل التلوين والتتويع مما يخلوء عليه سمة الدفء. فحوار 
سوفوكليس لا يعدم الصفات المعبرة والصور الشعرية القوية ولكنه لا 
يستخدمها إلا في الوقت المناسب وهذا ما يعطيها أهمية خاصة ويضفي 
عليها صفة التميز والتفرد . وليس صحيحا كل الصحة ما يقوله ديونيسيوس 
من أن سوفوكليس لا يلجأ قط إلى الإسهاب (05)ترعم) ولا يورد أية كلمة ما 
ل ١‏ تكن ضرورية (وونهاوددة)2, لأن الإسهاب والتكرار يكونان أحيانا من 
مستلزمات تأكيد فكرة معينة أو إنراز إحدى صضفات شخصية ما 

ويتمتع سوفوكليس-مثل فرجيليوس وتاكيتوس في الآدب اللاتيني-بقدرة 
فائقة على نحت عبارات قوية؛ فهو يهيمن على مفرداته هيمنة ملموسة, 
ويستخرج منها أقصى ما يمكن من المعاني والألوان. إنه سيد أدواته التعبيرية 
اللغوية بحيث إنه يستطيع أن يصل بها إلى ما يشاء وينقل إلينا ما يريد 


210 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


توصيله. وقد يتوقف القارئّ أو المشاهد بين الحين والحين مأخوذا بجمال 
هذه العبارة أو تلك أو مشغولا بما توحي به من معان دون أن يستطيع 
حصرها في معنى معين أو فكرة محددة. فسوفوكليس أحيانا يكثف عدة 
معان وأفكار في كلمة واحدة اسما كانت أو فعلا. وهو مثل فرجيليوس 
يستخدم أسلوبا لا هو بالصريح المكشوف ولا بالضمني التلميحي بل فيه 
من هذا وذاك. وقد يجمع بين بعض المفردات على نحو يجعلها توحي بمعان 
ليست لها في الأمل ولنضرب على ذلك مثلا من «بنات تراخيس». في بيت 
4 تقول ديانيرا التي أعدت ثوبا مغموسا بدم نيسوس لترسله إلى زوجها 
هرقل في مقابل الأسيرات اللائي أرسلهن إلى المنزل ومن بينهن عشيقته 
الصغيرة يولي تقول «إذ ينبني أن نقرب منه بهدايا مناسبة في مقابل 
هداياه» م عنتطاء ل دمل زا) (63) فالكلمة 05211:0521:م 5 «أن 
نرد على نحو مناسب» أو «نعطي ال مقابل الملائم» ولكنها هنا في هذا السياق 
توحي بمعنى آخر وهو أن هذا الثوب الهدية سوف يلتصق بجسد هرقل 
ليحرقه ويدمره على النحو المناسب. ولعل المعنى يزيد وضوحا وقوة تاثير 
من استخدام الشاعر للتعبير «<ة:هل 3 ويعني «هدية في مقابل 
هدية». لآن هرقل إذا كان قد أرسل عشيقته هدية قاتلة إلى زوجته المخلصة 
ديانيرا فان الأخيرة ترد هذه الهدية بهدية أخرى «مناسبة» وهو ما يعني- 
دون أن تعرف ديانيرا-أنها هدية ستفتك به حتما كما ينبغي. وهنا نضع يدنا 
على مفارقة تراجيدية سوفوكلية مميزة استطاع أن يصل إليها الشاعر 
بكلمات قليلة بفضل رسم هذا المشهد رسما دفيقا. 

ولا يفضل سوفوكليس تراكم التشبيهات أو حتى التشبيهات المركبة التي 
أغرم بها ايسخولوس. فبعد أن يورد التشبيه يواصل الحديث بلغة نصفها 
مجازي ينسجم مع التشبيه ونصفها الآخر واقعي يمهد لبقية الحديث وهو 
بذلك يخلط الصورة الشعرية بالواقع في سلسلة من الأفكار المتتالية. بيد 
أن الناقد المدقق قد يضع يده على بعض تأثيرات التيار الخطابي (البلاغي) 
المستحدث وذلك في المسرحيات السوفوكلية المتأخرة. وهذا التيار هو الذي 
سيتضحم فيما بعد ويصل إلى حد تدمير التراجيديا الإغريقية. فمع وجود 
مشاهد حوارية في مسرح سوفوكليس أشبه في سخونتها بالمناظرة(3802) 
إلا أنها ليست خطابية صافية. وعلى أية حال فابرز الأمثلة على هذا 


27١ 


الشعر الاغريقى 


الأسلوب نجده في «أياس» ولا سيما الحوار بين تيوكروس والأخوين ولدي 
اتريوس فهو حوار خطابي اكثر منه تراجيديا . ومع ذلك فهو أبعد ما يكون 
عن الشكلية الخطابية المستحدتة والموجودة لدى الخطباء المحترفين فهو 
وبالمثل نجد الحوار بين اليكترا وأمها حول مقتل أجاممنون قي مسرحية 
«اليكترا» (أبيات 609-558) يتسم بمسحة خطابية ويتمتع بالطبيعة في آن 
واحد. 

وبعد فلقد تربع سوفوكليس على عرش التراجيديا الإغريقية وقرن 
اسمه بهوميروس كثيرا فوصف بأنه محب لهوميروس (5ه:عصروطه1نطم) . وقيل 
عنه أيضا إنه التلمين الحقيقى لهوميروس (5عاء22]0 نامزءد10]) . بل ونسب 
إلى أحد الفلاسفة ويدعى بوليمون قوله إن «هوميروس هو سوفوكليس 
الملاحم وان سوفوكليس هو هوميروس التراجيديا».62) 


3- يور يسيد يس والتمزق التراجيد ى 

ولد يوريبيديس على أرض جزيرة سلاميس في نفس العام الذي دارت 
فيه المعركة الحاسمةيين الفرس العزاة والإغريق المدافعين غن أوطائهم. 
ونعني المعركة المعروفة باسم هذه الجزيرة نفسها والتي احتدمت في مياه 
المضيق الواقع بين جزيرة سلاميس وآأتيكا أي في «خليج سلاميس» عام 
280 نحيك دح الاغريق الأسطول القارسى :ودين بالدك أن هناف رؤاية 
أخرى تؤرخ مولد يوريبيديس بعام 484/485. وعلى أية حال كانت أسرة 
يوريبيديس تتمتع بمركز اجتماعي لا باس به ولا داعي لآن نصدق ما يرد 
عند شعراء الكوميديا الذين يصفون أم يوريبيديس-من باب السخرية-بأنها 
بائعة خضره والدليل على اليسر الذي تمتعت به أسرة يوريبيديس أنه هو 
نفسية يحظي يقمنظ ممكال من التعليم مغ أن اسعان الدروسن كانت حيتذاك 
مرضعة لقاب كيقال الموموان هيد الحبي| كلق نوي روباك وسرعيه 
مشهورا وسيضع على رأسه إكليل النصر في مباريات عدة». وظن أبوه أن 
النبوءة تعني المباريات الرياضية فأرسله للتدريب على المصارعة والملاكمة. 
ولقد اشترك يوريبيديس بالفعل في بعض المباريات الرياضية ونال قصب 
السبق في بعضها . وتلقى يوريبيديس أيضا دروسا في الرسم وبرع في هذا 


212 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


الفن حتى إن بعض لوحاته ظلت محفوظة في مدينة ميجارا ردحا طويلا 
من الزمن. 

وما لبث أن اكتشف يوريبيديس نفسه وتعرف على الطبيعة الحقيقية 
لموهبته إذ وجدها في الفلسفة والشعر. ومن ثم تتلمذ على مشاهير الأساتذة 
في أثينا ولا سيما أناكساجوراس الفيلسوف والعالم الأيوني المولود حول 
عام 500 والذي زار أثينا عام 460 واستقر بها لمدة ثلاثين عاها تقريبا. ولعله 
من بين الفلاسفة جميعا صاحب اكبر تأثير على عقلية يوريبيديس. ومن 
الفلاسفة المقربين إلى قلب يوريبيديس نذكر «سقراط» (399-469) 
وبروديكوس من كوس (القرن الخامس) وبروتاجوراس من أبديرا (ولد حوالي 
5 والأخير كان صديقا حميما لبريكليس أعظم شخصية سياسية عرفها 
الإغريق ويعتبر اسمه رمزا للعصر الذهبي في أثينا وللحضارة الإغريقية 
ككل. وكان بروتاجوراس هو أشهر رواد الحركة السوفسطائية التي كانت 
بمثابة ثورة فكرية على التقاليد والجمود . ويقال إن بروتاجوراس قرأ لأول 
مرة دراسته عن الآلهة في منزل يوريبيديس وهي الدراسة التي نجم عنها 
طرد الأستاذ السوفسطائى الكبير من أثينا. وسنعود للحديث عن تاثير 
الشركة السوشيظاتية على بسرحيات يوربسيد بس بصقة هامة يعد قليل: 
ونود التنويه الآن إلى أن يوريبيديس مع حبه للصداقة والأصدقاء كان 
يقضي معظم أوقاته في الدراسة والتأمل متخذا لنفسه مكانا قصيا ببطن 
الجبل الذي كان يطل على البحر في جزيرة سلاميس . يضاف إلى ذلك أن 
مكتبة يوريبيديس وما حوت من ذخائر ومجلدات اكتسبت شهرة واسعة في 
العالم الإغريقي وأشار إليها اريستوفانيس في «الضفادع».(48) 1 

وبدأ يوريبيديس يكتب التراجيديا وهو في سن الثامنة عشرة وان لم 
تقبل مسرعياتة رسيا :ضمح برامع الباريات السريحية إلا ضام 55 آى 
عندما كان يناهز الثلاثينات من عمره. وحتى عام 438: أي عندما قدم 
مسرحية «الكيستيس»-وهي أقدم ما وصلنا من إنتاجهكان قد نظم سبع 
عشرة تراجيدية. وضي الاثنين وثلاثين عاما الآخرة من عمره زادت قريحته 
خصوبة بصورة ملفتة للنظر إذ أنتج ما لا يقل عن خمس وسبعين مسرحية. 
وجدير بالذكر أن علماء الآسنكدرية إبان القرن الثالث كانوا يمتلكون ثماني 
وسبعين مسرحية من إنتاج يوريبيديس وكان من بينها ثماني مسرحيات 


215 


الشعر الاغريقى 


ساتيرية. ويبلغ إجمالي ما يعتقد أن يوريبيديس قد نظمه من مسرحيات 
حوالي اثنتين وتسعين تراجيدية وساتيرية ولم يبق منها سوى سبع عشرة 
تراجيدية ومسرحية ساتيرية واحدة وأجزاء كبيرة من تراجيدية أخرى 
بالإضافة إلى العديد من الشذرات المتفرقة.40) ومع قلة ما وصلنا من 
مسرحيات يوريبيديس إلا أنها تفوق عددا ما وصلنا من زميليه الشاعرين 
الآخرين ايسخولوس وسوفوكليس مجتمعين. وجدير بالذكر أن يوريبيديس 
قد سبق سوفوكليس-بعدة شهور فقط- إلى الموت عام 406. 

ومن الملاحظ أن يوريبيديس في اعتماده على المصادر الأسطورية 
والملحمية يقتفي أثر سابقيه حيث أمدته أساطير طيبة وأرجوس بالكثير 
من القصص حول آل أوديب واتريوس وغيرهما . وهو مثل سوفوكليس يبدي 
تحيزا خاصا لأساطير موطنه فيشعر بالنشوة وهو يمجد ويخلد إنجازات 
أنطال آكينا أمكال فيسيوس واريخكيوس. أما حلقة الملاحم الطروادية فلم 
تكن فيما يبدو مفضلة لدى يوريبيديس وربما يرجع السبب في ذلك إلى أنه 
قد وجدها موضوعا مستهلكا. ولذا نجد عشرين في الماثة فقط من 
مسرحياته جاءت من هذا المصدر وهي نسبة ضئيلة إذا فيست بمثيلاتها 
لدى الشعراء الآخرين. ولكنها نسبة تعد كبيرة إذا وضعنا في الاعتبار تعدد 
المصادر الأسطورية والملحمية التي كان يمكن للشاعر أن يستلهمها. على 
أية حال كان يوريبيديس يفضل التجول في آفاق الأساطير الإغريقية بحثا 
عن تلك التي لم تستغل بعد فهو أول من كتب عن فايثون وكريسفونتيس 
وبيلليروفون. 

ويتعامل يوريبيديس مع الأسطورة بحرية فيأخذ أو يحذف ويضيف ما 
يخدم غرضه الدرامي حتى إنه كثيرا ما يورد حقيقة ما في إحدى المسرحيات 
ثم يورد ما يناقضها أو يناهضها في مسرحية أخرى. غفي «الطرواديات» 
على سبيل المثال نجد هيليني الحقيقية هي التي تذهب إلى طروادة في 
حين نجد في مسرحية «هيليني» أن شبحها فقط هو الذي يفعل ذلك. 
وبالمثل يفقا أوديب عينيه في «الفينيقيات» (بيت 1613): ولكن الخدم اتباع 
لايوس هم الذين يفعلون ذلك في المسرحية المفقودة «أوديب» (شذرة 541). 
ويرد في مسرحية «أوريستيس» (بيت 1653) أن نيوبتوليموس لن يتزوج قط 
هرميوني ولكننا نجدهما زوجين في «اندروماخى». والجدير بالذكر أيضا 


211 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


أن يوريبيديس يتوسع في الأسطورة التي يستخدمها بحيث يصبح من الممكن 
القول إنهما من ايتداهه ومنغال ذلك مسرهية «ايون» و«اهيجينيا بين 
التاوريين». حقا إن كلا من ايسخولوس وسوفوكليس قد تصرفا أيضا في 
الأسطورة بيد أن يوريبيديس يتميز عليهما في أنه أراد دائما أن يجدد 
ويضيف بدلا من أن يقلد ويعيد . ولعل هذا ما دفعه إلى أن يزوج اليكترا من 
فلاح بسيط في المسرحية التي تحمل اسم هذه البطلة عنوانا وهذا ما 
سنعود للحديث عنه. 

وكما أسلفنا فان مسرحية «ألكيستيس» هي أقدم ما وصلنا من إنتاج 
يوريبيديس. وعرضت هذه المسرحية عام 438 كمسرحية رابعة أي حلت 
محل المسرحية الساتيرية التي كانت في العادة تأتى بعد التراجيديات 
الثلاثة التي يتقدم بها الشاعر في اليوم المخصص له من المباريات المسرحية. 
وقدوو هلاه البرسية دول مضحية البطلة الفسكيسن بعياقها من أخل 
السب ذهي تقدم غلن المولة,ظواغية فى سبيل أن تقذ زوجها الذى هو 
على أقل تقفدير غير جدير بهذه التضحية والفداء. وهذا الزوج هو آدميتوس 
الذي كان قد استضاف ابوللون في قصره واكرم وفادته؛ وردا على هذا 
الجميل خصه الإله بميزة نادرة. فعندما اقتربت ساعة موت هذا الملك وفر 
له ابوللون فرصة النجاة والبقاء على قيد الحياة شريطة أن يجد بديلا له 
من الأسرة الملكية أو حتى فردا من أفراد الرعية لكي يأخذ دوره ويحل 
محله في رحلة الموت. ولكن الملك لم يجد أحدا يفتديه بحياته متطوعاء 
حتى أبويه الطاعنين في السن قد رفضا التنازل عن البقية الباقية من أيام 
العمر الغالية في سبيل حياة ابنهما الملك الشاب إلا أن الكيستيس الزوجة 
الوفية أقدمت على هذه التضحية بنفس راضية وجاءها الموت وقادها بدلا 
من زوجها إلى العالم الآخر. وفي أثناء قيام آدميتوس بمراسم الدفن وفد 
هرقل ضيفا عليه فاكرمه وأخفى عنه حقيقة الحداد الذي يعيش في ظله 
القن وامله:وبيتهاا كان مركل يعريه في كزم الضبيافة الملكية ويعاقر 
الخمر المعتقة عرف من الخادم المتجهم-وتحت الضغط-حقيقة الأوضاع 
فتأثر وصمم على أن يعيد الكيستيس من عالم الموت حية إلى زوجها. وقد 
أنجز وعده بالفعل وعادت السعادة الزوجية ترفرف على أروقة القصر. 
والجدير بالذكر أن شخصية هرقل في هذه المسرحية تبدو نصف كوميدية 


215 


الشعر الاغريقى 


بل إن المسرحية ككل لا تستقر بارتياح في صفوف الفن التراجيدي الخالص. 
وهذا شان بعض مسرحيات يوريبيديس الأخرى ومنها «افيجينيا بين 
التاوريين» على سبيل المثال. ولعل هذا الميل عند يوريبيديس يمثل في مسرحه 
عنصرا من عناصر التمزق أو التمرد على قالب التراجيديا التقليدية المحكم. 

وإلى جانب مسرحية «الكيستيس» صاغ يوريبيديس مسرحيتين أخريين 
حول أسطورة هرقل. الأولى هي «أبناء هرقل» وتدور حول أطفال هذا 
البطل الصغار وجدتهم الكميني-أم هرقل-وصديق العمر يولاءوس وهو في 
الأصل ابن أخ هرقل. لقد هربوا جميعا بعد موت هرقل من أرجوس ولجئوا 
إلى ماراثون خوفا من بطش يوريسثيوس العدو القديم واللدود لهذه الذرية. 
فلما أرسل الأخير في طلبهم رفض املك الأثيني فاندلعت الحرب بينهما 
وجاءت النبوءات بأنه لا نصر للأثينيين إلا بعد أن يقدموا إحدى العذراوات 
قربانا للآلهة. فتقدمت ماكاريا بنت هرقل متطوعة للقيام بهذه المهمة 
الفريدة. وانتصر الأثينيون في الحرب وأسر يوريستيوس وقدم إلى الكميني 
التي أصرت على قتله انتقاما منه. ومن الواضح أن هذه المسرحية ذات 
أهداف وطنية إذ أراد بها الشاعر أن يمجد مدينته أثينا في صراعها ضد 
إسبرطة وحليفتها ارجوس إبان الحروب البلوبونيسية. ولذلك يرجح أنها 
عرضت عام 429/430 أي بعد أن نشبت هذه الحروب عام .43١‏ 

أما المسرحية الثانية عن هرقل فهي «هرقل مجنونا» والتي سنتحدث 
عنها الآن لصلتها من حيث الموضوع بالمسرحيتين السابقتين مع أنها عرضت 
في تاريخ متأخر أي عام 316 وتسبقها مسرحيات أخرى كثيرة وتفصلها عن 
المسرحيتين المذكورتين فترة زمنية طويلة. وكان العنوان الأصلي لهذه 
المسرحية هو«هرقل» (أو «هيراكليس»». أما العنوان «هرقل مجنونا» الذي 
صارت المسرحية تعرف به فقد ورد لآول مرة في طبعة الدوس إبان عصر 
النهضة الأوروبية. وإذا كانت هذه المسرحية قد عرضت عام 316 كما سبق 
أن ألمحنا فأنها لم تنج من الانتقادات منذ ذلك الحين وحتى الآن. فقيل إن 
بناءها الدرامي مفكك على أساس أنه لا علاقة بين ما وقع قبل وصول 
هرقل من هاديس وبين ما وقع بعد ذلك من أحداث. وقيل أيضا إنه لا توجد 
علاقة جوهرية بين إنقاذ ميجارا وأطفالها من الموت على يد هرقل من جهة 
وجنون البطل نفسه من جهة أخرى. وأصحاب هذه الانتقادات يغفلون 


21 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


العلاقة الداخلية والعنصرية بين إنقاذ زوجة هرقل ميجارا وأولاده من 
الموت من جهة وسعادته الأسرية كبطل عاد توا من العالم السفلي من جهة 
أخرى. ونذكر المنتقدين للبنية الدرامية في هذه المسرحية بان هرقل الغائب 
في الأجزاء الأولى منها كان حاضرا طول الوقت لا بجسده وإنما بكل ما 
يقال عنه من السطور الأولى وحتى وصوله؛ فهو لم يغب عن تفكيرنا لحظة 
واحدة. بل إن مصير كل الشخصيات كان معلقا بوصوله هو. إنه إذن الغائب 
بجسمه الحاضر بفعله وشخصيته المؤثرة والمهيمنة على كل شيء. إنه رب 
هذه الأسرة المهددة وهو المنقذ المنتظر. ولقد وصل في النهاية وقتل الطاغية 
وأنقنذ جميع أفراد الأسرة ولكنه في نوبة جنون حطم كل الذي أنجزه توا 
وهدم ما بنى وقتل من أنقذهم من الموت وتلك قمة المأساة الإنسانية؛ إنها 
مأساة البطولة التي تحطم نفسها بنفسها . وجدير بالذكر أن ذاتية التدمير 
البطولي من أهم منابع المأساوية في المسرح الإغريقي بصفة خاصة وفيما 
ما تلاه من مسارح بصفة عامة. ونضرب لذلك مثلا بأوديب الذي تدمره 
ثقته بنفسه وبقدرته على كشف الحقائق في مسرحية «أوديب ملكا» وهرقل 
الذي تدمره أعماله البطولية الخارقة في «بنات تراخيس» وهي أفكار نجد 
لها أصداء في شخصيات شكسبيرية مثل هاملت وما كبث ويوليوس قيصر 
وخزرهي 6 

إن هرقل الذي طهر الدنيا كلها من المخاطر والمخاوف وشر في ربوعها 
الأمن والأمان حتى إنه ذهب إلى العالم السفلي فقهر قوى الموت وعاد حيا 
وهو يجر حارس هاديس أي الكلب كيربيروس وهو غنيمة ثمينة لا تعلوها 
غنيمة أخرى في القيمة وفي الدلالة على مدى الانتصار الكاسح الذي 
حققه البطل في عالم الموت بعد أن أصبح فوة لا تقهر في عالم الحياة إن 
هرقل هذا يعود من رحلته العجيبة ليجد أباه وزوجته وفلذات كبده أسرى 
الخوف والهوان فهم في طريقهم إلى الموت المشين على يد الملك الطاغية 
المستبد ليكوس. وقد يعني ذلك أن أعمال هرقل البطولية لم تعد بالخير 
والفائدة حتى على البطل نفسه وأهله وعندئذ سيكون ذلك تفكيرا عبثيا 
يضمنه يوريبيديس المسرحية ربما بهدف انتقاد الأساطير التقليدية. وحتى 
بعد انتقام البطل من الملك الطاغية وزوال الخطر الداب تحل كارثة أكشر 
خطورة وفتكا بالبطل وأسرته. لقد أصابه الجنون فقتل جميع من أنقذهم.: 


2237 


الشعر الاغريقى 


تواء عدا أبيه الذي بلغ ارذل العمر. وعندما يعود البطل إلى وعيه يهبط به 
الحون إلى استفل ساطلين: إلى هاوية الينائن والندم وجسحيم العذاب التقشي 
9 واللم ويوشك على الانتحار لولا أن صديقه الصدوق ثيسيوس ملك وبطل 
أثينا قد وصل توا ولا زال يذكر فضل هرقل عليه. فالأخير هو الذي أنقذه 
من البقاء في العالم السفلي سجينا مدى الدهر. فيمد له يد العون ويبث 
فيه الأمل ويذكره بالرجولة والبطولة المميزتين لسيرته الأولى. ويستجيب 
هرقل لنصائح ثيسيوس ويعدل عن الانتحار. 

المهم إلا أن هرقل قد أدان نفسه بعد أن اكتشف جريمته ولذلك أخفى 
وجهه حتى لا يرى نور الشمس فيدنس طهارتهاء بل لم يشا أن يواجه 
صديقه ثيسيوس حتى لا يلوثه. وهذا السلوك يذكرنا بما فعله «أوديب 
ملكا» غند سووكليس الذي وصل به الشعور بالدنب إلى حد أن فقا عينيه 
لكي لا تقع عليهما أشعة الشمس النقية. ولزام علينا هنا أن ننوه إلى أن 
إدانة كل من هرقل وأوديب لنفسيهما ينبغي أن تؤخذ لصالحهما لا أن 
تحسب عليهما . لقد ارتكب كل منهما ما ارتكب من ذنوب فظيعة وجرائم 
شنيعة تقشعر لها الآأبدان ولكن عن غير قصد ودون وعي وبسبب الجهل 
بالحقائق أو الجنون. ومن ثم فإن شعورهما بالندم وعذابهما النفسي 
واعترافهما بالذنب كل تلك الأمور إنما هي وسائل المؤلف التراجيدي لكي 
يؤكد عظمة هذا البطل المعذب أو ذاك ويدعم براءته من ارتكاب جرم 
متعمد مع سبق الإصرار والترصد. 

وتبدو قصة ليكوس الملك الطاغية في هذه المسرحية «هرقل مجنونا» 
وكأنها من ابتداع الشاعر المؤلف. ومما لا شك فيه أن إدخال ثيسيوس في 
الآسظورة وإنعاذه تمرقل من الياس والشياء ولحي الآخير إلى هديية آنينا 
في نهاية المسرحية كل هذه العناصر ما هي إلا إضافات وتجديدات أدخلها 
يوريبيديس على الأسطورة لأسباب وطنية من جهة وبهدف ربط الماضي 
الأسطوري بالواقع المعاصر من جهة أخرى. فقد أراد المؤلف أن يمجد 
مدينة أثينا وملكها الأسطوري فكل منهما يظهر في نهاية المسرحية مثالا 
للصدق والإخلاص وضعل الخير والفضيلة بصفة عامة. ولكن أكبر تجديد 
أدخله يوريبيديس على الأسطورة هو المتمثل في مخالفته للروايات الأسطورية 
الأقدم. فقد جعل جنون هرقل يقع في نهاية حياته أي بعد إتمام أعماله 


218 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


البطولية الخارقة وبذلك استطاع يوريبيديس أن يخلق من هرقل بطلا 
تراجيديا من الدرجة الأولى. فهو البطل الذي هزم كل أعدائه خارج وداخل 
الوطن؛ فوق وتحت الأرضء وعندما جاء ليقطف ثمار انتصاراته أي ليعيش 
منعما سعيدا مع زوجته وأطفاله خطفت الأقدار منه هذه الثمار الغالية. 
فحلت عليه مصائب جد فاسية إذ فقد كل شيء في نوبة جنون لا ذنب له 
فيها. ولكنه عندما عاد إلى وعيه ووقف عند مفرق الطرق ليختار بين حياة 
الصبر على العذاب المرير أو التخلي عن الحياة في جبن واستسلام للموت 
اختار طريق الحياة وتحمل العذاب وا معاناة. وهذه كما يقول العلامة كيتو 
أنسب نهاية لهذه المسرحية لأنها تمثل ذروة انتصارات هرقل أي انتصاره 
على نفسه. لقد وضعنا الشاعر في النهاية وبعد أحداث مفجعة أمام روح 
نبيلة تتعذب وتتألم ولم ينه يوريبيديس المسرحية باله من الآلة كعادته وإنما 
بتحول داخلي يقع في نفس البطل الذي فهر الياس وصمم على مواصلة 
الحياة مهما كانت آلامها ‏ (68) 

لا يعالج يوريبيديس في مسرحية «هرقل مجنونا» مسالة الحرب والسلام 
أو الرجل والمرأة-وهما الموضوعان المفضلان لديه كما سنرى-ولكنه يتناول 
تحليل شخصية رجل غير عادي هو هرقل. فكتب مسرحية مرتبة الأحداث 
في خط درامي متعرج حافل بنقاط الصعود والهبوط ولكنه ينتهي نهاية 
مأساوية تزيد من عظمة البطل. ولكن هذه المسرحية اليوريبيدية أكثر من 
غيرها إظهارا لروح الشاعر المتمرد بعنف ضد النية السوداء الكامنة في 
الطبيعة والمرصدة للانسان في كل مكان وزمان. وإلا فلماذا تعاني شخصية 
فريدة مثل هرقل 5 ذلك البطل الذي عندما يظهر أمامنا لأول مرة عائدا 
من هاديس نراه في قمة النصر والنشوة وفي أوج العظمة والقوة. ولا 
يمضي وقت طويل حتى نراه قد انهار تماما وصار حطام إنسان مطروح 
على الأرض منكس الرأس ! ولعل ذلك ما دفع عال ما مثل نوروود إلى القول 
بان هرقل في هذه المسرحية ليس مخلوقا خارقا للطبيعة أو بطلا نصف 
إله. فحتى أعماله البطولية-كما يرى نوروود-وان كانت عظيمة فهي لا ترقى 
إلى حد المعجزات. ولولا وذلك لما جرؤٍ ليكوس على أن يعتدي على أسرته 
أثناء غيابه. فإذا كان هرقل ابن زيوس حقا وبطلا قويا محبوبا فكيف 
استطاع ليكوس أن يهدد أفراد أسرته مهما طال غيابه ؟ كيف لا يخاف هذا 


210 


الشعر الاغريقى 


الملك الطاغية غضب أهل طيبة ؟ هذا كله يعني-في رأي نوروود-أن يوريبيديس 
قد أراد أن ينزل هرقل من عليائه البطولية إلى مستوى البشرء فهو في 
المسرحية إنسان مميز وليس غير ذلك .!47) 

ويقول بار مينتييه في المقدمة التي كتبها لمسرحية «هرقل مجنونا» ضي 
طبعة بيديه الفرنسية إن يوريبيديس قد أراد بهذه المسرحية أن ينقي صورة 
هرقل البدائية الشعبية من كل الشوائب ويقدم لنا هرقلا جديدا ليس فقط 
فاعلا للخير وإنما أيضا خادما للبشرية. فهو في هذه المسرحية ابن بار 
وأب رحيم وزوج مخلص وصديق محبوب. إنه قبل كل شيء-والرأي لا زال 
لبارمينتييه-بطل قادر على تحمل عذاب معنوي يفوق كثيرا ألمه الجسدي ./79) 
أما إهرنبرج فيرى أن يوريبيديس قد رفع هرقل في هذه المسرحية إلى 
أعلى مستوى من العظمة وصوره بطلا ذا أمجاد متلألئة. قاعلا للخير من 
أجل كافة البشرء إنه مصدر زهو وفخر لأبيه أمغيتريون المسن وهو نبع 
الوجود والاستمرار في الحياة بالنسبة لزوجته ميجارا. فنعم الابن ونعم 
الزوج ونعم الأب ! إنه أنموذج العظمة الإنسانية ومثال الفضيلة الأدمية في 
أرقى صورها .!'" ويعتبر جلبرت موري هرقل يوريبيديس مثال الإنسان 
الكامل كما كان يتصوره أهل أثينا إبان القرن الخاص.2 ولأرنولد توينبي 
عالم التاريخ المشهور رأي في الموضوع إذ يقول أن يوريبيديس الذي كان قد 
حاول أن يحفظ لهرقل بعض شيم البطولة في مسرحيته «الكيستيس» قد 
رفعه في «هرقل مجنونا» إلى ذروة البطولة الحقيقية ومصاف الأبطال 
النادرين .0730 

ويسخر يوريبيديس في مسرحية «هرقل مجنونا» (بيت 1345 وما يليه) 
عن المعتقدات الأسبطورية البائية التي تلصق بالآلهة جرائم الزنا والسرقة 
والخداع والكذب وما إلى ذلك من نققاقص ببشرية لا تليق بالكائنات السماوية. 
وبغض النظر عن أن تلك السخرية تعكس آراء السوفسطائية المتشككة 
والمتمردة على المعتقدات البالية فان ما يقوله يوريبيديس في المسرحية 
يعطي لنا فكرة واضحة عن رؤيته الدينية. ويبدو لنا الشاعر كأنه يحلم بإله 
قوى الإرادة قويم السلوك كامل الصفات لا يحتاج إلى شيء خارج ذاته. 
وفي إحدى الشذرات المتبقية من مسرحيات يوريبيديس الضائعة (شذرة 
02 يقول الشاعر والفيلسوف الثائر «عندما ترتكب الآلهة شرورا فهي 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


بالقاظع ليست اليةه آماهح سابريحية ممركل مجتوناء:فيرسم تنا الولف 
طريقا للتخلص من الخزعبلات الأسطورية الدينية. فبعد أن قتل هرقل 
المجنون أولاده وأمهم وعاد إلى وعيه أخفى وجهه عن الشمس والناس كما 
تقضي التقاليد الدينية التي تحرم على الإنسان المدنس أن يرى نور الشمس 
أو أن يخاطب الناس. قلما قدم ثيسيوس خشي هرقل على صديقه من 
الدنس تتظلببهئه الابتماك ولكن سيوس :وقطى قاتلا كيف يمكن لمر أن 
يدنس صديقه الحبيب 4م يقابل وكرت يكن لبشرى أن يدن الآلية 
وهم الأعلى والأقدر ؟ وذلك على اعتبار أن الشمس قوة إلهية. وهكذا اقنع 
ثيسيوس هرقل بان يرفع وجهه للناس وأن يطالع السماء ويحملق في الشمس» 
وبذلك نجح بطلا يوريبيديس في أن يمزقا معا كل حجة يمكن أن يتستر 
وراءها أو يتمسك بها المتشبثون بتلابيب الخزعبلات. 

لقد أطلنا الحديث بعض الشيء عن «هرقل مجنونا» لأن يوريبيديس- 
كما رأينا-كثف فيها خلاصة رؤيته لأسطورة هرقل التي لعبت دورا مهما في 
الفكر والمسرح التراجيديين إبان القرن الخامسء ولأآن هذه المسرحية من 
جهة أخرى قد مارست تأثيرا كبيرا في العصور التالية من تاريخ الدراما 
ابتداء من سينيكا الشاعر والفيلسوف الروماني ومرورا بعصر النهضة 
الأوروبية وإلى نو طن :©" وستسساون الآن يقي عبد رحياك رورسديا ندر 

عرضك سردي وسيذيا»: عام وه ضروعها الغيرة القائلة التي كيت 
جراكقيا كن كلب الزوجه لض كحم السريحية اسمها فنؤاناء لقن حجرت 
ميديا الأهل والوطن وقتلت أخاها وهربت من مسقط رأسها كولخيس مع 
ياسون حبيبها . وتزوجا وعاشا في كورنثة زمنا وأنجبا ولدين. لكن ما لبث 
ياسون أن هجرها ليتزوج بنت ملك كورنثة فتظاهرت ميديا بالإذعان للأمر 
الواقم ولكتهاوهي القن كانت قاوس ظنون الجر ارسات هدية مسموية 
للفروين إنة وذام وقبوين في واد #سعرية عا نان لنسكه الشررس كن 
ابنترقت وهلك شعها آبوها أيكنا. .ولا عاد ياسون إلى بينها الزوجية يزيد 
ويتوعد وجد ميديا تمتطي عربة مجنحة أرسلها إليها رب الشمس (هيليوس)- 
جدها الأسطوري-لكي ينقذها . ويهدف هذا التدخل الإلهي-أي إله من الآلة 
بالصطالج التعدى :إلى إنهاء الأخدات وؤرع الطمائيقة والاسشراؤاكي تفوس 
الأبطال. المهم أن ميديا وأمام ناظري ياسون ذبحت ولديه وفلذات كبدها 


الشعر الاغريقى 


ولم تسمح له حتى بلمسها . وتعد هذه المسرحية رائعة يوريبيديس بحق فهي 
تتفوق على جميع مسرحياته بالإحكام في الحبكة الدرامية والتركيز في 
الحدث التراجيدي على شخصية البطلة. وجدير بالملاحظة أن الصراع 
الدرامي في هذه المسرحية لم يعد في غالبيته صراعا بين الإنسان والآلهة- 
كما هو الحال عند ايسخولوس-ولكنه صار صراعا داخليا سيكولوجيا يحتدم 
بين الإنسان ونفسه. وبعبارة أخرى بين النوازع المتضاربة داخل النفس 
الإنسانية!5”. 

ومن الطرائف التي تحكي حول مسرحية «هيبوليتوس» أن يوريبيديس 
بعد أن اكتشف خيانة زوجته الأولى له بعد زفافها بفترة وجيزة كتب هذه 
المسرحية تعبيرا عن احتقاره للجنس الناعم برمته. والجدير بالذكر أن 
الشاعر طلق هذه الزوجة الخئون وتزوج أخرى فكانت الثانية أضل سبيلا 
من الأولى. على أية حال فقد عرضت مسرحية «هيبوليتوس» عام 428 
وبطلتها هي فايدرا التي وقعت في حب ابن زوجها الشاب هيبوليتوس الذي 
كان غارقا في فنون الصيد بالغابات عازفا عن النساء وشباك الهوى. فلما 
صد هيبوليتوس عروض الغرام من قبل فايدرا واحتقر خيانة هذه الزوجة 
لآبيه انتحرت وتركت رسالة لزوجها ثيسيوس تتهم فيها هيبوليتوس ابنه 
باغتصابها عنوة. فلما عاد الأب الغائب وعلم بذلك صب لعناته على ابنه 
وتضرع إلى إله البحر بوسيدون أن يهلكه. وبالفعل استجاب له بوسيدون 
وعاد هيبوليتوس إلى المتزل بين الحياة والموت يعد أن خرج له من البعر 
مخلوق وحشي تسبب في هلاكه. ثم ظهرت الربة أرتميس لكي تعلن الحقيقة 
كاملة وتكشف النقاب عن ألاعيب إلهة الحب والجمال افروديتي وعن طهارة 
وبراءة هيبوليتوس. فيندم ثيسيوس مر الندم على ظلمه لابنه الراحل. 
والتدخل الإلهي هنا-إله من الآلة بالمصطلح النقدي-يهدف إلى مساعدة 
البشر على فهم مغزى ما قد يغفمض عليهم من الأحداث التي يشاهدونها 
على المسرح كما أنه يعين المؤلف نفسه على حل عقدة المسرحية فهو حل 
خارجي لها تأتى به قوة إلهية ما مرفوعة على إحدى آلات وهي قوة فوق 
مستوى البشر والأحداث الأرضية الجارية على المسرح.6”) 

وتدور مسرحية «هيكابي»التي من المحتمل أن تكون قد عرضت عام 
5- حول زوجة الملك الطروادي برياموس. وهي الآن أسيرة لدى أجاممنون 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


ملك الملوك الإغريق ونعني هذه الأميرة الأسيرة التي أعطت اسمها عنوانا 
للسرحية: وبالإضافة إلى معاناهيكاني الأصلية والفاجية هن فعدان 
الوطن والأهل والسيادة والحرية فإنها تتلقى الآن نبأ تقديم ابنتها يوليكسيني 
قربانا على قبر اخيلليوس بطل الأبطال الإغريق ثم تأتيها أنباء أخرى 
محرنة قنع على أسمافها وهم الصامععه فى نيد يآن الخن ابفاتها 
بوليدوروس الذي كانت قد عهدت به إلى الملك بوليميستور ليصونه قد 
انتهى أمره هو أيضا إذ قتله هذا الملك نفسه المؤتمن عليه. وتفرعت هيكابي 
إلى أجاممنون سيدها ومليكها وعشيق ابنتها كاسندرا أن يتيح لها الفرصة 
لكي تنتقم من ذلك الملك خائن العهد ومبدد الأمانة الغالية. وبالفعل تمكنت 
هيكابي من الانتقام بوحشية فقتلت ولدي بوليميستور أمام ناظريه ثم فقأت 
غينية. لكن بناء المسرحية ككل مفكك بعض الشيء. 

أما مسرحية «اندروماخي» فيحتمل أن تكون قد عرضت عام 419. 
وبطلتها التي خلع اسمها على المسرحية هي أرملة هيكتور بطل الأبطال 
الطروادي ولقد أصبحت هي الآن ايضا بدورها بعد تدمير طروادة أسيرة 
نيوبتوليموس الذي ولدت له ابنا حمل اسم مولوسوس ولكنه تزوج من 
هيرميوني بنت مينيلاءوس-من هيليني. ورأى مينيلاءوس ضرورة التخلص 
من اندروماخي وابنها لكي يخلو الجو لابنته هيرميوني فتواصل حياتها 
الزوجية هاذكة هائكة مع زوجها نيويتوليموس ولا سيما أن هيرميوني عاقر. 
وكادت خطة قتل اندروماخي تنجح لولا وصول بيليوس الذي أنقذ الأم 
وابنها. وازاء هذا الفشل أوشكت هيرميوني أن تنتحر إلا أن ابن عمها 
أجاممنون أي أوريستيس قد وصل وأخذها معه بعد مقتل زوجها 
نبوتبوليموس في دلفى بتدبير من أوريستيس نفسه. وكما هو واضح تحفل 
هذه المسرحية بعدد لا باس به من الأوغاد والخونة الذين لا يخفف من 
وطأة سلوكهم الكريه سوى نبل بيليوس وأمومة اندروماخي الحنون. 

ومن الملاحظ أن يوريبيديس في هذه المسرحية يشن هجوما عنيفا 
ونقدا سافرا على إسبرطة. فهو يهجو الإسبرطيين وأخلاقهم وينقد نظامهم 
السياسي وأسلوب حياتهم. ومما لا شك فيه أن موقف يوريبيديس هذا 
يعكس الشعور الأثيني العام المعادي لإسبرطة غريمة أثينا على زعامة العالم 
الإغريقي والمشتبكة في حرب طويلة معها منذ عام 431 حف عام 404 حيث 


الشعر الاغريقى 


ستهزم أثينا شر هزيمة في نهاية هذه الحرب المعروفة باسم «الحرب 
البلوبوئيسية». ولنستمع لما يقوله يوريبيديس على لسان اندروماخي في 
هذه المسرحية (بيت 445 وما يليه): 

«يا مواطني إسبرطة: يا أبفض كل البشر كافة؛ ومدبري الغش» 

يا ملوك الإفك ومخترعي المؤامرات الباغية بعقولكم اللئيمة 

وأساليبكم الملتوية دون أن تخطر لكم فكرة أمينة واحدة. 

خطا ان تكون لكم الزعامة في هيلاسء أية خسة ليست في شرعكم ؟ 

يا لتفشي القتل عندكم 5 وجرائم الكسب غير المشروع ألم تنتشر لديكم 

كذابون» تقولون كلمة بشفاهكم وتخفون أخرى في قلوبكم ! 

هذا ما يلقاه الناس دائما منكم. ليحل الخراب بكم ! 

والسؤّال الذي نود أن نطرحه الآن هو أليست هذه العبارات اليسيرة 
المقتطفة من مسرحية «اندروماخي» كفيلة بان تدل على براعة يوريبيديس 
في استغلال الأساطير التقليدية الموروثة من الماضي الملحمي العتيق لتصوير 
الحاضر المعاصر للشاعر ونقد أحواله السياسية والاجتماعية ؟ لقد كان 
يوريبيديس أنموذجا يحتذى في ذلك وكان على المؤلفين الدراميين من بعده 
أن يرسموا خطاه وهم يعيدون صياغة الأساطير القديمة أو وهم يستلهمون 
تراث الماضي. فإذا لم يكن الهدف من ذلك هو استغلال الرموز الأسطورية 
القيم التراضة لشبايط الضوم على حوالت اميا التجاضير# هما اللذاعين 
للعودة إلى الأساطير أو التراث ككل ؟ 

ولا تشترك مسرحية يوريبيديس «الضارعات» أو «المستجيرات» مع 
مسرحية ايسخولوس بنفس العنوان في شيء سوى التشابه اللفظي في 
هذا العنوان فقط. فمسرحية يوريبيديس تكمل قصة حرب «السبعة ضد 
طيبة» وهي مسرحية أخرى لايسخولوس كما نعرف. فبعد أن فشل الأبطال 
السبعة المهاجمون في دخول طيبة لجأت أمهاتهم إلى اليوسيس مركز عبادة 
الأسرار المقدسة الواقع غرب أثينا. وهناك شملهن ثيسيوس ملك وبطل 
أثينا بحمايته ورعايته وذهب بنفسه لغزو طيبة لإعادة بقايا الأبطال السبعة 
الذين قتلوا أثناء الهجوم وذلك لكي يتم دفنهم بالمراسم الدينية التقليدية. 
وهكذا تمجد هذه المسرحية مدينة أثينا في شخص ملكها وبطلها القومي 
ثيسيوس نصير الضعفاء ومجير المستجيرين ومن المحتمل أن تكون هذه 


264 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


المسرحية قد عرضت عام 420. 

وعرض يوريبيديس مسرحية «الطرواديات» حوالي عام 415 ويقال إنه 
شرع في نظمها بدافع شعور قوي بالمرارة قد انتابه إذاء سلوك الأثينيين 
غير الحضاري عندما دمروا جزيرة ميولوس التي لم يقترف أهلها ذنبا 
سوى أنهم اتخذوا موقف الحياد أثناء الحرب الدائرة بين أثينا وإسبرطة ! 
ولذلك حفلت المسرحية بلوحات معبرة عن ويلات الحروب وعذاب المغلوب. 
إذ استغل الشاعر أحسن استغلال مصير النساء الطرواديات اللائي وقعن 
في الأسر مثل هيكابي واندروماخي وكاسندرا وبوليكسيني والأمير الصغير 
استيانكس. وهكذا يتضح لنا كيف كان يوريبيديس يرصد الأحدات السياسية 
المعاصرة وينتقد السلوك البربري في الحرب سواء أكان مقترفوه من 
الأسيرطيين الأغواء ام الأفينيين طواظانيه الأحياء :ومو يقدل ذلك فى إظان 
تراجيديات قائمة على موضوعات أسطورية تراثية. 

بيد أن يوريبيديس حوالي عام 4/2 قد تحول إلى نظم بعض المسرحيات 
ذات-الطابع الرومانتيكي. وتبدأ هذه المرحلة بمسرحية «افيجينيابين 
التاوريين» أو كما تسمى عادة «أفيجينيا في تاوريس». وفيها يتبع يوريبيديس 
رواية أسطورية مخالفة لما جاء عند هوميروس وفحواها أن الربة أر تميس 
أنقذت أفيجينيا بنت أجاممنون فلم تذبح قربانا على المذبح في ميناء 
أوليس من أجل إبحار الأساطيل الإغريقية إلى طروادة وإنما حملت إلى 
بلاد التاوريين. وهم قوم يعبدون أر تميس بطقوس غريبة إذ يقدمون الأجانب 
الوافدين عليهم قربانا على مذبح ربتهم. وبوصول أفيجينيا إلى هناك 
أصبحت كاهنة معبد أر تميس وشرعت تشرف على هذه الطقوس البريرية. 
ثم جاء أخوها أوريستيس-دون أن تتعرف عليه-مع صديقه بيلاديس إلى 
معبد أر تميس بحثا عن وسيلة لتطهير أيدي أوريستيس من دم أمه كما 
أمره أبوللون رب النبؤات في دلفى. وطبقا لطقوس العبادة المتبعة في المعبد 
كان على أفيجينيا أن تقدم الضيفين الوافدين قريانا شهيا لارتميس ولكنها 
تعرفت في اللحظة الأخيرة على أخيها وصديقه فانقذتهما وهريت معهما. 
وكاد ملك البلاد يقبض على ثلاثتهم بعد أن ردتهم عواصف البحر الهائج 
إلى الشاطي لولا ظهور الربة أثينة التي أصدرت أوامرها للملك بالإذعان 
لمشيئة الآلهة والسماح لهم بالرحيل مع تمثال الربة أر تميس إلى بلاد 


الشعر الاغريقى 


الأغريق. ولزالا هبذا قدنفل الانيى ١1‏ انيه الغ الحيدة بيذم النياية السيدة 
وهكذا تلعب حيلة يوريبيديس «اله من الآلة» دورا مهما فى تحديد معالم 
الككل والدموخ بهذم المسرحية وقيرها مق مسرعيات 

ورأينا تأجيل الحديث عن مسرحية «أفيجينيا في أوليس» بعض الوقت- 
رغم صلتها بموضوع المسرحية السايقة-لأنها لم تعرض إلا يعد وفاة 
يوريبيديس ٠.‏ 

وهناك تراجيدية رومانتيكية أخرى هي «ايون» وتنتمي إلى هذه المرحلة 
من إنتاج يوريبيديس. وفيها يغتصب الإله. أبوللون كريوسا بنت الملك الأثيني 
تعويه فى دلقي قم زويت كريوينا من كس و تود خليف أبيها كلما لم يرق 
الزوجان بالخلف ذهبا معا إلى أبوللون في دك. وقد ذهب هولكي يستشير 
الإله في مسالة العقم وذهبت هي لكي تستفسر-خلسة-عن مصير ابنها 


كسوثوس ما أمرت ب النبوءة وكان هذا الإنسان الذي أخذه من أمام المعبد 
ويعيش معه الآن في المنزل هو ايون أي ابن ابوللون من كريوسا التي لم 
تتعرف على فلذة كبدها وثارت على فكرة تبنيه. إذ كيف تقبل أن تربي ولدا 
ظلقه ابن عفنام قرويها (ة رق حارقت كظه فليا هفات بحاولتها واكحشيق 
أمرها لجأت إلى معبد ابوللون هربا من عقوبة الإعدام. وهناك أحضر لها 
كهنة المعبد قماط الطفل الذي كانوا قد التقطوه عندما وجدوه ملقى في 
العراء. فتعرفت كريوسا عليه وعلى ابنها ايون من أبوللون. وهنا تظهر الربة 
أكينة لتكشف النشاب عن السقيقة كاملة وتسيا بان يصبع ايون هنا جد 
السلالة الأيونية ويعود كسوثوس وكريوسا مع ايون إلى أثينا ليواصلوا العيش 
المبعيك: 


وعرضت مسرحية «هيليني» عام 4/2. وفيها يتبع يورببيديس رواية 
أسطورية وردت عند الشاعر الغنائي ستسيخوروس وفحواها أن هيليني 
الحقيقية زوجة مينيلاوس ذهبت لتقيم في مصرء وصورة وهمية فقط هي 
التي ذهبت إلى طروادة مع باريس وتسببت في الحرب المشهورة ! وبعد 
انتهاء المعارك يصل مينيلاوس مع هيليني الوهمية العائدة من طروادة إلى 


22 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


مصر. وهناك يصيبه الدهشة والفزع لوجود هيليني الحقيقية في قصر 
هيليني الحقيقية أمر تدبير وتنفيذ خطة الهروب من مصر وذلك بمساعدة 
أخويها المؤلهين كاستور وبوليديوكيس. وتعد هذه المسرحية من اكثر 
مسرحيات يوريبيديس تشبعا بالنزعة الخيالية والميل الرومانتيكي. 

وقبل عام من تقديم «هيليني» أي عام 4/3 كان يوريبيديس قد عرض 
«اليكترا» لنفس الأسطورة. إذ يجعل يوريبيديس بطلته اليكترا تتزوج من 
فلاح بسيط ومتواضع يعرف أنه ما كان ليحظى بهذا الزواج الملكي لولا أن 
من يهمهم الأمر-أي كليتمنسترا وايجيسثوس-يريدان ألا تنجب اليكترا نسلا 
نبيلا قد ينتقم منها لقتل أجاممنون. ولذلك فان هذا الفلاح البسيط لا 
يعامل زوجته الأميرة معاملة الند للند بل يرفض أن يفقدها عذريتها فلا 
يعاشرها معاشرة الأزواج. وهكذا يجري الجزء الأكبر من الحدث الدرامي 
في المسرحية لا في أجواء القصور العالية بل في كوخ وضيع يجمع بين 
البسطاء من الناسء النبلاء بسلوكهم من جهة وبين أبناء الملوك والأمراء 
المغضوب عليهم من جهة أخرى. ولعل هذه المسرحية هي اكثر مسرحيات 
يوريبيديس إظهارا لميله نحو الواقعية وإن كانت لا تخلو من لمسات رومانتيكية. 

وعرصت مسرحية «الفينيقيات» حوالى عام 410/4١ ١‏ وتتكون الجوقة 
فيها من أميرات فينيقيات جئن لاستشارة نبوءة دلفى ولكنهن توقفن بعض 
الوقت عند مدينة طيبة التي تربطهن بها علاقة وطيدة لآن مؤسس هذه 
المدينة هو كادموس الفينيقي جدهن. وجاء توقفهن بطيبة أيضا في وقت 
حرب السبعة أي هجوم القراد السبعة ضد طيبة بقيادة بولينيكيس بن 
أوديب المطالب بدوره في الربع على العرش من أخيه اتيوكليس. ويعلن 
العراف الأعمى تيريسياس أنه لا يمكن إنقاذ المدينة من هذه الهجمة الشرسة 
إلا إذا قدم مينويكيوس بن كريون الملك قربانا . ويعترض كريون على ذلك 
بشدة ولكن ابنه الشاب الصغير مينويكيوس يقدم روحه فداء للمدينة ويدذبح 
نفسه فوق أسوارها من وراء ظهر أبيه. وعندئذ ينجح أهل طيبة في صد 
المغيرين ويعلن أن الأخوين الغريمين ابني أوديب على وشك اللقاء في مبارزة 


267 


الشعر الاغريقى 


فردية تحنم الوق كهاتيا ء ولكن اهما يزكاسق الى اتعى عليها بررسسيد ينس 
حية بعكس ما فعل سوفوكليس في «أوديب ملكا»-اندفعت لتحول بينهما 
ولكن كان الآزان قد تاك وسيق السيق العذل تقلت تشربها طرق مشيويا 
بعد أن كان كل منهما قد قتل الآخر. 

وفي عام 408 قدم يوريبيديس مسرحية «أوريستيس» وهي مسرحية 
ميلودرامية الطابع مثيرة الأحداث تتركز حول شخصية هذا البطل الذي 
أعطى اسمه عنوانا للمسرحية وقد انتابته حالة مرضية بسبب قتله لأمه إذ 
أخذت ربات الانتقام أي الإيرينيات يلاحقنه أينما ذهب فأصبنه بمس من 
الجترة ون دين مسر الجميع الم فق إلى خواره سوق اليككرا الخكم 
وكانت مدينة أرجوس على وشك إصدار حكم بإعدامهما وفجأة يظهر 
مينيلاوس وزوجه هيليني عائدين من طروادة. ويتوسل أوريستيس إلى عمه 
مينيلاوس أن ينقذه على أساس أنه لم يفعل شيئًا سوى الانتقام من قتلة 
أبيه أجاممنون أي من أمه كليتمنسترا وعشيقها ايجيسثوس . ولكن مينيلاوس 
يخذل ولدي أخيه اللذين-بعد يأسهما من النجاة وتلبية لنصيحة من صديقهما 
بيلاديس-يخططان لقتل هيليني وهي سبب الحروب الطروادية وسر الخراب 
والمصائب. ولكن هيليني تختفي بصورة غامضة في رحلة عجيبة نحو السماء 
لتؤله وتصبح الربة الحامية للبحارة !ويلجا أوريستيس وإليكترا إلى مينيلاوس 
عمهما مرة أخرى ولكن بصورة مختلفة هذه المرة. انهما يهددان بقتل ابنته 
ميرموني اذا يكل لانشاذهعاء وكا فصل عقدة السريعية إن كاحت 
هناك حقا عقدة درامية بالمعنى السليم-إلى الحد الذي يستلزم تدخل العناية 
الإلهية أو بعبارة أخرى اللجوء إلى الحيلة اليوريبيدية المعهودة أي «إله من 
الآلة». فيظهر أبوللون ويملي إرادة السماء التي ترتب الأوضاع المرتبكة من 
جديد . ولعل هذه المسرحية هي أضعف مسرحيات يوريبيديس من ناحية 
الحبكة الدرامية. 1 

ولم تعرض مسرحية «افيجينيا في أوليس» إلا بعد موت يوريبيديس 
عام 406. ويقال إن الشاعر نفسه قد تركها ناقصة ليكملها ابنه قبل عرضها . 
وفي هذه المسرحية يضطر أجاممنون ملك الملوك الإغريق-بناء على ضغوط 
رجال الجيش-إلى أمر زوجته كليتمنسرا بالحضور مع ابنتهما الصغيرة 
اقوكينيا إلى اولس ريت ترايك الأساطيل الأقريقية انشعي اذا فاسان 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


صوب طروادة. وكانت حجته المعلنة إلى كليتمنسترا أنه سيتم تزويج الفتاة 
من أخيلليوس بطل الأطفال الإغريق ولكنه كان في الحقيقة ينوي تقديمها 
قربانا للالهة ارتميس التي اشترطت ذلك حق تتمكن الأساطيل من الإبحار. 
غلما وصلت كليتمنسترا مع ابنتها إلى اوليس علمت بالحقيقة المؤلة وبذلت 
قصارى جهدها لإنقاذ فلذة كبدها افيجينيا ولكن الفتاة الصغيرة نفسها 
وبعد شيء من التردد والخوف الطبيعيين تتقدم عن طيب خاطر مقطوعة 
لكي تذبح قربانا للإلهة وفداء للوطن. 

وفي ربيع عام 408 كان يوريبيديس قد غادر أثينا إلى مقدونيا تلبية 
لدعوة ملكها آرخيلاءوس الذي أراد أن يحيط نفسه بالمفكرين والأدباء 
الإغريق. ويبدو أنه قد تسنى للشاعر هناك أن يرى عن كثب طقوس عبادة 
إله الخمر ديونيسوس البدائية. وهناك أيضا نظم إحدى بدائعه «عايدات 
باكخوس» وباكخوس هو اسم آخر لديونيوس. ومن الغريب أن يوريبيديس 
في هذه المسرحية قد أعطى للجوقة دورا اكبر من المعتاد في كل مسرحياته 
السابقة. على أية حال فان هذه المسرحية تدور حول محاولات بنثيوس 
حفيد كادموس وملك طيبة أن يقاوم عبادة ديونيوس الجديدة.. وباءت 
جميع محاولاته بالفشل والخراب والدمار لأن أجافي أم هذا الملك العنيد 
كانت إحدى عابدات باكخوس المتحمسات أو بالأحرى «المجذوبات» والتي 
انتهى بها الوجد إلى حد أن قطعت رأس ابنها وأخذت ترفعه عاليا وهي 
ترقص طربا ظنا منها-وهي في حالة جزل ديونيسي-أنها قد افترست أسدا 
وفصلت رأسه عن جسده. وهكذا يكون انتقام ديونيوس اله الخمر والنشوة 
العنيف. وهكذا يكون انتقام الآلهة الجدد وبطشهم بكل من يقف في طريقهم 
وهو ما يذكرنا بمسرحية ايسخولوس «بروميثيوس مقيدا» على أية حال 
فلقد استطاع كادموس أن يعيد إلى أجافي وعيها المفقود وعندئن لا يوقف 
حزنها ولا يهدئّ من روعها سوى ظهور ديونيوس نفسه الذي جاءها يبرر لها 
انتقامه الفظيع من الكافرين بعبادته ويتنبأ بمستقبل زاهر لمدينة طيبة!77. 

ومن هذا الاستعراض السريع لمسرحيات يوريبيديس وموضوعاتها 
يلاحظ على الفور أنه اكثر واقعية من سابقيه أيسخولوس وسوفوكليس 
لأنه لم يحاول أن يضخم صورة أبطاله ولا أن يخفي عنا مثالبهم. فرغم 
الهالة الأسطورية التي احتفظ بها لهؤلاء الأبطال يحس المرء كأنهم جاءوا 


200 


الشعر الاغريقى 


من واقع الأرض الأثينية أبان القرن الخامس وليس من وحي الخيال المحض 
أو من نسج الأساطير فقط. وفي كل مسرحيات يوريبيديس يبذل الشاعر 
أقصى ما يستطيع ليظهر شخصياته على مستوى لا يرتفع كثيرا عن مستوى 
الفرد العادي. وهو اكثر مؤلفي التراجيديا الإغريقية اهتماما بتحليل النفس 
البشرية ويبدي تورطا ملموسا في أمور الدين بكل صوره. ولكنه تورط 
المتأمل المتدبر لا تورط المتدين المتعبد. فهو عقلاني متشكك في معالجاته 
الأسطورية وآرائه الديخية. وهو في مسرحياته ناظم أشعار غنائية ممتاز. 
وتظهر مقدرته الفائقة في ذلك المضمار من أغاني الجوقة. ومع ذلك يشعر 
الرءبان هناف شيعا هخ التفكك فى [وصال البتية الدراميية اليورنبيدية 
حتى في أحسن مسرحياته وأحكمها حبكة. إذ بوسع المرء في بعض الحالات 
أن يفصل أغاني الجوقة عن الأجزاء الحوارية: حقا أن كليهما رائع في حد 
ذاته ولكنهما لا يرتبطان ببعضهما ارتباطا عضويا والسبب هو أن دور 
الجوقة الدرامي عند يوريبيديس بصفة عامة قد تضاءل عما كان عليه عند 
أبسكو نوس وسوفوكليسن سق ضارت أعاتي الجوفة هوب ما كقون إتى 
فواصل غنائية بين الأحداث المسرحية. 

والكن البيفة الدرامية اللقككة بيس الشيء كافع بالسية البوريبيديسن 
هي الوسيلة الأنسب لنقل أفكاره الجديدة التي لم تكن هي أيضا منسجمة 
تمام الانسجام مع عصر الشاعر. ذلك أن يوريبيديس كمفكرء يحتل مكانة 
كبيرة كمتحدث باسم مدرسة فكرية جديدة تضع الإنسان-لا اللاهوت-في 
مرك الكون قاقد كان بو سيدينيكينا سيق أن المةاحلبية) معلسا 
للسوغسطائيين الذين كان أحد روادهم بروتاجوراس صاحب ال مقولة المشهورة 
«الإنسان مقياس كل شيء». وأطلقت هذه المقولة شرارة ثورة فكرية حقيقية 
في :ويه التقاكيد البالية ووعيث دهوة إتى الداس البيست في كل شي من 
الديانة إلى العدالة ونظام الحكم وما إلى ذلك. وكان أول المستجيبين لهذه 
الدعوة هو يوريبيديس نفسه فهذا ما نلاحظه في كل مسرحياته. فمثلا 
كان يوريبيديس أول من قدم على المسرح شخصيات مأساوية في بؤس تام 
وبثياب مهلهلة؛ بل اختار بعضهم من أصل وضيع؛ ومع ذلك منحهم نبلا في 
السلوك وعظمة متميزة في الأخلاق. وبغض النظر عن أنه بذلك يحدث 
تجديدا عميقا في مفهوم التراجيديا السائد آنذاك فهو أيضا يبرهن على 


220 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


شعبه بالتعاليم السوفسطائية التي ترى أن الفوارق الاجتماعية والتفرقة 
بين النبيل والوضيع ليست من صنع الطبيعة ولكنها من نسج العادات 
والآعراف. وبعبارة أخرى يريد يوريبيديس أن يضع مفهوما جديدا للنبل لا 
يقوم على المولد والحسب والنسب بل على صفاء النفس وطهارة القلب. 

ويستخلص من تعاليم السوفسطائية أيضا أن كل شيء في الدنيا له 
وجهان مما لا يمنع أن ينشاً حوله رأيان كلاهما صحيح. ولما كان الإيقاع هو 
وسيلة السوفسطائيين الرئيسية لنشر مبادثهم وتدريسها فقد كانت الخطابة 
بكل أساليبها البلاغية هي الجزء الجوهري في برامجهم التعليمية. ولذلك 
سيطر العنصر الخطابي البلاغي على مسرحيات يوريبيديس مما يثقل 
على البنية الدرامية ويأتي أحيانا عل حساب رسم الشخصيات ويضر 
بالمأساوية. ْ 

حا إن كل خصائص الأفكار السوفسطائية نجدها في مسرحيات 
يوريبيديس. فالإنسان عنده لم يعد الشريك الأضعف أمام الآلهة في هذا 
الوجودء ينقاد لأوامر أهم انقياد الأعمى أو يجبر على ذلك بالعذاب والمعاناة 
لكى يحصل فى النهاية عل الحكمة المستفادة. بل إننا نلاحظ فى مسرحيات 
وبرعقدينن اضقانها واكسا اقوتة يزيها هو الى االسروكة ,آنا له اضرف 
شيئا عن الآلهة وما إذا كانوا موجودين بالفعل أم لا ! وما هي هيئتهم؟ 
هناك عوائق كثيرة تحول بيني وبين أن اعرف كل ذلك وأول هذه العوائق أن 
الآلهة غير مرتين وثانيهما أن حياة الإنسان مهما طالت قصيرة للغاية». 
هكذا كان السوفسطائيون يتهمون بالكفر والإلحاد وعدم الاعتقاد في آلهة 
الأوييمبوس. ومن السهل علينا الآن أن نتفهم لماذا انسحبت ظلال هذا 
الاتهام على يوريبيديس نفسه وهو ابن الحركة السوفسطائية البار.90. 

يبدو أن يوريبيديس المفكر الفيلسوف لم يكن يصدق الكثير من الأساطير 
الإغريقية فهو يدعو الناس إلى أن يخضعوها للتفكير العقلاني. لقد جعل 
الراعي في مسرحية «افيجينيا بين الثاوريين» يتحدث عن أسطورة مطاردة 
ربات الانتقام أي الإيرينيات لأوريستيس-بسبب قتله لأمه وكأنه يشخص 
حالة مريض مصاب بنوبات الصرع والتشنج يقول الراعي (أبيات /28 وما 
يليه) : 

«وفي هذه الأثناء توقف أحد الغريبين (أي أوريستيس)-وهو يغادر الكهف 





20١ 


الشعر الاغريقى 


الصخري-وراح يهز رأسه بعنف إلى أعلى وإلى أسفل وهو يعوي ويرتعش 
حق أطراف أصابعه في نوبة متشنجة وصاح كما يصيح الصياد: هناك يا 
بيلاديس ! أتراها 5 فاك أو ترى تلك الآن 5 وتلك الأفعى الجهنمية النهمة 
إلى دمي بأحناشها المخيفة كلها فاغرة أفواهها لتلدغني 5 وهذه الثالثة 
النار والموت من بين ملابسها. إلى مرتفع صخري وأمي بين ذراعيها لتقذفها 
من هناك فوق رأسيء يا للهول ! ستقتلنيء إلى أين أفرة» 

ويضيف الراعي معلقا وكأنه المتحدث بلسان يوريبيديس: 

«لم نرتلك الأشكال الوهمية؛ لكنه حسب خوار البقرء ونباح الكلاب 
أصواتا تصدرها ربات الانتقام الإيرينيات... نزع سيفه؛ واندفع كالسبع في 
وسط العجول يقطع خواصرها ويطعن بسيفه جوانبهاء وهو يحسب أنه 
بهذا يدفع عن نفسه ربات الانتقام, حتى تغطى زيد البحر بجلط الدماء» 
(قارن أيضا أبيات 930 وما يليه). 

وفي نفس المسرحية «افيجينيا بين التاوريين» تقول البطلة-وهي نفسها 
كاهنة معبد أرتميس-مشككة حق في حقيقة الربة التي كلفت بخدمتها 
(أبيات 380 وما يليه): 1 ١‏ 

«إني أدين تلك الخدع المراوغة لآلهتناء فإذا سفك رجل دم آخر أو حتى 
مجرد أنه لامس امرأة في مخاض الوضع أو وضع يده على جثة:؛ فأنها 
تصده عن مذابحها باعتباره دنسا ومع ذلك فهي ذاتها تتلذذ بتقديم الناس 
أضحيات بشرية قريانا لها.... إنني أرجح أن سكان هذا البلد قد يكونون 
هم أنفسهم من ساحي دم البشر وينسبون هذه النقيصة فيهم إلى ربتهم. 
لأنني لا يمكن أن أعتقد في أن إلها ما بهذا الجرم !» ووقع اختيارنا على 
فقرتين من «الطرواديات» يردان على لسان هيكابي حيث تقول في الأولى 
(أبيات 882 وما يليه): 1 1 

«أنت يا من ترفع الأرض ويستقر عليها عرشك؛ لغزا 

يفوق إدراكنا ! سواء أنهت زيوس؛ أو ضرورة طبيعية: 

أو عقل إنسان؛ إنني أدعوك فانك لتسلك مسالكا 

مبهمة: بيد انك تقود مصائر البشر نحو العدل». 

ففي هذه الفقرة يتساوى العقل البشري مع القوة الإلهية المهيمنة على 
الكون كله أما في الفقرة الثانية (بيت 970 وما يليه) فتعلق هيكابي على 


202 


0 


أسطورة مسابقة الجمال بين هيرا وأثينة 
وافروديتى الربات الثلاثة اللاثى احتكمن إلى 
الأسير الطروادي باريس فيما بينهن. تقول هيكابي. 

رلا أستطيع مطلقا أن أومن بان هيرا أو العذراء 
بالأسى (أثينة) خليقتان بارتكاب تلك الحماقة فتبيع 
الأولى مدينتها ارجوس للأجانبء أو تقبل بالأسى 
(أثينة) بأي حال أن تخضع مدينتها أثينا عبدة ذليلة 
للفريجيين. وقد جاءتا إلى أيدا في العوبة صبيانية 
تزقة: للتتاقسن على شرف الجمال 51 لم تشغل 
الإلهة هيرا فوّادها باللهفة على نيل جائزة الجمال 
9 التحصل على زوج أرقى من زيوس ؟ أم هل كانت 
أثينة تريد أن تجد من بين الآلهة زوجا وهي التي- 
بسبب نفورها من الزواج-ظفرت من أبيها بالرضا 
أن تبقى عذراء ؟ لا تحاولي أن تنسبي حماقة 
للرياضة:».. ولن تقنعي بهذا العقلاء». 

لقد كان يوريبيديس مؤّلفا إنسانيا بكل معاني 
الكلمة لأنه كرس عبقريته وقريحته للتعبير عن 
الإنسان ورغباته وحاول الغفوص في أعماقه وسير 
أغوار مشاعره الداخلية من حب وكراهية؛ وغيرة 
وخوف, ولذة وألم. ولهذا السيب نفسه كانت النساء 
فى مسرحياته-كما قد لاحظنا-يلعين دور البطولة 
في الغالب؛ لآن مسرح يوريبيديس في جوهره هو 
مسرح العواطف العنيفة والنساء هن الأقدر على 
التعبير عن مكنونات النفس وهن الأكثر إظهارا 
للانفعالات بطبيعة الحال. وليس من الحكمة أن 


25ظ1 


الشعر الاغريقى 


نتهم يوريبيديس بأنه عدو المرأة أو أن نصدق الروايات الأسطورية التي 
فقول :إن الفساء كن موفته رريا إريا يح ناته سحوفه هلين ظلم بيجدان 
وسيلة لإسكات صوته سوى قتله على هذا النحو الفظيع !كما أنه ليس من 
الصواب أيضا أن نعتبر يوريبيديس من أنصار المرأة ولكنه فقط بالنسبة 
لهذه القضية وكل القضايا التي تعرض لها في مسرحياته-كقضية الدين 
مثلا-كان دارسا متأملا وباحثا متشككا ليس إلا. ومن ثم فان تهمة العداوة 
للمرأة الموجهة إلى يوريبيديس جاءت نتيجة لمخالفته العادات والتقاليد 
السائدة في المجتمع الأثيني آنذاك والتي لا تنتظر بعين الرضا إلى المرأة 
التي تجري سيرتها عل ألسنة الرجال قدحا أو حتى مدحا. 

ويستطيع الباحث المدقق لو قرا مسرحيات يوريبيديس بعناية أن يضع 
بده على اكت تور مشترقة رمشرخة للزيحة الوضة يرييهيا الشافر 
بكلمات مريحة على لسان اندروماخي في «الطرواديات» (أبيات 656-647) 
إذ تقول: 

«سواء أكان هناك مما يؤْخن على الزوجة أم لا فان مجرد تغيبها عن 
البيت يجلب في أثره سمعة سيئة. وهكذا فأنني تخليت عن أية رغبة في 
فعل ذلك. ويقيت دائما في بيتي: كما لم أسمح لنفسي بالنميمة الخبيثة 
التي تشعها التساءء زاتما رضيت يان ببهوة في عقل راج ليحك إلا 
الحكاية الصادقة؛ واحتفظت بلساني صامتا وبعيني خفيضة أمام زوجي؛ 
وكنت أعي جيدا متى يجوز لي أن أغلب زوجي ومتى ينبغي علي أن أخضع 
له وهو يغلبني». 

وفي مسرحية «اندروماخي» (بيت 206 وما يليه) تقول هذه البطلة مخاطبة 
ل 

«أنها ليست عقاقيري السحرية التي تجعل زوجك يكرهك. بل انه لفشلك 
أنت في أن تثبتي أنك عون له. هنا يكمن سر الحب الوحيد. لا... ليس 
الجمال يا سيدتيء بل هي التصرفات الفاضلة التي تكسب قلوب أزواجنا.. 

وفي مسرحية «افيجينيا في أوليس» (بيت 750-749) وعلى لسان 
أجاممنون يوجز يوريبيديس رأيه في المرأة ولا سيما كزوجة بالقول التالي: 

«على الرجل العاقل أن يؤوى في بيته زوجة نافعة وطيبة وإلا فعليه ألا 
يكزيج قطن ١‏ 


2041 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


صفوة القول أننا لا نقبل اتهام يوريبيديس بعداوة المرأة. لا لشيء إلا 
لأنه حلل شخصيتها تحليلا دقيقاء وأوضح نقاط الضعف فيهاء ولأنه في 
مقابل هذه الصورة السلبية رسم صورة أخرى إيجابية للمرأة الذكية والزوجة 
الفاضلة الوفية. 

بيد أنه لم يكن غريبا أن يتهم يوريبيديس في عصره بمختلف الاتهامات 
وأن يكون هذا الشاعر المفكر والفيلسوف المتشكك موضع الريبة والانتقاد 
من قبل مواطنيه الأآثينيين لآنه كان يسبق عصره بمراحل كثيرة. فلم يكن 
على وام وانسجام مع معاصريه؛ لأنه كان تقدميا ثوريا في آرائه متمردا 
في كتاباته. ولذلك لم يفز بالجائزة الأولى في المباريات المسرحية كثيرا بل 
إن رائعته «ميديا» لم تفز حين عرضت إلا بالجائزة الثالثة أي فشلت فشا 
ذريعا. ومما يخفف من دهشتنا أن نفس المصير كانت قد لاقته رائعة 
سوفوكليس «أوديب ملكا». ويبدو أن الروائع لا تحظى حتما أو دوما بالتقدير 
المناسب ساعة ظهورها وبين معاصريها الذين يتركون مهمة هذا التقييم 
الموضوعي للأجيال التالية. ولقد هاجم شعراء الكوميديا-وعلى رأسهم 
أريستوفانيس-يوريبيديس هجوما لا هوادة فيه. ويمكن أن نلاحظ ذلك في 
مسرحية «الضفادع» على سبيل المثال. ولكن العصور التالية كانت تميل إلى 
يوريبيديس وتفضله على الشاعرين التراجيديين الآخرين ايسخولوس 
وسوفوكليس. ومما يحكى في هذا الصدد أن الأثينيين الممسجونين في صقلية 
استطاعوا بفضل إنشاد بعض أشعار يوريبيديس أن يحصلوا على امتيازات 
خاصة من سجانهم. هذا وقد اتكأ الشاعر الفيلسوف الروماني سينيكا 
على يوريبيديس اكثر من الشاعرين الآخرين. وبذلك شق يوريبيديس-أي 
عبر تراجيديات سينيكا-طريقه إلى مسرح عصر النهضة والعصور 
الحديثة”. سابقا في ذلك زميليه الآخرين. ولا أدل على شيوع مسرح 
يوريبيديس من أن النصوص التي بقيت لنا منه تفوق عدد ما وصل من نتاج 
المؤلفين الأثينيين الآخريه (80) 

حقا لقد أثارت التجديدات التي أدخلها يوريبيديس على شكل ومضمون 
التراجيديا الإغريقية الشكوك وعدم الرضا في بداية الأمر فاعتبره معاصروه 
المتسبب في انهيار الفن التراجيدي. وانقلبت الموازين وتبدلت المعايير فصار 
يوريبيديس إبان العصر الهيللنستي-أي بعد حوالي عام 300 حف نهاية 


205 


الشعر الاغريقى 


القرن الأول-هو أفضل الشعراء التراجيديين. ومنذ ذلك الحين أصبح 
يوريبيديس في المقدمة من حيث الشيوع والذيوع وإن لم يخل الأمر من 
فترات هبوط وصعود في شعبيته بين الحين والاخر حتى انه كان يعتبر 
ااحيانا وجاذ سيا صل طريقة كن الحياة #اتشهل ينظم الشعر التوا حيدق 
وما كان ينبغي له أن يفعل ذلك. ولا شك أن هذا التيار الإنتقادي العنيف 
الذي يصحو أحيانا ويخبو في غالب الأحيان هو من تأثير هجمة 
أريستوفانيس الشرسة على يوريبيديس في «الضفادع» بصفة خاصة. وان 
كان البعض يعزوكلف إلى القول باخ سرحياك بورسيديسن الت وضله 
إلى أيدينا ليست كلها من أعماله الممتازة: فهي وإن كانت تفوق في العدد 
مجموع ما وصلنا من نتاج الشاعرين الآخرين ايسخولوس وسوفوكليس إلا 
أن مسرحياتهما الباقية هي أفضل ما أبدعا. فكان القدر والتاريخ كانا 
يقفان بالمرصاد ليوريبيديس ! ومن اليسير علينا أن نوضح عدم دقة أو 
وجاهة هذا الرأي الساذج. فنحن في الواقع لا نعرف-عن يقين-طبيعة 
المسرحيات المفقودة من إنتاج هؤلاء الشعراء الثلاثة جميعا فكيف نؤكد أن 
ما وصلنا هو أسوأ أو أفضل مما لم يصلنا؟ 

ومن أهم الانتقادات المسلطة على يوريبيديس أنه أفسد التراجيديا 
وأفقدها رونقها وجمالها بما أدخله عليها من واقعية حطمت الهالة 
الأسطورية لأبطاله وشخصياته ومما لا شك فيه أن هذه التهمة الباطلة 
تستند على شيء طفيف من الصحة وهو أمر باعد بين الشاعر وأهل 
عصره الذين كانوا يقدسون أبطال الأساطير والذين كانوا قد شاهدوا 
أبطال ايسخولوس وسوفوكليس ذوي العظمة والأبهة. ولكن هذه التهمة 
نفسها التي تباعد بين يوريبيديس وعصره تقريه إلى نفوس الأجيال التالية 
بل وإلينا نحن المحدثين الذين بالطبع لم نعد نشعرباية قدسية تجاه الأبطال 
الأسطوريين. ولعل في ذلك ما يمكننا من تقدير مدى جرأة يوريبيديس 
المثمرذ على معتقداث زمانه ‏ وجدير بالذكرآن الواقعية الملموسة ني مسرحيه 
له ليست واقعية فوتوغرافية ولكنها ذات طابع شعري خيالي كتلك الواقعية 
الثي ظهيرت آبان الحصر الإليوابيقي في إتجاخرا وان كانت واقمية بور يدن 
الشاعر الإغريقي اكثر صقلا وأعمق فنا . 

ومن أبرق الانتقادات الى عات سنها يوريبيديس القول بات أظهر 


22 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


شخصياته اكثر تشبعا بالشر مما هم عليه في الأساطيرء أو حتى اكثر مما 
تقتضي الواقعية الفنية. وقيل أيضا إنه سلط الأضواء الساطعة على الجانب 
الوضيع للنفس البشرية. وما أسهل الرد على مثل هذه الانتقادات ويكفي أن 
نذكر أصحابها بان يوريبيديس الذي قدم على المسرح شخصيات شريرة 
مثل ليكوس في «هرقل مجنونا» ومينيلاوس في «هيليني» هو نفسه الذي 
أبدع في رسم شخصية الزوجة الوفية النادرة الكيستيس في المسرحية 
المسماة باسمها. وهو أيضا الذي قدم هرقل في مسرحية «هرقل مجنونا» 
بطلا ذا عظمة وفضيلة لا ينكرهما ناكر عنيد . بل إن شخصيات يوريبيديس 
الشريرة ليست كلها من الشر الخالص فياسون على سبيل المثال في مسرحية 
«ميديا» ذلك الرجل الذي أنكر الجميل وغرق في أنانيته المرذولة أظهر 
حنانا أبويا لا نظير له وحزنا بالنا بنفطر نه اتدل شي الشية الأخير 
للمسرحية بعد فتل ولديه. ولا شك أن هذا المشهد يكسب لياسون بعض 
العطف ويسترد له شيئًا من الحب فهو على أقل تقدير ليس إنسانا ضريرا 
أو كريها تماما. ونفس ميديا تلك المرأة الغيور التي قتلت ولديها بيديها 
وبسبب الحب ليست أيضا خالية من المشاعر النبيلة. ويكفي أن نتذكر أنها 
في الأساس المرأة التي ضحت منن البداية بكل شيء من أجل حب زوجها. 
فهذا أمر يضمن لها تعاطفا من اللحظة الأولى. صفوة القول أن يوريبيديس 
يمازج ويزاوج بين الخير والشرء والحب والكراهية. والنبل والخسة وهر 
يرسم شخصيات مسرحياته وذلك طبيعي لأنه من أبجديات الفن التراجيدي 
السليم. 

وقديما قال اريستوفانيس إن تركيز يوريبيديس على العاطفة الجنسية 
في مسرحياته أمرلا يتفق مع وقار الفن التراجيدي. ولحسن حظ يوريبيديس 
أننا لا يمكن أن نقبل آراء اريستوفانيس هذه. ولو تبنينا مقاييس ومعايير 
أثينا القرن الخامس نفسهاء لآن اتهام اريستوفانيس لزميله يوريبيديس 
باختيار «أساطير الحب الشاذ» وكذا «النساء الزانيات» و «الزيجات غير 
المقدسة» عن عمد هو اتهام مرفوض لسبب بسيط جدا وهو أنه ليس هناك 
ما هو اكثر شذوذا في الأساطير من أسطورة أوديب الذي قتل أباه وتزوج 
أمه.. ومن معطيات هذه الأسطورة خلق سوفوكليس رائعته-يل رائعة العقل 
البشري كما يرى البعض«أوديب ملكا». أما أولثك الذين لا زالوا ينتقدون 


227 


الشعر الاغريقى 


يوريبيديس لأنه يتناول دراسة العواطف الجنسية الحادة عند بعض النساء 
فعليهم أن يغمضوا أعينهم وهم يطالعون معظم النتاج الروائي والشعري 
والمسرحي والتلفزيوني والسينمائي السائد في أيامنا هذه ! وليست هناك 
بين شخصيات يوريبيديس النسائية من هي اكثر حدة وشذوذا من فايدرا 
في مسرحية «هيبوليتوس». ولكن يوريبيديس من بداية المسرحية يوضح 
لمشاهديه وقرائه أن فايدرا وقعت ضحية تصارع الآلهة فهم الذين أصابوها 
بهذا الحب الشاذ تجاه ابن زوجها ولقد قاومت بشدة وفشلت. وكانت المربية 
هي التي كشفت أمرها وفي النهاية انتحرت فايدرا هربا من الخزي والعار 
وفي ذلك تطهير لها ولسيرتها. ولكننا على أية حال لن نستطيع أن نرى 
مقدار ما بذله يوريبيديس من جهد ليبرر سلوك فايدرا أخلاقيا ودراميا إلا 
إذا قارنا هذه المسرحية بمسرحية سينيكا-الشاعر والفيلسوف الروماني- 
التي يقلد بها وبعارض الأنموذج الإغريقي أي مسرحية يوريبيديس. فلقد 
أصبحت فايدرا عند سينيكا امرأة فاجرة منحلة لا تتردد في السير على 
طريق الرذيلة ولا تقاوم-في إصرار-إغواء شيطان الحب:(81) 

وكما سبق أن المحنا فان تأثر يوريبيديس على المسرح الأوروبي منذ 
عصر النهضة يفوق تأثر أي شاعر تراجيدي إغريقي آخر. ولا يتسع المجال 
للدخول في تفاصيل هذا الموضوع ونشير فقط إلى تآثيرات يوريبيديس 
على ميلتون وراسين. ولقد كتب الأخر ثلاث مسرحيات مستوحاة من 
يوريبيديس وهي «اندروماك» و «انيجيني» و «فيدر». كما أثارت مسرحية 
يوريبيديس «ميديا» شاعرية بايرون. أما أعظم شعراء ألمانيا قاطبة أي 
جوته فقد كتب «هيلينا» و«افيجيني» مستلهما يوريبيديس وفنه. وجوته هذا 
هو القائل إن كل الذين ينكرون عظمة يوريبيديس ليسوا إلا بؤساء يرثى لهم 
بسبب عجزهم عن استيعاب سر عظمته أو هم دجالون لا ضمير لهم 
يريدون بهجومهم عليه أن يضخموا ذواتهم. وليس بوسعنا إلا أن نعرف لهم 
بان هذا الهجوم من جانبهم قد نجح فعلا في أن نعطيهم حجما اكبر بكثير 
مما يستحقون في الواقع ! 

وجدير بالتنويه أن شعراء الثالوث التراجيدي الخالد ايسخولوس 
وسوفوكليس ويوريبيديس قد تعاصروا ولكنهم بشخوصهم وبطبيعة فن كل 
منهم ينتمون إلى ثلاثة أجيال مختلفة حتى إن ناقدا مرموقا مثل كيتو وصل 


228 


التراجيديا: رؤيه مأساويه للقضايا الانسانيه 


به الاقتناع بذلك الاختلاف فيما بين الشعراء الثلاث إلى حد أنه اقترح 
تسمية مسرح ايسخولوس بالتراجيديا القديمة ومسرح سوفوكليس 
بالتراجيديا الوسطى أما مسرح يوريبيديس فقد سماه بالتراجديا الحديثة!82) 
وذلك على نسق مراحل الكوميديا الثلاثة. 


210 


الكوميديا بين اللمبلاد 
السياسي والاستفراق الداتي 


-١‏ اريستوفانيس من الكوميديا القديمة إلى 
الوسطى 

لم يحدد التقسيم السكندري الكوميديا إلى 
كوميديا «قديمة» وكوميديا «وسطى» و«حديثة» سنة 
معينة تفصل بين كل فترة وأخرى, لآنه تقسيم يقوم 
على أساس التطور الذي طرأ على شكل ومضمون 
الكوميديات. بيد أن بعض النحاة المتأخرين قالوا 
إن الكوميديا الوسطى تقع في الفترة بين عامي 
14 وق338 (أو336 أو321). ومن المستحسن أن نحدد 
فترة الكوميديا القديمة بالفترة الواقعة بين بداية 
القرن لخامس وأوائل الرابع. وهكذا نالاحظ تداخل 
تواريخ الفترتين وهو حال التاريخ الأدبي بصفة عامة 
إذ لا يعترف بالفواصل القاطعة المانعة.بدأت 
الكوميديا القديمة إذن قبل منتصف القرن الخامس 
بالشاعرين الأثينيين كراتينوس (حوالي 520- 
حوالي423) وكراتيس الذي فاز بأول جائزة في 
المباريات المسرحية عام 450. وتتميز الكوميديا 
الوسطى بانحسار دور الجوقة واختفاء البراباسيس؛ 
أي الخطاب المباشر (انظر فيما يلي) وبدلا من أن 


الشعر الاغريقى 


تساهم أغاني الجوقة في تطوير الحدث الدرامي: كما كان يحدث في 
الكوميديا القديمة التى سنتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل؛ أصبحت هذه 
الأغاني في الكوميديا الوسطى والحديثة بمثابة فواصل (مصناهطه») بين 
المناظر. وبلغ الأمر إلى حد أن المتأخرين اكتفوا بوضع كلمة الجوفة (نامتدك) 
مكان هذه الأغاني تاركين للقائمين على عرض كل مسرحية مهمة وضع 
الأغاني التي تروق لهم. ويضاف إلى هذه التغييرات الشكلية تغييرات أخرى 
في المضمون إذ إن التلميح (05013مناط) حل محل النقد الصريح والهجاء 
علانية وتخلت الموضوعات السياسية عن مكان الصدارة للموضوعات الأدبية 
والفلسفية والآسطورية. وتعد الكوميديا الوسطى مرحلة تحول وانتقال إلى 
الكوميديا الحديثة التي تنتمي إلى الشطر الأخير من القرن الرابع. وهي 
تصور حياة المجتمع الهيللينستي المختلف تماما عن مجتمع «البوليس» (5عنادم) 
أي «المدينة-ا لدولة» أو «دولة المدينة» إبان العصر الكلاسيكي. 

أما إذا أردنا أن ندلل على مدى صحة القول بان الكوميديا القديمة 
كانت مرآة عصرها فإننا نورد ما يحكى من أن طاغية سيراكيوز (سراقوصة) 
ديوينسيوس الأول (430- 367 تقريبا) أراد ذات مرة أن يعرف كل شىّ عن 
النظام الأثيني شعبا وحكومة فطلب من أغلاطون أن يمده بالمعلومات 
الضرورية فما كان من الآخر إلا أن أرسل إليه مسرحيات اريستوفائيس. 
حقا فالكوميديا القديمة رغم نكاتها التقليدية وأسلوبها الساخر ونقدها 
الكاريكاتيري السافر تصور ظروف العصر والمجتمع الذي نشأت فيه؛ فهي 
مستوحاة من مشكل أثينا إبان الحروب البلوبونيسية وما بعدها. وخلف 
الشخصيات الماجنة والأقنعة الكوميدية غريبة الشكل والمواقف المضحكة 
والمصطلح اللغوي التقليدي أو المالوف وتفنن الشاعر الفذ تكمن صورة حية 
مرسومة بالألوان الطبيعية لحقائق الوضع الأثيني. وهي صورة فريدة لم 
تتكرر في أي زمان أو مكان آخر. وجدير بالذكر أن الكوميديا القديمة لا 
تستمد موضوعاتها من الأساطير ومن ثم تتميز على التراجيديا باتساع 
المجال أمامها لمعالجة الأحداث المعاصرة معالجة مباشرة متأنية بدلا من 
الإشارة المتعجلة أو العبارة الرمزية الموجزة. نعم فلقد حاول شعراء الكوميديا 
علاج بعض الأمراض الاجتماعية كشغف الاثينيين الشديد بإقامة الدعاوى 
القضائية والاختلاف إلى المحاكم. بل لقد أصبح المسرح الكوميدي نفسه 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


تيدع انها السانيوة وتلل الااضايا السيزابيية والاتجاسات 
الفكرية ذاتها لا من باب السخرية والتندر فحسب بل من أجل المناقشة 
والتحاور الذي شارك فيه الشاعر وا ممثلون والجوقة من ناحية والمحكمون 
والجمهور من ناحية أخرى. ولقد كان هذا الجمهور متقلب المزاج يتموج بين 
التصيقيق الحا والصغير السعيجسن:والضحك الباسم واللقاطية اللأبرة الشفب 
والضجيج. 

على أثنا فى الكوميديا القديمة نجد الشخصيات والأحداث غير حقيقيين 
أو فوق الحقيقة أي بعبارة أخرى لا يمكن تصور وجودهما الفعلي, ولكن 
الأساس الذي تقوم عليه الأمور أو الذي نشأت منه المواقف الكوميدية ما 
هو إلا «الواقع الفعلي» نفسه أي الحياة السياسية والاجتماعية في أثينا. 
الأشياء التي تدهشنا وتشدنا إليها بقوة. ونعني المزج بين أقصى الحقيقة 
واللاحقيقي والجمع بين الحياة الواقعية الملموسة وخيال الحكايات الخرافية. 
وعلى ها بين هذين العتصرين من قاقطن إل أنهما عند اريسخوفائيس 
بفكلان الثقاء رودالت كبا بين مسق جرهريفيق فى كاعر الكرميديا, 
فريجابيوس فى مسرحية «السلام» (عام ١‏ 42) يمتطى صهوة خنفساء عملاقة 
متجها بها إلى الفضاء لكي يحضر ربة السلام من السماء. ولكنه في إطار 
هذه الصورة المفرطة في الخيال لا ينتمي إلى عالم الأساطير وإنما هو في 
المسرحية أولا وأخيرا رب أسرة (5هنانسدى_ه:ه2) بسيط وصاحب مزرعة 
كروم أ آنه جز نحي من الواقع الأفتي الفاصير للشاهن: ويقال نفس 
الشيء عن ظهور الجوقة المفاجىٌ في السماء في مسرحية «الطيور» (عام 
14) حيث لا يعرف الشاعر نفسه ولا جمهوره كيف انتقلت إلى هناك وبآية 
معجزة (وفطى الحقيقة فان «مدينة الطيور» تعد تجسيدا ملموسا لعالم 
ازستوظائس اللفرط فى الخبان ولكن البق الذي تفبادكهم متاق هه 
وهكذا نجد فى كل مسرحيات الشاعر مزجا فريدا بين الواقعية المحسوسة 
واللاوافعية المسرفة في الوهم والخيال وتزاوجا بين الحقيقة وضدها وذلك 
فى صورة واحدة متجانسة الأشكال ومنسجمة الألوان والظلال. 

وهذا يعني أن الكوميديا الأثينية القديمة تعطى لنا صورتين لحياة 


الشعر الاغريقى 


المجتمع الأثيني إحداهما خيالية مصطنعة تهدف إلى خلق الجو الكوميدي 
وتصور الأمور في حال أسواً مما هي-في الواقع (سعدهتاعل مذ) والأخرى 
هي الصورة البسيطة التلقائية التي لم يعمد المؤلف إلى رسم خطوطهاء 
وتذاههى اقرب ماتكون إلى الجعيعة الراكنية لأنها لبس إلا اتنعاننا 
للاروف الاجتمافية والسبياسية السباكلة, ولك الشاصر يعيكريته الكروويدية 
الفذة استطاع أن يربط بين خطوط الصورتين ويوحد بين الواقعي وغير 
الواقعي فيهما بحيث إن المحصلة النهائية هي صورة واحدة للمجتمع الأتيني. 
ولكنها صورة فريدة لا يصح أن نطلق علها اسما سوى «الصورة الاريستوفانية 
للحياة الأثينية». 

وهذه الخاصية التي تتميز بها مسرحيات اريستوفانيس من شانها أن 
تلقى أعباء جديدة عل عاتق نقاد ودارس هذا الشاعر عندما يشرعون في 
قراءة أو تفسير أية فقرة منه إذ يصعب في الغالب تحديد أين تنتهي 
الحقيقة ومتى يبدأ الخيال وتنطلق سهام السخرية. وإذا كان سر فن 
أريستوفانيس يكمن في مزجه لعنصرين متناقضين في إطار صورة واحدة 
متجانسة؛ فان ذلك قد أدى بدوره إلى أنه أصبح من المقبول والمقنع عند 
اريستوفانئيس فقط أن نرى أناسا لا قيمة واقعية لهم بيد أن بوسعهم قلب 
النظام الكوني رأسا على عقب. فها هو بيثيتايروس في مسرحية «الطيور» 
وها هي براكساجورا في «برلمان النساء» من بسطاء الناس ولكنهما يزعمان 
أنهما مصلحا الكون وأنهما يهدفان عن طريق جنونهما العبقري إلى تغيير 
النظم السياسية والاجتماعية التقليدية الموروثة ويعتنقان أغكارا طوباوية 
(مثالية) متطرفة. لقد كان الشاعر الكوميدي أن يقف على أرض الواقع 
المألوف لدي جمهوره قبل أن ينطلق به محلقا إلى ما هو غير مألوف أو 
واقعي أي في عالم الخيال. وبذا بلغت الكوميديا القديمة على يد 
اريستوفانئيس شأوا لم يكن ليدركه أي فن آخر من فنون الأدب الإغريقي. 

وغنى عن القول أن حديثنا عن الكوميديا القديمة هو حديث عن فن 
اريستوفانيس والعكس صحيح أيضاء لأنه فيما عدا الإحدى عشرة مسرحية 
التي وصلت إلى أيدينا كاملة من أعمال هذا الشاعر لم يصلنا من الكوميديا 
القديمة لشيء يذكر سوى شذرات متناثرة. وهكذا يمكن القول بان معلوماتنا 
عن الكوميديا القديمة ليست كاملة فهي تقوم على ما يرد هنا أوهناك لدي 


504 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


الكتاب القدامى المعاصرين أو اللاحقين لها. فمنهم نعرف على سبيل المثال 
أن بعض الكوميديات لم تكن-كما هو الحال في مسرحيات اريستوفانيس- 
ذات طابع سياسي. ويبدو أن الشاعر كراتيس-سالف الذكر-هو خالق 
الكوميديا القائمة على موضوعات شخصية خاصة أو قص خيالية بحتة. 
ونهج نهجه الشاعر فيريكراتيس (كسب أولى جوائزه فيما بين عامي 440 و 
0) وآخرون. بيد أن معظم أقطاب الكوميديا القديمة وروادها كانوا شعراء 
سياسيين بالدرجة الأولى. ونعني بصفة خاصة الثالوث الكوميدي الخالد 
كراتينوس-الذي سبق أن أثرنا إليه-ويوبوليس (حوالي )41١-446‏ 
وأريستوفانئيس. 

وكان على الشاعر الكوميدي-السياسي .أن يكون متجاوبا مع الأحداث 
المعاصرة مما قام عليه أن يضيف إلى النص المسرحي أو يحذف منه ويعدل 
فيه حتى اللحظات الأخيرة قبل العرض مباشرة إذا اقتضت الظروف. ذلك 
أن موضوعات الكوميديا القديمة مستمدة من الحياة الاجتماعية وآثار 
الحرب والهزيمة وحركات التغيير الاجتماعي والفكري ومشكلة الزعامة 
السياسية. ولقد واجه الشاعر السياسي القديم بعض المخاطر والمحاذير 
وهو يتعرض بالنقد للحكام والقادة وهي مخاطر ومحاذير واجهت 
أريستوفانيس الشاعر الشاب عندما قدم مسرحية «البابليون» (عام 426) 
فأقيمت عليه دعوى القذف ووجهت إليه التهمة أمام «مجلس الشعب» على 
يد كليون الزعيم السياسي (انظر فيما يلي) الذي ادعى أن الشاعر قد عاب 
الحكام وأساء إلى الدولة في حضرة الأجانب من الحلفاء الذين شاهدوا 
هذا العرض المسرحي. ولكن الشاعر عاود الهجوم على كليون بعنف أشد 
بعد ذلك في مسرحية «الفرسان» (424) التي لا بد أن كليون نفسه قد 
شاهدها متخذا مقعده في الصف الأول من المسرح الذي كان يتخصص 
لعلية القوم والمكرمين من أبناء المدينة وضيوفها . وفي هذه المسرحية يصور 
الشاعر الشعب الأثيني تحت زعامة كليون كرجل عجوز أبله وخرف. ونحن 
نعرف أن الأثينيين لم يكونوا ليسمحوا لشعراء الكوميديا بالسخرية من 
الشعب ولا بالإساءة إليه بأي شكل من الأشكال لكنهم كانوا لا يرون غضاضة 
في أن تستهدف السخرية الأفراد. ومن الملاحظ مع ذلك أن حرية شعراء 
الكوميديا في النقد السياسي لم تكن مطلقة بغير حدود . ومن الغريب أن 


الشعر الاغريقى 


بريكليس العظيم رمز الديموقراطية الأثينية كان أول من فرض نوعا من 
«الرقابة» عام 440: وذلك عقب أحداث ثورة أهالي جزيرة ساموس 
الخطيرة/'". وفي عام 415 حاول شخص آخر يدعى سيراكوسيوس(”؟) أن 
يعيد الكرة. ومن جهة أخرى فان سلوك كليون سالف الذكر يوضح أنه 
كان بوسع أحد المواطنين أو أي عضو من أعضاء «مجلس الشعب» أن يوجه 
الاتهام إلى أي شاعر كوميديء بحجة الإضرار بالمصلحة العامة وكان بمقدوره 
أن يستدعيه أمام القضاء. هذا وقد جرت محاولات عدة لإصدار تشريعات 
تهدف إلى الحد من الهجوم على الأشخاص بالاسم (صنتعلمصمعا! تامقسمده) 
كما يحدث على سبيل المثال في مسرحية «السحب» عندما يهاجم 
اريستوفانيس سقراط الفيلسوف وفي مسرحية «النساء في أعياد 
التيسموفوريا» التي فيها يهاجم شاعر التراجيديا المعروف يوريبيديس. 

ومع ذلك فان مثل هذه الحالات الاستثنائية تؤكد القاعدة العامة أي 
الحرية الكبيرة التي تمتع بها الشعراء الكوميديون. فلم يحدث في أي مكان 
غير أثينا ولا في أي عصر سوى عصرها الذهبي أن هاجم الشعراء 
الكوميديون وسخروا علانية من بعض القادة السياسيين مباشرة وبالاسم. 
ولا يرجع السبب في ذلك إلى اتساع أفق الأثينيين وتمتع المجتمع الأثيني 
بروح السخرية والدعابة فحسب., وإنما لأن الكوميديا أيضا كانت تشكل 
جزءا لا يتجزأ من حياة وتكوين الشعب الأثيني نفسه. ولذلك فان الدعوى 
التي يقال أن كليون أقامها على أريستوفانئيس استندت إلى أساس وجود 
أجانب من الحلفاء بين المتفرجين على العرض المسرحي الذي سخر فيه 
الشاعر من النظام السياسي الأثيني. لقد كان جمهور المتفرجين من الشعب 
الأثيني يتكون من نفس الأغراد الذين يشكلون «مجلس الشعبء. ولأمراء 
في أنه قد شهد المباريات المسرحية أحيانا-ولا سيما تلك التي تقام إبان 
مهرجانات ديونيسوس الكبرى-بعض الأجانب من الحفاء وغيرهم من 
الزوار ولكنهم في مجموعهم كانوا قلة تذوب وسط الآلات العديدة من 
الأثينيين أهل المدينة الأصليين. 

يرجع أصل الكوميديا كما هو واضح من اسمها (الذي يجمع بين كملة 
«كوموس» «1207005» بمعنى «احتفال أو موكب ريفي صاخب ومعربد» وكلمة 
«006» بمعنى «أغنية») إلى الأغاني والرقضات الذن كانت تؤدى في أنحاء 


5300 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


الريف الإغريقي إبان موسم الحصاد ولا سيما قطف الأعناب المرتبط 
بغبادة ديونيسوس إله الخمرء وهكذا فقد نشأ هذا الفن المسرحى من 
احتفالات دينية شعبية تشترك فيها جميع الطبقات والفئات فهو لذن شرا 
لا يتجزأ من الحياة في دولة المدينة. ولقد لعب هذا العنصر-أي شعبية هذا 
الفن-دورا أساسيا في تشكيل الكوميديا وتطورها. فغالبا ما يشير الحوار 
في إحدى الكوميديات أو أغنية الجوقة في أخرى إلى المتفرجين كطرف 
يشارك في الأحداث. وبعبارة أخرى كان لجمهور النظارة دور مهم في رسم 
خطوط الحدث الدرامي في الكوميدياء لآنه من أجل هذا الجمهور كان 
الشاعر يحاول جاهدا شرح وتفسير بعض الأمور الغامضة لتقريبها من 
أذهان الأفراد العاديين وعامة الشعب. وكان جمهور المتفرجين مع ذلك 
يظهر في الكوميديا الإغريقية أحيانا على أنه الطرف الأكثر ذكاء من 
الممثلين فيأتي رأيهم ليحسم الخلافات إذ يعرفون أمور الدنيا على نحو 
أفضل من أفراد الجوقة الذين يقفون أحيانا في ذهول كالبله. وإذا كان 
اللوم قد وجه أحيانا إلى يوريبيديس لتقديمه نماذج من الحياة الشعبية فان 
مثل هذا النقد لا يمكن توجيهه إلى الشاعر الكوميدي لآن فنه ليس إلا 
قطعة من الحياة الشعبية نفسها. وإذا أردنا أن نضرب أمثلة على اشتراك 
جمهور النظارة في الحدث الكوميدي فلدينا الكثير. هناك عجوزا شمطاء 
فشكو مر الشكوق من أله سخكوون منيا أعام هذا اتحشى الففيواق 
الجمهور (راجع «الفرسان» بيت 316! وما يليه و«بلوتوس» 106١‏ وما يليه). 
وتسال الجوقة بائع السجق «أترى هذا الجمهور فوق المقاعد؟ ستصبح 
سيد هؤلاء جميعا» («الفرسان 163 وما يليه). ويتبارى منطق الحق ومنطق 
الباطل في مناظرة: أو مساجلة أدبية عنيفة أمام جمهور المتفرجين («السحب» 
9 وما يليه) بهدف اشتراك هذا الجمهور في الحكم على السوفسطائيين. 

ونتيجة للتنافس المحتدم بين شعراء الكوميديا الذين يقدمون أعمالهم 
للعرض في مباريات مسرحية نجد عادة الذات شائعة في المسرحيات 
الكوميدية التي وصلت أيدينا. وللسبب نفسه نجد أيضا عادة التهجم على 
القهراء الناضبين والضاق أو التودد إلى المسكميق. ولم تظير هذه المتاضو 
كلها إلا لأنها كانت محببة إلى قلوب جماهير المتفرجين الذين أصروا على 
وجود مثل هذه الإشارات الشخصية والأدبية في الكوميديا. وإن دل ذلك 


507 


الشعر الاغريقى 


على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام الجمهور بالشاعر والمباريات المسرحية 
والممثلين وعلى مدى تورطه في العملية المسرحية برمتها. لقد كان الشاعر 
واحدا من الشعب وكان الفن المسرحي من شان كل فرد من أفراد المجتمع 
الأثينى كله لأنه جزء من حياة المدينة. 

كان الشاعر يطلق نكاته «وقفشاته» على بعض المتفرجينء وربما ينتقي 
بعض شخصيات الجمهور قبيحي الشكل أو المشوهين ليكون موضوع 
السخرية ومثار الضحك. فهذه «عجوز شمطاء كانت أضحوكة الثلاثة عشر 
ألف متفرج» («بلوتوس» 1082 وما يليه) وكثيرا ما يوجه الشاعر نقده للجمهور 
نفسه كأن يقول«إني أعرف بعض الأصدقاء الذين يصوتون في سرعة بلهاء 
وهم يجهلون أثر ما يتخذون من قرارات» و«برلمان النساء» 797 وما يليه). 
حقا إن التملق كان من نصيب أفراد الجمهور في بعض الأحيان. بيد أن 
هناك فقرات لا نعرف إن كانت تعني مدحا أو قدحا كتلك الشذرة (رقم 
3 التي يقول فيها كراتينوس «هلم أيها الجمهور يا من لا تضحكون 
للفكاهات فور سماعها وإنما تنتظرون إلى اليوم التالي ! أنتم يا خير من 
حكم في فني ! لقد ولدتكم. أمهاتكم للهرج والمرج الذي تحدثونه فوق 
مقاعدكم». وفي شذرة أخرى مجهولة المؤلف يعتبر ناظمها ترك الحكم 
على جمال مسرحيته لتصفيق السوقة أمرا مشينا (شذرة 518). وقد يتحول 
الجمهور الساذج غير الواعي بقدرة قادر إلى جمهور ذكي حصيف الرأي إن 
هو بالطبع صفق للشاعر وحكم لصالحه أي ليفوز بالجائزة («السحب» 518 
وما يليه» و «الفرسان» 228 و233). ويصل الأمر ببعض الشعراء إلى حد أن 
يصوروا الجمهور «مشاهدا مثاليا» متوقد الذكاء ألمعياء ثقيفا لقيفاء يلتقط 
النكات بسرعة؛ ويستوعب أعوص النوادر وأشد الإيحاءات إبهاما. 

وبصفة عامة-كما سبق القول-يشبه تكوين جمهور الكوميديا الاتيكية 
القديمة تكوين «مجلس الشعب» الآثيني. ولذا نجد الشاعر الكوميدي يخاطب 
المتفرجين بنفس أساليب خطباء المجلس. ويبلغ التفاعل بين الشاعر والجمهور 
إلى حد أن الخطاب يتجه مباشرة من جانب الشاعر إلى جمهوره؛ إما على 
لسان الشخصيات أثناء الحوار أو في أغاني الجوقة أو في البراباسيس. 
يطلب إلى الجمهور في كثير من الأحيان أن يصيخ السمع ويركز الانتباه. 
ويؤخذ رأيه في الشخصيات التي تمثل على المسرح وهل تروق له أم لا؛ وما 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


إذا كان يرغب في مشاركة «الطيور»-على سبيل المثال-حياة المتعة والانطلاق. 
ويسأل كذلك أن يزود الخادم الذي يرعى خنفساء الروث بأنف مسدود 
(«الفرسان» 26 وما يليه «الطيور» 753 وما يليه «السلام» 20 و 150 وما يليه) . 
وتحث الجوقة المتفرجين على تأييد الشاعر الذي يقدم الجديد قولا وفكرا 
(«الزنانير» 105١‏ وما يليه) وتأتى الدعوة التقليدية في نهاية المسرحيات إلى 
أن يشارك الجمهور في الوليمة العامة الصاخبة. وبالطبع فإن هذه الدعوة 
التي ترد في كل المسرحيات-(راجع على سبيل المثال «السلام» ١١١5‏ و 358 
وما يليه «برلمان النساء» 1140 وما يليه)-ينبغي ألا تؤخذ مأخذ الجد !. على 
أية حال فلقد نجح شعراء الكوميديا القديمة في خلق جو تفاعل وانسجام 
متبادل بين الجمهور والممثلين والجوقة وهو ما يحلم بتحقيقه اتباع المسرح 
الملحمي في أيامنا هذه؛ إذ يدعون إلى تحطيم الحائط الرابع.(0) 

وتتكون المسرحية الاريستوفانية من ستة أجزاء هي: 

-١‏ البرولوج (ومع010:ط) وهو الجزء الذي يسبق دخول الجوقة ويعرض 
فكرة وموضوع المسرحية. 

2- البارودوس (29:2005) أي أغنية الجوقة أثناء دخولها الأوركسترا وهو 
المكان الدائري المخصص لها بالمسرح وتؤدي فيه الأغاني الأخرى ولا تركه 
إلا في نهاية المسرحية. 

3 أجوق ويه أ بزتاففة ينرلية» أو وشيار]ذ كلادية, أو وجخاخترف 
بين فردين حول نقطة شائكة هي الموضوع الرئيسي أو محور المسرحية 
ككل. وتحتدم هذه المناقشة أحيانا وتصل إلى حد المشادة أو الاشتباك 
الكلامي؛ المضحك بالطبع. 

4- البراباسيسس(515ة260عةم) أو «الخطاب المباشر» وهو الجزء الذي فيه 
«تتقدم الجوقة إلى الأمام» أو «تأخذ جانبا» لتخاطب الجمهور مباشرة 
باسم الشاعر. ولقد تطور هذا الجزء من الكوموس الأصلي حتى اصبح 
محور الكوميديا وهو يقدم أوضح صورة لكسر الإيهام المسرحي وللاندماج 
الشامل بين الشاعر والفن الكوميدي من جهة والجمهور من جهة أخرى أو 
بين الصالة والخشبة بلغة النقد المسرحي في عصرنا . وجدير بالذكر أن 
البراباسيس فد تضاءل دوره في الكوميديا رويدا رويدا حتى اختفى تماما 
في الكوميديا الوسطى والحديثة كما سبق أن المحنا. 


500 


الشعر الاغريقى 


5- عدد مما يمكن أن نسميه «الفصول» (50012نءمء) وهي المشاهد الحوارية 
التي تفصل كل منها عن الآخر أغاني الجوقة التي تؤدي في الأوركسترا . 

6- مشهد «الخروج» (و0لمعىء) أي الجزء الختامي. 

ومن الملاحظ أن الحدث الدرامي في الكوميديا القديمة يتضمن أحداثا 
خيالية. كما يلاحظ أن الشاعر لا يكترث بقيود الزمان أو وحدة المكان كما 
يحدث في التراجيدياء فنجد المنظر يتغير بسهولة كبيرة دون أن ينجم عن 
ذلك بالضرورة انكسار حاد في سير الحدث الدرامي. وتكثر الإشارات إلى 
الجمهور والمسرح ومناسبة العرض. ونحن في العادة أمام موقف خارق 
للطبيعة كما يحدث مثلا في مسرحية «السلام» حيث يطير تريجايوس إلى 
دار الآلهة في السماء فوق ظهر خنفساء عملاقة من أجل تحرير ربة السلام 
من سجنها وإحضارها إلى الأرض. وهكذا تأتى الأحداث في الكوميديا 
القديمة وكأنها ترجمة اللغة المجازية أو الرمزية إلى عمل درامي؛ أو كأنها 
تشخيص للتصورات الخيالية الشائعة في أحداث مرئية وملعوسة. وتسم 
هذه الأحداث مخلوقات غير طبيعية أي خرافية من كل لون وصنفء وفيها 
تتحادث الحيوانات والطيور والسحب كما يحدث فى «الحواديت» الشعبية. 
وتأتى نهاية الأحداث الكوميدية دائما مرحة؛ إذ نام الولائم والاحتفالات 
الصاخبة وذلك فيما عدا مسرحية «السحب» التي تنتهي بحرق مدرسة 
سقراط. وقد لا تكون النهاية الكوميدية عضوية التكوين بمعنى أنها قد لا 
تنبع بالضرورة من الأحداث السابقة وعندئن تأتى هذه الاحتفالات الصاخبة 
كوسيلة يلجا إليها الشاعر ليغرق السوّال «وماذا بعد ؟» في ضوضاء الموسيقى 
والرقصات. أو ربما يهدف الشاعر إلى تنبيه المتفرجين إلى أن الهدف الأول 
والأخير من هذه العروض ليس إلا التسلية والتمتع في أعياد ديونيسوس اله 
الخمر وواهب الملذات ! وكان اريستوفانيس يريد من جمهوره ألا ينسى 
نفسه أو يفقد وعيه فيذكره دائما بأنه إنما يجلس في مسرح. وهذا-بالضبط- 
الأساس الذي تقوم عليه نظرية برتولد بريخت داعية المسرح الملحمي 
والتغريب في القرن العشرين!. 

لا شيء على الإطلاق اكثر دلالة وأوضح برهانا على الجو الاجتماعي 
الصحي والحياة السياسية السليمة وازدهار أثينا بصفة عامة في منتصف 
القرن الخامس من الحرية شبه المطلقة التي تمتع بها شعراء الكوميديا 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


القديمة. سخروا من كل شيء على الأرض أو في السماء. هاجموا القوانين. 
انعقدا سياسة الدولة وحملوا على زعمائها ولم ينج من لسانهم حتى الآلهة. 
ولا يسمح الناس-في العادة-لشعرائهم بمثل هذه الحرية إلا إذا كانت الثقة 
تملأ قلوبهم. الثقة بأنفسهم وإيمانهم بنظامهم الجمهوري وحرية الفرد ضفي 
الجهر برأيه صراحة ودون أية موارية في ظل سيادة القانون وحمايته 
الظليلة.. عندئذ يستطيع مواطنو مثل هذه الدولة أن ينتقدوا أنفسهم في 
إطمئنان» وأن يسخروا من زعمائهم ١‏ إذا ما انحرفوا سواء في حياتهم 
الخاصة أو في سياستهم العامة لا. وكل ذلك حدث دون أن نسمع عن أية 
محاولة لتكميم الأفواه سواء في أوقات السلم والازدهار أم في أوقات 
الحرب والانكسار. ونرى في ذلك الدليل الساطع والبرهان القاطع على 
مفهوم الحرية في ظل النظام الاثيني السياسي-ديموقراطيا كان أم 
أوليجاريخيا»-إبان العصر الكلاسيكيء» ومن هنا جاء قولنا يان العوفيديا 
القديمة هي أوضح برهان على عظمة أثينا. 

ورب سائل يسال عن المؤلف الدرامي الذي استطاع أن يعبر عن الشخصية 
الأقبة صنير] وقيقا بحيث يقال إن هذه الشخميرة محرت ثننها بصورة 
كاملة في أعماله المسرحية أهو سوفوكليس أو أريستوفانيس 5 لا يسعنا إلا 
أن نجيب بأنهما الاثنان معاء فكلاهما مكمل للآخر. مسرحيات الشاعر 
الأول من جهة هي التعبير التراجيدي الجاد عن أثينا القرن الخامس في 
قمة ازدهارها. أما الثاني من جهة أخرى فهو لسانها الكوميدي الساخر 
إبان فترة بداية تأكلها حيث توالت عليها المحن والنكسات السياسية 
والعسكرية. ولد اريستوفانئيس حوالي عام 445 إبان عصر بريكليس الذهبي 
حيث استتب الأمن والسلام. وفي عام 427 عرض هذا الشاعرء أولى 
مسرحياته. وكان حينذاك قد انتهى عصر السلام بنشوب الحروب 
البلوبونيسية عام 431. وأما عن العلاقة الوطيدة بين الشاعر والحياة الأدبية 
والسياسية فتنطق بها كل مسرحية من مسرحياته. وينبغي أن ننوه هنا بأنه 
من الخطأ أن نضع اريستوفانيس في حزب من الأحزاب دون غيره. 

الكوميديا السياسية.كالمعارضة-تقف دائما في مواجهة الحكومة وواجبها 
أن تظهر نقاط ضعفهاء اللهم إلا إذا كانت الكوميديا مجندة لخدمة أغراض 
النظام الحاكم فعندئن تهبط إلى مستوى الدعاية. وتقع أغلب كوميديات 


الشعر الاغريقى 


اريستوفانيس تاريخيا في الفترة التي أصبح فيها البناء الديمقراطي الأثيني 
هشا متصدعا بسيب الحروب والأخطار الخارجية وظهور نقاط الضعف 
الداخلية الكامنة فى بنية هذه الديمقراطية نفسها . وهنا استل اريستوفائيس 
من حجعيته سهام السخرية الناقدة وصويها إلى أهدافه. ولا يمكن لمراقب 
مدقق أن يعتبر أريستوفانيس عدوا للديمقراطية ولكنه كان من عشاق 
الجديدة التقدمية. ولم تسلم؛ من لسان اريستوفانيس اللاذع أية طبقة من 
طليقات المجتيع أوآية ظائمة من [صحاب الهين ارال الفكن واريات 
القلم. وتأتى هزيمة كليون في مسرحية «الفرسان» لا على يد رجل قوي ذي 
بأس ووقارء وإنما على يد أحد الأمين المتشككين الذي يهاجم كليون ويتغلب 
عليه فيما يعتز به الأخيرء إذ كان أكثر منه خسة وضعة بحيث أمكنه أن 
يبرزه في أساليبه الملتوية. ولم يسقط ضحية لتعليم سقراط السوفسطائية 
(هكذا يرى اريستوفانيس!) في «السحب» سوى رجل غبي أبعد ما يكون عن 
الأمانة ويريد التملص من ديونه. وفي المباراة الكلامية التي تجري في نفس 
المسرحية بين منطق الحق ومنطق الباطل ينتصر الأخير. وفي «النساء في 
أعياد الثيسموغوريا» ينتصر يوريبيديس في النهاية ولكن بعد أن يسخر منه 
الشاعر طوال المسرحية. ويدور الصراع في «الضفادع» بين ايسخولوس 
ويوريبيديس مما يضع الإله ديونيسوس نفسه في موقف لا يحسد عليه. 
وقد يعجب المحدثون بامرأة جريئة مثل ليسيسراتي في المسرحية المسماة 
باسمها ولكن أريستوفانئيس وجمهوره قد وجدا فيها بالقطع ما ينافي الطبيعة 
والعقل: 

ولو أن بعضهم يرى أن أربعا منها ليست من يراع الشاعر نفسه:؛ وإنما هي 
منتحلة ونسبت إليه. ووصلنا اثنان وثلاثون عنوانا من هذه المسرحيات التى 
لم يصلنا منها كاملا سوى إحدى عشرة مسرحية يرجع الفضل في بقائها 
إلى أنصار اللهجة الاتيكية القديمة الذين اعتبروا أسلوب اريستوفائيس 
أنقى صورة لها . ولكي نتمكن من الربط بين تطور فن اريستوفانيس والحياة 
في المجتمع الأثيني سنلقي نظرة سريعة على بعض أعماله ولا سيما التي 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


ومسرحية «المشتركون في الوليمة» هي بكورة إنتاج اريستوفانئيس وقدمت 
عام 427. وفيها نرى أبا وقد ربى ولديه بطريقتين مختلفتين إذ بعث الأول 
إلى مدرسة جيدة تربي الناشئة بالطرق التربوية القديمة وأرسل الآخر 
ليتدرب على فنون الكلام في مدرسة عصرية من تلك المدارس التي بدأت 
تنتشر في أثينا مؤخرا . وها هو الأب يراقب تأثير كل من المنهجين الربويين 
على ولديه. وهما يتحاوران في مساجلة قامت بينهما تحت ناظريه. ومن 
هذه المساجلة نعرف إلى أي مدى هبطت الطرق التعليمية الحديثة بمستوى 
الشباب الذي راح ضحيتها . وجدير بالذكر أن اريستوفائيس سيعود إلى 
معالجة هذا الموضوع في مسرحية «السحب» و «الزنابير». 

وعرضت مسرحية الشاعر الثانية «البابليون» عام 426 وفيها يهاجم 
أريستوفانيس الزعيم السياسي أو بالأحرى الديماجوجي (الغوغائي) كليون. 
ولقد تم عرض هذه المسرحية في أعياد ديونيسوس الكبرى التي تحضرها 
وفود تمثل جميع الدويلات حليفات أثينا. ولما كان أفراد الجوقة في هذه 
المسرحية يمثلون الحلفاء الذين كان عليهم حسب مقتضيات الأحداث أن 
يلبسوا أقنعة العبيد والأسرى فان ذلك قد أثار حفيظة الحاضرين من 
الحلفاء وزادا إحساسا بالهوان والمرارة والنفور من السيطرة الأثينية المتسلطة. 
ونعلم من المؤرخ ثوكيديديس (30, 36) أن كليون كان قد طلب إصدار قرار 
بقتل أو استعباد أهالي مدينة موتيليني (بجزيرة ساموس) بعد أن كان قد تم 
إحماد كورتهم: عام 427. ولم يحل دون تنفيذ هذا القترار الطاكش سبوى 
تصديم يعطن أعشاء وجل الشعي و الأفقر احرانا ويحكمة على إغادة 
النظر فيه؛ مما أدى إلى العدول عنه في النهاية بعد أيام قلائل من صدوره. 
وما كان من كليون ردا على هذا الهجوم الساخر في «البابليون» إلا أن أقام 
دعوى على اريستوفانيس كما سبق أن ألمحنا. 

وهي دعوى لم يستهن الشاعر نفسه بخطورتهاء (الاخارنيون بيت 337) 
وإن لم تنته إلى شيء على ما يبدو. 

وللأسف لم تصل إلى أيدينا نصوص المسرحيتين السابقتين. أما أقدم 
مسرحية وصلتنا كاملة فهي «الأخارنيون» التي عرضت عام 425 في أعياد 
اللينايا ونالت الجائزة الأولى. كان الأثينيون قد عانوا طيلة ست سنوات من 
ويلات الحروب البلوبونيسية التي خربت أراضي أتيكا الزراعية فنقص 


الشعر الاغريقى 


الغذاء وتفشى الوباء وحلت روح الياس والقنوط بالأثينيين. ولأخارنيون هم 
سكان «أخارناي» أحد أحياء اتيكا الواقع على سفوح جبل بارنيس إلى 
الشمال الغربي من أثينا. وكان أهل هذا الحي من أشد الأتيكيين معاناة 
بسبب هذه الحروب إذ اكتسحت جيوش العدو الإسبرطي أراضيهم عدة 
مرات. وبطل هذه المسرحية هو داعية السلام ديكايوبوليس الذي يحمل 
اسمه معنى «العدالة». وهو فلاح أثيني جلس ينتظر اجتماع «مجلس الشعب» 
متحسرا على «أيام زمان» التي كان يسودها السلام والأمان. وهنا يظهر 
أحد أنصاف الآلهة كمبعوث من قبل العناية الإلهية لكي يتفاوض من أجل 
إقامة السلام مع إسبرطة ولكنه لسوء الحظ لا يملك نفقات السفر إلى 
هناك ويعرض ديكايوبوليس أن يمده بالنقود اللازمة شريطة أن تقتصر 
معاهدة السلام عليه وحده. وينجح نصف الإله في عقد المعاهدة بالفعل 
ويتمكن من الإفلات بأعجوبة من قبضة الأخارنيين الذين غضبوا أشد 
الغضب لأن السلام لم يشملهم جميعا بظله الظليل. أما ديكايوبوليس فيحتفي 
بمعاهدة السلام إذ يقيم موكبا يضم ابنته وخدمه. ويدور نقاش حاد بين 
ديكايوبوليس وأعضاء الجوقة أي الأخارنيين حول قضية الحرب والسلام 
وهو نقاش يشترك فيه لاماخوس القائد العسكري. ويتعرض ديكايوبوليس 
للمحكمة فيسمح له بإلقاء كلمة قبل مدور الحكم عليه ولكنه يستعير من 
مسرحيات يوريبيديس ما يجعل خطبته أكثر تأثيرا وإقناعا وينجح فعلا في 
كسب تأييد الجوفة. وبعد البراباسيس ترد مناظر مختلفة تهدف إلى تصوير 
فوائد السلام الجمة. 

و في عام 424 يقدم أريستوفانئيس مسرحية «الفرسان» التي فازت 
بالجائزة الأولى في اللينايا. ويهاب الشاعر بهذه المسرحية كليون الزعيم 
الديماجوجي سالف الذكر والذي برز أيام الحروب البلوبونيسية ويعد من 
اكبر أنصار سياسة أثينا «الإمبريالية». وبالتالي فهو داعية الحرب الذي 
كان يقف تحت شعار «الحرب برا وبحرا حف تحقيق النصر في النهاية». 
وكان كليون في قمة نفوذه وقوته بعد انتصاره العسكري السريع وغير المتوقع 
على إسبرطة في موقعة سفكتيريا (أغسطس 425). وفي المسرحية نجد 
ديموستنيس ونيكياس يمثلان صورة كاريكاتيرية للقواد الأثينيين» يقومان 
بدور سدنة ديموس (تشخيص «للشعب» الأثيني). وهما يسخران من كليون 


4 | د 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


الذي يسميه الشاعر «البافلاجوني» ويصفه بأنه عبد وابن دباغ جلود غني 
ومحبوب ديموس (الشعب) الجديد ومدلله لأنه يتزلف إليه بكل الوسائل. 
وتعلن النبوءات أن كليون سيفقد هذه الخطوة لدى ديموس يوما ما لأن أحد 
باعة السجق وهو عبد مثله ولكنه يفوقه لوّما سيحتل مكانته هذه. وبالفعل 
يصل بائع السجق المنتظر ويعلم بما ينتظره من حظوة لدى ديموس وبتأييد 
الفرسان له ضد كليون. ويدخل الآخير مهددا ولكن جوقة الفرسان تصده 
وتضربه وتحث بائع السجق على الوقوف في وجهه وتبدأ معركة حامية 
بينهما. وتدور بقية المسرحية حول المنافسة بين الرجلين الديماجوجيين 
لكسب رضا ديموس عن طريق التملق والرشوة تارة وتفسير النبؤّات 
والسخرية من بعضهما تارة أخرى. وتنتهي المنافسة بفوز بائع السجق الذي 
يتضح في النهاية أن اسمه الحقيقي هو أجوراكريتوس <- المرموق في 
السوق العامة) وظن كثير من النقاد المحدثين أن عددا من الفرسان النبلاء 
هم الذين كانوا يلعبون دور أفراد الجوقة وأنهم كانوا يمتطون صهوة الجياد 
المطهمة؛ ويقومون بمناورات فخمة وحركات رشيقة حتى جاء إناء/) أثرى 
من الأواني ذات الرسم السوداء المكتشفة حديثا وقدم لنا صورة حية لمنظر 
الجوقة في هذه المسرحية وفيه نرى رجالا يلبسون أقنعة تمثل رؤوس الخيل 
ويحملون فوق ظهورهم رجالا آخرين هم الفرسان. وهكذا خيب اريستوفائيس 
ظن كل النقاد باستخدامه تقنية التنكر والرمز بدلا من تقديم خيول حقيقية 
عن المسرح كما كان سيفعل أتباع المدرسة الطبيعية في المسرح (أواخر 
القرن التاسع عشر وأوائل العشرين) لو سنحت لهم فرصة تقديم هذه 
المسرحية الاريستوفانية. 

وفي عام 423 قدم اريستوفانئيس «السحب» في أعياد ديونيسوس الكبرى 
بالمدينة فلم تفز إلا بالجائزة الثالثة والآخيرة أي إنها بصريح العبارة فشلت 
فشلا ذريعا. وقد حز ذلك في نفس الشاعر وعكف على تنقيحها وصقلها 
فيما بين عامي 4!8و416. وهذه النسحة المنقحة هي التي وصلت إليناء 
ولكنها لم تعرض مرة أخرى على مسرح أثينا القرن الخامس. وتدور هذه 
المسرحية حول موضوع صراع الأجيال أي التناقض بين القديم والجديد. 
فلدينا أب من الفلاحين البسطاء هو ستربياديس << المراوغ) أما ابنه 
فيديبيديس فهو مسرف لأنه يتثبت بتلابيب الحياة الأرستقراطية وأساليبها 


الشعر الاغريقى 


التي ورثها عن أمه؛ فهو يضيع أغلب وقته ونقود أبيه على هواية ركوب 
الخيل وينام معظم ساعات اليوم ويترك شعره طويلا يتدلى على كتفيه. 
تؤسله الآب لقي يكعلم ندى سقراظدؤزعيم السوغستطاكييق جراق 
أريستوفانيس-الدروس العصرية القائمة على إتقان فن الإقناع. ويهدف 
الأب من ذلك إلى تزويد ابنه بما يمكنه من التملص أمام القضاء من تسديد 
الديون التي تراكمت عليه. ويتخرج الأبن من مدرسة سقراط سوفسطائيا 
متمرسا ويظهر مدى إتقانه للدروس العصرية التي حصلها بأن يضرب أباه 
ضربا مبرحا ويثبت له بالبرهان أنه محق في ذلك. ولم يجد الأب مناصا 
من أن يحرق مدرسة سقراط فيشعل فيها النيران انتقاما أو غيظا لما 
أصابه من جراء التعاليم الجديدة.!؟) وفي مسرحية «الزنابير» التي عرضت 
عام 422 وفازت بالجائزة الثانية في أهياة اللبهايا فود ادسفوفا يمن مرة 
أخرى إلى معالجة موضوع التناقض الفكري والتربوي بين الأب والابن أو 
بين القديم والجديد وهو الموضوع الذي سبق أن تناوله في «المشتركون في 
الوليمة» و«السحب». ولكن الصورة هنا معكوسة قالابن هو الذي يضيق 
ذرعا بابيه الذي ضل الطريق وانحرف. ونجد التناقض بين الطرفين ظاهرا 
في اسم كل منهما كما هي العادة في كل مسرحيات اريستوفانيس. فالأب 
يسمى «فيلوكليون» «أي المحب لكليون» أما ابنه فيسمى «بديليكليون» بمعنى 
«الكاره لكليون» ويعتبر الأب تجسيدا حيا للشعب الأثيني المولع إلى حد 
السخف بالتقاضي وإجراءاتة الثي يمقتها الاب قالسرحية ككل تعتبر 
نقدا ساخرا لنظام محاكم المحلفين القضائية حيث كانت بضعة ابولات 
(أصغر عملة إغريقية) تدفع أجرا للمواطن الذي يحض ر-كمحلف-أية جلسة 
من جلسات هذه المحاكم مما سمح لقطاع كبير من المواطنين الأثينيين 
العاطلين بالاعتماد على هذا الأجر كمصدر رزق وحيد . لقد حاول الابن 
علاج أبيه من عشق الإجراءات القضائية بكل وسيلة. ويلجا في النهاية إلى 
سجنه بالمنزل لكن كبار السن من المحلفين-أ عضاء الجوقة-يأتون إليه في 
المنزل متنكرين في هيئة الزنابير ويصحبونه إلى المحكمة فجرا ليمارس 
هوايته. وتدور مناقشة ساخنة بين فيلوكليون وبديليكليوس حول مزايا وعيوب 
النظام القضائي. حيث يدافع فيلوكليون عنه بدافع المنافع التي يحصل 
عليها هو شخصيا منه بينما يدلل بديليكليون على أن القضاة ليسوا إلا 


516 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


مطية الحكام الذين يستغلون الدخل العام لمصالحهم الشخصية بدلا من 
إطعام الشعب الجائع. ويتحول أفراد الجوقة عن موقفهم ويجبر فيلوكليون 
على أن يمارس هوايته برفع الدعاوي والدفاع فيها بالمنزل ! بادا بقضية 
لابيس-كلب المنزل-الذي كان قد سرق قطعة من الجبن ! ويتعهد بديليكليون 
الآن بتربية والده اجتماعيا فيهذب من سلوكه ويهندم من ملابسه ويصحبه 
معه إلى الولائم والمآدب. ولكن النتائج لم تك قط حميدة لأن فيلوكليون 
صار مدمنا للخمورء مولعا بالرقص والمجونء يهين ضيوفه ورفاقه ويسلك 
سلوكا أخرق بصفة عامة.7) 

ولقد قلد راسين هذه المسرحية في كوميديته الوحيدة بعنوان «المتقاضون» 
(عام 1668 م) التي فنخرمن التغائيد القضائية السائدة في فرنسا القرن 
السابع عشر إذ يقدم الشاعر صورة كاريكاتيرية للمتقاضين شيكانو 
والكونتيسة دي بيميس ويتهكم من جنون بعض القضاة مثل بيران واندان. 
وعندما قدم اريستوفانيس» السلام: عام .42١‏ في أعياد ديونيسوس الكبرى 
بالمدينة كان واثقا من فوزها بالجائزة الأولى حيث إن الزعيمين كليون 
الأثيني وبراسيداس الإسبرطي كانا قد انتقلا إلى العالم الآخر وساد الاتجاه 
المحب للسلام في السياسة الأثينية. بيد أن هذه المسرحية التي تدعو 
للسلام لم تفز إلا بالجائزة الثانية. وبطل هذه المسرحية هو تريجايوس 
المواطن الآثيني صاحب مزارع الكروم الذي يعاني هو وأسرته من نقص 
الأطعمة لانتشار المجاعة بسبب الحروب فيقرر أن يقلد بيلليروفون بحصانه 
المجنح بيجاسوس في الأساطير فركب خنفساء عملاقة من فوق جبل أيتنا 
متجها إلى السماء طلبا للسلام وبحثا عن شيء يقتات به. وتنجح الرحلة 
ويقابل تريجايوس الإله هرميس على بوابة السماء كما يقابل رب القتال 
بوليموس (- الحرب) الذي يتولى إدارة شئون السماء الآن بدلا من زيوس 
رب الآرباب الذي كان قد تنحى هو وبقية آلهة الاليمبوس احتجاجا على 
اقتتال الإغريق وسلوكهم الشائن. وكان رب الحرب قد دفن ربة السلام في 
الجب وهو الآن يستعد لسحق كل الدويلات الإغريقية في الهاون ! وبينما 
هو يبحث عن يد الهاون كان تريجايوس وكل الإغريق الذين استدعاهم ولا 
سيما المزارعين قد رشوا هرميس وسحبوا ربة السلام من الجب وعادوا بها 
إلى بلاد الإغريق. وتتهلل الوجوه ابتهاجا وتتعالى صيحات النشوة الصاخبة 


5317 


الشعر الاغريقى 


السلام ويعدون العدة لحفل زواج تريجايوس وربة السلام. 

وعرضت مسرحية «الطيور» عام 414 وفازت بالجائزة الثانية فى أعياد 
الصقلية» عام 43 وكانت جماهير أثينا عشية قيام هذه الحملة قد عانت 
بعض القلق والاضطرابات النفسية لأن كل معابد الهيرماي قد تهدمت في 
ظروف غامضة. وهي عبارة عن مبان رباعية يقوم كل منها على أعمدة 
يعلوها تمثال نصفي لهرميس ينتهي بعضو التذكير فاللوس (5041105) ويقام 
هذا المعبد في العادة عند مفترق الطرق وأمام المنازل من باب التبرك 
وجلب الحظ. ولقد أخذ تهدم مثل هذه المعابد في الليلة السابقة على إقلاع 
الأسطول الأثيني متجها إلى صقلية على أنه فال سي الطالع. وكان 
أريستوفانيس قد ضاق ذرعا بموضوع الحرب وسئّم التحدث عن ويلاتها 
ولا سيما بعد حصار جزيرة ميلوس على يد الأثينيين عام 415/416: 
وإخضاعها بقسوة بلغت حد الهمجية. فتحول الشاعر عن الموضوعات 
السياسية الواقعية إلى بناء «مدينة فاضلة» طوباوية تقوم على الأحلام 
المثالية. فقد يئئس كل من بيثيتايروس («الرفيق المخلص») وايو البيديس (ذو 
الآمال الطيبة) من الحياة في أثينا ومتاعبها وآلامها فخرجا للبحث عن 
تيريوس ملك طراقيا الأسطوري الذي كان قد تحول إلى هدهد ليستشيراه 
عن أفضل الأماكن للعيش بعيدا عن أثينا. واقترح عليهما تيريوس بعض 
المناطق ولكنها لم ترق لهما. وأخيرا وثبت إلى ذهن بيثيتايروس فكرة ذكية 
وهي دعوة كل الطيور للتكاتف والتحالف معه ومع أنصاره من أجل بناء 
مدينة كبيرة ذات أسوار عالية في الفضاء. فمن هذا الموقع الاستراتيجي 
يستطيعون التحكم في الآلهة والبشر في أن واحد لأنهم سوف يسيطرون 
على طريق الإمدادات لكل من السلالتين. إذ يستطيعون افتلاع البذور من 
الأآرض من جهة واستباق الآلهة إلى التهام البخار المنبعث من طهي أوشى 
الذبائح المقدمة إليهم من جهة أخرى. ويتردد أفراد الجوقة من الطيور 
بعض الوقت في قبول مثل هذا الاقتراح الجريء ولكنهم سرعان ما ينقلبون 
إلى متحمسين له ويهرعون إلى وضع اللبنات الأولى لمدينتهم التي يتم بناؤها 
تحت إشراف بيثيتايروس وأيوالبيديس بعد أن ارتديا الأجنحة المناسبة 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


للحياة الجديدة في الفضاء. وعندئذ يطرق أبواب مدينة الطيور زوار غير 
مرغوب فيهم. أولهم شاعر معوز جاء يترنم بقصيدة: يثني فيها على المدينة 
الجديدة وأهلها. ثم يظهر ميتون تاجر النبوءات المنجم المشهور الذي جاء 
ليضع خريطة مفصلة لشوارع وطرقات المدينة. ويأتي حارس المدينة الجديدة 
بشخص اخترق الحدود هو إريس رسول زيوس وابنته التي جاءت تستطلع 
أسباب عدم وصول الضحايا المقدمة على الآأرض إلى أهل السماء. ويطلب 
من اريس-ولأول مرة-«إبراز تصريح دخولها» المدينة وهو سلوك ضايق الربة 
ففيه مساس بكرامتها مما اضطرها للعودة في حسرة والدموع تملأ مآقيها 
وهي تشكو إلى والدها سوء المعاملة ! وفي تلك الأثناء تفشى بين بني البشر 
الولع الشديد بعادا الطيور وصار الجميع يسعون للحصول على أجنحة لكي 
يتيسر لهم الانتقال والانضمام إلى «مدينة الطيور» المسماة «نيفيلوكوكجيا» 
أي ما يمكن أن نطلق عليها «بلاد السحب والوقواق». وبالفعل يصل إلى 
المدينة كل من الشاعر الغنائي كينيسياس" والبطل المارد الأسطوري 
بروميثيوس وبطل الأبطال هيراكليس (هرقل) وبوسيدون إله البحر. ويتمكن 
بيثيتايروس من الاستيلاء على صولجان الحكم والحصول على باسيليا 
(-المملكة أو الحكم) فيتخذها زوجة ويتربع على عرش كبير الآلهة وتجري 
الاستعدادات لحفل الزواج على قدم وساق. 

أما مسرحية «ليسيسراتي» فعرضت عام 4١١‏ وكانت الحملة الصقلية 
المشئومة قد انتهت بالفشل الذريع وبكارثة قومية زلزلت الكيان الأثيني كله. 
فبعد هذه الهزيمة عقدت إسبرطة-غريمة أثينا-معاهدة تحالف مع حرا 
الولايات الفارسية في غرب آسيا الصغرى (الأناضول) تيسافيرينئيس في 
صيف عام 412. وبهذه المسرحية يوجه أريستوفانيس النداء الأخير من أجل 
السلام وهو نداء نصفه هزل ونصفه الآخر جاد نابع من أعماق قلب الشاعر 
المحب للسلام. فبعد أن فشل الرجال في إنهاء الحروب خطر على بال 
ليسيستراتي (مسرحة الجيوش) فكرة أن تتولى النساء دفة الأمور لكي 
يوطدن أركان السلام وتوجه ليسيستراتي دعوتها إلى نساء من بويوتيا ومن 
البلوبونيسيوس فيتوافدن إلى أثينا لمشاركتها تنفيذ الخطة. وتقوم خطتها 
على خطوتين أساسيتين. فالخطوة الأولى هي أن ترغم النساء رجالهن على 
كبح جماح شهوتهم الجسدية ما دامت الحرب مستمرة أي أن تقوم النساء 


510 


الشعر الاغريقى 


بإضراب عن ممارسة الحب مع أزواجهن أو عشاقهن: فيتمنعن عليهم 
ويهجرنهم في المضاجع لإرغامهم على وقف القتال وعقد الصلح (مع 
إسبرطة). ومن الحوار الذي يدور بينهن ندرك مدى ضخامة هذه التضحية 
من جانب الجنس الناعم الذي لا يقوى على تقديمها إلا من أجل السلام ! 
أما خطوة النساء الثانية فهي الاستيلاء على الاكروبوليس وخزانة البارثتون 
التي يدفع منها الرجال نفقات الحروب. ودعت ليسيستراتي النساء لاجتماع 
عام ظهرت فيه لامبيتو الإسبرطية كأقوى نصير وحليف لخصطتها الجريئة. 
وبعد شيء من التردد وافقت جميع النساء على خطتها وأقسمن على تنفيذها 
وتم الاستيلاء على الاكروبوليس. وتحاول جوقة مكونة من رجال مسنين 
إعادة السيطرة على الاكروبوليس إلا أن جوقة أخرى من النساء تصدهم.: 
بعد أن تغرقهم بوابل من ماء يسكبونه فوق رؤوسهم., ويأتي كينيسياس لكي 
يسترد زوجته التي تقترب منه ثم تبتعد عنه لكي يشتد شوفه ويزداد عذابه 
ويرغم على التصويت لصالح السلام إلا أنه في النهاية يترك يائسا خارج 
الاكروبوليس. ويصل رسول من إسبرطة وينعقد مؤتمر السلام حيث تؤنب 
ليسيستراتي الجانبيين, وتحثهما على الصلح وتبرم معاهدة السلام وتنتهي 
المسرحية بوليمة عامة حيث يسير موكب الأثينيين والإسبرطيين كل رجل 
إلى جوار زوجته بعد أن استتب السلام وعادت المياه إلى مجاريها!. 
وتمتاز مسرحية «ليسيسراتي» عن «الأخارنيون» و «السلام» باتساح 
أفق الشاعر الذي يتخطى حدود النظرة المحلية ويتمتع برؤية إغريقية 
قومية شاملة (عنهء1اءطهدم) فيحض بنى وطنه الأثينيين على أن يمدوا يد 
السلام لعدوهم-أي إسبرطة-الذي ربما يكون الحق في جانبه. ولا تصيب 
هذه الأفكار الجادة التي يضمنها الشاعر حواره حدث المسرحية الكوميدي 
بأي جاف أو ثقل وذلك ما يميز عبقرية اريستوفانيس الفذة. وتجدر بنا 
الإشارة إلى أن هذه المسرحية تعد من أشهر أعمال اريستوفانيس وأقربها 
إلى قلوب الناس وأقلام الكتاب عبر جميع العصور. فقد حاول مؤلفون 
كثيرون تقليدها ولا سيما في الأوقات التي تغير فيها سحب الحرب الغاشمة 
على جو السلام الصافي. بيد أنه من الملاحظ أن هذه المعارضات الحديثة 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


والجنس في «ليسيستراتي».!*) 

وعرضت مسرحية «النساء في أعياد الثيسموفوريا» عام 41١‏ أو 410. 
أما أعياد الثيسموفوريا فهي مهرجانات دينية تقام تكريما للإلهة ديميتير 
راعية المحاصيل الزراعية (لا سيما القمح) وخصوبة الربة وتعقد في شهر 
أكتوبر-نوفمبر أي في موسم بذر الحبوب ولا يحضرها إلا النساء. وكن 
يقمن أثناءها بشعائر سحرية: القصد منها تحقيق زيادة الخصب ووفرة 
محصول القمح. وعلم الشاعر التراجيدي يوريبيديس أن النساء يخططن 
في هذه الاحتفالات للقضاء عليه لأنه كان عدوا للمرأة: إذ كشف عن 
نقائصها وأظهرها في مسرحياته في صورة غير لاثقة. ويحاول يوريبيديس 
أن يقنع زميله شاعر التراجيديا المخنث أجاثون بأن يتنكر في زي النساء 
ويحضر هذه الأعياد النسوية لكي يدافع عنه أمام الحاضرات ولكن أجاثون 
يرفض. وهنا يتقدم الشاعر الكوميدي صهر يوريبيديس منيسيلوخوس» 
ليعرض القيام بهذه المهمة. ويندس بالفعل في المهرجانات وعندما تلقى 
بعض النساء خطبا تندد فيها بيوريبيديس وتطالب برأسه ينبري 
منيسيلوخوس للدفاع عنه ولكنه لا يفلح إلا في زيادة السخط عليه ويثير 
الاشمئزاز والنفور بين المحتفلات. ويزيد الطين بلة أن الأنباء تتسرب إلى 
أسماع النساء عن دخول أحد الرجال خلسة إلى أعيادهن الخاصة هذه. 
فيدور البحث عن الرجل المتخفي وهكذا يكتشف أمر منيسيلوخوس ويوضع 
تحت حراسة مشددة. ويصل يوريبيديس في محاولة لإنقاذ صهره. وبعد 
ذلك تعرض بعض المناظر الساخرة تنتهي بعدها المسرحية بعقد اتفاق بين 
هذا الشاعر التراجيدي والنساء. إذ يعد يوريبيديس ألا يتعرض للنساء 
بالنقد والسخرية في مسرحياته مرة ثانية في مقابل إطلاق سراح قريبه 
منيسيلوكوسن..وتقيل النساء هذه الشروهل: 

وفازت مسرحية «الضفادع» عام 405 بالجائزة الأولى. ومع أن موضوعها 
يتصل بالنقد الأدبي إلا أننا نلفت النظر إلى أنه يدخل في مجال السياسة 
أيضا لأن السياسة بمعناها الواسع تشمل كل أوجه النشاط البشري داخل 
مجتمع دولة المدينة الإغريقية. على أية حال فان المسرحية تدور حول 
التراجيديا وكيف أنه بعد موت كل من ايسخولوس وسوفوكليس ويوريبيديس 
لم يعد في أثينا أي شاعر تراجيدي ذو قيمة. فينزل ديونيسوس إله الخمر 


الشعر الاغريقى 


وراعية المسح إلى هاديس لاستعادة أحد الشعراء التراجيديين البارزين 
مجن رحلوا مخ الدثياء ومقدما يصل ديوئيسوسن إلى العالم. الآنر فاج 
بوجود مباراة أدبية ساخنة بين ايسخولوس ويوريبيديس على عرش 
التراجيديا وهي المباراة التي يطلب بلوتو إله العالم السفلي من ديونيسوس 
التحكم فيها. وينقد كل من الشاعرين الآخر نقدا ساخرا ومريرا في حوار 
أشبه بدراسة نهقدية لأعمال الشاعرين يقدمها نا ارسبتوفانيس فى كالب 
تمثيلي رائع. وينتهي الأمر بأن يحتار ديونيسوس الشاعر ايسخولوس لكي 
يعود به إلى أثينا وهذا لا يعني أن اريستوفانيس يقلل من شان يوريبيديس 
فنحن نعرف على العكس من ذلك أنه كان أحد المعجبين به ولكن ربما كان 
يرى في ايسخولوس الشاعر الأنسب لأثينا إبان أواخر القرن الخامس !9" 

يمثل المنظر المسرحي عند اريستوفانيس بصفة عامة شارعا أثينيا تظهر 
في خلفيته واجهة منزلين أو ثلاثة منازل وكالكثير من مسرحيات الشاعر 
تبدأ أحداث «برلمان النساء» فجرا أي حوالي الساعة الثالثة صباحا حيث لا 
تزال نجوم الليل متألقة في صفحة السماء. فتقف على قارعة الطريق 
امرأة رقيقة متنكرة في ثياب رجل وممسكة بشعلة وهاجة. إنها براكسا 
جورا (ربما يعني اسمها «النشطة في السوق العامة») زوجة بليبيروس الذي 
تركفة ناكما اعت مركيية قابه وممسكة بعضاة الفى يتعى غليها فى سيره 
منتعلة حذاءه اللاكوني. وتبدو عليها علامات القلق والانشغال إذ تنتظر في 
هذا المكان منذ وقت طويل. وما الشعلة التي تحملها إلا لدعوة نجات جنسها 
الأثينيات للتجمع الآن وفي هذا المكان؛ كما سبق أن أتفتن فيما بينهن. ها 
هي براكسا جورا وقد طال انتظارها دون أن تظهر في الأفق واحدة من 
عايفانها :فرقتئ ساجي الشعلة الترهجة يلوب قصيفاض كبا يتعل أبظال 
العراجيديا هن متاجاتهم الضوء القير أو الارص الشعس أو آيةلقتكسنية 
ربانية أخرى. فهي تقول «إنك.أي الشعلة تقفين في حجراتنا وتشاهدين 
امرار جيه الطاهو وضع غيناك الغاقدان على المايها الصمية: :وم 
أنك تعرفين كل ذلك إلا أنك لا تفشين أسرارناء (أبيات 7- 16). 

دن .ضاق النساء ارا يتولي التريجال إدارة دقة الأموو هي أكيقا وقررخ 
أن يذهين متنكرات في ثياب الرجال إلى»مجلس الشعب» (:زههلكاه) خلسة 
لكي يتخذون من القرارات ما يمكنهن من الاستيلاء على السلطة. وابتداء 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


من البيت رقم 30 حف 45 تبدأ النساء في الدخول واحدة بعد الأخرى أو في 
مجموعات صغيرة. وهن جميعا يمثلن أفراد الجوقة اللائي يتخذن طريقهن 
إلى الأوركسترا. ومن المحتمل أن عددهن الإجمالي هو اثنتا عشرة ويشكلن 
نصف الجوقة صديقات براكساجورا اللائي بقطو د اقل المدينة» أما النصف 
الآخر القادم من الريف فيبداً في الدخول بعد بيت 300 وعندئذ يلتثم شمل 
الجوقة ويصبح عددها كاملا. 

ونعرف من الحوار الذي يدور بين براكساجورا وبقية النساء أنها خطة 
مبيتة سبق الاتفاق عليها في إحدى الأعياد النسائية المقصورة على بنات 
جنسهن. وبلغ من إصرارهن على الخطة أن إحداهن تركت الشعيرات تنمو 
تحت إبطها بغزارة حتى صارت كالأيكة . وتستغل أخرى فترات خروج زوجها 
إلى السوق لتدلك جسمها بزيت الزيتون ثم تجلس تحت أشعة الشمس 
الحارقة طلبا لسمرة البشرة. ذلك أن السمرة أقرب إلى الرجولة ! ولقد 
وضعن جميعا لحى مستعارة إلا أن إحداهن ظهرت اكثر أناقة من ابيكراتيس 
الملقب ب»حامل الدرع» (ساكيسفوروس 53165000:05) لأن لحيته بلغت خصره 
وغطت صدره ومعظم جسمه فصارت كالدرع الواقي (بيت 60 وما يليه). 

وفي بداية التجمع النسائي تلقى فيهن براكساجورا-زعيمة حركتهن- 
خطبة عصماء عن برنامج الإصلاح المزمع تنفيذه. وتتناول النساء-وهن 
أعضاء الجوقة-في حديثهن الغنائي أثناء سيرهن نحو»مجلس الشعب» صورة 
المستقبل. ثم يخلو المسرح بعد أغنية البارودوس مما يهيىّ لظهور بليبيروس 
زوج براكساجورا الذي بدأت الشكوك تساوره في زوجته التي سرقت ملابسه 
وخرجت بليل. ويخبره خريميس-القادم من اجتماع مجلس الشعبببالانقلاب 
الذي وقع في أمور الدولة ونظمها حيث اتخذت القرارات بأغلبية ساحقة 
واختيرت براكساجورا رئيسة للحكومة. وفي بيت 504 يعود أفراد الجوقة 
ومن خلفهن مباشرة تأتى براكساجورا التي لا تزال ترتدي ملابس زوجها. 
وتأمر النساء بأن ينزعن عن أنفسهن ملابس الرجال بعد أن نجحت خطتهن 
فهي نفسها ستذهب خلسة إلى بيتها لتعيد ما سبق أن سرقته من ملابس 
قبل أن يدرك زوجها ما وقع. وفي تلك الأثناء يغير أعضاء الجوقة ملابسهن 
في الأوركسترا بالفعل وتعود براكساجورا ويصبح الجميع بملابسهن النسائية 
العادية. 


الشعر الاغريقى 


وتتلخص أسس النظام الجديد-كما تشرحها براكساجورا لزوجها-ببساطة 
متناهية في أن كل الآلام والمتاعب ستختفي لأن كل شيء من الآن فصاعدا 
سيصبح ملكا مشاعا للجميع. وتتوالى بعد ذلك عدة مناظر مسرحية: الهدف 
منها مزيد من الشرح والتوضيح لأسس الوضع الجديد., إلا أن التركيز يقع 
على نقطة عويصة وهي المسألة الجنسية حيث إن النظام الجديد يريد أن 
ينصف العجائز فيعطيهن أولوية مطلقة في المتعة الجنسية على الفتيات. 
ومن ثم فعلى من يريد من فتيان. الشباب أن يذهب إلى عشيقته الصبية أن 
يقدم أولا بعض التضحيات إشباعا لشهوات العجائز وإرضاء للعدالة 
الاشتراكية !. 

وتخرج براكساجورا إلى السوق لكي تشرف على الترتيبات اللازمة 
لاستلام كل الممتلكات الخاصة وإقامة الوليمة العامة. وها هم البسطاء 
السذج يسرعون بتسليم كل ما ملكت أيديهم. أما المتشككون فينتظرون 
ريثما تتضح الأمور قبل أن يقدموا على أية خطوة. ويدخل شاب صغير جاء 
ليلتقي مع محبوبته الفتاة الجميلة التي تنتظره في لهفة. ووفقا للنظم 
الاشتراكية الجديدة تتنازع ثلاث عجائز شمطاوات على أولوية كل منهن 
في التمتع بصحبة هذا الشاب قبل أن يسلمنه إلى فتاته. وهكذا تسير 
الأمور على غير ما خططت لها براكساجوراء إذ اختفت بعض المشاكل 
لتظهر مشاكل أخرى جديدة. وهذا ما تختلف فيه المسرحية 
عن»ليسيستراتي» وتتفق مع»بلوتوس». ومن الملاحظ أن براكساجورا لا تظهر 
كثيرا في الأجزاء الأخيرة من المسرحية. وفي نهاية المسرحية تجري 
الاستعدادات لإقامة الوليمة العامة التي يستغرق اسم أحد أصناف الأطعمة 
فيها سبعة أبيات شعرية ! (21)1175-1169. 

ولقد عرضت مسرحية «برلمان النساء» عام 393. وبعد انتهاء الحرب 
البلوبونيسية بتسع سنوات (404- 395) كانت أثينا لا تزال العلقم من كاس 
الهزيمة وتعيش حالة خنوع وخضوع لإسبرطة المنتصرة. إلا أنه ينبغي التنويه 
إلى أن سلوك الإسبرطيين تجاه أهل أثينا اتسم بالاتزان والتحضر إذ امتتعوا 
عن تدمير المدينة تدميرا كاملا في وقت كان بوسعهم أن يفعلوا ذلك. ولقد 
اغضب هذا الموقف أهل طيبة (أقوى دويلات إقليم بويوتيا) وكورنثه فسحبوا 
تأييدهم الحلف البلوبونيسي الذي تتزعمه إسبرطة. ومن ثم | فعندما طلب 


524 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


أهل فوكس المساعدة ضد طيبة عام 395 نادت إسبرطة بغزو بويوتيا كلها 
فلي طلب جميع الحلفاء-ما عدا كورنثه-النداء وذهب أهل بويوتيا إلى أثينا 
يطلبون إقامة حلف بينهما ضد إسبرطة مما وضع الأثينيين في موقف 
حرج وعجز زعماء المدينة وأصحاب الرأي وفي مقدمتهم ثراسيبولوس عن 
اتخاذ أي قرارء إذ تحيروا في الاختيار بين القبول الذي سيثير غضب 
إسبرطة والرفض الذي ريبما سيضيع عليهم فرصة ذهبية لوقف المد 
الإسبرطي. وتلك هي المناسبة التي يشير إليها اريستوفائيس في مسرحية 
وبرلا التساء) زنيت:356)عندما يقول تحن الرحال كما :وقد كراسيبولوسن 
الإسبرطيين» ويقصد أنه كان قد وعدهم بإلقاء خطبة في المجلس مؤيدة 
لهم ولكنه بعد ذلك تراجع ولم يلق الخطبة متعللا بوعكة صحية مفاجئة 
أصابته لأنه اكثر من أكل الكمثري ! وسواء ألقى ثراسيبولوس خطبته 
المعارضة للحلف أم لا فقد تم تشكيله وتحركت قوات أثينية على الفور إلى 
هاليارتوس (بشمال غرب طيبة) لتحارب الإسبرطيين الذين غزوا بويوتيا 
ولكنها وصلت بعد فوات الأوان؛ أي بعد انتهاء المعركة حيث قتل ليساندروس 
القائد الإسبرطي الذي كان يحاصر هذه المدينة التابعة لطيبة. ولا شك أن 
براكساجورا تشير إلى هذا الحلف عندما تقول «يبدو أن هذا الحلف الذي 
سبق أن تناقغنا فى امره هو الشيء الوحيد الذى يمكن أن ينقد المديقة» 
(أبيات 193- 194). وبالفعل أنعش هذا الحلف روح أثينا بعض الوقت إلا أنه 
هزم في معركة كورنثه الكبرى عام 394: ومنى الحلف بهزيمة أخرى في 
كورونيا في نفس العام على يد القائد الإسبرطي اجيسلاوس بعد عودته 
من آسيا الصغرى. وفي تلك المرحلة الحاسمة والحال المتدهورة تخرج 
علينا براكساجورا لتدين سياسة الرجال المذبذبة» وتعرض أن يتولى النساء 
دفة الأمور بصفتهن أكثر ثباتا من جنس الرجال وأشد حسما وحزما في 
تصريف شكوخ الدولة؛: 

عرضت «بلوتوس» (- الثروة) عام 388 وهي آخر ما وصلنا من إنتاج 
اريستوفانيس رائد الكوميديا الإغريقية بلا منازع. وفيها يعرض الشاعر 
على جمهوره بسخرية لطيفة نتائج تطبيق مبدأً إعادة توزيع الثروة بالعدل 
والقسطاس وتذويب الفوارق الاقتصادية بين الطبقات. لقد اشمأز 
خريميلوس من رؤية الأوغاد وهم يزدادون ثراء غي كل أنحاء الدنيا بينما 


الشعر الاغريقى 


هو العادل الأمين يظل على فقره المدقع. ويذهب إلى دلفي ليستشير الإله 
أبوللون» فيما إذا كان من الأفضل له والحال هكذا أن يربي ابنه على المنهج 
الذي يخلق منه وغدا ثريا ! وجاءت نبوءة أبوللون تأمره بأن يصحب أول من 
يصادفه بعد خروجه من المعبد مباشرة إلى منزله. وكان أو ل من رآه 
خريميلوس أمام باب المعبد واقتاده إلى منزله رجلا أعمى لم يكتشف حقيقة 
هويته إلا تحت الضغط والتهديدء واتضح أنه بلوتس إله الثروة نفسه. وكان 
زيوس قد أصابه بالعمى لحقد في نفس رب الأرباب على أبناء البشر. 
ويصر خريميلوس على أن يعيد نعمة البصر إلى إله الثروة الأعمى لكي 
يتمكن من التمييز مستقبلا بين الناس فيتحاشى الأوغاد ويعزف عنهم 
ويقبل على الآخيار بدلا من التخبط هكذا عشوائيا بين هؤلاء وأولئك. 
ويتردد لجوتوس الأعمى كثيرا خوفا من انتقام زيوس ولكنه في النهاية 
وتحت ضغط خريميلوس يوافق على الذهاب إلى معبد اسكلبيوس إله 
الطب-القادر على علاج كافة الأمراض-بمعجزاته-لتجرى عملية إرجاع 
البصر. وهنا تتدخل بينيا إلهة الفقر فتنذر خريميلوس بمغبة تنفيذ خطته 
المتهورة وآثارها المدمرة فالفقر دائما-في رأيها-منبع الفضيلة والحافز إلى 
الاجتهاد فلولاه لامتلآت الدنيا بالكسالىء بل إنه هو الذي حقق لبلاد الإغريق 
هذا التقدم والازدهار ! ولا يأخذ خريميلوس بكلام إلهة الفقر ويضرب به 
عرض الحائط. وتتم عملية إرجاع البصر لبلوتوس بنجاح فيعود مبصرا 
طريقه بنفسه إلى بيت خريميلوس فيصير الأخير ثريا. ويتوافد الناس من 
كل صوب على هذا البيت الذي يقيم فيه إله الثراء البصير. يأتي رجل 
عاش فقيرا أمينا طول عمره قصار غنيا الآن بفضل عودة البصر والبصيرة 
لإله الثروة وهو اليوم يريد أن يهدى هذا الإله-عرفانا بالجميل-عباءته الممزقة 
وحذاءه المهلهل ! وتأتي امرأة عجوز خسرت عشيقها الذي كان يتردد عليها 
طمعا في أموالها فلما صارت فقيرة بسبب عودة البصر لبلوتوس فقدت كل 
شيء ! ويأتي هرميس إله التجارة والحظ والمكاسب بعد أن ضاقت به 
السبل في السماء وأصبح لا يجد هناك ما يقتات به وهو يبحث الآن عن 
عمل على الأرض يكسب منه ما يسد الرمق ! وأخيرا يأتي كاهن زيوس وهو 
يتضور جوعا خلاصة القول أن تطبيق مبدأ إعادة توزيع الثروة في مسرحية 
أريستوفانيس وإن أنصف بعض الفقراء قد خلق شيئًا من الاضطرابات في 


5326 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


بدبة االمكمع:وجدير بالذكز ان السكرية من مكل هذه الأفكار شية 
«الاشتراكية» هي أحد الموضوعات الرئيسية أيضا في «برلمان النساء» التي 
سلف أن تحدثنا عنها. 

وهكذا فإن كل مسرحية من مسرحيات أريستوفانيس تعتبر مرآة صغيرة 
فكس ؤاوية من ؤوايآ الحياة الانتماعية السياسية.وسن كم فزن اعمال 
هذا الشاعر الكوميدي في مجموعها تعد مرآة سحرية كبيرة تعكس بجلاء 
الحياة الأنيكية من كافة جوانيها إبان فتزة تالق أثينا الحضاري والفكري: 
وبدايةحيول ثقوزها السياسي والكماش قوسهها المتكري الإمبرياتي: إنها 
مرآة تعكس آفاق وأعماق مطامع أثينا التوسعية وثراء أسواقها الاقتصادية, 
وتفرد شخصية مواطنيها الأخيار والأشرار على السواء وتنوع اتجاهاتها 
الفكرية والفنية. ويمسك بهذه المرأة شاعر ساحر استطاع برغم الأضواء 
الساطعة التي تتضمنها أشعاره أن يحتفظ لمشاهديه وقرائه بوضوح الرؤية 
وبحيوية المتابعة الذي تمكتهم من أن يستشقوا عدي الجدية التئ تكمن وراد 
كل كلمة ساخرة ومدى العمق في ثنايا أي مداعبة عابرة. ويعكس أسلوب 
اريستوفانيس طبيعة الموضوعات التي يعالجها في كوميديا ته فهو يستخدم 
لغة متعددة الألوان. ولكنه يهيمن على مادته وأدواته التعبيرية ويستخدمها 
بيسر وسلاسة. فهو يتمتع بتدفق في الحوار ودفء في المقطوعات الغنائية, 
له عين نفاذة وأذن حساسة تمكنه من التقاط كل ما هو عجيب وفخم يميل 
للتجالفة الساتهرة والغيال المتطلق إلى آفاق لم يسنيقة إليها شاه رمن قبل: 
ولم يقع هدقا لسهام نقده اللاذع ولساته الساخر سوق الساسة البارزين 
والشعراء المعاصرين وأهل الفن والعلماء والفلاسفة؛ ورواد حركات التحول 
الفكري بصفة غامة. وهولا يتعاطف إلا مع البسطاء الذين يميلون إلى 
العيش في هدوء والتمتع بملذات الحياة البسيطة واتباع النظم والتقاليد 
الموروثة والحفاظ على القيم القديمة. 

ومن خلال النظرة السريعة التي ألقيناها على أعمال اريستوفانئيس 
نلاحظ أنه اتبع في البداية شكلا ثابتا في بناء مسرحياته ولاسيما فيما 
يتعلق بالبارودوس والراباسيس وعلاقتهما العضوية ببقية أجزاء المسرحية. 
أما في «الطيور» وما بعدها من مسرحيات فقد طرأت تغييرات عميقة على 
الشكل النرامي باغ كروتها فى يران القناء» وروا ركوس قهما بسريديقانة 


5327 


الشعر الاغريقى 


فياك إلى الكرسيديا الرسبطن .روكيدل هلم التقريرانت يديت خاصة شن 
إدخال أغاني جوقة لا تمت بصلة عضوية إلى حدث المسرحية:؛ مما أدى 
إلى الانتقتاء مهل الآغاقى عتد إعادة فسخ هاه |السريحية فيه يعن |3 
افتقى التساء تكو كليرة والسوقةه مكائها ينم اه .يكن وشيم أية شان 
وأية كلمات. كذلك تلاحظل قن هاتين السرحينين تدرفلا احتغاءالإقازات 
الشكميية. وفقير كل الذلاكل إلى إن ارسكركائيس كان زاقد| لم يسيقه 
تخد إلى هذه التجديدات الفي أدخلها على الفن الكوميدي في بداية القرن 
الراف 2 


2- مناندر وس والكوميد يا الحديثة: أو التقوقع فى الذات 

بعد أن فقدت الدويلات الإغريقية استقلالها نتيجة للغزو المقدوني إبان 
القرن الرابع انهار نظام دولة المدينة المميز للحضارة الإغريقية الكلاسيكية 
وفقد الفرد نفسه وذاب في خضم الحياة الجديدة في ظل دولة كبيرة 
مترامية الأطراف وتحت تهديد أخطار جسيمة وخطوب متلاحقة من غزو 
خارجي إلى حروب داخلية. وتراخى ارتباط المواطن بمدينته؛ وتضاءل بالتالي 
اهمامه باتعكون السبيابنية أو المسنالح العامة إذ انيه ره يقل السياد 
اليومية الشاقة جل اهتمام الناس وكل وقتهم. وكان من الطبيعي أن تأخذ 
الكوميديا الحديثة موضوعاتها من الحياة الخاصة للأفراد. وهى بذلك لا 
تختلف كثيرا عن مسرحيات شاعر محدث مثل موليير(673-1622! او هر 
شعراء الكوميديا الإغريقية الحديثة هم مناندروس (342 أو 341- 293 
أو289) وفيليمون (368 أو 360- 267 أو 263). وديفيلوس (ولد عام 360 أو 350 
ومات فى أوائل القرن الثالث). 

بيذ أله بالنسية اناالا ترق حيد|اسخ شعراء الكوميديا الحديكة سبو 
مناندروسء حتى هو نفسه لم نكن نعرف عنه شيئا-فيما عدا الاسم وبعض 
الشذرات إلى جانب تأثيره في المسرح الروماني الكوميدي-حتى بداية هذا 
القرن. ولكن رمال مصر زودتنا مؤخرا ببرديات تحوي نصوص بعض 
مسرحيات مناندروس. ومن ثم أصبحنا الآن قادرين على قراءة هذا الشاعر 
مباشرة دون الاعتماد على معلومات غير مباشرة وردت لدى النقاد القدامى 
وعند شعراء الكوميديا الرومان ولا سيما ترنتيوس. 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


وصفوة القول أن مناندروس يعتبر شاعرا أعيد اكتشافه حديثا. قفي 
عام ١907‏ نشرت «بردية القاهرة» المشهورة وعليها ثلاث مسرحيات غير 
كاملة؛ ولكن من الممكن التعرف على موضوعاتها وأسلوبها وهي مسرحيات 
«المحكمون» و«الحليقة» و«فتاة ساموس». وفي عام 1959 صدرت طبعة كاملة 
لمسرحية «الفظ» ثم نشرت أجزاء كبيرة من مسرحيتي «السيكيوني» و 
والكريه (13) 1 1 

وفي الواقع تعزى إلى مناندروس مسرحيات عديدة تتراوح ما بين 105 و 
9 كوميديات. عرضت أولاها عام 324 أو 323. ولقد فاز بثماني جوائز 
كانت الأولى عام 316 أو 315. وروى أنه أحب غانية تدعى جليكيرا وربما 
تعود هذه الرواية إلى حقيقة أنه كتب عن الحب كثيرا. ويبدو أنه تمتع 
بشخصية لطيفة وجذابة؛ وهو مؤلف لا يطلب من مواطنيه التمسك بأهداب 
الفضيلة الكاملة ولا القيام بأعمال بطولية خارقة ولا يفترض تمتعهم بذكاء 
نادر أو حكمة فائقة كما فعل الشعراء القدامىء ولا سيما شعراء التراجيديا. 
ولكنه مع ذلك لم يكن ممن ينطبق عليهم لقب «كاره البشر» (05ممعطاصدمنص) . 
ولعل السبب في موففه المبدئي هذا هو أنه عاش في عصر التدهور فلم 
وشيد اياء آثينا العيدة وها عامصى غكلندها السياسية وفنا شارك كن امايق 
انتصاراتها العسكرية والفكرية. كان مناندروس يناهز الخامسة من عمره 
عندما وقعت معركة خايرونيا عام 338 حيث هزم فيليب المقدوني طيبة 
وأثينا وقضى على نظام دولة المدينة نهائيا وعندما وصل إلى مرحلة الشباب 
كانت أثينا لا تعدو مجرد مدينة إقليمية ذات ماض عريض وحاضر متواضع 
للغاية؛ وإن كان الناس يحتفظون لها بقدر من الإجلال والتبجيل لأنها تضم 
بين ظهرانيها آثارا قديمة تشهد بعراقة حضارتها. والجدير بالذكر أن 
مناندروس تتلمذ على الفيلسوف ثيوفراستوس واتصل بديميتريوس الفاليري. 

وليس مناندروس كاتبا دراميا من الدرجة الأولى. ويمكن أن نتحقق من 
صحة هذا الحكم لو القينا نظرة سريعة على مسرحياته التي وصلتنا وكانت 
هذه المسرحيات قد فقدت إبان العصور الوسطى المظلمة,. أي فيما بين 
القرنين السابع والثامن الميلاديين. والمسرحيات التي وصلتنا هي «المحكمون» 
(وعغدممءنازم8) التى يبدو أنها تعود للفترة التى وصل فيها المؤلف إلى أقصى 
طاقة له وو نايع (عمع سناع عاترءم) نسل منها حوالي نصفها الذي منه 


5320 


الشعر الاغريقى 


يمكن التعرف على الحبكة الكاملة؛ و «فتاة ساموس» (500:4): و «السيكيوني» 
(5ومندهوج1ز5) التى وصل منها حوالى 470 نجيتاء و «الكريه» (526205:نه0415) و 
«الفظ» رم وهذه الأخيرة فازث بالجائزة الأولى عام 317. وإلى 
جانب هذه المسرحيات وصلتنا شذرات وعناوين لمسرحيات أخرى مثل 
«الخائن مرتين» («مندمة<8 وزم) و «الفلاح» (5نامعع601): و «عازف القيثارة» 
(وع اك تتهطنك1) و«الشيح» (دمسمقطط) و «القرطاجني» (ومتصهلعطعتة؟1) ... الخ. 
يضاف إلى ذلك أن المؤلفين القدامى حفظوا لنا حوالي 955 مقتطف من 
مناندروس يراوح حجم المقتطف الواحد منها ما بين كلمة واحدة و 16 بيتا 
كاملا. وكان الاقتطاف في الغالب لأهداف نحوية أو للاستشهاد على حكمة 
سائرة أو قول مأثور مما يشي بأن مناندروس كان يستخدم الأمثلة ويوظفها 
توكليقا درانيا في قايا مترحياته. وتجمعت بن ذلك مجفزغة من الأمكال 
كل منها يقع في بيت واحد (02051002) ونسبت إلى مناندروس ووصل 
عددها إلى 800 بيت وسميت «حكم مناندروس» ((020512 3001010م316) ونشرت 
في برلين عام 1963. 

وتدور مسرحية «المحكمون» حول خاير يسيوس (- الجذاب) الرجل 
الآثيني زوج بامفيلي (- حبيبة الكل) وهي نجت سميكريني (- الصغير). 
فبعد خمسة شهور فقط من الزواج اكتشف خايريسميوس عن طريق خادمه 
أونيسيموس <- المفيد) إن زوجته هذه وضعت ولداء وألقته في العراء مما 
أصابه بالقنوط واليأس ولا سيما أنه كان يحب زوجته حبا جما. واضطر 
إلى الانفماس في الملذات مع إحدى الموسيقيات وتدعى هابروتونون (- ذات 
الصوت الرخيم) وهو اسم زهرة من الأزهار. أما صاحبته فهي امرأة ذات 
قلب طيب وهو ما لا يتعارض مع كونها متحررة. وبعد ذلك يأتي صديقان 
يعرضان على سي ريديشن قصية شريبة إ يسكمائه فى لجار تحب ينها 
عندما عثر أحدهما على طفل لقيط مع بعض أشياء صغيرة من الملابس 
والمجوهرات فأعطاه للآخر ليتولاه بالعناية والرعاية. فلما عاد الآن يطلب 
الطفل رفض صديقه أن يعيد معه الملابس والمجوهرات. ويقرر سميكرينيس 
أن هذه الأشياء من ممتلكات الطفل وينبغي أن تلازمه وتعود معه. وفي هذه 
الأثناء يحدث أن يشاهد أونيسموس_, أي الخادم-إحدى قطع المجوهرات 
الخاصة بالطفل وبالتحديد الخاتم فيتعرف عليه لأنه في الواقع خاص 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


بسيده خايريسيوس . وهنا تنكشف الحقيقة كاملة أي أن هذه الطفل هو ابن 
خايريسيوس من بامفيلي التي كان قد اغتصبها ذات ليلة في جنح الظلام 
إبان بعض الاحتفالات ودون أن يعرف أحدهما الآخر وقبل الزواج بالطبع. 
وهكذا لا تنتهي المسرحية قبل أن تعود المياه إلى مجاريها ونعرف لماذا 
أنجبت الزوجة بعد خمسة شهور فقط من الزواج. وهكذا تعود السعادة 
الزوجية لترفرف من جديد على هذا البيت. 

ولا تفوتنا الإشارة إلى أن فرقة افانجلاتوس التمثيلية قد عرضت هذه 
المسرحية بنجاح في إطار مهرجانات أثينا المسرحية الصيفية يومي 9 و ١0‏ 
يوليو عام 1982 على سفح جبل بنتيليس وفي فناء قصر بلاكنتيا الذي يعود 
بناؤّه إلى العصور الوسطى. 

وتعالج مسرحية «فتاة ساموس» مصير خريسيس الفتاة القادمة من 
ساموس إلى أثينا حيث أحبها شخص يدعى ديمياس والذي يحب ابنه 
بالتبني موسخيون فتاة أخرى اسمها بلانجون وهي بنت نيكيراتوس جار 
ديمياس الفقيرء والذي يؤمن بالخزعبلات ويعمل لها ألف حساب فهو طيب 
القلب يصدق كل شيء. تحمل بلانجون طفلا وعند ولادته تتعهده خريسيس 
بالرعاية فهي تعطف على هذه الفتاة وتزعم أنها عثرت عليه هنا أو هناك 
أي أنه لقيط. وكان ديمياس في رحلة خارج المدينة وعند عودته يكتشف 
بمحض الصدقة أن ابنه بالتبني موسخيون هو والد الطفل ولكنه يفزع أشد 
الفزع عندما يتبادر إلى ذهنه أن تكون خريسيس هي أمه وأن تكون هذه 
امرأة شهوانية أغوت موسخيون. ويطردها فعلا من البيت فتلجاً إلى بيت 
الجار نيكيراتوس الذي بعد أن يقبلها في بيته يستشيط غضبا عندما 
يكتسب إن بلانجون هي أم الطفل ويحاول ديمياس أن يقنعه بأن أحد الآلهة 
هو-ولا بد-والد الطفل. وعلى نحو أو آخر تنتهي المسرحية بترتيب كل الأمور 
واستتباب الاستقرار حين تعود خريسيس إلى مكانها الطبيعي زوجة لديمياس 
كما يتم زواج موسخيون من بلانجون أم طفله. 

وبطلة مسرحية «الحليقة» هي جليكيرا (- الحلوة) لها أخ توءم يدعى 
موسخيون افترقا منذ الصفرء فربت هي على يد امرأة فقيرة حيث أحبها 
جندي متقد العواطف وتسيطر عليه الحسية ويدعى بوليمون (- المحارب) . 
أما موسخيون فقد تربى على يد امرأة غنية هي زوجة باتايكوس. وعندما 


الشعر الاغريقى 


تلتقي جليكيرا بأخيها وتتعرف عليه لا تستطيع أن تبوح له بالسر أي إنهما 
تؤمان لسبب أو لآخر. ولما كان أخوها هذا مرسخيون مغرورا يظن أن كل 
نساء العالم تقع في غرامه من أول نظرة فقد حاول أن يختلس قبلة من 
جليكيرا التي لم تمانع لأنه أخوها الحبيب. وفي هذه الأثناء يصل بوليمون 
قيخلن أن جليكير] كر افعدت عشيقا يحديدا ولذلك يعاقبها حقايا :ضارما 
بان يحاق لهاا شعو راسهاء شتعطي جادكيرا وذاهب لاحتة ومشجيزة باكربية 
التي تولت موسخيون بالرعاية. وبعد ذلك يحاول بوليمون بالتعاون مع 
بافاركرس أن سخرضي حليكيرا ومتدكة يتفيف باتايكوسن أثها أي جليكيرا 
نفسها هي ابنته التي كان قد ألقاها في العراء عندما أصابه سوء الحظ 
والفقر فجأة وبعد أن فقد زوجته. وتعفو جليكيرا عن بوليمون وتتزوجه كما 
يتزوج موسخيون أيضا من فتاة أخرى. 

وفى مسترحية والتكلم (أ و مهاد اليم قرض برسلةاريفيلا من أفيا 
يدعى كنيمون ويعيش بالقرب من معبد الإله بان. إنه نكد المزاج يهجر 
المجتمع ويعزل الحياة العامة مقتصرا على السكنى مع ابنته وامرأة عجوز 
فى الحادمة وانها ستشيكى: لشن التصيل عق اونحتة القى تفيتن. فى مكان 
ليس ببعيد مع ابن لها من زواج سابق. أما اسم هذا الابن فهو جورجياس. 
ولما حاز ذكاء الفتاة وورعها رضا الإله بان أوعز إلى الشاب الأثيني 
مورسؤاتون بحيها + ولم يلف فى هه عيذ|:الحب القريف أ ساكل يدف 
تعنت الأب غليظ القلب وبعد بعض التعقيدات يقع كنيمون في البئر الذي 
يحاول أن يلتقط منه إناء ومعولا كانا قد سقطا فيه. وتعاون سوستراتوس- 
الذي كان يحاول الظهور بمظهر الفلاح المجد لا ابن المدينة المدلل-مع 
جورجياس في سبيل رفع كنيمون من عمق البئّر. وأخرجاه بالفعل وذهبا به 
إلى الفرائن لك يستريح نق الإرساق الذي أنيك قوف وابحس كديمون 
بالامتنان لهما ووافق على زواج ابنته من سوستراتوسء الذي نجح في كسب 
رضاه. وعندئذ يظهر فجأة أبو سوسراتوس ويقرر أن يزوج جورجياس من 
ابنته أي أخت سوستراتوس. وتنتهي المسرحية بحفل الزواج البهيج ولو أن 
كنيمون يحضره متأففا وعلى مضض. 

ومن هذه النظرة السريعة التي ألقيناها على بعض موضوعات مناندروس 
يمكن أن نخرج بفكرة عامة عن فنه الكوميدي. ففي مسرح مناندروس لا 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


يقوم بدور البطولة أشخاص وإتمام أنماط مثل الأب شديد الصرامة في 
مواجهة العم المفرط في اللين والتدليل ومثل العبد الساذج في مقابل زميله 
الماكر والغانية القانعة إلى جوار أخرى طامعة وهلم جرا . لم تعد الشخصيات 
الدرامية عند مناندروس كائنات فردية مميزة لها أسماء معروفة ومألوفة 
لدى جمهور المتفرجين مثل سقراط أو يوريبيديس أو كليون في مسرح 
اريستوفانيس. بل رسم مناندروس ملامح شخصياته من وحي خياله مستلهما 
سمات الآفراد الذين يعاصرونه. وهي شخصيات لا تختلف كثيرا عن 
شخصيات المسرح الكوميدي المحدث ولا سيما موليير. 

وتمتلىّ مسرحيات مناندروس باللقطاء والفتيات المغفتصبات والخدم 
الماكرين. وإذا كان النقاد يمتدحون هذا المؤلف لأنه استطاع أن يصور بمهارة 
حياة الأثينيين في عصره فإن هذا لا يعني أن الحياة آنذاك كانت تجري 
بالضبط كما نراها في مسرحياته. فهو كمؤلف درامي يختار بعض الجوانب 
ويسلط عليها الضوء ويبالغ في تصويرها أحيانا. ولا تخلو أية مسرحية من 
مسرحياته من قصة حب ولكن هذا الحب لا يمثل الموضوع الرئيسي فمثلا 
يمكن القول إن شخصية كنيمون وكراهيته للبشر هما لب مسرحية «الفظ». 
وينبغي ألا ننسى هنا أن معظم مسرحيات مناندروس مفقودة وكلما تم 
اكتشاف المزيد منها تبين لنا مدى التنوير الذي تميزت به موضوعاته. 

كان مناندروس بارعا في لا رسم خيوط الحبكة الدرامية والتنويع فيها 
بإدخال حوادث فرعية مفاجئة بين الحين والآخر. وهو مؤلف يكتب للعرض 
المسرحي أي يضع الجمهور دائما نصب عينيه أثناء عملية الإبداع نفسهاء 
ولذلك نجده يتوجه إليه بالخطاب مباشرة عندما يجعل هذا الممثل أو ذاك 
يناجيه في الأحاديث الجانبية. ولقد أتاحت هذه الأحاديث للممثلين فرصة 
إظهار مواهبهم في الإلقاء والتمثيل. هذا وقد أسقط مسرح مناندروس 
الوسيط بين الجمهور والأحداث الدرامية. ونعني دور الجوقة إذ اقتصر 
هذا الدور إن وجد على مجرد رقصات وأغان تأتي كفواصل بين مرحلة 
وأخرى في الحدث الدرامي. والجدير بالذكر أن هذه الفواصل الغنائية بين 
المشاهد الحوارية هي التي أدت فيما بعد إلى تقسيم المسرحية الواحدة إلى 
خمسة فصول (606150014)) وهو التقسيم الذي صار تقليدا ملزما عند 
هوراتيوس.14) 


الشعر الاغريقى 


تحكي ما يقع في الحياة اليومية للأفراد. وتدور هذه الحبكة في الغالب 
حول شاب أثيني من أسرة محرمة يقع في حب فتاة ويريد أن يتزوجها . بيد 
أن هذه الفتاة إما أجنبية لا يصح-برأي أسرته-أن تكون زوجة له. وإما أنها 
فقيرة لا يمكنها أن تدفع هدية الزواج كما جرى العرف الإغريقي (واليوناني 
الحديث)؛ ومن ثم ترفض أسرة الشاب فكرة الزواج منها. وفي أحيان أخرى 
يريد مثل هذا الشاب أن يتخن من إحدى الفتيات عشيقة له ولكنها بحوزة 
نخاس جشع يطلب ثمنا باهظا لها. وعندما يبلغ عجز الشاب أشده يلجاً 
إلى عبده الأمين. واسع الحيلة والدهاء. وتقع على عاتق هذا العبد مهمة 
خداع الأب والحصول منه بطريقة أوبأخرى على المال المطلوب لشراء 
الفتاة. وفى الغالب تنتهى المسرحية بزواج الشاب من هذه الفتاة عندما 
تنكشف حقيقتها أي أنها في الأصل من أسرة أثينية كريمة وقد تكون من 
قريبات هذا الشاب نفسه:؛ وكان قد ألقى بها فى العراء بعد ولادتها مبياشرة 
لسبب أو لآخر. أو قد يكون والدها قد أنجبها في إحدى رحلاته بهذه 
الجزيرة أو تلك ثم تركها وعاد إلى أثينا. 

المناسبة لها . ففي «فتاة ساموس» على سبيل المثال نجد ديمياس ونيكيراتوس- 
ويقابلهما جورجياس وسوستراتوس فضي «الفظ»كل منهم يناقض الآخر في 
الملامح الشخصية والطباع وفى المستوى اللفوي أيضا. ولعل هذا الجانب. 
اللفوي هو الذي دفع بعض النحاة إلى اتهام مناندروس باستخدام أساليب 
السريع والقصير جدا عندما تتخاطف الشخصيات الأبيات بيتا 
بيتا(2نطازد:مطءت5) وقد يكون هدفه فى ذلك معارضة شعراء التراجيديا 
والسخرية منهم. وبصفة عامة يترك مناندروس لمتفرجيه مهمة الغوص في 
الشخصية:, لأنه يجعل الحوار يمضي سريعا وهو حوار يتطلب متفرجا 
واعيا على الدوام لكى يتمكن من متابعة والتقاط الإيحاءات تباعا. وقد 
تدفع عبارة واحدة قصيرة للغاية الحدث الدرامي دفعة قوية إلى الأمام أو 
إلى تسلية الجمهور إلا انه لا ينسى تماما أن يقدم له الدرس الأخلاقي. 


534 


الكوميديا بين الميلاد السياسى والاسغراق الذاتى 


والدرس المستفاد من مسرح مناندرس بصفة عامة يتلخص في أن التحمل 
والكرم هما مفتاح السعادة البشرية في إطار العلائق الاجتماعية. 

ولكن شتان ما بين مسرح أريستوفانيس القائم على قضايا إنسانية 
عامة ومشاكل سياسية وفكرية جوهرية مثل الحرب والسلام: المرأة والرجل؛ 
الثروة والفقرء العدالة والمساواة» وما إلى ذلك وبين مسرح مناندروس القائم 
على الحياة الخاصة للأفراد وما بها من قضايا صغيرة ومسائل طفيفة من 
الحياة اليومية أي من الأشياء العادية التي تحدث كل يوم وفي كل بيت. 
فمسرح اريستوفانيس شامخ شموخ إنسان القرن الخامس في أثينا وأوسع 
أفقاء لآن أبطاله منغمسون في الحياة العامة وينسون ذواتهم فيها بل إن 
قضايا حياتهم اليومية البسيطة تذوب في خضم المصلحة العامة. أما الإنسان 
في مسرح مناندروس فقد فقد الآمل في أن يحقق طموحاته في الحياة 
العامة فتحول للاهتمام بحياته الخاصة وتقوقع في ذاته يمضغ أحلامه 
ويجتر ذكريات أيامه .(15) 


خاتمه 


وبعد... فلعل القارئّ الكريم قد تبين معنا كيف 
أن الأدب الإغريقى-عامة والشهر خاصة-يعد بحق 
خزاكا إنسانيا عانيا هاا سن حيف الشفكل 
والمضمون. فالآدب الإغريقي من جهة هو الذي 
قدم للإنسانية بعض الأشكال الأدبية التي لم تكن 
معروفة من قبل. ووصل بهذه الأشكال-وكذا تلك 
التي كانت معروفة على نحو أو آخر لدى شعوب 
وحضارات أقدم-إلى درجة من الكمال والجمال 
بحيث يمكن اعتبار أي تطور طرأ عليها بعد العصر 
الإغريقي ضربا من التدهور. ومثال ذلك ما حدث 
للشعر الملحمي بعد هوميروس وما أصاب المسرح 
بعد سوفوكليس. 

ومن جهة أخرى انشغل الأدب الإغريقي في 
جدية تامة بقضايا الوجود الإنساني الجوهرية وهو 
بذلك قد دلل على أنه أدب يصلح لكل مكان وزمان» 
وعلى أنه جدير بالخلود والعالمية. ومن أهم هذه 
القضايا التي تمثل المحتوى الرئيسي للأدب 
الإغريقي قضية العلاقة بين الإنسان والآلهة. وصلة 
الأرض بالسماءء ومسالة ما وراء الطبيعة أي عالم 
الميتافزيقيا والغيبيات. وكذا نظام العمل في هذا 
لكون وفكرة العدالة ومشكلة المستقبل الذي يعد 
لغزا مغلقا بالنسبة للانسان. وتأمل الكتاب والأدباء 
الإغريق كثيرا في طبيعة ووظيفة الفن الذي 
يمارسونه. ولسنا بحاجة إلى تبيان أن هذه القضايا 
التي فجرها الأدب الإغريقي منذ حوالي ثلاثين 


53237 


الشعر الاغريقى 


قرنا من الزمان لا تزال هي شغلنا الشاغل نحن أبناء القرن العشرين وفي 
كل أرجاء المعمورة. 

هوميروس كان على الأرجح ذا أصول شرقية: أي مقتبسا من حضارات 
الشرق القديم التي أرسلت إشعاعاتها إلى بلاد الإغريق عبر ساحل آسيا 
الصغرى. المهم أن أسلوب التعامل مع التراث هو من القضايا الملحة على 
أذهان الأدباء الإغريق عبر جميع العصورء فسطروها في صفحاتهم. وإذا 
كنا قد قلنا إن هوميروس قد ورث عمن هم أقدم منه أغاني البطولة 
الملحمية وتقنيات الإنشاد الشفوي فإنه هو نفسه بمرور الزمن قد أصبح 
بملحمتيه الخالدتين التراث الرئيسي والنبع الفياض الذي نهل منه كل من 
جاء بعده ابتداء من أتباعه الملحميين إلى هيسيودوس الشاعر التعليمي؛ 
فشعراء الأغاني الفردية والجماعية. 1 

ثم جاءت الدراما واتكأت على الملاحم الهومرية إلى الحد الذي جعل 
أيسخولوس.أبا التراجيديا-يقول إن مسرحياته ليست سوى الفتات المتبقي 
من مائدة هوميروس الحاقلة. ولقد احتلت هذه القضية الحضارية-أي 
الصراع بين القديم والجديد-بؤرة اهتمام الشاعر الكوميدي أريستوفانيس 
فكانت هي الموضوع الرئيسي في كثير من مسرحياته ولا سيما «الضفادع» 
و«السحب». 

أما في العصر السكندري فقد نشطت حركة قوية لإحياء التراث القديم: 
إما بالدراسة والتحقيق والتعليق؛ وإما بالمعارضة والتقليد. ولذا اندلعت 
معركة شعرية كبيرة بين كاليماخوس نصير التجديد وأبو للونيوس الرودسي 
سلفى النزعة ومحب القديه ©) 

وهكذا فإن الأدب الإغريقي الذي نعتبره تراثا عالميا وإنسانيا يعلمنا هو 
نفسه كيف نتعامل مع التراث. ومنه نعرف أن هذه المسالة ليست وليدة 
أيامنا هذه-كما قد يظن البعض-بل قديمة العهد لأنها متصلة بفكرة الزمن 
وتقادمه الواردة في أسطورة العصور عند هيسيودوس. 

ولقد أغاد الأوربيون المحدثون كثيرا من هذا الدرس الإغريقي. وضي 
مطلع عصر النهضة قامت حركة إحياء الدراسات الكلاسيكية بعد أن 
(*) ضم في مخطوط هدا الكتاب الذي ببن أيدينا بابا رابعا عن الأدب السكندري ورأينا حذفه 
نظرا لضخامة حجج الكتاب ونأمل في نشره قريبا إن شاء الله. 





خاتمه 


انطلقت شرارتها الأولى-ككل شي في عصر النهضة-من إيطاليا. ثم امتدت 
نيران هذه الحركة الإحيائية إلى فرنسا وإنجلترا وأسبانيا وألمانيا. وتبلورت 
المدرسة الكلاسيكية الجديدة في الأدب والفنون. ولعله من المفيد أن نذكر 
هنا أسماء بعض أقطاب هذه المدرسة. فمن إيطاليا نذكر بترارك وبوكاشيو 
ودانيتي ثم سيكاليجر وجيامبا تيستاجيرالدي الملقب بال شينثيو. 

ومن فرنسا نذكر أتين جوديلء؛ وروبير جارنييه وبوالو ثم كورني: وراسين؛ 
وموليير. ومن إنجلترا نذكر توماس كيد. وكريستوفر مارلوء. وابن جونسون 
م شكسيين: 

أما من ألمانيا فنكتفي بذكر جونشيد, وارازموس؛ وليسنج ؟ ثم شيللر 
وجوته. هؤلاء هم مؤسسو الكلاسيكية الجديدة في عصر النهضة. قام 
بعضهم بتحقيق النصوص الإغريقية واللاتينية وطبعها مما وسع رقعة الثقافة 
الكلاسيكية. وترجم آخرون الكثير من هذه النصوص إلى اللغات الأوروبية 
الحديثة. 

وأعاد الأدباء المبدعون ناثرين وشعراء صياغة الأساطير القديمة وأحيوا 
رموزها وصورها الشعرية ومحتواها الفكري والفلسفي. وساروا على هدى 
من المعايير النقدية القديمة. 

صفوة القول أن عصر النهضة الأوروبية الذي بدأ بنفض التراب عن 
التراث الإغريقي (الروماني) القديم وانتهى إلى الكشف عن كنوزه الدفينة 
أخن من ذلك دفعة قوية نحو عصرنا الحديث؛. بكل ما فيه من إنجازات 
أدبية وفنية بل وتكنولوجية. 

وبالنسبة لعالمنا العربي وعلاقته بالتراث الكلاسيكيء فأننا ننوه إلى 
عضن السشافق امف " 1 

لقد رأينا في الصفحات الأولى من كتابنا هذا أن جذور الأدب الإغريقي 
وكذا أساطيره وفنونه تمتد إلى أعماق الربة الشرقية هناك حيث ازدهرت 
حضارات مصر وما بين النهرين وفينيقيا وغيرها. ومن ثم يمكن القول بان 
استيعابنا للتراث الإغريقي (الروماني) سيفيدنا بلا شك في تقييم حضاراتنا 
اللشترقية نفسدها: 

ومن جانب آخر نعرف جميعا أن العرب المسلمين كانوا على اتصال وثيق 
إبان عصرهم الذهبي بالتراث الإغريقي (الروماني) فنقلوا عنه ما نقلوا. 


5353© 


الشعر الاغريقى 


بل إن بعض الترجمات العربية للنصوص الإغريقية كانت هي الركيزة 
الرئيسية في حركة إحياء التراث الكلاسيكي بأوروبا الناهضة. 

وكل ذلك يعني أن تراثنا العربي الإسلامي لم يكن بمعزل عن التفاعل 
مع حضارة الإغريق والرومان وآدابهما. 

أما فيما يتعلق بأدبنا العربي الحديث والمعاصر فحرى بنا أن توه-وضي 
ضوء ما تقدم-إلى بعد النظر الذي تحلى به روادنا الأوائل الذين دعوا منذ 
بد أية هذا القرن إلى ضرورة الاهتمام بالأدب الإغريقي والروماني. فطه 
حسين وتوفيق الحكيم وأحمد شوقي وغيرهم قد عادوا إلى التراث 
الكلاسيكي واستلهموه أو نهلوا منه. كل وفق طاقته واتجاهاته. 

بيد أننا نلاحظ أن هؤلاء الرواد جميعا قد توسطوا في اتصالهم بالأدب 
الإغريقي والروماني باللغات الأوروبية الحديثة غلم يتقنوا اللغة الإغريقية 
أو اللاتينية أو لم يتعلموها قط. ولما يكن هذا ميسورا لهم. فمعرفتهم 
بالتراث الكلاسيكي إذن معرفة غير مباشرة. 

ونرى من جانبنا ضرورة تخطى مرحلة «التوسط» هذه والانتقال منها 
إلى أفق التعامل المباشر مع التراث الكلاسيكي في لغتيه القديمتين. ومن 
هنا تأتى ضرورة التفكير في وضع بعض القواميس والموسوعات الكلاسيكية 
كبداية قوية لعقد هذه الصلة المباشرة. 

وعلى أية حال فان صفحات أدينا المعاصر لا زالت تحاول التقرب من 
الدب الإغريقي الروماني بصورة أو بأخرى. فالمسرح العربي-الحديث العهد 
نسبيا-قد نجح في الارتباط إلى حد ما بالمسرح الإغريقي. 

ويكفي أن نشير هنا إلى أنه قد أصبح لدينا الآن ما يمكن أن نسميه 
«أوديب العربي» بمعنى أن أوديب الإغريقي قد انضم إلى أسرة الشخصيات 
التراثية على خشبة مسرحناء إذ ظهر في أربع مسرحيات عربية حتى 
الآن 00 

أما بالنسبة للشعر العربي الحديث والمعاصر فان المتصفح لدواوين أبي 
القاسم الشابي؛ وعلى محمود طه؛ وأبي شادي ونازك الملائكة: و بدر شاكر 
(*1) انظر د. أحمد عثمان: «أوديب بين أصوله الأسطورية وهمومه الوطنية على خشبة المسرح 


المصرى» مجلة «البيان» الكويتية-اعداد 552 (غبراير )١979‏ ص22-16, 156 (مارس 1979) ص52- 
9 7 (ابريل 1979) ص 156-146 ,158 (مايو 1979) ص107-98. 


امكل 





السياب؛ وعبد الوهاب النياقي 7 وأدونيسء ونزار قباني. وصلاح عبد 
الصبورء وغيرهم سيجد أن شخصيات ورموزا إغريقية كثيرة-لا سيما تلك 
.2 .2 5 2 .0 8 3# هه 35 
المتصلة بأسطورة بروميثيوس سارق النار”” -تتربع على عرش الوحي والإلهام 
بل إن الأسطورة الإغريقية ورموزها قد ارتبطت لدي البعض بفكرة 
التجديد في الشعر العربي المعاصر. وفي هذا الصدد ونحن نلفت أنظار 
المتخصصين إلى هذه الظاهرة الإبداعية؛ وندعوهم إلى ضرورة مواكبتها 
ومتايعتها بالرصد والبحث والتقصي ثم بالتقييم أو التقويم فأننا من جائب 
آخر نتوجه بالدعوة إلى القائمين على شئون التعليم والتثقيف-ولا سيما في 
الجامعات المصرية والعربية-أن يزيدوا من اهتمامهم بالدراسات الكلاسيكية 
وأن يعملوا على نشر هذه الثقافة على أمل أن نحقق لأدبنا وتراثنا القوميين 
أفقا عالميا وإنسانيا أوسع وارحب. 


(*2) انظر لنفس المؤلف «عبد الوهاب البياتى وخرائقه الشعرية» مجلة «الكويت» عدد6ا ص36- 
3 وص4!ا١ا.‏ 

(*3) انظر لنفس المؤلف «سارق النارء وملهم الأشعار» مجلة «الدوحة» القطرية العدد87 (مارس 
3 ) ص146-142. 


اك 





قائمة بالمضتصرات 


(المستخدمة في الحواشي) 


11087 101111231 نوع عدر :طلخم 
الاعالاع ]1 لوعاوكة 01 :016 
010 5ع201ء5-5ع11طم011050م دعا 715عاعم8 عغ1 01 مدع وام :15تعاعم8 
1050213 08 #جالتاعةظ عطا 1م دلمصصخ عتكنا ,معزءدت تاممعطاخ ناماع سنائ1امعصوط 
تع انا ومعطام 
علاط 1دوم12551ن) ا 5م5101 11313210 :0.5. 11.5 
المدهء جع نفسه - ععمعتعاع1 عتصدد ع1" :مرعل 1 
المؤلف نفسيه - 2100101 عصدد عط1' :درعل1 
5ك عتمعااعط 01 امتتتامل :115ل 
-1]61:31111:6آ عاعع01) 11 211011131125 آ ,8015/13 .31. :121017131125 
سبقت الاشارة - اعمم معط تزآدناهتلاعمم 10216 عطا - سسطمتكت كدم0 بأ .02 
إليه 
11011511 210 11:6مأ511 515ع00 ,110لك]1 .1.10.1 :واوعلمط 
5ع 81065 وعل عتالاع ]1 :180 
55 لدعاكة 1ن علهلا :105 


الحجواشي 


الفصل الأول 
539 بده] ,متقاط (1) 
عاعع01) 01 عأو0هطلصهآ1] رك ,1910 تتعصطناع1' .عد عحمه1]] وعدهن6وع2 01 (2غهصع [طامم معلتتعصصمط ,دوماع لكلمميع11] (2) 
3 ,355 .77 .لمع انآ 
(3) الناقد المعني هنا هو إمكاسيوس لونجينوس أو ديونيسيوس لونجينوس أو غيرهما ممن ينسب 
إليهم الكتاب الذي يحمل عنوان «فضي الأسلوب الرفيع» (دناهدم :]1 ترهءط) راجع: 
أمتامع ,لإتةوطنآ لدع زهة1ن) ماعم.آ ,عوط .177.11 نز سمنغهامصقه امتاعمظ سه 1/1)5ا> عسنتاطاناى عط 5<)0 1 اصساعدمآ 
1013 
(4) عن المشكلة الهومرية انظر: 
الل[ نإ(265 -234) .22 ,تعدده]ظ مغ امتصدم دده ك ,).للع(دع متططنذد 7ععة117 
وجدير بالذكر أن المشكلة الهومرية قد تركت أصداء واسعة النطاق عميقة الأثر في دراسات 
المستشرقين وفي مقدمتهم مرجليوت الذي كان بدوره الأستاذ الملهم لعميد الأدب والنقد العربيين 
طه حسين. ومن ثم فأننا لا نغالي إذا ربطنا بين المشكلة الهومرية» خاصة:؛ والدراسات الكلاسيكية: 
عامة. من جهة ونظرية طه حسين في الشعر الجاهلي من جهة أخرى. ونأمل في العودة لدراسة 
هذا الموضوع بالتفصيل مستقبلا إن شاء الله. 
استدقدم)1966 نل مهن 0م82 نوع[ عطا لصة 100وع11 .غأمع21 17 .م .18 276 .مم ,مطاتج/ط عاعد0 01 عسسطداطا ع1 11 (5) 
وعن الأصول الشعبية لملاحم هوميروس انظر 
أمتامع رووع1 211101012 ١7‏ 06 'وازواع كلملا ) وعلط عتتعصو] عطا متهعد5 سه ممناعاط ,علمتمعلاه] ,تعامعء ص0 .خآ 
تستوقهم (1974 
.]1 ,1 ,7 ,ب ,مقتصددتتةط (6) 
2 ,105,17ملم2ع7(11) 
وعن تأثير الحضارة الفرعونية والفينيقية على الإغريق بوجه عام راجع: 
5عتناع 11 عتأقة1م عستختصقتامنزع18 لننه سحتام نرع8 عط أه غاع انآ عط سا كمه تداع ظ] سحتام نوع 1-معع012 ,تصقلهة5 1/1.1.81 
طن ,(طن1اع 8 10 /211115ئنا5 ,ج1أؤ/ا عاعع1) 11) 00 أهاتاء0155آ .([آ.حاط ,(.8.0 525 -945) وعازو عاعع1 جره لطتاه10] 
مم.مدع تستوقدم ,1980 إالورعناتطلآ دمعطلخ .29 -31 ,69 ,92 ,103 .ترتتاممهدملتطط 2ه (ولناعة0 عط 6 
.45-5 .مم ,(1979) 1 .مم 100 701 ,طلى .45 -58 .لتلطامصباظ سمعتدمة عط لصه عمق طتتهن0) ,مسق تمع مطط<,و بع :دآ 
وانظر كذلك: 
د. احمد غزال: «تطور الفن الإغريقي في العصر الميلادي والتأثيرات المصرية». مجلة «عالم 
الفكرء الكويتية المجلد الثاني عشر عدد 3 )١981(‏ ص 57- 72؛ وايمانويل فليكوفسكي (ترجمة 
فاروق فريد): أوديب وإخناتون؛ القاهرة 1970 وقارن فيما يلي الباب الثاني حاشية رقم 79 حيث 
نناقش الأصول الأسطورية لأوديب. 


ل 


الشعر الاغريقى 


وأما عن تأثير الحضارة الفينيقية على هوميروس عبر الحضارة الموكينية فانظر: 
1199-8 .مم (1968 عتتملا نتاع[8 .ع1 .تعطمتاطنام عتتقنو؟ اعم 000) عقرعء:113 له تتعدده1] ,دهذ15نل8 .3/1.52 
.]8 51,55 -3 .زم (1962 ووعط .وااوتع 'كنمنآ عط غه عع30 اسمن ) تعدمهآ] 1ه دعمه5 عط ,عنست] .0.5 
(8) (مجهول المؤلف ولو أنه ينسب أحيانا إلى أغلاطون) ع987 ,كتدسمصام8 
.مآخآ.آآ 2011181510 عطا لصة نحنمأدتاط ,سعل1 بآلا .طن (1955 0:1050) نزووع00 عتتعصصمط عطا رععدةط..آ.2آ (9) 
2/6511 ,(1972 1855م 0151714 11ملذء 01 8165113 1011117]) 
هذا ويغلب الميل نحو ربط هوميروس بالتاريخ والآثار في دراسات كل 
من د. عبد اللطيف أحمد علي ود. لطفي عبد الوهاب يحي. انظر للأول: التاريخ اليوناني. 
العصر الميلادي (بيروت -١1974‏ 1976): وبالنسبة للثانى انظر حاشية رقم .١5‏ 
1 7 1ن ,عتتمنة01 ع7[ ,متعع0 (10) 
3 م بعاتقسلصمآ بوكحهظ (11) 
6 .م قكأوع201 ,1100 (12) 
(13) يعني اسم «إلياذة» (1115) «قصة اليون» أو «اليوس» (11105 ,11:02) وهما الاسمان الأصليان 
للمدينة التي عرفت في وقت لاحق باسم طروادة (©زه:1 وباللاتينية1:018) وهو الاسم الأشهر؛ وإن 
كان في الأصل يعني المنطقة المحيطة بالمدينة لا المدينة نفسها. 
(14) يعني اسم «الاوديسيا»(0455610) «قصة أوديسيوس» كما نقول «الأوريستيا» عن قصة أوريستيس 
وهكذا. 
(15) تعد حادثة ثيرسيتيس هذه في «الإلياذة» من أشهر الموضوعات ويتردد ذكرها كثيرا في الأدب 
الأوروبي الحديث لأنها ترمز إلى ما يلاقيه أفراد العامة عندما يقومون في وجه الملوك أو 
يتطاولون عليهم. ويناقش د. لطفي عبد الوهاب يحيى هذه الحادثة في بحثه «عالم هوميروس» 
مجلة «عالم الفكر» الكويتية اللجلد الثاني عشر عدد 3 (1981ا) ص 57 7. هذا ويميل الدكتور 
لطفي عبد الوهاب في دراساته عن هوميروس إلى ربطه بالتاريخ وأثار. قارن حاشيته رقم 9. 
(16) يبدو أن اسم «هيليني» نفسه ليس إغريقيا صميما-كما هو الحال بالنسبة للكثير من أسماء 
الآلهة والإلهات والأبطال في الأساطير الإغريقية-وهناك دلائل كثيرة على أن هيليني كانت في 
الأصل إلهة ترتبط عبادتها بفكرة الخضرة والخصوبة في الطبيعة وعرفت هكذا في بلاد الإغريق 
فيما قبل الغزو الدوري. وتعد من الأمثلة القليلة في الأساطير الإغريقية على نزول قوة إلهية من 
مرتبة الألوهية إلى مرتبة البشر العادية أو حتى إلى مرتبة الأبطال. كانت هيليني في لأصل تعبد 
كإلية حامية للأشجار وتعمل لقب درية الشجر» (238ه.0)ء ويل إن شجرة ما فى إسيرظة كانت 
تسمى «شجرة هيليني» المقدسة. هذا وهناك رواية أسطورية أخرى تقول إن نهاية هيليني كانت 
عنيفة إذ شنقت فوق شجرة:؛ تماما كما حدث بالنسية للخادمات الخائنات في قصر أوديسيوس. 
وربطت الأساطير كذلك هيليني بالطيور فقيل إن زيوس أباها كان قد تنكر في هيئة طائر البجع 
ليتصل بأمها ليدا. وقيل في رواية أخرى إن هيليني ولدت من بيضة. ولما كانت الحضارة المينوية 
في كريت مليئة بشخصيات إلهية على هيئة الطيور فإن ذلك قد يشي بان هيليني جاءت إلى بلاد 
الإغريق عبر كريت من بلاد الشرق وتراتهم الأسطوري. 
(17) هنا يتذكر القارىّ العربي قول أمير الشعراء احمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه 
نازعتني إليه في الخلد نفسي 


506 


الحواشى 


(18) لم يكن هوميروس ناقدا أي لم يكتب دراسات نقدية تنظيرية في الفن والشعر وما كان له أن 
يفعل ذلك وهو المبدع الأول. بيد أننا يمكن أن نستنبط بعض ال معلومات عن موقفه النقدي من 
تحليل أشعاره ويمكن التعرف على رأيه فيما يتعلق بطبيعة الشعر ووظيفته. راجع د . احمد عتمان 
«أغاني نقدية من هوميروس حول طبيعة الشعر ووظيفته. مجلة «الثقافة» القاهرية عدد 38 
(نوفمير 1976) 62- 66. 
6 -144 مم دماعتاءع: عاعع01 ]0 'تتماولط ,دماوزلة (19) 
(20) عن فكرة التالية في الفكر الإغريقي الروماني بصفة عامة وعند سوفوكليس وسينيكا بصفة 
خاصة انظر: 
طلومة2 .5أومعطأومى وعاعمعع]] 1ه دمعاامعم غط]' بمقصاط 
8 -117 مم ,06005 تتاغطا لصة ماعد0 عط ,عتقتطن© كه (21) 
155 -148 .مم بممتعناعظ] عاعع0 2ه تتتمأقتط ,ممدووللط (22) 
.144 -143 مم ,كأوعزه2 ,متكا (23) 
)224 راجع حاشية رقم 8. 
(25) عن تقنيات هوميروس راجع: 

(12301500 ل.ل نزط) 214 -19 جزم ,تعدده1]1 0غ امتصدم دده ك ,(.0لعم) حعستاططندد 7 ععة/11 
وقارن د . احمد عتمان: «الوزن الساتورني والأصول المحلية للأدب اللاتيني» مجلة «الشعر» القاهرية 
عدد ١8‏ (أبريل 1980) ص 50- 57. 

(26) بطل هذه الملحمة هو هرقل انظر: سينيكا «هرقل فوق جبل أويتا» ترجمة وتقديم د. احمد 

عتمان. سلسلة من المسرح العالمي الكويتية عدد رقم 8 (مارس ا198١)‏ ص ١09 -١١!‏ وقارن: 
2 ,56 ,44 -43 .مم ذ5أومعطاممة4 “دعاعممع] 1ه تسعاامعم غط]' بممساط 
8 -132 مم ,عتناشواع امآ عاعع 1 01 15]013آ] ,ماوعا (27) 
(الترجمة اليونانية) ستتدمةط ,لإتاعوط عذمظ عاوع 02 ,لإعلجسك]1 
1ط 1454 دوعناعاو2 ,علأماوترخ (28) 

(29) عن نصوص الأناشيد الهومرية انظر: 

رعختط/الا مواعلاط .11.0 نز ممنداقصدئ 1914 بامتاعصط صه طغز/الا بوعتتعدمه1]1 سه ممصرآ] عتتعصسصمط عط]' بلمزوع1]1 


4 أستروع: تكتقنتطرآ لدع 1ر015 ماعم] 


الفصل الثاني 

4 7 ,3173318تقطى أمظ بأئع10171 .8 .81 7 متعلصدللمعتط .2 (1) 

53,0 

]1 215 .مم ,1955 تأدمعتلمع8] ,أععصنآ .أعل علممهنجداظ! متسعلدعة ,مذدن] .0.1 7 تعصطعناظ .0 (2) 

-182 مم مصمنعئنتاع؟ عاعع 0 1ه تجردمؤأدنآط بدهدو1نل8 .2ه (3) 

(4) عن التشاؤم في قصائد هيسيودوس وعلاقة ذلك بتراجيديات أيسخولوس ولا سيما ,بروميثيوس 

مقيدا» انظر: 

]5 124 .مم (1949 ذ5وعط نوع حتصت] اأعصرم0) وماتتطعوعة لصة ل0مزوع]1 بمعخدماهد .1 . 

(5) راجع د . احمد عتمان: «هيسيودوس وطبيعة الشعر التعليمي». مجلة «الشعر» القاهرية عددوا 


547 


الشعر الاغريقى 


(يوليو )١1980‏ ص 45-39. 
(6) قارن أدناه 
2 0181.364 .]125 ,قناضة 1[ ص01 (7) 


الفصل الثالت 

)١(‏ عن معنى هذه الكلمة واشتقاقها وعلاقتها بكلمة «كلاسيكى» (5نه012551) انظر: د. احمد 
عتمان «طه حسين ومستقبل الثقافة الكلاسيكية فى مصر». مجلة «الكاتب» القاهرية عدد 19! 
(أكتوبر 1977) ص 3-22. 1 

(2) بايان أوبايون هو طبيب الآلهة الذي انتقل لقبه هذا مع وظائفه إلى أبوللون ولا سيما فيما بعد 
عصر هوميروس. وصارت الصرخة التضرعية «إيه بايان» آو «يوبايان»-التي قد تعني «داوني» أو 
«اشفني بايان»-مألوفة في عبادة أبوللون. واكثر من ذلك أن نفس هذه العبارة أصبحت تتكرر 
كلازمة لأب مقطوعات أية أغنية نصر بايان. 

(3) نسبة إلى هيمين (ه812:6) إله الزواج الذي تخاطبه الفتيات وهن يغنين محتفلات بالعروس 
أثناء زفافها آل حجرة العريس. 

(4) من الفعل 201دهءطء:وملاط بمعنى «ارقص بمصاحبة الموسيقى» والهيبورخيما إذن نشيد غنائي 
راقص نشأ في كريت أصلا وموضوعه الرئيسي تكريم وتبجيل أبوللون أي إنه نشيد ديني الطابع 
والأصل. 


الفصل الرابع 
)١(‏ هو والد سيمونيديس من ساموس (أو أمورجوس) الشاعر الإيامبي الذي سنتحدث عنه بعد 
قليل. وهو غير كريتياس مديق سقراط والذي كتب أغلاطون محاورة تحمل اسمه عنوانا. وعن 
نصوص الشعر الأليجي والإيامبي من ناحية أخرى انظر: 
أمترمع: ,1931 تتتووطئنآ لمعتوقمك 1 8 7015 بلع تمع عم صخ طلز وناطصصةآ] لمة نزععا8 ,ولممصل8/1.8.ل 
6. 
3 ,روع :ةمث ,01101115 (2) 
1 311011131125آ ,8015/13 .كك بك بك , 2177 ,ومطقتاة (3) 
102 .«وبعوك ١١‏ عاعع 01 01 عآامو8 01010 (ل4) 
(5) في إحدى قصائده الإليجية يخاطب الشاعر الروماني بروبرتيوس شاعرا ملحميا معاصرا له 
ويقول: 
«ماذا يفيدك أيها البائس أن تغني آغنيتك الوقورة 
وتقول لنا أن أمفيون بنى الأسوار بقيثارته 5 
فأشعار ميمنرموس في الحب تفوق هوميروس 
والحب اللطيف يتطلب أغاني عذبة الانسياب» 
1 6 ,15 /ا1 ركةتطودتلةط ,3 629 5عوع.] ,متقاط (6) 
45-8 م« .01 .مه ,ؤللاع دآ (7) 


5/48 


الحواشى 


5 50102 بومطعتةأناط (8) 
(9) عاصر سولون حملة قمبيز على مصر ولذلك عاب عباس محمود العقاد على احمد شوقي انه 
لم يضمن مسرحيته «قمبير» هذه الشخصية البارزة وكذا كرويسوس (- قارون 6). ولنا بعض 
التحفظات على آراء العقاد هذه رغم اعترافنا بدقة معلوماته التاريخية. إذ ينيغى آلا نحاسب 
الشعراء كما نحاسب الفقهاء أو العلماء. والأساس فى النقد االسترجى فوفد أهمية هذه 
الشخصية أو تلك للبنية الدرامية. راجع د. احمد عتمان «شوقي بين الخلفية الكلاسيكية والمسألة 
الوطنية في مسرحية قمبير». مجلة «الشعر» القاهرية عدد 17 (أكتوبر )١1979‏ ص 62- 77. هذا 
ونناقش نفس المسالة على نحو اكثر تفصيلا في كتاب على وشك الصدور عن «المركز العربي 
للبحث والنشر» بالقاهرة ويحمل عنوان «كليوباترا وأنطونيوس دراسة في فن بلوتارخوس وشكسبير 
وشوقي». 
.142 ]1 76مم ,قعاتةتصلصمآ بوكامهة8 (10) 
4ع 5.3 142 .م .موء ,]8 .3ع 4 .مم ,كتومعطاومكة “وعاعميع1] 2ه جمعاطامم عط]' بمقص]ط (11) 
(12) ترد على لسان الجوقة في «أوديب في كولونوس» (أبيات 1215 وما يليه) المقولة التشاؤمية 
التالية: 1 1 
«من الأفضل ألا يكون الإنسان قد 
ولد قط أما إذا حدث وولد فلا خير يبقى له سوى أن يرحل 
بأقصى سرعة ممكنة عائدا إلى حيث كان قد جاء» 


الفصل الخامس 
144 دعتاعه2 ,ع124115]01 (1) 
وعن نصوص الشعر الإيامبي انظر المرجع المشار إليه في حاشية رقم 5. 
(19) غ2 .1256.016 ركتاطة !ناص 1ن0) ,4 :01601 ,متتعع 01 ,1 ,60 (2) 
(3) قارن حاشية رقم 5. 


.14 171 ,.لمم8 ,كستتة:80 (4) 


الفصل الساد س 
0 موتكاتة تطلصكآ يمكحمظ8 (1) 
وعن نصوص الشعر الغنائي بصفة عامة انظر: 
7 أاستروع ]1 ١7013‏ ,لتتقططارآ لدعزومقة1ن) (اعم.] بوعدوع1 1:2زآ ,كلصمتصل8 .1.801 
(2) عن سافو ومزيد من التفاصيل عن شخصيتها وطبيعة أشعارها انظر المرجع التالي: 
.110-1-146مم .موء ,(1955 ووععظ دصملمعنته1ن 0:12010) 5تاعوعاى لتنه ماممدة ,عع22 ..آ.0آ 
أما عن تأثيرات ساضو في الشعر الإغريقي الروماني والعصور الوسطى من ناحية والشعر الأوروبي 
الحديث والمعاصر من ناحية أخرى فانظر: 
8011 الاع[1 .عص[ وتعطو ناطناط عنتقناو؟ ناعم 000 ,)عددم]1 ممه عععع01 تعطاع له ماممصدة ,دامكصتطهخ12.31.1 1963 
5 7 ,000]05ع2]1 (3) 


500 


الشعر الاغريقى 


20,7 يقعتتاخ ولامء5 (4) 
.0 -28 جزم (1893 2002ضمرآ) صمتكةاقصهع 5“ نإعاصماة كقتطتمط]' لازنا دمع تعحصخ ,(لع) معلاسظ8 .181.ى (5) 
وقارن د . أحمد عتمان: المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم. دراسة مقارنة (الهيئة المصرية 
العامة للكتاب 1978) ص 216- 219. 
(6) أمالثيا (دنعطلهسهة) إما أن تكون العنزة التي أرضعت زيوس الطفل عندما ولد في كريت» وإما 
أن تكون إحدى عرائس الطبيعة أو بنت ميليسوس ملك كريت التي أطعمت زيوس الرضيع بلبن 
العنزة فأعطاها زيوس فيما بعد قرنها. وهذا القرن هو الذي يطلق عليه اسم «قرن الكثرة» 
أو«الوفرة» لأن من يمتلكه ينال كل شيم إذ يكفيه أن يتمنى فيجد ما يشاء في القرن الذي يعرف 


باللاتينية ياسم عة ام معنا صلصحر00 . 


الفصل السابع 
عه 243 ,05لعقطط ,منقاط (1) 
وعنلناة لدع زدمة01) ,101 02 اتاعتطوعا لوعتعه1مطء تروط 01 مصنوتنه عطلا له قتحتمطاء زوع ]5 ,صسنطام 60001 .1.15.8 (2) 
.5 171 رم .1936 ووع: زواع 'الصتآ ممأععسلط ,/إملطصتط غ70 ختط ده .171 دممة© لمعه كل مغ لع أمعوعمم 
سعد .أممدعلة .#مطكن (3) 
1 347 ,.طاك .010 عل ,ومطععتمساط (4) 
عن نص وتاريخ حياة الشاعرة كورينا راجع: 
تصزةكمم ,1963 لعاسترمع ,1953 دعنلنند عتمع لاع 01 72005مم عط 101 تأعلع50 عط]' ومصترم0 ,ععوهط..آ.دآ 
(5- راجع د. أحمد عتمان: «أرازموس. درس حضاري في التعامل مع التراث» مجلة «الدوحة» 
القطرية عدد 68 (أغسطس )١1980‏ ص 69-66. 
,801.11 بدمتكهجنل111ن عاعع 01 بلنتممصوظ (6) 
(7) عن تقنية بنداروس انظر: 
]1 72 .جزم ,تتملسصتط ,لم متتترمكل1 
أما عن صوره الشعرية وطريقته في معالجة الأساطير فانظر: 
.0م ,تقلصاط يفتتجه8 
1 239 
(8) عن تاليه هرقل راجع: 
3 -68 .2م .مدع تستحقدم ,ؤلومعطاوم ك4 *و5عاعمع1] 1ه تمعاطمم عط مبمقصاظ. 
وانظر كذلك سينيكا «هرقل فوق جبل أوريتا (ترجمة وتقديم د. أحمد عتمان) ص .109-١!‏ 
7 كك ,1 701 1 .تدعةظ,ا ,136 .0 (9) 


الفصل الثامن 
)ع( الإلياذة» الكتاب السادس بيت 2 الكتاب الرابع عشر بيت 325 «الأوديسيا» الكتاب الحادى 


عشر بيت 325 الكتاب الرابع والعشرون بيت74. 
2 ,1آ1آ ,70000605ع11] (2) 


الحواشى 


)3( بوع )ناوص ,ع[أماوتى‎ ١111 
عن مزيد من التفاصيل حول هذه المهرجانات المسرحية القديمة ومحاولات إحيائها في بلاد‎ )4( 
اليونان الحديثة انظر: د . أحمد عتمان: «مهرجانات إحياء المسرح الإغريقي»» مجلة «الكاتب»‎ 
.160 -155 ص‎ )١1975 (سبتمير‎ ١74 (أغسطس 1975) ص 154- 160 والعدد‎ ١73 القاهرية العدد‎ 
.147 -145 راجع يوريبيديس «الباكخيات» أبيات‎ (5) 
)6( ص بقتصةئدآ عنعة:]' ,باعتدط‎ 0 
)7( ,مطههاة‎ 2, 1 
)8( بدعتاعوصط بعاماوتتى‎ 10 40 4 
)9( .تصعلنط]‎ 
)10( 'لث ,وعمقطمماكتتث ,.امطءة‎ 9 
)11( بدعتاعوط ,ع[أمامترث‎ 1448 5 
)12( 117. اإاأواع اندلا عع #طسهن) 5سمتلعع 12 عاعع01 عطا م1 ,لهاععم5 2 طاذة جلعم 112 01 صنع 0 عط]1' ,نجه تعع1810‎ 
ععمعتعاع" لهاععمة صا روعع 4 ] مدعم متنا مهال 01 وععصمل عتلفسفعل له كقتصقج[ عط .معل] ,ستوقدم-دوعتم‎ 0 
(ستوهدم)1915 ووععط وذو حنصت] عملت طصهن تجلععة1' عاعع‎ 
عن نظرية فارنل وعن مزيد من التفاصيل والآراء حول نشأة التراجيديا انظر‎ )13( 
ع1 ,ع810 ,011 بلكة.م (1909) 20126 1115 صعل1 .كك .16 230 .مم ,7801.7 ,دعلهاة عاعع د 012 5ألانن ,لأعصوط1‎ 1 
بع تطشواع ل[ عاعع01 .223 -233 .01 5013ل ,لإأوعآ ,77 -9 .زم .زوع تتوقهم ,اإلععة1' عاعع 0 1ه جره تراتتوظ سه‎ 
مم‎ 223- 
)14( وعناعمم نعخ ,فتتطكهة:10]]‎ 274- 7 
ولذلك نميل إلى القول بأن «المسرح الملحمي» الذي يرتبط باسم المؤلف والمخرج الألماني‎ )15( 
المشهور بروتولد بريخت ذو أصول كلاسيكية قديمة. راجع د. م حمد عتمان: «قناع البريختية.‎ 
دراسة في المسح الملحمي من جذوره الكلاسيكية إلى فروعه العصرية» مجلة «فصول» القاهرية‎ 
ص 88-69. وانظر أيضا لنفس المؤّلف: «بريخت‎ )١1982 المجلد الثاني العدد الثالث (أبريل-مايو-يونيو‎ 
بين التطهير الأرسطي والتنوير الذهني». «المجلة العربية للعلوم الإنسانية»». جامعة الكويت-العدد‎ 
.156 -126 السابع, المجلد الثاني (1982) ص‎ 
)16( عل ,تاعل1 كه ,5 ,1 ,آ ,.هدة .أمعة .تصمء ,ؤمطعموساط‎ 0101 
بلتتعطام‎ 7. 
)17( ,فناتعة.آ فعدععه زح[ .كك ,29 © دمامة بتمعل1‎ 1 9 
)18( 16 ,.اتاه .معطلخ بعامافتيث‎ © 
.4 راجع حاشية رقم‎ )19( 
)20( .آطمتم ,عاماقتركى‎ 212,1 
)21( ,ؤم6ملم2ع11‎ 1711 
)22( اأكلم00) .أقع002 ,نمطعتمساط‎ 17111 3 
عن مزيد من التفاصيل راجع‎ )23( 
.0ع 220 ,1927 نؤعتط مهلمعتة 1ن ,01010 ,/إلعددمن) لطة (جلع1138: ,حسف تجطغزدة ,عع طحصدةن- وعلط‎ 216 


.ا و 2اوقارن حاشية رقم .85 127 .مم عتنطهععائ] عاعع:0) 1و ءامو طلصة1]] عنهخ] ,1962 .تاعؤء لا .1.8.1 برط 


الشعر الاغريقى 


الفصل التاسع 
3 ,1 ,قفتسودتاهم (1) 
9 -50 مم .1ن .مه بطعنتقط .كك ,2 ,3 ,.تسمعللظ .طاطظ ,علاماكتتكى (2) 
والجدير بالذكر أن مثل هذه الروايات تدل بما لا يدع مجالا للشك على أن جمهور المسرح 
الإغريقي منذ اليداية الأولى لهذا الفن لم يكن منوما تويما مغناطيسيا كما يظن بريخت والبريختيون. 
انظر حاشية رقم ١5‏ وأما عن ملابسات العروض المسرحية الإغريقية فراجع: 
بقتطة01] عاعع01 صا ندمتامعنتمء 1977 .لعتداع؟ لصة دعلاقخ ]0 نزلنذاد ث ,ؤععمع1لناخ مه 5زماعخ ,10ك3ج1 .8 
255 لقاع انتآ 01010 1977 . 
.7 ,ةلطم زعة]1 (3) 
0 ..1[ودرك غ1 ,ؤمتدنةماتطاط (4) 
62 ,مأك .مه أطعنتدط (5) 
7 1449 بوعتاعه2 ,علأمأفتعث ,(7 .طنآ .أعمم) نلاأانامال/ا (6) 
7 12 ,فقتصدة1اوم (7) 
(8) عن الشذرات المتبقية من شعراء التراجيديا الإغريقية انظر: 
00115 ,1135121113 0126010117 7اتتتمع لع 113 باأعمد .8 
7 .م فتاعهمعطاى (9) 
وانظر أيسخو لوس «الفرس» ترجمة وتقديم د . عبد المعطي شعراوي (الهيئّة 2.428 ,دعل1 (10) 
.7-2 ) لا سيما المقدمة ص978االمصية العامة للكتاب 
(11) يقربنا هذا التفسير للثلاثية الأوديبية من ثلاثية «الأوريستيا» ونهايتها بتحول ربات العذاب 
والانتقام أي الإيرينيات إلى ربات رحمة وصفح. انظر د . احمد عتمان. المصادر الكلاسيكية 
لمسرح توفيق الحكيم, ص 228- 250. 
5 -55 (إلع1138' عاعع01 ,10الكا .اه ,1 .1082 .م ,نأك .ره بطعتدط .مه (12) 
1 تتقخ] ,فعسصقطاممأةترث (13) 
2 « ,قتاعدمعطاكث (14) 
4 -109 مم ,نأك .مه باعتدط (15) 
عط" ,نكت .11 .اء ,148 -130 .مم ,(1979) 1:6 0 ع2 1115 ,**زع11110” فناعطأعصصمءط عط1]“ بأوع717 .31.1 (16) 
01 أكهتك ععهاة .460 -169 .عط بصنتامة! .0 ,مستوكهم 1977 عزلتطحصقن) لصناه8 كتاعطاأعصسصمعط 2ه (جاتع اسمعطانم 
.69 -460م .(1977 051010) 5نااتزعوعم 
(17) عن مزيد من التفاصيل راجع: 
صدكل دعلهأمعته-عطاء0:م وععتناهة و5ع1 تتناى لمقعوع1 :0610 ستاؤع2[ ع1 اء دناعت عل ععتاكلال هآ ,ستسعطعندآ[ .ل 
ملتاعطاء .40 -50 .تصوعط 02 عرملدقوط عط]””,اأعصوط .خ1.] ,54 -1 .مم ,(1979) 1180-2011 معع ا واءوظ عطاوكة 
مم (1933) 111آ 115[ ,وتطعصكم؟ 50-40. 
)١8(‏ عن تاثير أسطورة بروميئيوس على الشعر العربي الحديث والمعاصر انظر د . أحمد عتمان: 
«عيد الوهاب البياتي وحرائقه الشعرية» مجلة «الكويت» عدد ١982( ١6‏ ص 36- 43 وانظر للمؤلف 
نقسيه: 
«سارق النار وملهم الأشعار» مجلة «الدوحة» العدد 87 (مارس 1983) ص 146-142 . 


الحواشى 


6 ,28 1 ,مقتصددتادم (19) 
24 .تاعوعكى ٠71.‏ (20) 
)201( راجع د. أحمد عتمان: «المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسيير. دراسة في مقومات الكتاية 
الدرامية إبان العصر الإليزابيثي مجلة»عالم الفكر«الكويتية المجلد الثاني عشر عدد 3 (1981) ص 
3. 
1" رنتغمعن ,10 ,23 (22) 
(23) راجع حاشية رقم 03 
(24) قارن هيرودوتوس (الكتاب الأول 207, )١‏ وسوضوكليس»فيلوكتيتيس«أبيات 535- 539 وأنظر: 
1 ,'(لع1128' عاعع01 صا عمط ,بللنسهم؟] عل 
هذا ويقول سينيكا (,117 .1010 ع2 )١‏ 
21161313 1341113 للتتتاع]1 أقع ع5130135 1 1/1310 عتزقةغا تنتتقة 2001511 عصتد أع بمععتاع؟ عووع مع 17 زعم طرعد 
«دائما ما نجد السعيد الذي لم يحس بوخز الضمير يقضى حياته في الواقع جاهلا إذ لا يعرف 
الجانئب الآخر لطبيعة الأشياء». 
2 ,.طاتاء17.و0محدهن) ع2آ ,قتقصع55ة صصمدء11211 (25) 
(26) د. أحمد عتمان: «المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسبير» ص ١59‏ وما يليها. 
6 2 .0131 .201آ,رنناطلة 11 ه01 ,52 .01 ,نممحماومة نتن مدآ .(27) 
]1 .مم ,كلومعطاهمكة *د5عاعموتع] 02 دمعاطمم عط] ممع .149 (28) 
02 ,بعع012 .دمن .تدعةةظ ,ععاعماء81 .592 (29) 
ل 329 .م وعذ1اطنامدوع؟] ,مكهام (30) 
(31) قارن سوفوكليس «بنات تراخيس» أبيات ١104-١١01‏ و 416 وكذا «أوديب ملكا» بيت ١524‏ على 
التوالي مع يوريبيديس «هرقل مجنونا» أبيات 3- 1357 وكذا «المستجيرات» بيت 567 و «الفينيقيات» 
بيت 1785 وما يليه. وهذه أمثلة قليلة من مواضع أخرى كثيرة يمكن أن نجد فيها تشابها واضحا 
بين الشاعرين. 
(32) عن الشذرات المتبقية من سوفوكليس راجع حاشية رقم 3 وانظر: 
ملع سك أاسترمع" 1971 .عع#10طصدن :ؤعاءماممة 02 نامعصعةئ عط]' ,.مومقموعط .هنل 1971 . 
(233) راجع حاشية رقم 15 
(34) د. أحمد عتمان: المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم. ص 91-45. 
01 1011م عغط]' مقاط .كه ,195 -193 بوعتاعو0' فتتث ,فناتلةآ] .كك ,]1 25 2 1456 بوعناعمط بعلأمافعخ (35) 
-83 مم ,ةأةمعطاومك .83 -101 .وؤعاعمع1]1 
(36) انظر الحاشية السابقة. 
(37( راجع حاشية رقم 5١ا.‏ 
.12 -11 5 1460 بدعناعءه2 ,ع1أمأفتى (38) 
(39) يرى والدوك أن الصراع مسرحية «انتيجوني» يقع بين هذه البطلة وكريون أي أنه صراع بين 
إنسان وإنسان وليس بين إنسان وإله. ويرى هذا الناقد نفسه أن أوديب في «أوديب ملكا» لا يصارع 
القدر كما يظن 


الكثيرون وتأتي آراء والدوك هذه في معرض رده على نظرية باورا في تفسير مسرح سوفوكليس. 


الشعر الاغريقى 


,150 -149 .مم بأةتأقسة:دآ عط ذعاعمعممة بعاء12100 
ومع أن نظرية باورا قد استقطبت الكثر من الانتباه وتعد بحق من أساسيات الدراسات السوفوكلية, 
إلا أنها قد أثارت الكثير من الجدل. ومن المعترضين عليها ويتمان 
8 -27 .00 ,1513ةتطناآط عزممع11 01 نزتلنذد ث ,ؤعاء10م50 بمممغتطا/ل1 
وفي هذا الكتاب (ص 5- 6, 24- 29 الخ) يستعرض المؤّلف أهم الدراسات والنظريات حول مسرح 
سوفوكليس. أما عن نظرية باورا فرا جع: 
تكلةق6هم ,لإلع1128' سدعاءمطاممة ,مم8 
عط وعاء0طم0؟ ,مسملخ ,199.1 ,197 ,196 ,190 .2 .مم ,كتومعطاممة وعاعممع] 2ه جسعاطامم عط]' سمط -40 
.مم ,)111(1954/آ ع«تسعمطط ,””وعاء بطامهة ص كنتتمطن) عط 0 ع1م؟ عنتأحسةدآ عط16000,*”1نك1 :1 12-م بأخطعت وهام 
.]5 117 .مم ,وعاءمطمه؟ م صمناء د مم1 تعاوماء117 :9 -8 .مم .موعء 22 ,1 
(41) عن مخطوطات سوفوكليس وطيعاته راجع: 
1 -219 .مم ,لإلع138 عاععتع ,لكاوعآ 
وجدير بالذكرآن لمسرحيات سرفوكليس السبع مخطوطين مهمين أحدهما هو 5636 فناسمنامعناة.آ] 
201 في فلورنسة بإيطالياء ويعود للقرن الحادي عشر أو أواخر العاشر الميلادي. أما الثاني فهو 
2 ذفنائصزةتتهم ويوجد بالمكتبة القومية الفرنسية يباريس ويعود للقرن الثالث عشر الميلادي 
والمخطوط الأول هو الأكثر أهمية لأنه الأقدم والأسلم. 
(42) ظهرت أول طبعة لسوفوكليس عام 2م وليوريبيديس عام 3امء ولأيسخولوس عام 58 
م وذلك في مطبعة الدوس 414:5 في فينيسيا (البندقية). وعن رحلة النصوص المسرحية الإغريقية 
إلينا بصفة عامة انظر: 
.أقصةنا(وععتع وعامرعا عل عدا تن عل اع عتتزما5 11 “0) ,عانة11' ,معع منم010 مه :]8 209 .مم ,تجلعع 12 عاععد0 ,واوع.] 
تستؤقهم عاعع01 ماصل 
(43) تقول بيبر إن مسرحيتي «بنات تراخيس» و «فيلوكتيتيس» لم تحظيا بالعرض المسرحي في 
العصر الحديث. بيد أن هذه معلومة قديمة لم تعد بعد صحيحة لأن مهرجانات إحياء المسرح 
الإغريقي التي تقام في بلاد اليونان الحديثة كل صيف في مسرح هيروديس اتيكوس وابيداوروس 
قد قدمت هاتين المسرحيتين أكثر من مرة. 
6 م ,عتتدعغط1' سقحددهخ] لصة عاعع 01 1ه تجدمهغة1]11 ,تعلاعزظ .01 
(44) انظر د . أحمد عتمان: «المماتنة والبذور الدرامية في فنوننا الشعبية على ضوء معطيات 
المسرح الإغريقي» مجلة «البيان» الكويتية العدد ١84‏ (يوليو ا98١)‏ ص 53-43. 
]5 179 .مص مأك ,ره بطعتهط (خ4) 
.6 م نأك مره .لنتمصصوظ (6م4) 
5 [ نأك .م0 بطعته] (47) 
2 -72جج ,ةأةمعطاومة 'قعاعمع1] 2ه جمعاطمهم عط]' سمط (48) 
7 مم ب.أك .مه باعتدط (49) 
]5 72 .مم ,فأةمعطاومة “قعاعميع] 2ه جمعاطامهم عط]' بمقصس]ط (50) 
2 -71 مم .مقع تستؤقهم ,تمعلتط1 (51) 
.]1 134 ,12 .طامحصداع/ة ,0110116 (52) 
(53) سينيكا: «هرقل فوق جبل أويتا» (ترجمة وتقديم د. أحمد عتمان) ص 38 وما يليها. 


554 


الحواشى 


م4 .م ,قتأةمعطاممكم “وعلوعع1] 2ه جسمعاامعم عط]' .سقصساط (54 
تطزةقكم بسعلط] (55ذ 
هذا وجدير بالذكر أن بيبر (أنظر حاشية رقم 66) تقول إن هذه المسرحية لم تعرض قط في 
العصر الحديث. وهي معلومة قديمة لم تعد يعد صحيحة لأن هذه الباحثة لم يتسن لها مشاهدة 
مهرجانات إحياء المسرح الإغريقي التي تقام في أثينا وابيداوروس صيف كل عام. 
(56) عن المزيد من التفاصيل حول موضوع أوديب في المسرح القديم والحديث انظر: د. أحمد 
عتمان: المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم, ص 45 وما يليها . وانظر كذلك لنفس المؤؤلف 
أوديب بين أصوله الأسطورية وهمومه الوطنية على خشبة المسرح المصري «مجلة البيان» الكويتية 
عدد ١55‏ (فبراير )١1979‏ ص 16- 22 وعدد ١56‏ (مارس )١1979‏ ص 52- 59 وعدد 157 (إيريل 1979) 
ص 146- ١56‏ وعدد ١58‏ (مايو )١979‏ ص 98- 107 وراجع فيلكوفسكي (ترجمة فاروق فريد) أوديب 
وإخناتون (سبقت الإشارة إليه) وانظر كذلك: 
-عاعمظ .عص] الهآ-ععتاسععط برعا دبامتلع2 .1968 02 كدمتتماع :ماع م1 اتتتطمعن) لطاع تامع :18" ,(لع)سمعتظ :0 .1/1.71 
1.1 ,و]أمطن 111/010 
8 ,160 ,171,162 -172 ,176 -177 .هم بكلومعطاوم كه *و5عاعهتتوع1] 2ه جسعاطمم عط ]' مقاط (57) 
1٠.‏ ىلا بصلط ع7[ ,مرعع01 (58) 
24-2 (83) 152 -156 .مم ,كتلومعطاومك *وعاعميع ]1 2ه تمعاحامم عط]' بمقصساء (59) 
22-4 ,.طاع/1 ,نومحدمن ع2آ ,كأقمعدمهةصعوء11211 كنذئنزمه101 (60) 
7 ,عأناكتثلا صا ماعع ]مط عن[ ,ؤمطعتوساط (61) 
© بةتناممعن) لتتنتزعاء/1 ع0[ ,وأقدء10355د112112 110زة:3م10جآ (62) 
(63) نقوم الآن بإعداد ترجمة مسرحية «بنات تراخيس» إلى اللغة العربية ونتناول في مقدمتها 
دراسة فن سوضفوكليس التراجيدي وأسلوبه اللغوي بالتفصيل. 
غلا ,.عاء 902 ,605.مم 11 ولاتطتهاكناظ .تمتمعامم .01025)5.17ا5002(5 له:20 ,11 ,وتاتاترعه.] وعكمعع 10ح[ .مه (64) 
م بأكتكقصة:نآ لص غعه دعاءمطامه0؟ ,دعتد8 .12 كك :).11ملصندآز7.م ,.طمهد 
(65) انظر د . أحمد عتمان: «عالم الكتب والمكتبات في العصر الإغريقي الروماني» مجلة «البيان» 
.(98- 84) ص ١980‏ (قبراير 67!الكويتية عدد 
(66) عن الشذرات المتبقية من يوريبيديس راجع أعلاه حاشية رقم ) 
(67) د . أحمد عتمان: «المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسبير ص يليها 
.6 ,لإلع8ة1' عاعع01 ,110لكا (68) 
1 -232 صم ,لإلعمة11' عاعع01 ,0م تتتتول8 (69) 
1 237 .مم بالإلععهء عاءء0 ,110نكآ .والرد عليها أنظر: (ءنامعصصدط .لاعن آراء بارمينتييه (70) 
أماعاعصك عطا 02 دأععممة”مذا(146 -144 مم ,لإلعع12 لصه دعاعفيعط ,وعاعوعط عنعها]' ,ععطعطع .17 (71) 
.9 .0:1010-[اع:8 عاعها8 اتقد8 ,عتتعطسمعغعطاظ ماع ١/1‏ نز وتوع اع 1 1946) ,سه 855235 ,1370110 
1ه ,5ع تناد عاعع01 .112 -113 بصا(126 -106 .مم بمعمدم 6ه أوع8 عط دع اعممع1] ,لإمنتتن]/ة .0 (72) 
م بكاعع01 اأمعاعصظ 08 عتتطوتع انآ عط]' بدعل]1 .1 ,115 .246 .”مم)1948 -194 ووعتم 
لامأقلط أمعتاعصة 01 لمععع1 عط مقاط .عء .8ه ولنتزد ذخ ص1آ) وعاعمع] 1ه لمعوع.] ع1 .عءطصره1' 10[ممتى (73) 
2.770 مقع تمتوقهم 515مع)0مخ د5عاعم1عآ1] 06 دمعاطامم علا .1ء:476 -465 .مم 1701171 (1939 جهلدم.آ-10م1 :0 
:5 


الشعر الاغريقى 


(74) أنظرد . أحمد عتمان: «المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسبير» ص 228-147 ولا سيما ص 183- 
5ن وراجع سينيكا: «هرقل فوق جبل أويتا» (ترجمة وتقديم د. أحمد عتمان) ص (7- 82, 99- 
02 
(75) عن تفسير طريق لأسطورة ميديا عند يوريبيديس وسينيكا راجع د . يحيى عبد الله «ميديا أو 
هزيمة الحضارة» مجلة «عالم الفكر» الكويتية المجلد الثاني عشر عدد 3 )١981(‏ ص 73- 90. 
(76) انظرد. أحمد عتمان «فايدرا». دراسة نقدية مقارنة حول مسرح كل من يوريبيديس وسينيكا 
وراسين مجلة «الكتاب» القاهرية عدد رقم 189 (ديسمير 1976) ص 62- 83 وعدد رقم 0 (يناير 
7) ص 
)77( عن موضوع هذه المسرحية وتفسيرها راجع رسالة الدكتوراه التالية: 
1م0غ85) كنتتمك عطلا ما ععمععع؟ لواععمة 2 طلز عمطاععهط عطا صا كناك تده01آ 01 تزإلبنكد خ :ناته تق قط8/1.5 اعلطم - 
تستوققم (1966 
وانظر عرضنا لهذه الرسالة بمجلة «المسرح» القاهرية عدد ابريل ١969‏ ص 64-58 وقارن الكتاب 
التالي: 
قلع كسخ ,ع2 اءعة 8 عط 01 صم لماعم 1969 عام[ سخ :1010053515 لصة دعل 1إتتناظ متفرع صآ دمع سنصصة 1.2.1717 
تتععلكلة1] #آملث 1969 . 
(78) يقول ويتمان-على سبيل المثالإن يوريبيديس دعا إلى عبادة آلهة جدد مثل «الهواء» و «الدوامة» 
آما سوفوكليس فلم يفعل ذلك ولم يشكك فى الآلهة القدامى والعبادات؛ التقليدية . .مه,مقصغئط/17 
مأك 4- 5 1 
(79) د . أحمد عتمان: «فايدرا .. دراسة نقدية مقارنة..» انظر حاشية رقم 9 وانظر لنفس المؤلف 
«المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسبير» ص 83 وما يليها. 
(80) مرة أخرى ننوه إلى أن المعلومات التي توردها الباحثة بيبر بشأن قلة العروض المسرحية 
الحديثة بالنسبة ليوريبيديس هي معلومات قديمة ولم تعد صحيحة لأن مهرجانات إحياء المسرح 
الإغريقي التي تقام كل صيف ببلاد اليونان الحديثة قد قلبت الأوضاع. أنظر حاشية رقم 66و 
8 
(81) راجع حاشية رقم 9 و102. 
2,22 :,/إ0ع1538 عاع:01 ,ملكا (82) 
وعن مسرح يوريبيديس بصفة عامة راجع 
ذ .21166ده0ة] عطا دعل أمتعباظ ,المتع/؟ .1737 .لخ معنااء81 ,دعل أمتتناط 2ه دعتلعع 12 ع1" ,تتعادماء 1.1.8.137 
طوعل أمتداط, تعطاعه مهن :1967 -حاستتموع؟ باعددن] ,عتتملا بع]8 بدمتعناع كا لسه مخ 01 تاقلط عطا صا تإلنماد 


27 ,1116] عنتتاة 7 عماعط]' بجلانمة بمسهندآ 


الفصل العاشر 

(1) حاربت جزيرة ساموس المتاخمة لساحل آسيا الصغرى تحت لواء العدو الفارسي اكسركسيس 
في معركة سلاميس الشهيرة عام 480: ولكنها لم تلبث أن تحولت لتحارب في الصفوف الإغريقية 
ضد الغزاة الفارسيين ثم أصبحت عضوا في حلف ديلوس وخضعت لأثيناء وإن تمتعت بقدر من 
الاستقلال الذاتي حتى ثارت على هذا الحلف عام 441 تلك الثورة التي اشترك بريكليس نفسه في 


5356 


الحواشى 


إخمادها. 
(الترجمة اليونانية م ,عتدطهع )نآ عاعء:0 01 نجرما5ز1] ادع[ .592 (2) 
)3( راجع حاشية رقم .١5‏ 
(4) نفس المرجع. 
6 .88 37 .م نأك .جره بتعطلع8 (5) 
(6) تحت النشر الآن بسلسلة «من المسرح العالمي» الكويتية ترجمة أعددناها لمسرحية «السحبننتناول 
في مقدمتها بالدراسة فن اريستوفانيس ولا سيما البنية الدرامية لهذه المسرحية. 
(7) عرض مسرح الفن (كارولوس كون) مسرحية: «الزنابير» على مسرح هيروديس اتيكوس في 
إطار مهرجانات إحياء المرح الإغريقي صيف عام ١982‏ (أيام 9 و 10 و ١١‏ يوليو) بإخراج جيورجوس 
لازانئيس. ومن مشاهدتنا لهذا العرض نلاحظ أن المخرج في الأجزاء الأخيرة من المسرحية قد 
جعل الممثلين يرتدون ملابس عصرية بل ويخرجون عن النص ليشيروا إلى أحداث وموضوعات 
مما يجري في أيامنا هذه. ويهدف المخرج بذلك-وبغيره من وسائل الخلط بين الماضي الإغريقي 
العتيق والحاضر اليوناني المعاصر-إلى توظيف مسرح أريستوفانيس الكوميدي في توجيه النقد 
السياسي والاجتماعي للحالة الراهنة. المهم أن اريستوفانيس ما زال مؤثرا في الحياة الثقافية 
بيلاد اليونان إلى يومنا هذا. 
(8) هو شاعر أثيني ازدهر. في أواخر القرن الخامس ونظم أناشيد ديثورامبية كانت إلى جانب 
أفكاره الإلحادية ومظهره الخارجي مثار سخرية معاصريه وتهكم شعراء الكوميديا وعلى رأسهم 
أريستوفانيس الذي تحدث عنه في مسرحية «الطيور» (بيت 1377) و «ليسيستراتي» (بيت 860 و 
«برلمان-النساء» (بيت 330) و «الضفادع» (بيت 1437) وكذلك في شذرة رقم 198. 1 
(9) من الطريف أن هيئة المسرح القبرصي قدمت هذه المسرحية «ليسيستراتي» في ١7‏ أكتوبر عام 
88١‏ بنيقوسيا ثم أعيد العرض في يوليو ١982‏ بنفس المدينة وكذا في مسرح كوريوم القديم 
بالقرب من باخوس. وكان لعرض يوليو 1982 نكهة خاصة لأنه تزامن مع حصار القوات الإسرائيلية 
الغاشمة لبيروت ومن ثم فان الممثلين كانوا يحملون لافتات كتبت عليها شعارات مثل «تسقط 
الحرب» و«نريد السلام». فكانت 
العروض في الواقع صرخة من أجل إسلام الذي تفتقده قبرص نفسها . هذا مع أننا تأخذ على 
هذا العرض وعروض مهرجانات أثينا وابيداوروس عام 1982 (قران حاشية رقم )١١12‏ المبالغة في 
الإشارات الجنسية. 
(10) عن موضوع النقد الأدبي في مسرح اريستوفانيس ولا سيما «الضفادع» انظر كتاب الدكتور 
محمد صقر خفاجة (النقد الأدبي عن اليونان من هوميروس إلى أفلاطون) ص 46- 80. 
1 3 -22 .2 ,011111005 101/411 راللط >ا[اظكاع 118 ,18 ظنآكاع .01 
)1١1(‏ استوحى توفيق الحكيم مسرحية «برلمان النساء» ليصوغ مسرحيته «براكسا أو مشكلة الحكم». 
انظر د. أحمد عتمان: المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم. ص 93- 165. 
(12) عن مزيد من التفاصيل راجع: 
4 08 نرعم1مء50 م .قعصقاممامتتخ 02 عاممعم عط1 عع طامععطءع تستوقدم ,لإلعددمن) عتسقاممأمتخ ,مدآ 
أوكقم ((لع د00 عتكام 
(13() راجع: 


لع615 1921 ,ممكصتللة .0 وتعصففط نز ممتكقاخصهع امتاعصط مه طلا امعدمعمء لومتعصتم عط" تعلسممعك3 


5357 


الشعر الاغريقى 


التسنقصع]/ ,وعد 0[-10(:0آ-11 :1963 قتتهم ,103مء201:5آ عآ رع تلصدمع]18 ,وعناوعد1 .51 .[ 1964 لعاسترمع؟ لمة 1930 

2 0101 ,عماععاعة عةتناوتاعك] تتلسقدع81 بطندط 1972 .لصدة .]1 .1 :1960 021010 ,5ناامء5زدآ 

9 معلاع0 دنث ,فتاتتلة (14) 

(15) يمكننا التعرف على المزيد من خصائص الكوميديا الحديثة بصفة عامة ومسرح مناندروس 
بصفة خاصة:؛ إذا اطلعنا على مسرحيات بلاوتوس وترنتيوس؛ راجع على سبيل المثال: 

انوع انصتآ 0<4010 ,ععمع 1" 01 وعتلعدمم عط]' ,عتمسطمى ىم 

,1953 تعاوعطاعصة]/1 , لإلعدم0ن) عاعع01 تعاهآ صتنا 5ع01ناة ,تعاوطء11 .آ. 1.8 .كك :68 -1 .م ,1908 .لع 200 ,ووعءط 

,اع تقطاع]1 01 105معا0(:5آ ع1 ,نإع لصم .8.177 : 1960 تعاوعطعصد]8 ,عل سمقمعل8 مز وعنلنند مرعل] : 224 -184 .مم 

لمة 13(75م 5 “عل سممع]8 لمة *5تعاع متمد عط1”* فتممغطامره عط ([قصقة) أمعدلاء7؟ .2 كك : 1965 وملدمآ 

.0 01010 كالاعحصعة1 


المراجع 


قائمة منتفقاة من المراجع 
أولا: مراجع باللغة العريية 
د.أحمد عتمان «قناع البريختية. دراسة في المسرح الملحمي من جذوره الكلاسيكية إلى فروعه 
العصرية». مجلة «فصول» القاهرية المجلد الثانى؛ العدد الثالث (أبريل-مايو-يونيو )١1982‏ ص 69- 
8. 1 
- «بريخت بين التطهير الأرسطي والتنوير الذهني». «المجلة العربية للعلوم الإنسانية». جامعة 
الكويت العدد السابع, المجلد الثاني (صيف )١982‏ ص -١126‏ 156. 
- «المصادر الكلاسيكية لمسرح شكسيير. دراسة في مقومات الكتابة الدرامية إبان العصر 
الاليزابيتى». مجلة «عالم الفكر» الكويتية المجلد الثانى عشر؛ عدد 3 )١981(‏ ص 228-147. 
3 المصادر الكلاسيكبة لمسرح توطيق الحكيم. دراسة مقارنة. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1978. 
- «فايدرا . دراسة نقدية حول مسرح كل من يوريبيديس وسينيكا وراسين»؛ مجلة «الكتاب» القاهرية 
عدد رقم 9 (ديسمير 1976) ص 62- 83 وعدد رقم 0 (يناير 1977) ص 44-26. 
- «أوديب بين أصوله الأسطورية وهمومه الوطنية على خشبة المسرح المصري». مجلة «البيان» 
الكويتية عدد ١55‏ (فبراير )١979‏ ص 16- 22 وعدد ١56‏ (مارس 1979) ص 52- 59 وعدد 157 (أبريل 
9 ) ص 146- ١56‏ وعدد 58! (مايو 1979) ص 107-98 . 
- «هرقل فوق جبل أويتا» تأليف سنيكا ترجمة وتقديم د. أحمد عتمان. سلسلة من المسرح العالمي 
الكويتية عدد رقم ١38‏ مارس ا198. 
د. لطفي عبد الوهاب يحيى: «عالم هوميروس»» مجلة «عالم الفكر» الكويتية المجلد الثاني عشر 
عدد 3 (1981) ص 56-13 1 
د. محمد حمدي إبراهيم: دراسة فى نظرية الدراما الإغريقية. دار الثقافة للطباعة والنشر 
القاهرة 1977. 1 
د. محمد صقر خفاجة: هوميروس شاعر الخلود . مكتبة نهضة مصر. القاهرة 
د . يحيى عبد الله: «ميديا أو هزيمة الحضارة». مجلة «عالم الفكر» الكويتية المجلد الثاني عشر 
عدد 3 (1981) ص 73- 90. 
ثانيا: مراجع بلغات أجنبية 
7 101000 .خطع 133511 عط وعاءمطم50 :(5.81) سملم 
8 020025آ .عتتكماع انآ عاعع01 امعاعمى :11.0) حللوظ 
هنمآ .دتتكصة1ا ع مأنقطن جاعا50 لطه عط انان أمعنء صخرء تدعا عاععءدن عط]"' بصمعل1 
.940 .قخطماعلش انط .غك نإقتصةنآ لص غعه2 ,وعاءمطامه50 :(.ل8./ا) وعنوظ 


'جاأواء كتمنآ ممأععسصلط تإعومع[ الاعم بوممأععصلط عتدعغط]' مقدده] لصه عاعع0 6ه تورماأكتط عط :(81) ممعاعزظ 


2535© 


الشعر الاغريقى 


كع تتأصلط طتتداه ذوعن /جالواعء حتصلآ طتتناهم روعرط 1973 
اأاستترمع] .ووعم انوع تنصنآ عزلتطصهن) ودعتضسمك أعمعءظ8 5غز لصه ععماتع] اوعلدقه1ن عط :(2.1) نتدعامظ 
1051 تنه 085 دع ستالعءء0م) .500-501 دلاخ عتتذانان) تقعممتتاظ جزه ععمعتااكم] لمعتمهان) (ز.لع)صمعل1 

1 .ووعم زوك انصتا عط غه عزلةتطصصدن (1969 لتدبكى عزلةطحصةن) رععع0011) د 'عصكك]ا غه لاعط ععمع عقوم 
.كلاء5 صمنانزآ .لخ نزط 122512660 .تمسعطموط عط م 11130 عط سدم سم كد عتل كت عاعع 1 ر.ى) لنتمصصمظ 
.لخ عع نمع 1957 .002دمآ 

> تعاآلخ دهلصم.آ .15اء5 صمغنز] .خ نز 1957 0ع أقصة1' .5عغ50022 10 عدمع تأصخ طمن دممنند جنل حكن عاععيع 11 
007 تالآ 

4 دو15امع1]ظا كصة 1970 .لاعع معلاء/1لا .ع تسشمعع رآ عاعع1 صا وكاتهسلسصكضآ :(.0.31) مم8 

0 .ووعع مملمعتتة 1ن عط غه 01010 .تملصام :ممعل1 

-لعاسترمع" ,1944 010101 .:جلعع 11:2" مدعاءمطمه5 :جمعل1 

2ه ! .ذوع:21 1010010 01 (وا نوع الدنآ .عتناا عنتتاك لطة عططعط]' بطانو/8 بمسد دآ سدعل تمستا :(.10.1) تعطع همه 
ودع (واأواع انملآ 01010 1967 

7 عتتولا تلاع]8 .لإامهدهلتطام 0غ ممنعناعكآ حدم :(.1'.11) 10مصرمت 

صة تسعد .لمعم عنمطاءتخى عط 01 عتتطتمع 1[ بعاععد0ن ده عمد .تملصام 0 كنتطعه [تاعتث جصسمر1 (.خ. ل) هذ تودآ 
عاتملا برعلة 1968 

وعاعع مذ 105 لصة تزعاععلء8 .ووعرط 1972 .ةخطلم للد 01 انوع كلملآ ./إلعدده0) عتسقطاممامضعخ :(.1.15) نع مدآ 
بقوع القع اندل] وأط 001 .قسوعدآ -سمتعمدمععتقط5 لصة عاعع01 صز تكمأكتلط 02 ععمعد عط1.1.(:1) مع حتررآ 
1960 عاتملا بعال 

طاقكة لصة طاعسلد عط عسمتسل صم نخد 015111 لصة تجدمأوت] عاعع0 .5عنهن50 م1 دماه5 بسمعط :(/ا) عبر مطمعغمطط 
تاعاطلا -2ملمم.آ ...8 1967 .وعتتتطامعه 

0100 - لاع تكاءع813 انكة8 ,تإلعدده0 1951 .عتكخ 010 0 تزع10م5010 لل .وعمقطامماكتعة 2ه عاممعط عط]" :ممعل1 
بع#108طصهن) ,ؤوععط 'والواع كلمتلا لتتدنكتة11 جلععة]1' عاعع01 01 حصممة تراعدظ لصة سنعت0 عط"1' :(.0.1) عواظ 
7 5ع قتاطاعة1/]355 

ووع 1957 'تالوء لاعدن] لتو نكتة1]. ا تاع سباع مخ عط!':وعناعوط ؤأع1[مأوترك :جرعل1 

وعاناعتع]] صذ ته دعاءمطمه50 02 *”عقتستطعةت]”“ عطا صا مزومع اوجرخ د “عاعمتع1] 01 حع امعط عدا" :لعسصطخ) مقاط 
:101 داوع طط' ث .8/1 عطا 01 عصتصوع]/1 عزماد .لصة عنعده]' عط 4ه تجلن6د عناننمتتدمحدمن) لل .وععمع5 01 5تاعماع 0 
4 كتاعطاث ,(لامتاعصط صا تتتمتصسصناك ات عاععد0 صذأ) ععوعل «ر[آ.اط عطا 

ل ,كاتتقط5 لعصطخ لصهة عتدعمزدععلقط5 تاعتمغ اط 06 خخ عطا صا تلك لخ .ماصخ لطنه معتدممع 01 :جمعل10 
مم (1981 97 -107 كسمعطلاك) 78 

5 اتااواع الملآ 1896 -1909 01010 .015 /ا ,وعنتهاد عاعء 01 5أ[نن) غط]' :(.8]..]) اعوط 

-1921 .0:1010. تله 1ممصحص] غ0 ممعل1 غصة 5أ1نان)- مضع عاعع 0 :جمعل1 

لمآ 1973 موكلنآ1] عت دعتصفط]' .تممتدعلاعء]1] 4ه عممنأتقعط عط" :(.1) مممبومع1 

112601 لك .(مقصعة كماع نا20آ لإا طعمع1 دسمنظ لعنة امصهه) ععععع 01 تزمأولط تحتتوعع ان[ ل :(.ك1) عتعناءععواط1 
الإتةتطرآ سدع تعصسخ بوعلة 1964 .عط]' .عاممظ 

.لع لاك .ووعع© معدعتطن) 01 'زواع حتلمت] 1965 .عط" مسوعد»آ كز لصة تتعنتدعط1' عاعع0 عط :(.1.0) معومناعتاط1 


لع ممع ]1 


2300 


المراجع 


عاعةطااعمة2 'جااذاء117م[] .1965 .(11] 0ن 1968 لعتتطاعلة .دع اتن سقحمه] لصة عاعع01 عط" :(.ث.0.3/1) عطنرن 
2 ووعتط تداع تلملآ 1967 -9 عع تاطصمن .نإتامهده0لتاط عاععد0 07 تجدمأوتط ىح :(.1>.0. 137)عسطانا 
2 .06003 تتتغطا لصة كعاععد0 عط]' :ع1 
لآ .طن مآ[ .701 تتتماقلط أسمعاعمخ 1961 عع30تطاصدن .ماعع0 عط له نزع0 01و81 لصة ممتعناع؟] عط]' :ع1 
تامع بعتملا نتاع[ظ .عم]آ .كممغدعتاطناط 1968 .ع207آ[ .كعاعع01 عط 01 فتصةد[ عنعد]' عط :(.8.ى) طونه1]1 
4[ .00 عت معنطاع81 .56103 عكلكة؟ .1969 .ومدمهن) لل .ع1 لكوع رآ ملنمآ لصة عاععد0 :لع (.1) مسمقطاهطستعع 111 
49 01010 .ع تعن[ تتتعاوء /1آ جه وععمع ناكم[ سقحطه] لصة عاعع:01 .مع 112016" لدعزومة01) عط]' :(.0) أعطع ك1 
.5ع دمل معتتة 1ن عط غه 
ه, ,تعطة1 لصة نتعطوظ 1969 .25515 نزتو 0 105ع17ناخا لصم جتاعوط عتم عاعع01 :(آ.0) تإعلعدنط1 
باتتوع8] .دملدمنآ ,كنصة1؟ 1980 لطة متنقطن .تروع120 عاععد0 سه علأمأكضعخ م0 :(.[) معصمل 
ووع21 عأو110ع01 ع1" .قطانجا/! عاعع1 01 عتتطهه عطا1' :(.6.5)عاء ك1 
4 .وعاععصث دم.آ 1967 .لصة تإعاععاع 8 اطع نامط!' لصة عتتااء نتماكروزوعزه :(.0.1آ:.81) مك1 
61 ,اماع ,مع ناطاع81 يمحمةتدا صا عصتصوع]8 لصة صسمعط :جمعل1 
أستروعم 1973 .002دمآ ,.لع 56103/.310 تتتفتع ار[ لل .تإلعع 12 عاعع 01 :جرعل1 
0 هآ .مم11 عل وااعصحمن) لطه 11/1115 وعصصول نوا لم21 [مصمك]' .عتتطوع ]1[ عاعع:01 01 تجزمأولط :(ى) واوع.آ 
غ103 مآ .“تعتنكة .8.0 نإط ماع10 طغلة خم علسوعظ خبط نز لعن اممها' .جلععة1' عاععد0 :جمعل1 
علتملا بعل8 بلعأنساآ 1967 صمعظ 
0104 .لع 250 ذ5نا 0 5لتسدعطط 15 لصنة قناتصع© عاعع0 عط" :(.777.خ1) عمماوع ستحصلآ 
2 110112لن) .كناع7 01 عم1أ5نال عط]' :(.1) وعم1070-10آ1 
عازولا 1969 لاع[ .110110 مسمعصدنتعأنلء11 لادعزومة01) عط" 0لع ,).117.[مقللع5 ع11.)4. 177 (1ازعاة عكلة 
ووع6 تتالواء الملآ 
01 (عقدعد عطا عنتقط مأ عى لمتحم دز عه ممع صقطء تعددهص]] ص حه زه ماع > 01 ممناول8 عط]" :(ط.ل8) ومعلة)صددعم/1 
عاعع01 صا وتوعطا]' .(آ.طط.)ع مه عدمل عستكقط 
0 .انوع الصتآ] دمعطئى .امتاعمط صا تتتمتسصسرك اغيللا 
ووع وع2عنط0) 0 (واتواع حلم لآ .1956 .عط .لع 310.عععع01 اأمعاعصطة 08 عتتطومع1! عط1' :(.0) جه مك1 
عتتهلا عاط .معلاعا .1.1 1964 نز لع اقصة1' .دصمتعناعخ] عاعع:0 0 نجتمأولاط خزز. .)مدهو لاح 
2 .ع108اطصهن. نوع 10م طا و81 عاعع0 1ه سنع 0 سدعمدعء :11 عط" :جمعل1 
بعتملا تلع[ 1972 عععع01 امعاعمة صا وعغتاه لصة دعاعة0 55و81 ,كانت بدمعل1 
تامع ,000جمآ ,دعاععمك دم[ 1974 .تإعلاء:8 .ذوعمط وتسرمكتله0) 06 لدع كتمنآا تملستط :(.0) 0م تتتزماح 
15535 
أستروعة ,1948 مملدمآ ملع طاك نواعم د10 عاعع 0 :جمعل1 
1 ععصةة عل وعتتمااوء كلملا دعووعءط (227) 10[ 7ع[-5215 ع1ا0) عنالععاع عتتتممع انآ هآ :(.1) أتتعطم] 
ععصمظ 1970 عل وعتته زواع كلملا وعووع5.عداوععقع عنلعع 2 هآ :(ء102.[) والنسسمك]1 
5ع اجالواع المآ 1968 .اأعصحمن (.8[.0) وعهطا] .تجلععة1' عاععد0 ص عستا" عوط 
(*) عدنا أحيانا للترجمة اليوتانية الحديثة لهذا الكتاب لما فيها من إضافات جديدة والتي قام 5 
تسوباناكيس 208115م4.6.150 ونشرت طبعتها الثانية عام 1972 في سالونيكا. واللغة الأصلية لهذا 
الكتاب هي الألمانية. 


اد 





الشعر الاغريقى 


.اع طااع م29 جا لقاع نالآ .لمواعنارآ 01 عع لك عطلا ,ما تعد110 حسمن عتتنطوتع ]ز[ عاعع1 01 عله هطال مدآ خ :(.[.181) عدوه1]1 
لامع" بد00جم. ]مع سططاع1/1 

.لآ .0ن ع تاعناطلاء8/1 ,بصمدم.][ 1959 امتاعصط 4ه دأسعلنن5 101 عتسطمترع انآ لمعزومه[ن 01 وعصنلن0 :دمعل1 
8 10[ 0ن عد ماعنطاع81 .مماعة ص نجلعمة1' عاعع:0 :(.0) صتامة 1" 

/إ0 عاعع01 مغصا لعلة ممما (.وععتع كاجرعا دعل عندولاتن عل اع عتلماوتط “0 عانها' :زخ.8) مععسصلمه010 مولا 
.لالطعلوعة 'قمعطاخ ,)ع10ومسمآ 1980 .قناعد5 003 

1 .2 ة1[تتمعة11 1962 .تعدده11 10 مامتصدم دده ل :(.1.11) دعستطط ند ع (1.8.خرععة117 

,0ن .أقتأقتصة01آ عط وعاءمطامه5 :ز.خث.[.ذ) عاء 17173100 

.70 .تعنتطاع8 1969 لع 310 وعاعمطمه5 م1 دمناءنالمنتاص1] مخ :(.آ.1'.8) تعاوماء1717 

عملا تاعاظ زلعددهن) عاعع01 تعاهآ صا وعنلنند :جمعل1 

ع7105طصمن) ,ووعط واأقاع اندلا 10ة0كن11 امكتمقصبطط عتمتعط 2ه زيند ك .دعاءمامه5 :(.0.18) سممغتطل1 
.6 امومع" ,1951 ملأعقتاطعة1/1355 


5302 


المؤلف في سطور: 

د. أحمد محمد عتمان 

* من مواليد جمهورية مصر العربية. 

* ليسانس آداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب- 
جامعة القاهرة عام 1965. ودكتوراه في الأدب الإغريقي الروماني المقارن 
من جامعة أثينا عام 1974. 

* عمل بالتدريس في أكاديمية الفنون بالقاهرة وفي المعهد العالي للفنون 
المسرحية بالكويت. 

* له دراسات ومقالات وكتب منشورة باللغات: العربية والإنجليزية 
واليونانية. في الأدب الإغريقي والروماني وتأثيرهما في الآداب العالمية 
والإنسانية. وله مسرحيتان: «كليوباترا» و «ضيفنا الأعمى يبصر». 

* ويعمل حاليا أستاذا مساعدا بكلية الآداب جامعة القاهرة. 


9 


قضايا التبعية 
الإعلامية والشقافية 
تأليف: 
د. عواطف عبدالرحمن 


205